Last Chance Harvey

2008

 
 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين على ثلاث حلقات

في 22 ـ 29 سبتمبر ـ 06 أكتوبر 2010

 
 
 

 
 

مدة العرض: 92 دقيقة ـ التقدير: PG-13 ـ العرض الأول: 25 ديسمبر 2008

تمثيل: داستن هوفمان، إيما تومسون، كاثي بيكر، جيمس برولين ـ قصة وسيناريو وحوار: جول هوبكنز ـ مونتاج: روبن سيلز ـ موسيقى: ديكون هينكليف ـ إنتاج: تيم بيريل، نيكول أوسبورن ـ إخراج: جول هوبكنز

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

Last Chance Harvey

       
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

فرصة للحب والحياة..!!

يعد الممثل الأمريكي داستن هوفمان.. أحد أبرز النجوم السينمائيين خلال العقود الأربعة الماضية.. وهو الآن بعد أن تجاوز السبعين عاماً، يجد صعوبة بالغة ـ ضمن منظومة هوليوود الإنتاجية ـ في الحصول على بطولة في أفلامها.. حيث يتحدث لوكالة رويتر معلناً بأنه لن يعتزل التمثيل أبداً ولكنه قد يبحث بعيدا عن هوليوود عن الأدوار التي تناسب سنه.. ويضيف بأنه لم يفهم أبداً، حتى عندما كان طفلا، الهوس بالشباب وما سماه "عدم احترام المسنين هنا والذي لا يوجد في جميع الدول".

هوفمان.. هو أحد المفضلين لدي.. أحرص شخصياً على متابعة أخباره وأفلامه، وذلك لتقديري وإعجابي الشديد بموهبته ونجوميته.. مع التأكيد بأن أي فيلم جديد له لابد أن يكون به شيء مهم.. فمنذ بدأت أخبار فيلمه الأخير (Last Chance Harvey)، في قنوات الشوتايم تظهر، بدأت أنتظر عرضه بفارغ الصبر..!!

وبالطبع، لم يخيب ظني في المستوى الفني الراقي لفيلمه الجديد هذا، والذي اعتبرته من أجمل الأفلام الرومانسية التي شاهدتها في السنوات الأخيرة، فلم يكن فيلماً رومانسياً تقليدياً، وإنما كان فيلماً نجح بجدارة لتوغله في أعماق النفس البشرية لشخصياته، وإظهار مكنوناتها، وتقديم عمل مختلف ومحكم الصنع من خلال تجسيده لذلك الكم الرهيب من المشاعر والأحاسيس التي تعتمل في دواخل شخصياته، معتمداً في ذلك على الكثير من التفاصيل الذكية والمتراكمة التي تثير الحزن والشجن.

يحكي الفيلم عن شخصيتين رئيسيتين، هارفي (داستن هوفمان)، وكيت (إيما تومسون).. الاثنان تجاوزا سن الشباب، ويواجهان كماً من الإحباطات النفسية والاجتماعية، تؤكد لنا عن شخصين يعيشان على هامش هذه الحياة، تلك الحياة التي توصلهما إلى حالة ميئوس منها، إلى أن يتم لقائهما.

فهارفي، ذلك الموسيقي الحزين الذي يعيش في نيويورك، يحلم بـأن يكون عازف بيانو ضمن فرقة لموسيقى الجاز، إلا أن هذا الحلم انتهى به إلى العمل في تأليف موسيقى الإعلانات التجارية. وهو الآن على وشك الاستغناء عنه من قبل الشركة التي تنوي إدخال إمكانيات الكمبيوتر في فن الموسيقى. يكون هارفي مضطراً للسفر إلى لندن لحضور حفل زفاف ابنته الوحيدة التي تعيش مع مطلقته هناك.

في المقابل، هناك شخصية كيت، التي تعيش في لندن، وتعمل في الوكالة الوطنية للإحصاء.. وهي امرأة ناضجة تعدت سن الشباب، ولكنها لم تتزوج بعد، تقوم بإحصاء القادمين عشوائياً في مطار هيثرو.. هذا إضافة إلى رعاية والدتها المريضة، والتي لا تتوقف عن تذكيرها بأنها لابد أن تتزوج.. ونلاحظ كيف أن هاتفها لا يرن إلا لاستقبال صوت أمها المهووسة.

هو يفشل في محاولته لكسب ثقة ابنته من جديد، حيث ندرك كيف أن انفصاله عن والدتها قد ترك أثراً على علاقتهما التي بدت مرتبكة.. خصوصاً بعد إعلانها بأن زوج والدتها سيسلمها إلى عريسها.. لذا نراه يقرر الانسحاب والعودة إلى نيويورك..!!

وهي توافق ـ بترتيب من صديقتها ـ على مقابلة شاب أصغر منها سناً، محاولة منها لتخطي مرحلة العنوسة، لكنها تفشل في التواصل معه، حيث تشعر بالوحدة في إحدى الحانات، بالرغم من تواجد هذا الشاب والآخرين على نفس المائدة.. إنه الخوف والارتباك اللذان يسيطران عليها نتيجة لحظات الحب المزيف.

ينجح سيناريو فيلم (Last Chance Harvey) في زيادة جرعات الإحباط لدى الشخصيتين، فنراه يرصد ما يمر به الاثنان بشكل متواز وبالتناوب، وخلق المزيد من المبررات والظروف، لكي يجعل من لقاء كلا الشخصيين أمراً حتمياً.. فمثلاً نرى هارفي يلجاً لدورة المياه للتنفيس عن حزنه، ونرى كيت في مكان مشابه تبكي.. إحباطات وصدمات نفسية تواجهه الشخصيتان، بصمت وبدون مبالغة في التعبير، ليصلا للحظة المناسبة للقاء بعضهما، وليكون هذا اللقاء بمثابة طوق النجاة لكليهما، للخروج من هذه الأزمات والظروف الصعبة..!!

يحدث اللقاء المرتقب بين هارفي وكيت، ليبدأ طوفان من الأسئلة والأحاديث المعددة.. ويبدأ كل منهما يزيح عن كاهله كل هذه المعاناة، نراهما يتحدثان لبعضهما عن كل شيء، وكأنهما أما مرآة يفضفضان لها عن المسكوت عنه في حياتهما.. يحكي لها عن أزمته في العمل، وعلاقته بابنته وزواجها.. وتحكي له عن والدتها وشفائها من مرض السرطان.. كما تحكي له عن طفل كانت قد حملت به وهي صغيرة، وكيف تخلصت منه. تشجعه على حضور حفل زفاف ابنته، فيوافق بشرط أن ترافقه بصفتها صديقته الجديدة.. يشتري لها فستاناً جميلاً للحفل.. يذهبان معاً، ويعيشان لحظات من المرح والسعادة، يرقصان مع بعض حتى الصباح.. يخرجان مع بعض ويجلسان في مكان رومانسي في إحدى الساحات أمام نوافير الماء، وهما في حالة انتشاء روحي وجسدي.. يواعدها للقاء مجدداً في اليوم التالي، فتقبل بسعادة غامرة.. لكنه يتخلف عن الموعد نتيجة إصابته بأزمة قلبية، بينما تكون هي بانتظاره في حالة ميئوس منها، وتوهم نفسها بأنها مرتاحة لعدم مجيئه، بل أنها تعتبر الأمر بسيط.. يذهب إليها في العمل ليخبرها بأنه قد استقال من العمل، وإنه في مرحلة انتقالية الآن، ويريد حياة جديدة، ولا يعدها بشيء.. ليدخلا في حوار يكشف عن كم الخوف الذي تعيشه كيت، كما يكشف عن حجم الإصرار والتحدي لدى هارفي في الحصول على الفرصة الأخيرة للحب والعودة إلى الحياة.

يتضح تماماً بأن فيلم (Last Chance Harvey) لا يعتمد في نجاحه على تقديم مفاجآت ضمن أحداثه ومواقفه الدرامية ـ والتي يمكن للمتفرج التنبؤ بها وتوقعها ـ بل يعتمد على أسلوب التشويق وإثارة الفضول لدى المتفرج، الذي ينتظر بفارغ الصبر اللقاء الأول بين بطليه (هاري وكيت).. هذا إضافة إلى اعتماد الفيلم أساساً على أداء هذين النجمين وإمكانياتهم في تجسيد كل هذه المشاعر والأحاسيس.. فبالإضافة إلى هوفمان، الذي نجح في توصيل أدق المشاعر والأحاسيس إلى المتفرج، ويشاركه خيباته وأحزانه، تماماً مثلما يرى مشاعر الأمل والحب في عينيه.. كانت هناك بجانبه البريطانية إيما تومسون، تلك الساحرة التي نجحت في اختيار أدواراً مهمة قدمتها للسينما أو للمسرح، وأغلبها اختيارات واثقة واستثنائية جسدتها بتميز واستحقاق.. تماماً، مثلما فعلت في هذا الفيلم، عندما قدمت أداء بتميز بالعفوية والبساطة في التعبير عن كل خيباتها وإحباطاتها الدفينة..!!

هذا الأداء الهادئ لكليهما (هوفمان وتومسون)، ينجح في كشف وتعرية قسوة مجتمعيهما تجاه الفرد عندما يراهما غير قادران على العطاء.. كما يبين تلك اللامبالاة الاجتماعية بين الناس تجاه بعضهم، ويمسح الغبار عن الروح الإنسانية الخلاقة التي تتمتع بحيوية في أية مرحلة من العمر.. كما تؤكد هذه المشاعر والأحاسيس على أحقية عودة الحياة لكلاهما بالحب والسعادة..!!

كل هذا نجح في تجسيده الكاتب والمخرج "جويل هوبكنز" من خلال ذلك الرصد الدقيق للانفعالات والتعبيرات التي بدت على وجهي بطليه، بمساعدة كاميرته الحساسة التي تقترب وتبتعد حسب الحالة الدرامية والنفسية، لترصد كل شيء، إن كان في حضور بطلي الفيلم الآسر معاً في إطار الصورة، أو خلال تواجدهما مع آخرين، ليكتمل رصد العالم المحيط لإغناء المشهد والحدث.. الكاميرا هنا نراها تسيطر على كل التفاصيل، الكبيرة والصغيرة في التعبير عن الموقف النفسي والرومانسي لبطليه.. كما نجح كاتب الفيلم ومخرجه، في طبع صور ومشاهد في ذاكرتنا ستبقى بتفاصيلها الغنية طويلاً..!!

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004