آسف على الإزعاج

2008

 
 
 
 
نشر هذا المقال في هنا البحرين على ثلاث حلقات

في 26 أغسطس ـ 02 ـ 09 سبتمبر 2009

 
 
 
 

 

تمثيل: أحمد حلمي، محمود حميدة، منة شلبي، دلال عبدالعزيز، محمد شرف، أحمد فؤاد سليم، طارق التلمسانى، يوسف عيد

تأليف: أيمن بهجت قمر ـ إخراج: خالد مرعى ـ مدير التصوير: أحمد يوسف ـ مونتاج: ليلى فهمى ـ ملابس: مي جلال ـ موسيقى: عمرو إسماعيل ـ ديكور: محمد أمين ـ توزيع: الإخوة المتحدين للسينما ـ انتاج: الإخوة المتحدين للسينما (محمد المناديلي ـ مدير الإنتاج)، وليد صبري (منتج)

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

آسف على الإزعاج

       
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

منذ أكثر من عشر سنوات، لم يلفت انتباهنا فيلما كوميدياً مصرياً.. ولم نكن نحرص على الذهاب لدار السينما لمشاهدة أحد هذه الأفلام.. والقليل الذي شاهدناه منها، كان من خلال الشاشة الصغيرة فقط.. وهذا ليس لأننا لا نحب الفيلم الكوميدي أساساً، بل لأننا قد فقدنا الثقة في أغلبها، بسبب سيطرة موجة الإضحاك والتهريج عليها.

بالمقابل، لم يكن صدفة أنني شاهدت فيلم الفنان أحمد حلمي (آسف على الإزعاج ـ 2008) في دار السينما.. خصوصاً بعد أن عرفت بأنه حاز على جائزة أفضل فيلم مصري في المهرجان القومي للسينما المصرية.. متفوقاً على أفلام لكبار النجوم، أمثال عادل إمام وعمر الشريف، ومحمود ياسين، ونور الشريف، ومحمود عبدالعزيز.. ومع وجود أفلام مثل (جنينة الأسماك) ليسري نصرالله، و(الريس عمر حرب) لخالد يوسف، و(زي النهارده) لعمرو سلامة، و(طباخ الريس) لسعيد حامد. و(ليلة البيبي دول) لعادل أديب.. وهي جميعها في نفس المسابقة.. ذهبت لمشاهدة (آسف على الإزعاج)، ولم يخب ضني، فقد كانت مشاهدة استثنائية.. بل كانت المتعة مضاعفة، تعرفت خلالها على هذا النجم الشاب أحمد حلمي بشكل أكثر..!!

اقتنعت ساعتها ـ بعد مشاهدة الفيلم ـ بأن الأمر مختلف مع هذا النجم الموهوب أحمد حلمي.. حيث دفعني فيلمه (آسف على الإزعاج) لمشاهدة جميع أفلامه السابقة.. حينها شعرت بأني أمام فنان يحب السينما كما يتنفس الهواء، دقيق وشديد الحذر في اختياراته لأفلامه.. مما يجعلني في ترقب لفيلمه الأخير (1000 مبروك) الذي يعرض في الصالات العربية في موسم هذا الصيف، ويحقق نجاحاً في إيرادات شباك التذاكر، وبانتظار عرضه في البحرين.

أحمد حلمي، الذي بدأ مشواره السينمائي عام 1999 مع المخرج شريف عرفه في فيلم (عبود على الحدود)، في دور ثانوي لفت إليه الكثيرين. وتلاها عدة أدوار أخرى بين الكوميديا والدراما. ولم يكن دوريه في فيلمي (سهر الليالي) و(السلم والثعبان) سوى إشارة بأنه قادر على التألق في أدوار مفعمة بالتغييرات النفسية والإنسانية. ولكنه كان يعد نفسه لمجال الكوميديا، ويدعم أسمه ومكانته في مجال يحبه. ليبدأ مشواره مع البطولة مع فيلم (ميدو مشاكل) عام 2003. ومنذ هذا الفيلم كان يهيئ جمهوره على أسلوب كوميديا مختلف، ونجح في جذب جمهور كبير إلى نوعية الأفلام التي قدمها، وتمكن بفضل موهبته وذكائه من تخطي الكثير من الحواجز، لتتوالى نجاحاته فيلماً بعد فيلم، ويصل إلى قلوب محبيه، بل ويحصل على أعلى إيرادات في السينما المصرية في السنوات الأخيرة..!!

في فيلم (آسف على الإزعاج)، نحن أمام شخصية المهندس حسن صلاح الدين زيدان (أحمد حلمي)، وهو شاب ينتمي لأسرة مستقرة مادياً، ويعمل في شركة طيران ومرتبط كثيرا بوالده (محمود حميدة) الطيار والمتأثر به كثيرا يستشيره في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياته وعلاقاته، بما فيها إعجابه بفتاة المقهى (منة شلبي). ولكنه يعاني من عقدة الاضطهاد ممن حوله. لذا نرى الفيلم يبدأ بمشهد للبطل وهو يعد خطاباً ليبعثه لرئيس الجمهورية، يشكو له أحواله، وعدم تقديرهم لموهبته وعبقريته، بعد أن توصل إلى مشروع اختراع لتوفير استخدام الطاقة في مجال الطيران، إلا أن أحداً لم يأخذ مشروعه على محمل الجد، بل يتم إجباره من قبل رئيسه في العمل على أخذ إجازة مفتوحة، لإراحة نفسه من عناء العمل.. ويستمر حسن بإرسال خطاباته هذه مع عدم وجود رد على كل تساؤلاته وشكاويه تلك.

الفتاة فريدة (منة شلبي)، التي التقاها في المقهى تثير إعجاب حسن ويحاول أكثر من مرة وبشتى الطرق أن يلفت انتباهها، لدرجة أنه يقرر أن يدفع لها مبلغاً من المال، كانت قد خسرته في تعاملها مع أحد النصابين، وذلك عندما يدعى صداقته لهذا النصاب، فقط ليمكنه لقائها. تتوطد علاقته أيضاً بفريدة، لدرجة أنه يغير في هندامه وتصرفاته، ليصبح أكثر جرأة وإقبالا على الحياة، فقط لكي يعجبها.

من جهة أخرى، يرى بأن والدته (دلال عبدالعزيز) تعامله كطفل، بعكس والده (محمود حميدة)، الذي يعتبره مثله الأعلى، والوحيد الذي يمكنه مصارحته بكل علاقاته، حيث تتكون بينهما علاقة يسودها الحب والحنان الذي يفتقده حسن.. باعتبار أن هذا الوالد كثير الغياب بحكم عمله في كطيار. هذه العلاقة بينه وبين والده، يكتفي بها تعويضاً عن افتقاده للأصدقاء. يحكي له عن كل علاقاته ومعاملة الآخرين له وسخريتهم منه.

والحقيقة.. كانت تلك المفاجأة التي يتلقاها حسن، وهي اكتشافه (واكتشافنا نحن أيضاً كمتفرجين) من أنه مريض بفصام، وأنه يعيش أوهاماً وتخيلات.. فوالده قد مات منذ زمن، والفتاة التي عاش معها قصة حب ليست حقيقية, وكل ما شاهدناه كان من صنع خيال حسن فقط.. وان والدته التي كانت تبدو متسلطة، تعيش بالفعل مأساة حقيقية في محاولتها لإنقاذه من هذه الأوهام، وسعيها لمعالجته من صدمة فقده لوالده وصديقه الوحيد، وذلك في اقناعة بالعلاج النفسي، لكي يتعايش مع واقعه ويعيش حياته بسلام وطمأنينة.

بعد انقضاء فترة علاجه في المصح النفسي، وامتثاله للشفاء يخرج من المصحة ويعلن حبه لفتاة المطعم ولكن بشكل حقيقي هذه المرة ويطلبها للزواج.. وذلك بعد أن تجاوز أزمته وتخلص من سيطرة تلك الأوهام على مجرى حياته. كما ينجح في تنفيذ مشروعه في شركة الطيران.

هذه هي حكاية فيلم (آسف على الإزعاج)، والتي عالجها كاتب السيناريو أيمن بهجت قمر بنجاح، حيث أنه استطاع تجسيد تلك الحالة المرضية، التي يعيشها فئة معينة من البشر، يفضلون الانسحاب من الواقع جزئياً، والركون إلى عالم الوهم.. لقد صاغ الكاتب هذه الحكاية بشاعرية وذكاء أخاذ، وقدم مزيجاً من الحب والغضب والألم.. وقدمها المخرج خالد مرعي بسلاسة ورهافة في الطرح، تدعو المتفرج للتأمل والتفكير.

ولا يمكن إلا أن نشير، بأن هناك تشابهاً واضحاً في أحداث هذا الفيلم مع الفيلم الأمريكي (عقل جميل)، والذي نال عنه الممثل راسل كرو، أوسكار أفضل ممثل.. تشابه يتمثل في الحالة النفسية التي يصاب بها بطلي الفيلمين، فبطل الفيلم الأمريكي كان يعاني من عقدة اضطهاد تجعله يرى شخوصاً لا وجود لها إلا في مخيلته فقط، هذا بالرغم من عبقريته ونبوغه العلمي الذي أهله للحصول على جائزة نوبل للعلوم. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا التشابه بين الفيلمين لا يصل إلى حد التطابق، ويمكن اعتباره مجرد تأثر كاتب السيناريو بفيلم متميز وجميل، لا يمكن أن يسقط من ذاكرة من شاهده. كما لا ينفي هذا التشابه في الكثير من مشاهد الفيلمين، من أننا أمام سيناريو لماح وذكي ومتميز، في سرد العلاقة بين البطل مع من حوله، خصوصاً علاقته بوالده، وحبيبته. كما نجح صناع الفيلم المصري في تمصير هذه الفكرة، وتقديم معالجة درامية لظاهرة مرضية، والنجاح في سبر أغوار هذه الحالة السيكولوجية، بأدوات فنية متقدمة ساهمت في نجاح هذا الفيلم.

فيلم (آسف على الإزعاج) يقدم كوميديا خفيفة، تحقق لها النجاح بفضل السيناريو المكتوب بعناية، وقدرة المخرج على فهم روح هذا النص، وتقديمه بعناصر فنية تتناسب والموضوع، وتقديم مشاهد ثرية بصرياً، ذات إيقاع محسوب ومتناغم مع الحدث، مبتعداً بذلك عن الثرثرة الحوارية، والاكتفاء بالتعبير بصورة موحية خلاقة. هذا إضافة إلى تألق الأداء التمثيلي من مجموعة الممثلين وعلى رأسهم أحمد حلمي، الذي أثبت بأنه من أكثر نجوم جيله جرأة وموهبة.

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004