في السابع والعشرين من يوليو عام 1980 أغمض رشدي أباظة عينيه الى الأبد،
وإنسحب في هدوء ومعه آلام هائلة عاشها وصارعها وإحتملها، حتى كف القلب عن
الخفقان.
ولد رشدي أباظة بالقاهرة في الثاني من أغسطس عام 1927، من أب مصري (سعيد
أباظة) كان يعمل ضابطاً في الشرطة وتدرج في المناصب حتى وصل الى رتبة
لواء.. ومن أم إيطالية (ليلى جورجنجينو). وقد تلقى رشدي تعليمه في مدرستي
«سان مارك» بالإسكندرية ومدرسة «الفرير» بالقاهرة. وبعد حصوله على شهادة
التوجيهية إلتحق بكلية الطيران، ولكنه لم يحتمل حياة العسكرية، فإنتقل ـ
بعد ثلاث سنوات ـ الى كلية التجارة، التي لم يستمر فيها طويلاً. كان رشدي
أباظة شاباً مشاغباً، ولم يكن ذلك التلميذ الصالح الذي يمكن الرهان على
نجاحه في الدراسة، بالرغم من أنه كان يتقن اللغة الإيطالية التي تعلمها من
والدته، واللغات الإنجليزية الفرنسية والألمانية والأسبانية، فضلاً عن
العربية. وهو في هذه السن أحب رشدي أباظة ممارسة الرياضة، والتدريب على
رياضة الملاكمة وكمال الأجسام، ليبني له جسماً يدافع به عن نفسه أولاً،
ولكي يلفت إليه نظر الحسناوات ثانياً.
وتمر الأيام، ويحدث أن يشاهد المخرج (كمال بركات) رشدي أباظة وهو يلعب
البلياردو في أحد صالات القاهرة. فبدأ يتفحصه، حيث وجد فيه الفتى الوجيه
المتمتع بشعر أسود لامع يتهدل على حبهته وهو ينحني على منضدة البلياردو،
وفيما يبدو أن طلعته الأرستقراطية لاقت هوى عند هذا المخرج.. بينما راح
رشدي يتوجس شراً من هذه النظرات، حتى إعتقد بأن خناقة حامية ستنشب، لولا أن
تقدم منه كمال بركات، وقال له: هل تحب أن تعمل في السينما؟ لم يكن رشدي
أباظة قد تجاوز العشرين من عمره إلا قليلاً، عندما وقع عقداً بتمثيل دوره
في فيلم (المليونيرة الصغيرة) عام 1948 أمام الفنانة فاتن حمامة والراقصة
لولا صدقي التي وقع في حبها فيما بعد، وكان أجره في الفيلم مائة وخمسين
جنيهاً صرفها كلها على ملابسه. وهكذا شهد فيلم (المليونيرة الصغيرة) ميلاد
إمبراطور السينما المصرية.
بعد فيلم (المليونيرة الصغيرة)، طرق الحظ باب رشدي مرتين، مرة عندما إختاره
المخرج الإيطالي »اليسندريني« لبطولة فيلم (أمنية) أمام الإيطالية »آسيا
نوريس« ، والمرة الثانية عندما إتصل به المخرج الإيطالي »فرنتشو« المقيم في
مصر، يدعوه للقيام بدور البطولة في فيلم (إمرأة من نار) أمام النجمة
المشهورة آنذاك »كاميليا«، وهي المرأة التي دخلت قلب رشدي أباظة فيما بعد،
حيث عاشا قصة حب كانت نهايتها بوفات كاميليا في حادث الطائرة المعروف
للجميع. هذا الحادث الذي جعل رشدي أباظة يستسلم للمرض، وظل الأطباء لمدة
ثلاثة أيام يعطونه الحقن المهدئة والمنومة، فقد كان يصحو وهو يبكي وينام
وهو يبكي على كاميليا التي فقدها مبكراً.
وبالمناسبة، فإن رشدي أباظة قد نال شهرة كبيرة في دنيا المغامرات الغرامية،
كـ »دون جوان« مغامر لا يشق له غبار، وكانت أخباره الغرامية تغطي على
أخباره كبطل رياضي ونجم سينمائي. فقد كانت المرأة هي شغله الشاغل في
الحياة. وكان لا يكتفي بواحدة، بل كان يريد أن يقتني مجموعة من النساء في
وقت واحد، ليضارب بإحداهن الأخرى.
لقد أمضى رشدي أباظة طفولته وصباه بين الريف والمدينة.. بين قرية »كفر
أباظة« في الزقازيق، وبين حي »شبرا« في القاهرة. فشب رشدي متحلياً بأخلاق
أقرانه أبناء الريف وأهل البلد المشهورين بالفتوة والجدعنة، وكان يلعب مع
رفاقه الكرة الشراب والمصارعة والملاكمة، وكثيراً ما كانت تلك الألعاب
تنتهي بالمشاجرات والخناقات، التي يصول فيها ويجول بالبطش باللاعبين. كان
منذ طفولته شيطاناً صغيراً غاية في الشقاوة، وكانت المرأة وراء مشاجرات
الفتى الشقي، إن كان في كفر أباظة أو في حي شبرا. فقد كان يحب فتاتين في
وقت واحد، الأولى ريفية ساذجة والثانية بنت بلد عصرية، وكان كلما تشاجر مع
أبناء الجيران، يلفت نظرهما إليه بقوة عضلاته، فيكيل اللكمات بكل قوة في
وجه خصمه، فينتزع بذلك إعجاب الفتاتين.
كان الفنان رشدي أباظة كالأمير الصغير، جذاب الملامح وسيم القسمات رشيق
القوام أنيق الهندام، يثير الشغب في كل مكان يذهب إليه، فلم يكن فتى كفر
أباظة وحي شبرا فحسب، وإنما كان ـ أيضاً ـ فتى مدرستي »الفرير« و »سان
مارك«، حيث كان يثير إهتمام زميلاته في المدرسة اللواتي كن في مثل سنه من
الشقراوات والسمراوات. وفي المدرستين إستوعب المشرفون على النشاط الرياضي
فيهما قدراته القتالية، فمارس الكثير من الألعاب الخفيفة والثقيلة،
كالجمباز والسباحة والملاكمة والمصارعة وحمل الأثقال. أما كرة القدم، فكان
فيها كابتن الفريق في المدرستين. ويكفي أن نقول بأنه قد أحرز المركز الثالث
في بطولة مصر لكمال الأجسام عام 1953. فهل كان هذا كله في سبيل أشباع
هواياته الرياضية وإستقلال طاقاته البدنية، أم كان في سبيل تحقيق ذاته من
أجل الشهرة كفارس في الملاعب لينال تصفيق الجماهير، ومن بينهم ـ طبعاً ـ
الجنس اللطيف، الذي شغف به وكان شغله الشاغل في الحياة.
لقد كان رشدي أباظة حسياً لا يعرف الحب الروحي، في علاقاته مع المرأة.
وكانت تسيطر عليه الرغبة في الإمتلاك. كانت المرأة هي ميدانه الذي يصول فيه
ويجول، وكان يهيىء نفسه منذ حداثته ليحمل لقب »الدون جوان«، حيث قرأ كل ما
كتب عن مغامرات »دون جوان«، ومذكرات »كازانوفا« ومعبود النساء »فالنتينو«،
وشاهد كل ما قدم عن حياتهم من مسرحيات وأفلام. وتابع أخبار مغامرات الدون
جوان المصري »أحمد سالم«، الذي تأثر به كثيراً، وتتلمذ على يديه في ميدان
المغامرات النسائية، وكان خليفة له في هذا المجال. فقد أنشأ فيما بعد
علاقات مع إثنتين من جميلات السينما المصرية، وهما »كاميليا« و »تحية
كاريوكا«، كانت الأولى صديقة للإثنين، بينما كانت الأخرى الزوجة الثالثة
لأحمد سالم والأولى في حياة تلميذه النجيب.
بعد قيامه ببطولة فيلمه الأول (المليونيرة الصغيرة) كفتى أول، كان الحقل
السينمائي مزدحماً بالنجوم وفنيان الشاشة الأوائل اللامعين في الأربعينات،
أمثال أنور وجدي وعماد حمدي وحسين صدقي ومحمود ذو الفقار ومحسن سركان وأحمد
سالم، ونجوم الجيل الثاني والذي يعد هو منهم، أمثال كمال الشناوي وشكري
سرحان، ومن بعدهم في الخمسينات أحمد مظهر وعمر الشريف وصلاح ذو الفقار
وأحمد رمزي، إضافة الى نجوم الغناء طبعاً.
ولهذا السبب لم يجد رشدي أباظة له مكاناً بين كل هؤلاء، فإضطر لترك مكانه
في الصف الأول وتوارى في الصفوف الخلفية بين الكومبارس وممثلي الأدوار
الثانوية في أكثر من عشرين فيلماً. الى أن أعاد إكتشافه من جديد المخرج
الكبير عز الدين ذو الفقار في فيلمي (إمرأة في الطريق) و(الرجل الثاني)
وهما من أدوار الفتى الشرير. ولكن في الفترة التي سبقت هذين الفيلمين،
إشترك رشدي أباظة ـ بإعتباره يجيد اللغة الإيطالية ـ في فيلم (الصقر)، وهو
إنتاج إيطالي/ مصري قام بإخراجه صلاح أبو سيف. كما أنه قام بدور البديل
للممثل العالمي »روبرت تايلور« في فيلم (وادي الملوك) الذي صورت مشاهده بين
آثار مصر القديمة، وكان ذلك عام 1953. وبعد هذا الفيلم مباشرة، منحه المخرج
»كمال الشيخ« فرصة أخرى في فيلم (مؤامرة).
أما بالنسبة لحياته الخاصة، فقد تعرف رشدي أباظة على الفنانة تحية كاريوكا
التي كانت ذات شخصية قوية وراقصة لامعة، وهي التى إستطاعت أن تنتشله من
حزنه على موت حبيبته كاميليا، إلا أنه آثر الإبتعاد عنها، في فترة كان فيها
عاطلاً عن العمل. وفي هذه الأثناء تعرف أيضاً على »آني برييه« المغنية
الفرنسية التي كانت عشيقة للملك فاروق، إلا أنه لم يأبه بذلك. وقد أثار هذا
غضب الملك، إلا أنه لم يستطع أن يفعل له شيئاً، بسبب أن رشدي ينحدر من أسرة
تتوزع بين الأحزاب، ولا يجوز إغضاب هذه الأحزاب ومناصبتها العداء في معركة
خاسرة.
بعد مجموعة من الأدوار الثانوية في السينما المصرية، قرر رشدي أباظة أن
يجرب حظه في السينما الإيطالية، فقام برحلة الى إيطاليا في ربيع عام 1950
إستغرقت سبعة شهور، عاد منها بعد أن لاحقه الفشل هناك. والغريب من أننا لم
نسمع عن أية مغامرات غرامية للدون جوان في تلك الرحلة. ربما أن المغامرات
الغرامية لا تعتبر مغامرات في المجتمع الأوروبي.
لقد كان رشدي أباظة، بسبب المرأة، يعيش في خطر. فقد تحدى الملك في إنشاء
علاقات غرامية مع إثنتين من عشيقاته (كاميليا ـ آني) دون أن يعبأ بالخطر.
بل إنه تعرض، بسبب إحدى مغامراته الغرامية، الى التهديد بتشويه وجهه بماء
النار وهو في التاسعة عشرة. كما أنه تعرض الى أخطر مغامرة كادت تودي
بحياته، وذلك عندما قفز من شرفة بيت الى الشرفة المجاورة في الطابق التاسع
من إحدى العمارات، من أجل مغامرة غرامية أيضاً.
عموماً.. فقد شهدت أشجار الأرز في لبنان قصة غرام المغنية الفرنسية والدون
جوان الشاب. وبعد عودتهما الى القاهرة، صدرت أوامر ملكية بترحيل »آني«
فوراً دون أن يراها أحد. وكان إبعاد »آني« مقدمة لدخول رشدي الى قلب تحية
كاريوكا. كان رشدي قد إلتقى بتحية مرتين من قبل، إلا أنه كان مشغولاً بحبه
لكاميليا وآني. ثم أنه لم يرد أن يكون عالة على راقصة. وكان قد قرر بعد
عودته الى مصر الإتجاه الى الأعمال الحرة، فإفتتح مطعماً ومحلاً لقطع غيار
السيارات وإشترى سيارات أجرة تعمل لحسابه، وبالتالي أصبح الممثل السينمائي
المبتدىء رجل أعمال. لذا كان لقائه الثالث بتحية مواتياً هذه المرة. فما
كان منه إلا أن طلب من تحية كاريوكا أن يتزوجها. فكان ما أراد، وسافر
الزوجين في رحلة شهر العسل الى بيروت. وإستمر هذا الزواج عامين فقط، تخللته
بعض الخلافات، كان رشدي سبباً في أغلبها، وذلك بسبب مغامراته الغرامية،
خصوصاً بعد لقائه بـ »آني« مرة أخرى في بيروت.
وفي عام 1955، بدأ رشدي أباظة مرحلة الأدوار الثانية بدلاً من الأدوار
الثاوية. فقدم أفلام بحر الغرام ـ تمر حنة ـ دليلة ـ تجار الموت ـ طريق
الأمل ـ جميلة ـ نساء في حياتي ـ رد قلبي ـ أحبك يا حسن. وكانت هذه المرحلة
بالنسبة لرشدي هي مرحلة البحث عن الذات، وقد غلب على أدواره فيها طابع
العنف. فقد إستغل المخرجون ضخامة جسمه ومظهر القوة الذي يتميز به، فإختارو
له ثياباً تبرز شعر صدره وأساور من الجلد حول رسغيه تبرز عضلات ذراعيه،
يرفع البراميل والأثقال بيديه القويتين، وبدى في هذه الأفلام يضرب أكثر مما
يمثل. ولكنها كانت مرحلة ضرورية من أجل الإنتشار وكسب الشعبية اللازمة
للنجم السينمائي.
أما المخرج عز الدين ذو الفقار، فقد أثبت للجميع بأن رشدي أباظة يمتلك
قدرات هائلة في الأداء، وذلك من خلال دوره في فيلم (إمرأة في الطريق). فبدا
رشدي أباظة نداً لشكري سرحان وهدى سلطان، وإستطاع أن يقف في ثبات أمام
العملاق زكي رستم. وقد فاز رشدي أباظة عن دوره هذا بجائزة الممثل الثاني من
الدولة وقدرها 500 جنيه، وكانت أول وآخر جائزة سينمائية لرشدي أباظة.
وقد نجح فيلم (إمرأة في الطريق) نجاحاً كبيراً، وحقق لرشدي إباظة قفزة
جعلته أحد الوجوه الرئيسية في السينما المصرية. وسيطالعنا في العديد من
الأفلام التالية بملامح قريبة من دوره في هذا الفيلم.. فهو الرجل القوي ـ
جسمانياً ونفسياً ـ المتفجر بالحيوية الممتلىء بالحياة فاتن النساء.
وكأمثلة نتذكر أدواره في صراع في النيل ـ بهية ـ خلخال حبيبي ـ صراع في
الجبل ـ صراع المحترفين.
وفي العام التالي لفيلم (إمرأة في الطريق)، أسند المخرج عز الدين ذو الفقار
بطولة (الرجل الثاني) لرشدي أباظة، حيث منحه الملامح الجديدة المميزة
للشخصية الشريرة. في هذا الفيلم تغيرت الصورة التقليدية للرجل الشرير، فلم
تعد غلظة الملامح والسلوك وتشوهات الوجه من شروط المجرم، بل من الممكن أن
يخفي الوجه الملائكي الشفاف والسلوك المهذب أخطر أنواع الشر والميل
للعدوان. ففي فيلم (الرجل الثاني) جسد رشدي فيه صورة الشر الهاديء والمستتر
والذي يعتمد على الذكاء وإستخدان العقل أكثر من إعتماده على القوة.
لقد أدى رشدي أباظة دوره في فيلم (الرجل الثاني) ببراعة وإتقان.. كل شيء
محسوب بدقة.. البسمة، اللفتة، الهمسة، نظرة العين. لذلك فتح هذا الدور
لرشدي باب النجومية على مصراعيه، وحوله الى دور البطل الأول في الكثير من
الأفلام.. خلخال حبيبي ـ ملاك وشيطان ـ لقاء عند الغروب ـ المراهقات ـ صراع
في الجبل. وقدم أيضاً أفلاماً كوميدية ناجحة.. الزوجة رقم 13 ـ آه من حواء
ـ عروس النيل ـ حلوة وكذابة ـ المجانين في نعيم. كما أنه قدم أفلاماً وطنية
في أفلام في بيتنا رجل ـ لا وقت للحب ـ غروب وشروق.
خلال هذه الفترة، وصل رشدي أباظة الى القمة، وتربع عليها. بل أنه أصبح فتى
الشاشة العربية الأول دون منازع، بالمقياس الشعبي والفني، فكانت أفلامه
تحقق أعلى الإيرادات. فقد جاء ترتيبه الأول على كل النجوم العرب، في
إستفتاء فني أجرته مجلة »الشبكة« اللبنانية عام 1969، بينما كان ترتيب
الفنان عبد الحليم حافظ الثاني من بعده.
كان رشدي يحب تحية كاريوكا حبا كبيراً، إلا أن حياتهما مع بعض أصبحت
مستحيلة. لذا لم يجد إلا الإنخراط في العمل لنسيان هذا الحب، هذا بالرغم من
المحاولات الدؤوبة الغير ناجحة لعودة المياه الى مجاريها. ولأنه لا يستطيع
أن يعيش بدون حب أو مغامرة، فقد تعرف على الأمريكية الشقراء »بربارا«، زوجة
صديقه المطرب العالمي »بوب عزام«، كانت تعمل مضيفة جوية. لكن رشدي أعجب
بها، فهي من النوع الذي يخلب لب الدون جوان الشاب. فلم يكن صعباً عليه من
أن يخصفها من صديقه، خصوصاً إن حياتها الزوجية كانت مليئة بالخلافات. هذا
إضافة الى أن الزوج قد أدرك تلك العلاقة الجديدة، فخيرها بينه وبين رشدي،
فإختارت بالطبع الفارس الجديد. وبالفعل، تزوج رشدي بشقرائه الجديدة
»بربارا« عام 1956. هذا الزواج الذي أثمر إبنتهما الوحيدة »قسمت« عام 1957.
كانت الزوجة »بوبي«، كما كان يناديها دائماً، غيورة جداً، وكثيراً ما تنشأ
بينهما المشاجرات بسبب تلك الغيرة. ثم أن رشدي، بالرغم من أنه أصبح أباً،
لم يقلع عن مغامراته الغرامية. كانت بوبي تراقب علاقاته مع زميلاته أثناء
العمل، وتغضب لأنه تحدث الى إحداهنأو عانق أخرى أو قبلها قبلة طويلة بين
مشاهد الفيلم. ولم يفعل رشدي شيئاً سوى أن يجعلها صديقة للزميلات. وكان من
بين هؤلاء الزميلات إثنتان كانت تغار منهما كثيراً.. هما: سامية جمال ومريم
فخر الدين. وحدث أن ضبطته مرة في شقة سامية جمال. ولم يستمر رشدي مع بوبي
أربع سنوات، إلا لوجود الصغيرة قسمت التي أطالت من عمر هذا الزواج. لذا كان
الطلاق أخيراً هو الحل، خصوصاً بعد إكتشاف رشدي بأن بوبي تعيش قصة حب جديدة
مع الممثل جمال فارس (إبن عباس فارس).
والحب الجديد الذي بدأ يتسرب الى وجدان رشدي، هو حبه لسامية جمال، والذي
بدى جلياً أثناء لقائهما في فيلم (الرجل الثاني). وإزداد تعلق رشدي بسامية
عندما سافرا معاً الى بيروت لحضور العرض الأول لهذا الفيلم. وأحس رشدي بأنه
لا يستطيع بالفعل الإستغناء عن هذه المرأة ذات العواطف الشفافة، فكان
الزواج بينهما.
وكانت سامية مؤمنة بأن رشدي فنان كبير وناجح، وبأنه يجب أن يبقى دائماً محل
رعاية الزوجة وإهتمامها. لذا قررت سامية أن تعتزل الرقص والتمثيل، وتتفرغ
لرجل واحد في حياتها هو رشدي أباظة. وقد إستقبل رشدي هذا القرار بإمتنان،
وعرف بأن سامية صاحبة قلب كبير وشفاف، خصوصاً بعد أن رحبت بفكرة أن تعيش
الصغيرة قسمت بينهما، بدل أن تكون موزعة بين الأم والجدة.
ومع سامية جمال، كانت قصة أطول زواج في حياة الدون جوان المغامر، فقد عاشا
في شهور عسل مستمرة، كان خلالها الدون جوان مثالاً للزوج المخلص الأمين،
ولم يعكر صفو سعادتهما سوى إدمان الزوج على الخمر والمخدرات الى درجة فقدان
الوعي. ورغم هذا، فقد كانت الزوجة الوفية تتحمل كل ذلك على أمل أن يثوب الى
رشده ويقلع عن الإدمان.
ومضت سفينة الحياة الزوجية بين الدون جوان والراقصة الحسناء التي إعتزلت
الفن من أجل سعادة زوجها، مضت تسير في بحر هاديء ساكن حيناً وثائر عاصف في
كثير من الأحيان، حيث أن الدون جوان لم يلبث أن عاود مغامراته الغرامية،
أثناء إحدى رحلاته الى بيروت. إذ أنه أحب فتاة لبنانية وكاد أن يتورط
بالزواج منها، لولا حكمة الزوجة سامية التي لحقت به هناك وأحبطت هذا
الزواج.
لكن الحنين كان قد عاوده الى حب الشقراوات، وكانت الحبيبة هذه المرة هي
المطربة صباح، والتي أصبحت الزوجة الرابعة في حياته. فقد كان الإعجاب
بينهما متبادلاً منذ لقائهما الأول في فيلم (الرجل الثاني)، وها هو يتجدد
ويتحول الى حب عندما تلاقيا في فيلم (إيدك عن مراتي) الذي كان يصور في
لبنان. وبذلك أصبح الدون جوان زوجاً لإثنتين، هما معشوقتاه في فيلم (الرجل
الثاني). وقد أمضى العروسان ثلاثة أيام عسل فقط، إنتهت بالفراق، لأن رشدي
إضطر للعودة الى القاهرة للوقوف أمام الكاميرا في فيلم (حواء على الطريق)،
وصباح كانت مرتبطة بحفلات في المغرب. كان وقع خبر هذا الزواج كالصاعقة على
زوجته سامية، إلا أنها كانت متماسكة وفضلت الصمت الى أن إنتهى هذا الأمر
بالطلاق بين رشدي وصباح. صحيح بأن الأمور قد عادت الى مجاريها بين الدون
جوان وزوجته السمراء سامية جمال، وصحيح بأن الدون جوان قد أقلع عن مغامراته
العاطفية، وإستمراره على إدمان الخمر والمخدرات، إلا أن نار الحب بين
الزوجين قد إنطفأت بعد تلك المغامرة. حيث إعتقدت سامية، التي ضحت بفنها
ومجدها في سبيل حبها، بأن رشدي غير جدير بتلك التضحية. وكان من حقها أن
تطالب ولأول مرة بالطلاق، وتخرج من عزلتها الى حياة الأضواء، فرفض رشدي
تلبية الطلبين، إلا أنها تمسكت بالمطلب الثاني مادام مصراً على عدم الطلاق.
لتعود عام 1972 لمزاولة نشاطها الفني بالتمثيل أمامه في فيلمين، هما
الشيطان والخريف ـ ساعة الصفر. بعد ذلك كثرت الخلافات والمشاجرات بين
الزوجين، مما أدى ذلك الى الطلاق عام 1977، بعد زواج دام سبعة عشر عاماً،
وكان أطول زواج في الوسط الفني.
وعاد الدون جوان المغامر، بعد أن أصبح في الثانية والخمسين، الى مغامراته
الغرامية، وإقترن إسمه بأسماء الكثيرات من شقراوات وسمراوات الشاشة، كان من
بينهن الوجه السينمائي »يسرا« بنت الخامسة والعشرين.
بدأت السبعينات، ورشدي يقف فوق أرضية فنية صلبة قوامها موهبة حقيقية وخبرة
عملية طويلة وعدد وفير من الأفلام الناجحة. في السبعينات إكتملت عناصر الضج
الفني عند رشدي أباظة، فبدأ مرحلة الأداء الهاديء المتزن، والتمثيل المقنع
البعيد عن الإفتعال، والقدرة على تجسيد أحاسيس الشخصيات، إضافة الى الفهم
الكامل لحرفية السينما. مما جعله يتخطى مرحلة الإهتمام بالكم ليبدأ مرحلة
الإهتمام بالكيف. فجاءت أفلامه كلها في هذه المرحلة رفيعة المستوى، وكمثال
الحب الضائع ـ شيء في صدري ـ أين عقلي ـ أريد حلاً ـ وراء الشمس ـ القاضي
والجلاد. أما آخر أدواره في السينما، فكان فيلم (الأقوياء) إخراج أشرف
فهمي.
بعد هذا الفيلم، إستسلم رشدي أباظة للمرض، حيث إتضح بأنه مصاب بالسرطان،
وعبثاً كانت محاولات الأطباء في لندن والقاهرة من إستئصال هذا الورم
الخبيث. الى أن قضى عليه وتوفي في السابع والعشرين من يوليو عام 1980.