ها هي نيللي تعود للفوازير.. وها هي تدعونا مرة أخرى لقضاء وقت ممتع مع
استعراضاتها واسكتشاتها الرائعة.. وتثبت حقا بأنها نجمة الاستعراض الأهم في
الوطن العربي. لقد عادت نيللي قوية وجميلة ومتألقة، واستقبلت بدهشة وسعادة
منذ اليوم الأول لإطلالتها عبر الشاشة الصغيرة عادت بعد انقطاع عن الفوازير
لمدة تقارب الثماني سنوات لتعوض مشاهديها عن سنوات الابتعاد هذه، وتقدم لهم
هذا الجديد المدهش.. عادت لتخطف قلوبهم بأدائها وتقمصها.. برشاقتها
وحيويتها.. بخفة ظلها واستعراضاتها المبهرة.
نيللي الفنانة الشاملة، تمثل وتغنى وترقص.. فنانة من رأسها إلى أخمص
قدميها.. فنانة تجرعت الفن وهى طفلة في عمر الزهور. والكثير منا يذكر دورها
القصير في فيلم (الحرمان)، عندما غنت مع عبد السلام النابلسى (دور.. رى
مى.. فاسو. لاسى.. أول درس حنحفظ فيه)، كان هذا الدور هو أول إطلالة لها في
عالم السينما والفن بشكل عام.
وفي مقالنا هذا عن بطلة الفوازير، سوف نتتبع خطواتها في مشوار الفن، حتى
أصبحت ملكة تتربع علي عرش الاستعراض العربي، وذلك من خلال فوازير رمضان.
تقول نيللي في مذكراتها التي نشرتها على حلقات مجلة (المجلة) في عام 1983.
(… ولدت في البلاتوه، هكذا يقولون عنى، تعبيرا عن حياتي الفنية التي بدأت
مبكرة جدا، وعندما أعود بالذاكرة إلى مرحلة الطفولة أجد أن حياتي تختلف عن
حياة كل الأطفال، فأنا من أسرة فنية، والدي منتج سينمائي وأختي هي الفنانة
(فيروز- المصرية) التي حققت شهرة واسعة في الخمسينات، وكانت بمثابة مثلى
الأعلى في تلك الفترة…).
منذ نعومة أظافرها وهى ترى أختها فيروز بطلة سينمائية متألقة، يتحدث عنها
الجميع وتشاهد صورها في الصحافة كانت تقف الساعات الطويلة في الأستوديو
لتشاهد أختها وهى تمثل أمام أنور وجدي وزكى رستم وغيرهم من عمالقة التمثيل،
لهذا فليس بالغريب على نيلي أن تعشق هذا العالم السحري الجميل، وتحب
الأضواء، ويصبح هذا العالم هو حلمها الكبير.
تقول نيللي: (...كنت أقلد الممثلين والممثلات والفنيين في الأستوديو، وكان
التعليق هو "دي بنت موهوبة مثل أختها"، تعقبها ضحكات لا أستطيع فهم
أسبابها…). "عندما تكبرين سوف نجعلك تمثلين مثل فيروز".. جملة قالتها
والدتها، لكي تخفف من اندفاعها وإلحاحها بالتمثيل، ولكنها أصبحت أملا كبيرا
بالنسبة لنيللي. وفعلا، تحقق هذا الأمل، عندما تعاقد والدها على إنتاج فيلم
(الحرمان 1953) كأول إنتاج له، ودخلت نيللي الأستوديو لأول مرة كممثلة، تقف
أمام عماد حمدي وأختها فيروز، تحت إدارة المخرج (عاطف سالم).
(…نعم اذكر ذلك اليوم. قابلني الأستاذ عاطف سالم قائلا.. مش أنتي عاوزة
تمثلي يانيللي زى فيروز.. عايزين نشوف الشطارة…). هكذا قالت نيللي، وبدأت
تدريباتها في الأستوديو على يد المخرج عاطف سالم، لتقوم بدور أختها فيروز
وهى صغيرة، أما في البيت فكانت فيروز ساهرة معها تشجعها وتعطيها من تجربتها
وخبرتها التي مرت بها. وبدأت نيللي العمل في الفيلم، وتتابع المشهد تلو
المشهد وكانت تسمع كلمات التشجيع المصحوبة بقطع الشكولاتة التي كانت عبارة
عن كل آجرها لان والدها هو المنتج.
وتواصل نيللي سرد مذكراتها فتقول: (...انتهت المشاهد التي كنت أصورها،
وبدأت مشاهد بطلة الفيلم فيروز، رغم ذلك كنت اصحبها كل يوم لتصوير المشاهد.
لقد زاد حبي للبلاتوه وزاد تعلقي بالتمثيل منذ أن وقفت أمام الكاميرا لأول
مرة. كنت أعود من البلاتوه إلى المنزل بحي العجوزة لأجمع بنات الجيران
وأعيد عليهن تمثيل المشاهد التي تم تصويرها، وأضيف بعض المشاهد من مخيلتي).
وكانت هذه أول انطلاقة سينمائية لنيللي، ذات السنوات الأربع. التي أدهشت
الجميع بأدائها الأخاذ وإطلالتها النضرة. أما تجربتها الثانية فكانت في
فيلم (عصافير الجنة) عام 1955. وهو الإنتاج الثاني لوالدها الذي اعتبر
تجربتها في فيلم (الحرمان) بداية لتقديم نيللي بشكل افضل وفي عمل مناسب يضم
بناته الثلاث (فيروز وميرفت ونيللي).
تقول نيللي: (في هذا الفيلم أستطيع القول أن كل الجهود قد بذلت من أجلي.
فالفيلم كان من بطولتنا نحن الثلاث، ولكن كان التركيز على شخصي.. فقد أراد
الأستاذ محمود ذو الفقار ووالدي أن يركزا علي موهبتي. فاختار لي الجمل
الخفيفة والكلمات المضحكة التي تحدث أثرا طيبا لدى الجمهور كما أنها كانت
أول مرة يكتب فيها اسمي كبيرا على إعلانات الفيلم.
بعد هذا الفيلم، لمع اسم نيللي وعرفها الجمهور بشكل اكبر، إلا أن ما أراده
والدها لم يحدث، فقد كان يعدها لكي تنال شهرة توازى شهرة أختها فيروز، وفات
علي والدها أن المناخ لم يكن يسمح وقتها بوجود فيروز ثانية.. فيروز التي
أدهشت الجميع بموهبتها الفذة، حيث كانت الأدوار تكتب خصيصا لهذه الطفلة
المعجزة، وتحظى باهتمام يفوق الوصف، لذلك ورغم الموهبة المبكرة التي لدى
نيلي كان من الصعب جدا أن تحقق أي طفلة ذلك النجاح الذي حققته فيروز.
ومر عامان منذ عصافير الجنة، لتعود نيللي في دور صغير، عندما مثلت دور فاتن
حمامة وهى صغير في فيلم (حتى نلتقي) عام 1958، من إخراج بركات. كما اشتركت
في نفس العام في فيلم (رحمة من السماء) للمخرج عباس كامل، هذا إضافة إلى
اشتراكها بالتمثيل مع عماد حمدي وصباح ومحمود المليجي في فيلم (توبة) عام
1958، تحت إدارة المخرج محمود ذو الفقار.
وبناء علي تعليمات والدها، توقفت نيللي عن الاشتراك في أي عمل سينمائي. فقد
كان والدها بخبرته السينمائية والحياتية حريصا على أن تظهر نيللى بشكل جيد
دائما. ثم أن الأدوار التي كانت تعرض عليها كانت صغيرة، وكانت الفرصة في
التلفزيون، عندما بدأ يفتح أبوابه لطاقات ومواهب جديدة وتقديمها بشكل
يتناسب مع قدراتها. فاشتركت نيللي في مسلسل (الرمال الناعمة)، وكان عمرها
في ذلك الوقت عشر سنوات تقريبا. كانت فرصتها هذه كبيرة، حيث حصلت كل شهرة
اكبر، إذ عرفها المخرجون بشكل افضل، خاصة بعد نجاح هذا المسلسل.
وتتحدث نيللي عن تلك الفترة، وتقول: (بصراحة لقد انتابني في تلك الفترة
نوبة من المعركة النفسية كنت أخوضها مع ذاتي. فدائما ما كانوا يربطون بيني
وبين أختي فيروز. نعم لقد كان اسم فيروز هو الأكثر شهرة ورنينا في تلك
الفترة. ولكنني كنت احب أن يعرفني الناس باسمي (نيللي)، كنت أريد أن أتخلص
من ربط الناس بيني وبين أختي دون أن تشعرني بأنها تعرف ما يدور بداخلي. نعم
فيروز أختي بل اعتبرها أمي أيضا ولكننى كنت أريد أن أحقق ذاتي كممثلة
مستقلة، خاصة بعدما وعيت وفهمت معنى كلمة فنانة لها جمهورها وفنها
وموهبتها، ويقيني أنها ستأتي حتما).
وحدث فعلا ما أرادته نيللي، بعد اشتراكها مع أختها فيروز في أول فكرة
لتقديم فوازير رمضان التلفزيونية، حيث شاهدها المخرج محمود ذو الفقار،
واختارها لتقوم بالبطولة في فيلمه (المراهقة الصغيرة) عام 1966، وذلك رغم
اعتراض المنتج الذي رشح ممثلة معروفة لهذا الدور. وفي نفس الفترة التي كانت
تصور فيها فيلم (المراهقة الصغيرة) كانت تخوض تجربة غنية جديدة، بعد أن
تقدم إليها الفنان (ممدوح زايد) وطلبها للعمل في فرقة الريحاني في مسرحية
(أوع تعكر دمك). وقد استقبلها الجمهور بترحاب شديد، رغم أن نيللي كانت
مترددة في البداية بقبول خوض تجربة المسرح لاول مرة. وكانت عبارة عن شحنة
جديدة تضاف إلى رصيد نيللي من الخبرة ونمو الموهبة.
في هذه الأثناء فتحت أبواب الحظ أمام نيللي، عندما اختارها المخرج (محمد
علوان) لتقوم بدور البطولة أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب في المسلسل
الإذاعي (شئ من العذاب). وكان المخرج ذكيا جدا عندما تعمد عدم إعلان اسم
نيلي في الحلقات العشر الأولى حيث بدأ الناس يتساءلون من هذه الفتاة
الدلوعة التي تمثل أمام عبد الوهاب.
تقول نيللي: (...مع كل يوم بدأ التساؤل يزداد، واخذ الأستاذ محمد علوان
يتلقى عشرات المكالمات الهاتفية تسأل عن اسم الممثلة التي تلعب الحلقات.
ومع ازدياد التساؤلات ازداد علوان عنادا في عدم إذاعة اسمي وكل ما طلبه منى
هو التركيز اكثر في الأداء...).
وبقيت نيللي علي هذا الحال في ترقب شديد. إلى أن غير محمد علوان مقدمة
الحلقات فقال نقدم إليكم الموسيقار محمد عبد الوهاب.. في حلقات شي من
العذاب.. مع الموهبة الجديدة نيللي. فما كان من نيلي إلا الانخراط في بكاء
عنيف من شدة الفرح.
وتضيف نيللي، وتقول: (...نعم لقد كان ذلك اليوم بالفعل هو مولدي الحقيقي،
ويشاء القدر أن يسمعني الناس قبل أن يروني. وربما تكون حالتي هي الحالة
الوحيدة من هذا النوع، أن تنطلق نجمة عن طريق صوتها...).
حقق لها هذا المسلسل الإذاعي الانطلاق السريع والشهرة العريضة. وتشاء الصدف
أن يعرض فيلمها (المراهقة الصغيرة) الذي لا يزال في العلب، في نفس الوقت.
ليقبل الجمهور علي مشاهدته بصورة منقطعة النظير حتى يتعرفوا علي بطلة
حلقات، شئ من العذاب، البنت ذات الثلاثة عشر ربيعا.
بعد ذلك انهالت عليها العروض السينمائية، إلا أن اغلبها لم يكن يلائم عمرها
الصغير، وهنا بدأت نيلي ترفض لتختار المناسب بالرغم من أن هذا الرفض قد أثر
على حياتها الفنية في البداية. إلى أن جاءتها الفرصة المناسبة في فيلمها
الثاني (نورا) عام 1967، كبطولة أمام كمال الشناوى، وتحت إدارة المخرج
محمود ذو الفقار. ثم كان فيلم (إجازة صيف) عام 1967، أمام المليجي وفريد
شوقي ومن إخراج سعد عرفة، وكانت فرصتها هذه كبيرة من حيث العمل مع هؤلاء
العمالقة، واكتساب القليل من خبراتهم التمثيلية. بعدها اختيرت للتمثيل في
فيلم (مجرم تحت الاختبار) عام 1968، من إخراج عبد المنعم شكري وتمثيل حسن
يوسف وسهير المرشدى. ولما كانت قد التحقت وهى في سن الرابعة بمعهد خاص
بالباليه، فقد أتاح لها هذا تأدية الأدوار الاستعراضية، حيث قدمت تابلوهات
استعراضية من فيلم (نورا). بعد هذا الفيلم بدأت نيللي مرحلة أخرى هي مرحلة
الانتشار السينمائي، وذلك عندما قالت في مذكراتها.. (كان الدافع الأساسي في
ذلك الوقت لقبول أي فيلم هو تحقيق مزيد من الشهرة والانتشار لأثبت وجودي
كممثلة).
فقدمت نيللي خمسة أفلام هي كالتالي (زوجة بلا رجل) عام 1969، للمخرج عبد
الرحمن شريف، (صباح الخير يازوجتى العزيزة) عام 1969، لعبد المنعم شكري،
وثلاثة أفلام للمخرج محمود ذو الفقار، وهى (أسرار البنات) عام 1969، (الحب
سنة 70) عام 1969، (امرأة زوجي) عام 1975.
وتقول نيللي بعد أول تجربة زواج فاشل: (...قررت ألا أفكر سوى في عملي وفني
والحقيقة إن تجربة الزواج صقلتنى وجعلتني أفكر في تنويع وتطوير أدواري.
ورأيت وقتها انه قد آن الأوان كي ابتعد عن أدوار البنت المراهقة الصغيرة،
وبدأت اقدم نوعيات الأفلام التي تصور حياة الشباب الناضج. فقدمت مجموعة
أفلام منها علي سبيل المثال، (مغامرة شباب، شباب في عاصفة، مذكرات الآنسة
منال...).
بعد ذلك بدأت نيللي مرحلة جديدة أخرى مع المخرج حسام الدين مصطفى، حيث أخرج
لها خمسة أفلام وهى علي التوالى (عصابة الشيطان عام 1971، شياطين البحر عام
1972، الشحات عام 1973، قاع المدينة عام 1974، غابة من السيقان عام 1974)،
وكانت هذه الأفلام هي الثمار الوحيدة لتجربة زواج فاشل. كانت نيللي تشعر
دائما بأنها لم تقدم ما ترغب في تقديمه كفنانة استعراضية، فهذا اللون كان
قليلا بل نادرا في الأعمال الفنية المصرية. وحاولت تقديم هذا اللون في
مسرحية (كبارية) إخراج جلال الشرقاوى، كبطولة مع سناء جميل وعبد المنعم
مدبولى. ولكن العمل لم ينل النجاح المرجو منه، وذلك لعدم الانسجام في العمل
ما بين الاستعراض والدراما.. بالرغم من المبالغ الكبيرة التي صرفت على هذه
المسرحية.
بعد هذه التجربة قدمت نيللي فيلمين هما (دنيا) عام 1974، و(سؤال في الحب)
عام 1975، ولكن الفرصة الذهبية جاءتها بعد أن تلقت مكالمة هاتفية من
التلفزيون يطلب منها فيها تقديم فوازير رمضان. في البداية تخوفت، ولم تعط
إجابة شافية. تقول نيللي: (...ظلت تجربة الفوازير القديمة عالقة في ذهني،
فكنت أتهرب منهم كلما أتصلوا بي، وفي يوم عدت إلى منزلي مبكرا وبدأت أفكر
بموضوعية.. لماذا لا أصقل حلمي القديم في الفوازير، حيث يتحول إلى عمل
استعراضي ضخم، أكون أنا المنفردة به؟!...). وبالفعل التقت نيللي مع مخرج
الفوازير (فهمي عبد الحميد)، وشرح لها تصوره، وأحست فعلا أنها فرصة ذهبية
فتفرغت تماما لتصوير الفوازير.
كان ذلك قبل خمسة عشر عاما، عندما نجحت فوازير رمضان نجاحا كبيرة.. واستمرت
سنويا تقدمها مع فهمي عبد الحميد، بدرجة أنها حملت اسم نيلي واصبح يطلق
عليها (فوازير نيلي).
تتحدث نيللي عن الفوازير، فتقول: (...كان عملي أثناء الفوازير يشكل بالنسب
إلي خسارة مادية، فقد كنت اقطع كل ارتباطاتي وأعمالي في السينما والمسرح
لأتفرغ تماما للعمل في الفوازير. إضافة إلى أنها كانت تصرف كثيرا على
الملابس والإكسسوارات التي ترتديها طوال مدة تقديم الفوازير). كل ذلك
تشتريه من مالها الخاص، لدرجة أنها تقبل العمل في بعض الأفلام من اجل إيجاد
مورد مالي تصرف منه على الفوازير. كل هذا لم يكن مهماً بالنسبة لنيللي،
كانت تبحث دوما عن إعجاب الجمهور الذي لم يبخل عليها به، ويكفى أن الخطابات
التي وصلت إلى التلفزيون تهنئه وتهنئ نيللي تصل أحيانا إلى خمسة عشر مليون
خطاب من مصر وحدها عدا الدول العربية.
ولكن السؤال الذي طرح كثيرا فيما بعد هو.. لماذا اذن تركت نيلي الفوازير
بعد كل هذا النجاح؟ تجيب نيللي بقولها: (من البداية أقول إن كل الشائعات
التي ترددت حول هذا الموضوع لا صحة لها إطلاقا.. ولكن ببساطة وجهة نظري
أنني قدمت خلال الأعوام الماضية كل ما يمكن تقديمه ولذلك قررت أن اترك
مكاني وأنا في القمة، وأتيح الفرصة لزميلاتي ليقدمن مالديهن من فن).
وهاهي نيللي توفي بوعدها، وتعود مرة أخرى للفوازير، أكثر ثقة وتألقا، بعد
أن تركت مكانها شاغرا لسنوات، لم يستطع ملؤه أحد. |