غياب المخرج الكبير كمال
الشيخ مؤخراً، يشكل بحق، خسارة فادحة للسينما المصرية والعربية، هذا بالرغم
من أنه قد غاب عن الإخراج أكثر من عشرة أعوام. فالخسارة هنا تأتي من كون هذا
المخرج قد أسس لأسلوب سينمائي مختلف للسينما المصرية، وكون تياراً هاماً في
الساحة السينمائية العربية. كما أنه يعد واحداً من آخر ثلاثة عمالقة في
الإخراج السينمائي المصري، مع يوسف شاهين وتوفيق صالح. شاهين مازال نشيطاً،
وصالح توقف عن الإخراج منذ ما يقارب العقدين.
قدم كمال الشيخ في مشواره 23
فيلماً، منذ (المنزل رقم 13) عام 1952. وغالبية أفلامه يعتبرها النقاد من أهم
ما قدمته السينما المصرية في تاريخها، وقد اختار النقاد ثمانية منها لتكون
ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ هذه السينما الطويل، وجاء ثالثا في
الترتيب بعد يوسف
شاهين وصلاح أبو سيف.
وقد أقيم له ولأفلامه تكريماً خاصاً في مدينة تورينو الإيطالية في عام 2002.
بدأ كمال الشيخ السينما في
غرفة المونتاج، كمساعد أول وثان، إلى أن أصبح فيما بعد من أبرز الفنانين
اللذين يعملون في مجال المونتاج. كما امتازت أفلامه بأنها تعالج قضايا
اجتماعية وسياسية مهمة وتتناول الطبقة المتوسطة بالذات، متناولة همومها
ومشاكلها المتعددة. هذه الأفلام طرحت نقاشاً وجدلاً طويلاً، لم ينته بعد.
وهذه التركيبة هي التي استهوته كمخرج تخصص في الأسلوب التشويقي والبوليسي..
في أفلام (اللص والكلاب، غروب وشروق، الهارب، على من نطلق الرصاص).
يكمن تميز كمال الشيخ أيضاً،
في دقة اختياره لموضوعاته وكل شيء في الفيلم، من فنانين وفنيين. هذا إضافة
إلى أنه كان ناقداً شرساً لأعماله بعد إنجازها. وهذا بالطبع ما جعله قليل
الإنتاج، رغم مشواره السينمائي الطويل. قال الشيخ: (…أشاهد أفلامي كناقد..
وهناك أشياء لو أعدت تنفيذها مرة ثانية، مع زيادة حجم الإمكانيات المتاحة
والمدة المقررة للتصوير، لأختلف الأمر...).
ويرفض الشيخ إطلاق تعبير
"إثارة" على ما قدمه من أعمال، معتبراً أن مدلول هذه الكلمة، تعني إثارة
غرائز المتفرج، ويفضل تعبير "تشويق"، حيث قال ذات مرة: (…مفهوم التشويق فيعني
شد اهتمام المتفرج إلى الحدث المعروض أمامه منذ اللحظات الأولى حتى كلمة
النهاية. وموضوعاتي غالباً ما أضعها في شكل تساؤل أو بحث عن مجهول، سواء
بالنسبة للمتفرج أم للبطل الذي يتعاطف معه المتفرج. وهذا هو الشكل الأمثل
للسينما عموماً، حيث يسعى الإنسان دائماً للكشف عن المجهول…).
رحيل الشيخ، يثير هذا
التساؤل.. هل لازالت السينما المصرية، قادرة على أن تعطي الجديد، فمنذ أكثر
من عشرة أعوام، خلت الساحة السينمائية المصرية من إضافة أو ولادة فنية هامة،
يمكن أن يشار لها بالبنان.. لا فيلم عبقري.. لا مخرج عبقري.. لا نجم عبقري.
لذلك فإن رحيل أي من هؤلاء العمالقة، بالفعل يعتبر خسارة فادحة لهذه السينما
العتيقة.
|