في رمضان هذا العام، ومنذ سنوات طويلة، يستمر الإعلان بشكل يجعله سيد الموقف دائماً.. فمساحة البث بالنسبة للإعلان تتفوق على بث أي منتج آخر إن كانت الدراما أو البرامج الأخرى. وهذا الأمر يؤثر كثيراً على المتفرج وعلى صاحب القناة سلباً وإيجاباً، ولن يكون له أي رادع ما دامت مجمل القنوات التلفزيونية، وبالأخص الفضائية منها، تسعى للربح المادي على حساب العطاء الفني والثقافي للمتفرج.. وهذا ينطبق على القنوات الحكومية والقنوات الخاصة.. إذن أصبح الهدف من إنشاء أي قناة، في وقتنا الراهن، هو هذا الحلم بالثروة والتجارة.. وعندما يصبح الهدف هو النيل من جيب المتفرج وليس عقله، هنا يتغير دور التلفزيون التوعوي والتثقيفي.. وهذا بالطبع أمر خطير.. ولابد من عمل استثنائي للحد من سيطرة روح المادة على هذا الجهاز الخطير..!!

في فرنسا مثلاً.. ينظم المجلس الأعلى للسمعيات والبصريات شروط البث التلفزيوني، ويسن قوانين عديدة، لحماية المنتج والمستهلك على السواء. قوانين تتعلق بالبث والإرسال.. وأبرزها تلك المتعلقة بالإعلان، فهو لا يسمح بقطع أي فيلم سينمائي أو عمل تلفزيوني أكثر من مرتين، شرط أن لا يتجاوز كل واحدة منها الست دقائق، كما يلزم الجميع على أن لا يقطع أي عمل للإعلان إلا بعد مرور عشرين دقيقة على بثه.

وهذه بالطبع محاولات فقط للحد من سيطرة السلعة على المادة العلمية والثقافية في التلفزيون الفرنسي.. وهي أيضاً محاولات واجتهادات لحماية المستهلك من هذا التدمير الذي يمارسه الإعلان.

فهل يكون من بين أحلامنا المستقبلية، أن نعرف بأن لدينا مؤسسات وجمعيات تهتم بسلامة المتفرج والمستهلك على جميع الأصعدة.. يكون من ضمن اهتماماتها الرقابة على تلك القنوات التلفزيونية العربية، والحد من خطورة هذا الغول الإعلاني المخيف..؟!

ربما يكون هذا الحلم مثالياً، خصوصاً إذا اقتنعنا بأن السيطرة والتحكم في تلك القنوات الخاصة والعامة مسألة في غاية الصعوبة.. حتى مع وجود قوانين مثيلة تتحكم في مداخيل هذه القنوات المنتشرة على مدى الوطن العربي.

ولكن.. دعونا نحلم.. فالحلم ليس ممنوعاً..!!