بعد أن
قدم الراحل حسين كمال ثلاثيته السينمائية المهمة، قدم فيلمه الرابع
(أبي فوق الشجرة)، الذي نعتبره خطوة إلى الوراء لما قدمه سابقاً،
هذا بالرغم من أن فيلمه الرابع هذا قد حطم الأرقام القياسية في
شباك التذاكر.. لذلك فإن حسين كمال نفسه يعتبر هذا الفيلم بمثابة
نقطة تحول إيجابية خطيرة في مسيرته السينمائية.
ولا
يفوتنا الإشارة الى أنه من الصعب ـ كما هو معروف ـ الجمع بين
النقيضين.. إرضاء الجمهور وإرضاء النقاد في آن واحد، فهي معادلة
صعبة، قال عنها الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي "جورج سادول"
بأنها محاولة إخترق المستحيل، وبالتالي فالمسألة كانت تحتاج ـ فقط
ـ الي وقت.. وقت يحاول فيه المتلقي أن يرتقي ويطور من قدراته
التذوقية للعمل السينمائي والفني بشكل عام. إلا أن مخرجنا حسين
كمال لايستطيع الإنتظار طويلاً، فهو يريد من أفلامه أن تدر عليه
أعلى الإيرادات بعد إنتاجها مباشرة، إضافة إلى سعيه للشهرة التي
جلبها له فيلمه الرابع. وهذا ما حققه مخرجنا بالفعل، حيث إن أغلب
أفلامه التي قدمها فيما بعد، والتي تجاوزت الثلاثين فيلماً، قد
لاقت نجاحاً جماهيرياً تفاوت من فيلم الى آخر. فمن بين ما نجح له
من أفلام ثرثرة فوق النيل ـ 1971، إمبراطورية ميم ـ 1972، مولد
يادنيا ـ 1976، إحنا بتوع الأتوبيس ـ 1979، أرجوك إعطني هذا
الدواء ـ 1982.
إن
السينما التي قدمها حسين كمال، هي بالطبع سينما تجارية تقليدية،
إلا أنه وفي نطاق الأفلام التجارية، قدم نماذج أفضل بكثير مما
قدمها غيره من مخرجي هذه النوعية من الأفلام. ولعل أهم العوامل
التي ساعدته لتحقيق ذلك، تكمن في حرصه الشديد على اختيار روايات
وقصص معروفة لأشهر الكتاب المصريين، أمثال (إحسان عبد القدوس، نجيب
محفوظ، يوسف إدريس، يوسف السباعي، مصطفى محمود)، وتحويلها إلى
أعمال سينمائية: هذا إضافة إلى قدراته الحرفية والتقنية في اختيار
بقية عناصر الفيلم الأخرى. كما لا يفوتنا أن نذكر بأن اهتمام حسين
كمال بعنصر التمثيل والممثلين، كان في صالح العمل السينمائي
جماهيرياً. فقد كانت أفلامه دائماً تحمل أسماء نجوم الشباك في
السينما المصرية، أمثال (فاتن حمامة، عادل إمام، محمود ياسين،
شادية، نور الشريف، نادية لطفي، ماجدة، محمود عبد العزيز، نجلاء
فتحي، نبيلة عبيد)، هذا إضافة إلى دوره في إكتشاف مواهب تمثيلية
جديدة، أصبحت فيما بعد نجوماً يشار لها بالبنان.
هكذا
بدأ حسين كمال مشواره السينمائي، وهكذا أنهاه. إنها ـ حقاً ـ
إنتكاسة كبيرة لمخرج جاد ومبدع ذو موهبة فنية بارزة، خسرته السينما
المصرية الهادفة، ليصبح بعد ذلك من أهم مخرجي السينما المصرية
التجارية.
|