ورحل يوسف شاهين، بعد أن ملأ الساحة السينمائية
بالكثير من إبداعه المشاكس.. الفاعل بفكره ورؤاه
الجريئة، مناقشاً الكثير من القضايا السياسية
والاجتماعية، والتي أثارت الجميع، إيجاباً
وسلباً.. فالمتابع لمسيرة شاهين السينمائية، من
خلال جميع أفلامه، يكتشف أنها تعكس ـ إلى حد كبير
ـ ذلك التطور الفكري والفني، وذلك الوعي
الاجتماعي والسياسي الذي
تحمله شخصية هذا الفنان الكبير.
يمكننا تقسيم مشوار شاهين السينمائي إلى مرحلتين
أساسيتين: مرحلة نمو الوعي الاجتماعي، ومرحلة تعمق
الوعي السياسي، حيث إن شاهين عندما بدأ هذا
المشوار، لم تكن القضايا الاجتماعية والاهتمامات
السياسية تعني له الشيء الكثير، ولكنه ـ عفوياً
وتلقائياً ـ وجد نفسه يدافع، ببساطة متناهية وصدق
مؤثر، عن الفلاح المصري في فيلمه (ابن النيل ـ
1951).
لم
يكن شاهين، في ذلك الوقت، يفهم مشكلة الفلاح
المصري، ولا كان يعي الواقع
الاجتماعي والمعيشي الذي فرض على هذا الفلاح
أوضاعاً حياتية مزرية، وربما جاء ذلك نتيجة انتماء
شاهين الطبقي إلى بيئة
بورجوازية. ومع هذا، كان فيلم (صراع في الوادي ـ 1953)
صرخة عنيفة ضد الإقطاع، عبّر فيه عن نظرته المليئة
بالحنان والحنو للفلاحين. صحيح أن الفيلم يفتقر
إلى التحليل الاجتماعي الجدي للواقع الذي يتناوله،
إلا أنه طرح قضية الصراع الطبقي بين الإقطاع
والفلاحين بشكل صارخ لم تشهده السينما المصرية من
قبل.. وبالتالي يمكن اعتبار (صراع في الوادي)
بمثابة الخطوة الحقيقية الأولى في مرحلة نمو الوعي
الاجتماعي عند شاهين. وكانت الخطوة
التالية في فيلم (صراع في الميناء ـ 1956)، الذي اهتم
فيه شاهين ـ ولأول مرة ـ بأوساط العمال والبحث في
مشكلاتهم.
أما في فيلم (باب الحديد ـ 1958)، فوصل شاهين إلى
مرحلة فنية متقدمة، جعلته أهم شخصية سينمائية في
مصر آنذاك، إذ كان هذا الفيلم
متقدماً على السينما المصرية بسنوات، الأمر الذي يفسر فشله التجاري
وإحجام الجمهور عنه. ففي فيلمه هذا، برع شاهين في تصوير
قطاع من الحياة اليومية، بقدر ما برع في تجسيد
شخصية ذلك الفقير المقعد ''قناوي''. وكان (باب
الحديد) مفاجأة حقاً، ليس
لصدقه المتناهي ومضمونه المتميز فحسب، وإنما ـ
أيضاً ـ لأسلوبه الجديد ولغته السينمائية المتقدمة
وجمالياته الخاصة.. وليس هناك شك في أن يوسف شاهين
سجّل، بهذا الفيلم، خطوة متقدمة في مرحلة نمو
الوعي الاجتماعي.
|