بالرغم من أن رحيل الكبير يوسف شاهين لم يكن
مفاجأة، حيث كان في غيبوبة ما يقارب الشهرين.. إلا
أن هذا الرحيل يعد بالفعل خسارة فادحة للسينما
والفن في كل مكان.. فهذا الفنان العملاق يشكل حالة
خاصة ونادرة في السينما العربية، فهو الفنان
الباحث دوماً عن أسلوب مختلف وصياغة جديدة لأفكار
ومفاهيم عادية ومتداولة.. فقد أعطى هذا الفنان
الكثير للسينما المصرية والعربية، من خلال ما قدمه
من أفلام تعد حتى الآن علامات مضيئة في سماء الفن
العربي والعالمي.. أو بما علمه لأجيال كثيرة من
تلاميذه..!!
هذا الفنان برغم عمره الطويل وصحته السيئة التي
يعاني منها.. إلا أنه استمر في العطاء الفني حتى
آخر حياته، ومازال آخر أعماله يعرض الآن بصالات
السينما في البحرين، ألا وهو (هي فوضى)..!!
شاهين إذن.. أقل ما يقال عنه أنه فنان مثير للجدل،
مصطحباً ضجة مع كل فيلم جديد يقدمه.. بل مازالت
أفلامه بعد كل هذه المشوار الطويل، تثير عند عرضها
الكثير من الأسئلة وردود الأفعال الإيجابية
والسلبية.. فهو من الفنانين المشاغبين.. أقصد
القادرين على إعطاء شحنات صادمة للمتفرج.. وعدم
اكتفائه بالتسلية والترفيه.. وباعتباره فنان
مشاغب، فهو يحتاج لمتلقي مشاغب أيضاً.. يقدم له
السينما كما تعلمها وعرفها وعلمها تلاميذه..!!
يوسف شاهين.. الذي قدم خلال مشواره السينمائي
المهم 36 فيلماً روائياً طويلاً، بدأها بفيلم
(بابا أمين ـ 1950) بعد عودته من أمريكا حيث درس
السينما.. هذا الفنان، اختلف معه الكثيرون، ووجهت
له الكثير من الاتهامات ـ وبالذات في أفلامه الأخيرة ـ
أهمها بعده عن قضايا الجماهير، والاهتمام بتقديم
تكنيك وإبهار سينمائي فقط، على حساب المضمون،
متجهاً بذلك نحو الجمهور الغربي والأوروبي.
ومهما أختلف معه الآخرون فهم يجمعون بالطبع بأنه
كان فناناً ملتزماً، قدم أفكاراً اجتماعية وسياسية
جماهيرية، وناقش قضايا حياتية تهم غالبية الشعب
المصري والعربي بشكل عام.. لكنه في نفس الوقت
قدمها بأسلوب مغاير وتكنيك وإبهار سينمائي جديد لم
يسبقه إليه أحد، ولم تعتاده عيونهم وأمزجتهم..
وشاهين بالتحديد لا يهتم إن كان هذا المتفرج قد
يفهم أو لا يفهم ما يقدمه له.. فهو كفنان خلاق يرى
بأن الفنان لا يقف عند هذه الحدود الشكلية.. فهو
يفهم السينما كرؤية وفكر وفن قبل أن تكون تسلية
وإبهار.
|