بعد توقف دام أربع سنوات اخرج ليوني فيلم (من اجل حفنة ديناميت ـ
1972)، الذي قدم فيه رؤية عبثية شاملة للحياة والعالم، ويقدم فيه أسلوب
خاص في التعبير السينمائي الدرامي. وقد أطلق عليه هذا العنوان عند
عرضه في أمريكا لاستغلال ذلك النجاح الجماهيري الذي حضي به فيلمه (من
اجل حفنة دولارات، لكن العنوان الايطالي الأصلي للفيلم هو (الرأس في
النازل)، وهو العنوان المناسب لفيلم تتطاير فيه الرؤوس كما تتطاير
الأوراق.
وبعد أن اخرج ليوني لفيلم (من اجل حفنة ديناميت) عام 1971، وهو منهمك
في الاستعداد لإخراج فيلمه الأهم. وكان عليه أن يتغلب على صعوبات عديدة
مالية وإنتاجية. واستغرق الأمر أكثر من عشر سنوات حتى تمكن ليوني
بالفعل من إخراج حدث ذات مرة في أمريكا الذي وصلت تكاليفه إلى 51 مليون
دولار، ويستغرق عرضه على الشاشة أكثر من ثلاث ساعات ونصف. ويتناول هذا
الفيلم قصة الصداقة الحميمية بين اثنين في فترة تقارب النصف قرن. ويعكس
الفيلم بشكل عام، إعجاب سيرجيو ليوني الشديد بأمريكا.. بأبطالها
التقليديين ومعاركها المجيدة والمخزية معاً. وتغلف فيلمه نفس النظرة
الرومانسية الحزينة التي لمسناها في كل أفلامه.
يقول ليوني انه صنع فيلمه هذا من وحي بعض الأفلام التي طبع ذكراها في
ذهنه وبعض الكتاب الأمريكيين الذين اثروا في تكوين جيله. وان الفيلم
يحمل نوعاً من التحية إلى هذه الأفلام وأولئك الكتاب.
وقد رفض ليوني فكرة الإقامة الدائمة والعمل في هوليوود، وقال بأنه يفضل
أن يبقى في ايطاليا.. بلده، كمخرج ايطالي أولا. وانه عندما صنع فيلمه
عن أمريكا، فقد صنعه من خلال رؤيته الخاصة بالطبع ومن خلال عين ايطالية
أيضا. وسيرجيو ليوني يعشق صنع الأفلام الطويلة جداً. فهو يرى أن هذا
يتيح له الفرصة للخلق على نحو أكثر تكاملاً ويجعله يحقق المتعة البصرية
الكاملة للمشاهد.
أما فيلم (حدث ذات مرة في أمريكا)، الذي حققه مع الممثل العبقري روبرت
دي نيرو، فيعتبر تحفة نادرة من تحف السينما العالمية، حيث انه يظل مع
فيلمه (من اجل حفنة دولارات) عملين ميزا مسيرة هذا المخرج الكبير، الذي
لم يكن قد حقق بعد ما يطمح إليه. رغم كل ذلك، فقد كان حلمه كبيراً في
المزيد، ولكن قلبه خذله. ففي حديث أخير معه في جريدة «ليبراسيون»، قال:
(...ولكي اختم هذا الجانب الثاني، كان (حدث ذات مرة في أمريكا)، ثم
هناك مشروع (معركة لينينغراد)، ولكنها قصص طويلة وتتطلب بعد كتابتها.
مازال أمامي متسع من الوقت، وسيكون أفضل أفلامي. إنني لا أتمنى ذلك
فقط، بل أنا متأكد منه...).
وبالفعل كانت خسارة فادحة للفن السابع.. عندما توفي هذا العملاق قبل أن
يظهر مشروعة المهم إلى النور.. رحل وترك إرثاً سينمائياً لا يقدر
بثمن.. رحل ليترك فراغاً كبيراً في نوعية أفلام خاصة من هذا الفن
الخلاق.
|