بدأت
حكاية مصطفى العقاد السينمائية عندما غادر بلدته الأصلية في مدينة حلب
السورية إلى الولايات المتحدة وهو لم يتعدى العقد الثاني من عمره.
وهناك التحق بجامعة جنوب كاليفورنيا ونال شهادته في حقل الدراسات
السينمائية، مما مكنه من العمل مع أشهر مخرجي السينما العالمية مثل
المخرج الأميركي "سام بكنباه" أحد أبرز الأسماء في الفن السابع بأميركا
والذي كانت أفلامه تحمل سمة العنف الموظف دراميا، وهو الذي اعتبر في
نظر النقاد من جيل التلفزيون، قام العقاد بالعمل مساعدا لبكنباه في
أكثر من عمل قبل أن يقرر المضي بعيدا في عالم السينما ويأخذ على عاتقه
تحقيق أفلامه الخاصة به، وهي لا تتجاوز عادة الأفلام البسيطة المستقلة
ذات التكلفة المتواضعة في ميزانياتها، ولكنها مكنته لاحقا من الدخول
إلى حقل الإنتاج السينمائي وفي هذا الإطار قدم بالتعاون مع مخرجين
مكرسين مثل "جون كاربنتر" سلسلة أفلام العنف والرعب التشويقي المسماة «الهالوين»
وهذا ما جعله يجني مردودا لا بأس به من إيرادات شبابيك التذاكر نظرا
للنجاح التجاري الطاغي الذي كانت أفلام هذه السلسلة تثير إعجاب
مشاهديها في مناسبات آخر السنة كل عام وتحديدا في مواسم الأعياد.
نقترح
بأن نصف العقاد بأنه كان أمير الأحلام، تلك التي حقق بعضها، وبقى البعض
الآخر في نطاق الحلم.. مصراً على المضي بها إلى حيث تنتهي به
النهايات.. فقد أمضى عشرون عاماً يبحث عن منتج لفيلمه (صلاح الدين)
الذي كان جاهزاً كسيناريو ورؤية إخراجية.. فها هو يرحل قبل تنفيذه..
مثله مثل الكثير من هذه الأحلام.. كان أيضاً يحلم بتنفيذ فيلم عن
الأندلس، هذه الحقبة التاريخية التي تمثل في نظره مرحلة من المجد
العربي، سياسية وثقافية وفنية.
لقد
أمضى العقاد عمره وهو يحلم ويحلم، وكان آخر أحلامه التي أعلن عنها هو
بناء مدينة سينمائية عالمية ذات مناخ عربي إسلامي.. فقط لنتخيل بأن هذه
الأحلام كانت لدى رجل في السبعين من عمره، وليس شاباً يبدأ مشوار
حياته.. فالعقاد كان شعلة من الحماس لم ييأس يوماً من عدم تحقيق
أحلامه، ولم تخمد هذه الشعلة إلا بعد رحيله عن عالمنا.. تلك الشعلة
التي انطلق بها إلى هوليوود وهو في العشرين.
إن
هذا الفقد يطرح الكثير من الأسئلة.. التي لابد من التحدث عنها..
أولاً.. هل من القول الفصيح الحديث عن موت بطيء غير مقصود.. أم أن قمة
سينمائية مثل العقاد لابد أن يصاحب فقدانها صخباً ودوياً يسمع آذان
الجميع.. فالعقاد يستحق موتاً كهذا.. موتاً يتناسب واسمه وصيته.. فليس
من المعقول أن نقرأ خبراً صغيراً في صحيفة عن موت طبيعي لهذا الفنان
المشاكس.. إنه حقاً حدث هز الأوساط الفنية وغير الفنية.. وأخذ اسم
العقاد يتردد على ألسنة الجميع من جديد.. بل ونرى الشتائم تحاصر المجرم
من كل حدب وصوب.
الأمر
الآخر والمثير حقاً بعد رحيل العقاد الفاجع.. هو إهداء الدورة الأخيرة
لمهرجانين كبيرين (دمشق ـ القاهرة) إلى روح هذا الفنان العالمي
الكبير.. ترى لماذا هذا التكريم المتأخر؟ ولماذا يأتي متأخراً جداً؟
لماذا انتظر مهرجان القاهرة كل هذه السنين حتى دورته الأخيرة ليكرمه
ضمن سبعة مبدعين من أصل عربي ومصري.. وهل من المفترض من مهرجان دمشق أن
يفكر كثيراً قبل أن يبادر في تكريم أهم مبدعي الفن السوري..؟!
لماذا
نعطي مبدعينا وسام استحقاق عندما يسبقنا الموت في فعل ذلك..؟!
|