كان عمري ست سنوات عندما ذهبت للمرة الاولى مع أبي وأختي لنتفرج على
فيلم في سينما كايرو، كان اسم الفيلم "رحلة إلى منتصف الأرض" عن قصة
لجول فيرن، "إتهبلت" وأظن أنه منذ ذلك اليوم عرفت أن السينما هي أكثر
شيء، أحبه في الدنيا.. أكثر شيء أريد عمله. أتذكر أنني كنت أضرب بالأكف
على وجهي من أبي ومن المدرسين لأني كنت أرسم على كراريسي إعلانات
الأفلام التي لا أستطيع مشاهدتها.. التي كانوا يمنعونني عنها. كنت أرسم
وأنا في السابعة علامة "سكوب بالألوان"، وأظن أنه في سن الثامنة كنت
أكتب تحت الإعلانات: "إخراج: يسري نصرالله". لم تكن فكرة أن أكون
ممثلاً بجذابة لدي، ولكن ما كان يجذبني دائماً هو: من يعمل هذه الافلام؟
وكان هذا هو سؤالي الدائم لأهلي.. كنا نذهب للسينما يوم الجمعة، فكان
الخروج إلى السينما هو الشيء الذي أحيا لأجله من الجمعة للجمعة، واليوم
الذي كنا لا نذهب فيه للسينما كنت أزعل وأبكي وأكتئب. في المدرسة أيضاً
كان حبي للسينما يجعلني أتكلم مع أصحابي دائماً عن السينما، وأيام 1967
منعت الأفلام الأمريكية من مصر، كانوا يعرضون أفلام السينما الصديقة:
الروسية، التشيكية، البولندية، وكل السينما الأوروبية، فعرفت فيلليني
وفيسكونتي وجودار.. إلخ.
تربينا كجيل على السينما الأوروبية، وجاءت معرفتنا بالسينما الأمريكية
متأخرة، وهذا وإن كان له فوائد إلا أنني عندما أصبحت سينمائياً اكتشفت
أن هذا له أيضاً مشاكله، فالسينما الأوروبية سينما أكثر فكرية، وحيز
الإبهار والاستعراض فيها أقل، واليوم أحاول أن أقاوم هذا، أحاول أن
أرجع ـ ليس بالمعنى التجاري ولكن بالمعنى الجمالي أيضاً.. بمعنى مفهومي
للسينما ـ أحاول أن أرجع بذاكرتي للحظة مشاهدة فيلم لأول مرة في حياتي،
ذلك الفيلم الذي بهرني وأخذني إلى داخل السينما ـ شفطني ـ والذي كان
فيلم مغامرات تحت الأرض. إحساسي اليوم أن السينما في ظل وجود
التليفزيون يجب أن تأخذك لما هو غير مألوف، تأخذك بعيداً، تفتح لك
شبابيك تحلم منها وترى ما لم تتعود على رؤيته وما ليس يومياً، اليوم
أشعر بضرورة هذا وبضرورة أن أبحث عنه، ليس تنكراً للسينما الأوروبية ـ
التي أحبها بتياراتها المختلفة ـ ولكن بحثاً عن شيء لا ينبغي أن يكون
ناقصاً، السينما كفن جماهيري، كفن يفترض أن من يشاهد يبتهج ولا يشعر أن
بينه وبين ما يراه مسافة.
الأستاذ شادي عبدالسلام كان يسكن تحت مسكني، وبالنسبة لي هو أول شخص
تعلمت منه أو اقتربت إلى السينما من خلاله، كنت أذهب إلى مكتبه ـ
الموجود في شارع 26 يوليو ـ كثيراً، منذ أن كنت في الثانوي وكنت أدخل
في النقاشات الجارية في المكتب مع عدد كبير من العاملين بالسينما الآن
والذين كانوا يذهبون إلى مكتبه، مثل رأفت الميهي وداود عبدالسيد.. أذكر
أني في المدرسة كتبت مقالاً طويلاً جداً نشر بمجلة المدرسة عن فيلم
"المومياء"، وكان شادي قد أعطاني صوراً ورسومات من الفيلم لكي أحكي كيف
كان يعمل الكادرات ولأبين أنها كانت مرسومة بدقة قبل التصوير، وما إلى
ذلك... فلما جاءت السنة الثانية في الكلية قال لي الأستاذ شادي: "قدم
في المعهد.. أنت تحب السينما"، فذهبت إلى المعهد وقدمت ولم أكن أعرف
أحداً هناك وامتحنت ونجحت.
عن مجلة "ألف"ـ العدد 15 ـ 1995
|