أخرجت في مطلع السبعينيات مجموعة أفلام مشكوك بأمرها، لكنها عادت علي
بأموال طائلة، كنت في حالة بائسة بعد مشروعي العظيم وغير الناجح الذي قمت
ببطولته مع ليف أولمان وجرت أحداثه في فارو. تركت أحدى الشخصيتين
الأساسيتين المكان وبقيت أنا وحدي، فقدمت اخراجاً جيداً لمسرحية (لعبة حلم)
ووقعت في حب ممثلات شابات. وكانت تروعني آلية البروفات فأعود إلى جزيرتي،
وخلال تلك الفترة الطويلة التي كنت فيها فريسة للكآبة الموحشة، كتب سيناريو
فيلم (صرخات وهمسات).
جمعت كل مدخراتي وأقنعت الشخصيات الرئيسية الأربع بأن يستثمروا أجورهم في
الفيلم، واقترضت نصف مليون كرونو من معهد الفيلم، الأمر الذي أثار امتعاض
عدد من المخرجين الذين احتجوا بأن برغمان يخطف الخبز من أفواه زملائه
السويديين الفقراء، رغم أنه قادر على تأمين تمويل لأفلامه من الخارج. كانت
القضية مختلفة، فبعد مجموعة من شبه الاخفاقات التي أصابت أفلامي لم يعد
هناك خبازون لا في داخل البلاد ولا خارجها. حسناً.. لقد كنت دائماً أقدر
الوحشية الصادقة في عالم الفيلم، يجب ألا يشك المرء بقيمته الحقيقية في
السوق. كانت قيمتي صفراً. وللمرة الثانية في حياتي بدأ النقاد يتحدثون عن
اقتراب نهايتي، ومن الغريب أنني لم أتأثر بكلامهم مطلقاً.
أنجزت الفيلم في جو من الثقة والبهجة، وجرى التصوير في بيت ريفي متداع، يقع
خارج ماريفيرد، وكانت غرفه في حالة سيئة للغاية فأصلحناها كما شئنا وعشنا
وعملنا فيها مدة ثمانية أسابيع.
أحياناً ينتابني الأسى لأنني لم أعد أصنع أفلاماً.. إنه احساس طبيعي لكنه
يمضي. وأكثر ما أفتقده العمل برفقة سفن نيكفست، ربما لأننا كلينا أسيران
لمجموعة من المشكلات والهواجس الواحدة: الإضاءة، الهدوء، الخطر، الأحلام
المتشابهة، الحياة، الموت، الوضوح، الضباب، الحر، العنف، الشعاع، الظلام،
السقوط، الإنحدار، الحسية، الخضوع، المحدودية، السم، الهدوء، النور الشاحب،
الإضاءة.
تطلب إنجاز (صرخات وهمسات) وقتاً طويلاً، ودون انتظار نتائجه النهائية
بدأنا بفيلم (مشاهد من حياة زوجية)، عمل لمجرد المتعة. وفي منتصف فترة
التصوير اتصل بي المحامي ليخبرني بأن نقودنا ستنفذ خلال شهر على الأكثر،
فبعت الحقوق الإسكندنافية للتلفزيون السويدي وأنقذت فيلماً مدته ست ساعات.
أنغمار برغمان
(المصباح السحري)
|