يعد فيلم (الهروب ـ 1990) للمخرج الراحل عاطف الطيب، من أبرز الأفلام التي
قدمها أحمد زكي.. فهذا الفنان العملاق ـ كعادته ـ متجدد ومتدفق في هذا
الفيلم، بل أنه قد أضفى على دوره عفوية فطرية وصدق في الأداء، فكان مقنعاً
بدرجة كبيرة، فهو بهذا الفيلم يقدم واحداً من أفضل أدواره، مستفيداً من
لياقته البدنية إضافة إلى لياقته الفنية، حيث كان هناك العديد من مشاهد
المطاردات التي حرص أحمد زكي على أدائها بنفسه لتحقيق أعلى درجات الصدق.
يحكي الفيلم عن منتصر ، الشاب الصعيدي الذي هجر قريته إلى القاهرة سعياً
وراء حلم زائف، يعمل في أحد المكاتب المشبوهة لتسفير العمالة المصرية إلى
الدول العربية، وهو يعلم مسبقاً إن مدير المكتب يقوم بتزوير تأشيرات الدخول
وعقود العمل، بل إن منتصر نفسه يشارك في ذلك باعتباره لا يجرؤ على
الاعتراض. إلا أنه ـ ذات مرة ـ يعترض لأسباب خاصة، فهو يكتشف بأن مدير
المكتب يغازل ابنة عمه وخطيبته التي عقد قرانه عليها، كما أن العمال
المسافرين هذه المرة هم أبناء قريته، فهو يعلم ماذا باعوا من ممتلكات لكي
يتحقق سفرهم وحلمهم بالغد الأفضل. وتصل المواجهة بين منتصر ومدير المكتب
إلى التهديد، فيدبر الأخير مكيدة لمنتصر للتخلص من تهديده، حيث يوشي به
للشرطة بعد أن يضع قطعة من المخدرات في غرفته التي يسكنها بسطح أحدى
العمارات.
هنا يتحول الفيلم تحولاً واعياً في الرؤية والمعالجة، وذلك بعد أن يخرج
منتصر من السجن ويبدأ رحلته بالانتقام. ربما نجد في شخصية منتصر ملامح من
شخصية "سعيد مهران" بطل فيلم (اللص والكلاب)، إلا أن كاتب السيناريو (مصطفى
محرم) يضيف إلى شخصية فيلمه وقائع معاصرة حقيقية عن القاتل الذي استطاع أن
يهرب من المحكمة قبل صدور الحكم ضده. وقد كان من الممكن أن تسود الفيلم
حوادث الانتقام كما في (اللص والكلاب)، إلا أن سيناريو (الهروب) يحطم هذا
القيد ـ بعد حادثتين فقط ـ ويتطرق إلى عدة قضايا مهمة تضع المتفرج في
مواجهة مناطق جديدة وبشكل جريء في الطرح. فهو مثلاً يتحدث عما يجري داخل
جهاز الأمن حيث الانقسام وتباين وجهات النظر بين تياراتها أو المدارس
المختلفة فيها ، والتي يعبر عنها الضابطان (عبدالعزيز مخيون ـ محمد وفيق).
فالأول يتنازعه إحساس بالواجب تجاه عمله كضابط وإحساسه تجاه بلدياته (أحمد
زكي)، بينما نجد الثاني نموذجاً للضابط الانتهازي الذي هو على استعداد
للتخلي عن كل القيم والمبادئ لتحقيق أهدافه. كما يتطرق السيناريو إلى رد
فعل جهاز الإعلام وتواطئه مع جهاز الأمن في التهليل لحوادث منتصر وتضخيمها
وجعله أسطورة إجرامية، ثم الحديث عن كفاءة أجهزة الأمن في القبض على منتصر،
كل ذلك محاولة لشق الرأي العام وتغيير اتجاهه عن قضايا أكثر أهمية، مثل ذلك
الفساد الذي يستشري حولهم.
|