ينحصر إهتمام المخرج الراحل عاطف الطيب، في إختياره لمواضيع أفلامه، في
ثنائية واحدة محددة، ألا وهي ثنائية: القهر/التمرد.. قهر السلطة والقانون
والمجتمع / التمرد والرفض من الفرد تجاه السلطة والمجتمع. فقد كان عاطف
الطيب حريصاً على أن يقدم أفلاماً تسعى دائماً الى الصدق الفني وتتطرق الى
مشاكل الواقع، وتهتم بالمواضيع التي تعبر عن الإنسان البسيط.. الإنسان
المحاط بظروف إجتماعية وسياسية وإقتصادية معيشية صعبة غير آمنة. وما أراده
عاطف الطيب، قد وجده عند كتاب السيناريو الأكثر بروزاً في الوسط السينمائي
(وحيد حامد ـ بشير الديك ـ أسامة أنور عكاشة ـ مصطفى محرم)، وهم كتاب
إشتركوا مع عاطف الطيب في طرح نفس الهموم والمشاكل التي تهم المواطن البسيط
وتعالج قضاياه الحياتية اليومية.
وإذا إستعرضنا أمثلة من أفلام الطيب، تجسد هذه الثنائية، فسنجد مثلاً، بأن
فيلم (البريء) يجسد ذلك القهر الذي تمارسه السلطة من خلال إستغلالها لجهل
المجند العسكري في تنفيذ الأوامر. هذا من ناحية قهر السلطة والقانون، أما
بالنسبة للقهر الإجتماعي، فهو بارز بشكل واضح في أغلب أفلام الطيب. فمثلاً،
فيلم (سواق الأتوبيس) يشكل علامة بارزة في رفضه لذلك التغيير المفاجيء في
العلاقات الإجتماعية والأخلاقية في عصر الإنفتاح. هناك أيضاً فيلم (الحب
فوق هضبة الهرم) الذي ناقش مشاكل الشباب المصري في الثمانينات، وبالتحديد
شباب الطبقة المتوسطة، الذين يعيشون أزمات هذا العصر.. أزمات مثل السكن
والعادات والتقاليد. كما يناقش موضوعاً حساساً جداً يعاني منه الشباب
العربي بشكل خاص، ألا وهو موضوع الجنس، وجميعها مسببات للقهر الإجتماعي،
الذي يعرقل كافة الطموحات المستقبلية للشباب. أما فيلم (الهروب) فهو
النموذج الأمثل لنقد الكثير من الممارسات الخاطضة التي يعيشها الواقع
المصري والعر بشكل عام. فهو يتطرق ـ بالتحديد3ـ لتلك الجراح الغائرة في
حياتنا - من عنف وتطرف وإرهاب وغيرها، مؤكداً بأن بعض هذه الممارسات قد
ساهم الإعلام وبعض أجهزة الدولة في تكريسها وإنتشارها.
في المقابل يبرز الجزء الآخر من الثنائية (الرفض والتمرد) في نهايات أفلام
الطيب، بإعتبارها النتيجة الحتمية للقهر، ويتبين ذلك في المشهد الأخير
لفيلم (سواق الأتوبيس) الذي يشكل تحدياً لتلك التغيرات الإجتماعية
والأخلاقية، والتأكيد على مواجهتها. وكذلك في فيلم (الحب فوق هضبة الهرم)
عندما أصر بطلا الفيلم على محاكمتهما، ليتمكنا من فضح كل تلك الصعوبات
والإحباطات التي يتعرض لها الشباب. وهناك أيضاً المتهمات في فيلم (ملف في
الآداب) اللاتي لا يكتفين بالبراءة، ويطلبن من المحكمة توفير الأمان
الإجتماعَ العادل، حيث أن البراءة القانونية شيء، وصفاء السمعة الإجتماعية
وإستمرار إتهام المجتمع ـ الذي سيظل سزفاً جسلطاً على رقاب الأبرياء الى
مالا نهاية ـ شيء آخر.
|