في مذكرات مارلون براندو، التي ترجمها عبدالنور خليل ونشرها في جريدة
القاهرة.. تعرفت على براندو الشاعر.. كانت كلماته تصيبني بالدهشة والإعجاب
والاستمتاع، في نفس الوقت.. كانت بالفعل اعترافات لا يجرؤ على فعلها سوى
شاعر.
(...عندما أتجول بين سني عمري التي قاربت علي الثمانين محاولا استعادة فيما
كان هذا العمر لا أجد شيئا واضحا تماما.... وأظن أن أول ذكري لي هي أنني
كنت أصغر من أن أتذكر كيف كنت صغيرا...).
(...بعض أمتع ذكريات طفولتي الباكرة كانت عن «إيرمي» وضوء القمر يضيء حجرتي
في ساعات الليل المتأخرة كنت في الثالثة أو الرابعة عندما جاءت «إيرمي»،
لكي تعيش معنا في أوماها كأسرة بديلة.. ومازلت أذكرها كما رأيتها عندئذ...
كانت في الثامنة عشرة، بعيون واسعة، ولها شعر حريري أسود.. كانت دنماركية
لكن بمذاق خاص نابع من جذورها الإندونيسية.. ضحكتها لا أنساها أبدا...
وعندما تدخل حجرة كنت أشعر بها دون أن أراها أو أسمعها بسبب الرائحة غير
العادية التي كانت تسبقها إلي المكان وقد لا أجد تبريرا كيماويا لكن
أنفاسها كانت حلوة كفاكهة طازجة مقطعة، كنا نلهو ونلعب طيلة النهار... وفي
الليل ننام معا، كانت تنام عارية وأنا أيضا، وكانت تجربة أحبها... كانت
عميقة النوم ويمكنني أن أتخليها الآن، نائمة في فراشنا بينما القمر ينصب من
النافذة، وتحدد أشعته جسدها العاري بلون ليموني مشع، وكنت أجلس متأملا
جسدها... وأداعب ثدييها.. وألتصق بهما حتى أعتليها تماما، كانت كلها ملكي
تنتمي لي ولي وحدي، هل كانت تدرك شغفي بها هل كان من الممكن أن نتزوج فوق
السحاب ونتقاسم حبنا ولكنت قد حميتها فوق عربتي السماوية وجمعت لها كل
اللآلئ التي تتناثر حول النجوم، وعبر الزمن وأبعد من الضوء إلي الأبد...).
(...في ذلك الزمان كان الناس كرماء، كانوا علي استعداد أن يطعموك
مقابل عمل إضافي، ولم تكن الجريمة شائعة.. وطرقت باب إحدى المزارع وعرضت أن
أقوم بعمل مقابل وجبة عشاء، وسألني الرجل: «ما الذي يمكن أن تعمله مقابل
عشائك؟». وأجبته أفعل أي شيء، وعندما عرف أنني تربيت في مزرعة، أخذني إلي
حظيرته لأحلب بقراته وأطعم خنازيره، واقتادني إلي المطبخ لأجلس مع أسرته
لأتناول عشائي، وبعد العشاء قادني إلي حجرة ابنته لكي أنام.. كانت جميلة
جدا، وعندما أطفئت الأنوار زحفت إلي فراشها، لكنني ندمت لائما نفسي علي فعل
ذلك بعد أن أحسنوا إلي، ولم أعد أبدا في حياتي لمثل هذا التصرف الغبي...).
كيف لا.. ونحن أمام متمرد استثنائي.. آثر أن يعطي للفن والتمثيل على الأخص
كل حياته.. لذا فلا بد أن تكون مذكراته (اعترافاته) استثنائية إلى أقصى
درجات الصدق.
|