ناتالي بورتمان.. عندما شاهدتها لأول مرة في إحدى أجزءا "حرب النجوم"،
كانت قد لفتت إنتباهي بجمالها.. لم يكن يعني لي أدائها أي شيء.. لم يكن
لافتاً.. كان هذا منذ حوالي الخمس سنوات.. هي الآن أكثر نضجاً وأكثر
مقدرة على تجسيد شخصياتها.. أجدها في فيلمها الأخير (V
for Vendetta)،
قد أجبرت الجميع على إحترام أدائها، حيث نعتبر هذا الفيلم بحق إنطلاقة
حقيقية لنجوميتها.. التي ستجعل المنتجين يحسبون ألف حساب في التعامل
معها كنجمة متألقة.
لا
يعنيني بالطبع أن تكون هذه الفنانة يهودية أو إسرائيلية حتى.. يعنيني
أكثر ما لديها من قدرات أدئية خلاقة.. أحترمها وأقدر ما تقدمه لي من
متعة فنية.. حتى ولو كانت من المريخ..!!
عموماً.. حديثنا هنا ليس عن نجمة الفيلم.. بل عن الفيلم نفسه.. هذا
الفيلم الذي أثير حوله الكثير من الجدل.. حول أحقيته في أن يكون فيلماً
سياسياً فكرياً.. أم أنه إحدى روايات الخيال العلمي المثيرة والبعيدة
عن المنطق..!!
بعد
إنتهاء مشاهدتي للفيلم.. كان لدي أنطباعاً طاغياً.. بمدى المتعة
والتسلية التي ظهرت بها من العرض.. بقى تأثيره في نفسي لعدة أيام.. نجح
الفيلم في شد إنتباهي منذ أولى لقطاته حتى آخرها.. بل جعلني في حالة من
الدهشة والإنبهار، حالة لا تضاهى.. وكان هذا الإحساس يكفيني لأبدي
إعجابي وتأثري بما جاء به الفيلم.. حتى أنني لم أكن أرغب في الكتابة
عنه، حتى لا أفسد هذه المتعة الشخصية بالفيلم.. أحياناً هكذا يتراءى
لي..!!
في (V
for Vendetta)..
نحن أمام فيلم يتحدث عن الإرهاب والخوف ومن ثم الإصرار على الإحتفاظ
بالحرية مهما كان الثمن.. فنرى السيناريو يقدم الحدث تلو الحدث لتأكيد
هذه المقولة.. إنه يستفيد من الماضي في إسقاط أفكاره على الحاضر
والمستقبل.
فاسم
الفيلم يشير إلى الإنتقام في اختياره لأول حرف من كلمة (Venditta)
والتي تعني الإنتقام باللاتينية، كما يشير هذا الحرف لعلامة النصر،
وإلى الرقم خمسة، وهو رقم الزنزانة التي عاش فيها البطل، وأخيراً يشير
إلى الخامس من نوفمبر، ذلك التاريخ الذي يقول الفيلم أنه سوف يكون أولى
بشائر التغيير.
الفيلم كتب السيناريو له الأخوان وانشوسكي واضعي سلسلة أفلام "ماتريكس"..
وهو مأخوذ عن سلسلة قصص مصورة للكاتب البريطاني "آلان مور" كتبها مع
بداية الثمانينيات، وهي قصص تميل إلى التقسيم التقليدي ما بين عالم
الشر وعالم الخير.. متناولاً ذلك البطل الخارق الذي خرج من تجربة قاسية
ليبحث عن الإنتقام من أعدائه.. ويكرس ما تبقى من حياته لمقاومة
والإنتقام من الشر وأصحابه. ويجدرالإشارة هنا، إلى أن هذه القصص كتبت
في الفترة التي تسيدت فيها مارجريت تاتشر الحكم في بريطانيا، وتسيدت
بسياساتها اليمينية المحافظة.
يستفيد الكاتب أيضاً من التاريخ في صياغة حكايته هذه.. حين يتحدث عن
المدعو جاي فوكس، الذي حاول في بداية القرن السابع عشر تدمير مبنى
البرلمان البريطاني في الخامس من نوفمبر، سعياً للقضاء على الحكم
الملكي البروتستانتي، إلا أن محاولته باءت بالفشل، مما أدى إلى إعدامه
شنقاً أمام الجماهير.. الذين إعتبروه إرهابياً يحتفلون شعبياً بحرق
دميته كل عام.
هنا
يطرح الفيلم تساؤلاً هاماً ومشروعاً: أليس ما يراه البعض إرهاباً، قد
يراه البعض الآخر نضالاً من أجل الحرية..؟! وهو سؤال بالفعل خطير، وذو
إسقاط سياسي على الوضع الحالي، ينتقد فيه السياسات الأمريكية الراهنة
في دعواها بأن كل ما ترتكبه من جرائم ليس إلا دفاعاً عن النفس وحرباً
على الإرهاب..!!
يبني
السيناريو عالماً مستقبلياً متخيلاً لبريطانيا عام 2020، عالم تسيطر
عليه حكومة فاشية تعيد كابوس النازية من جديد، وذلك من جراء ممارساتها
القمعية والسيطرة على كل شيء في حياة الأفراد والجماعات.. حكومة تتلاعب
بمصائر البشر وتدعي الوطنية وحماية الناس من الإرهاب والمرض، حيث تفتعل
وباء قاتلاً وتقوم بنشره ليسود الرعب والذعر في قلوب الجماهير،
وبالتالي يسلموا قيادهم للنظام لحمايتهم.. كل هذه الأمور تجعل قبضتها
أكثر صرامة، ليظهر لنا رمز الدولة القمعية "ستالر" على شاشات ضخمة يلقى
بأوامره وتحذيراته، في إشارة مباشرة للحديث عن ضرورة تخلي الجماهير عن
جانب من حريتها في مقابل الحصول على الأمن والسلام.
في
مقابل هذه الحالة من القمع والتسلط الذي يعيشه البشر، يقدم السيناريو
بطله في مواجهة منظومة كاملة تتحكم في العالم. حيث يقرر البطل التمرد
على هذا ويسعى لتحطيم هذه المنظومة، بينما الآخرون يستسلمون لهذه
الحالة من السبات الطويل في الخضوع الكامل.. ليأتي هذا البطل ويبث فيهم
الأمل في الحياة من جديد.. يهيئهم لذلك اليوم الموعود.. وينجح في تحطيم
البرلمان بمساعدة قلة من المناصرين لفكره وآرائه.
الأفكار الرئيسية التي تناولها الفيلم تتركز في فكرة أن الإرهاب ليس
بالضرورة من صناعة الأفراد فحسب، بل أن الحكومات تستفيد من صناعته
لحماية مصالحها ووضع الشعوب في حالة خطر دائم، لتنجح في الإمساك
بزمامها واعتمادها على حكوماتها في توفير الأمن والسلام. كما يدعو
الفيلم الى الحرية والتمسك بها مهما كان الثمن.
عند
الحديث عن فيلم (V
for Vendetta)، لا يمكن إغفال تلك الشحنة الفنية البصرية التي كان لها تأثر
نافذ على محتوى الفيلم.. فمن غير تلك العناصر الفنية من إخراج وتصوير
ومونتاج وموسيقى، لم يكن لرسالة الفيلم أن تصل إلى المتفرج بهذه
القوة.. ولم يكن لهذا المضمون الفكري أن يلفت الإنتباه لدى المتفرج..
فبالإضافة إلى عنصر المفاجأة والإبهار الذي تحلى بها السيناريو الأخاذ
في حبكته الدرامية المدروسة بعناية.. هناك المونتاج الذي كان متناغماً
مع الحدث، بل له تأثير كبير على مجريات سرد الحدث.. كما أن الموسيقى
نجحت في شحن المتفرج بذلك التأثير النفسي والبصري، من خلال موسيقى
أوركسرالية كلاسيكية جميلة ومشاركة في الحدث، أو موسيقى إيقاعية
مؤثرة.. هناك أيضاً التصوير الذي لم يوفر وسعاً في إضفاء جو درامي
مشحون بصرياً، من خلال إضاءة درامية موضفة بشكل مؤثر ولافت.. ناهيك عن
الأداء التمثيلي، إن كان من المتألقة ناتالي بورتمان التي نجحت في
توصيل مشاعر وأحاسيس متناقضة نجحت في تجسيدها بشكل لافت.. أو من البطل
صاحب القناع (هوغو ويفينغ) الذي نجح بجدارة في كسب تعاطف المتفرج من
خلال أداء صوتي وحركي فقط.
بطاقة
الفيلم:
تاريخ
العرض الأول: 17 مارس 2006
النّوع: أكشن/ دراما/ مغامرات/ خيال علمي
التقدير:
R
زمن
العرض: 131 دقيقة
بطولة: ناتالي بورتمان، هوغو ويفينغ، ستيفان ريا، جون هيرت
إنتاج: بيجامين ويسبيرن، جول سيلفر، أندي واتشويسكي
توزيع: أفلام وورنر بروز
إخراج: جيمس ماكتيكوي
|