بلا
شك أن الكبير يوسف شاهين، يشكل حالة خاصة ونادرة في السينما
العربية، فهو الفنان الباحث دوماً عن أسلوب مختلف وصياغة جديدة
لأفكار ومفاهيم عادية ومتداولة.. فقد أعطى هذا الفنان الكثير
للسينما المصرية والعربية، من خلال ما قدمه من أفلام تعد حتى الآن
علامات مضيئة في سماء الفن العربي والعالمي.. أو بما علمه لأجيال
كثيرة من تلاميذه..!!
شاهين بعد أن تعدى الثمانين عاماً، ويصارع المرض
منذ سنوات طويلة، مازال يقدم السينما التي يريد.. مصراً على
السينما أينما كان.. ومازلنا ننتظر مشاهدة آخر أعماله (هي فوضى)
الذي من المفترض أن يعرض في صالات البحرين خلال أسابيع قليلة
قادمة.
شاهين إذن.. أقل ما يقال عنه أنه فنان مثير للجدل،
مصطحباً ضجة مع كل فيلم جديد يقدمه.. بل مازالت أفلامه بعد كل هذه
المشوار الطويل، تثير عند عرضها الكثير من الأسئلة وردود الأفعال
الإيجابية والسلبية.. فهو من الفنانين المشاغبين.. أقصد القادرين
على إعطاء شحنات صادمة للمتفرج.. وعدم اكتفائه بالتسلية والترفيه..
وباعتباره فنان مشاغب، فهو يحتاج لمتلقي مشاغب أيضاً.. يقدم له
السينما كما تعلمها وعرفها وعلمها تلاميذه..!!
ومهما أختلف معه الآخرون فهم يجمعون بالطبع بأنه
فنان ملتزم، قدم أفكاراً اجتماعية وسياسية جماهيرية، وناقش قضايا
حياتية تهم غالبية الشعب المصري والعربي بشكل عام.. لكنه في نفس
الوقت قدمها بأسلوب مغاير وتكنيك وإبهار سينمائي جديد لم يسبقه
إليه أحد، ولم تعتاده عيونهم وأمزجتهم.. وشاهين بالتحديد لا يهتم
إن كان هذا المتفرج قد يفهم أو لا يفهم ما يقدمه له.. فهو كفنان
خلاق يرى بأن الفنان لا يقف عند هذه الحدود الشكلية.. فهو يفهم
السينما كرؤية وفكر وفن قبل أن تكون تسلية وإبهار.
ومما لابد من ذكره، بأن الفنان، أي فنان، لكي ينجح
لابد أن يخطئ.. وشاهين، في مشواره الطويل مع السينما والذي تعدى
النصف قرن، مليئاً بأعمال سينمائية تعدت الأربعين فيلماً.. ومن
خلال متابعتنا اللصيقة لمجمل هذه الأعمال التي أعجبنا أغلبها، وليس
جميعها.. نرى إخفاقه أحياناً أو ربما سوء تقدير معين منه، في
اختيار سيناريو أو ضعف في مشاهد معينة، قد جعل من أفلامه تتفاوت في
المستوى والقدرة على التأثير.. وهذا بالطبع لا يضعف من مكانته
كفنان مبدع ومخرج خلاق.. يمتلك سحر فني عالمي..!!
وأبرز مشاكل شاهين في أفلامه التي لم تعجبنا، هي
السيناريو.. خصوصاً تلك التي كتب لها السيناريو بنفسه (إسكندرية
كمان وكمان، إسكندرية ـ نيويورك).. فقدرته كسيناريست لا ترقى إلى
قدراته كمخرج.. مع أن اختياراته لسيناريوهات غيره نجدها جداً
موفقة، وناجحة. وهذا ما يجعلنا نتشوق لمشاهدة فيلمه الأخير الذي
كتبه (ناصر عبدالرحمن). الذي كتب منذ سنوات فيلم (المدينة) ليسري
نصرالله.
|