في حديث للفنان محمد كريم، تحدث عن الظروف التي أخرج فيها أول
أفلامه، فقال: (...قابلت طلعت حرب باشا في برلين عام 1925، وطلب
مني العودة الى مصر للعمل في شركة مصر للتمثيل والسينما، والتي
تخصصت في إنتاج الأفلام. ولما عدت الى مصر عام 1926، وجدت يوسف
وهبي ناجحاً في المسرح، وعرضت عليه فكرة العمل في السينما، ولكنه
لم يفكر إلا في نجاح مسرحياته، فلجأت الى طلعت حرب في بنك مصر،
قابلته وقدمت إليه المستندات التي تدل على دراستي للسينما في
ألمانيا، فقال لي بالحرف الواحد (أنا ياخويا ماينفعنيش الكتابة على
الورق، عايز أشوف بعيني، إخرج لنا حاجة وبعدين أتفق معاك، وروح
بكره قابل عبدالله فكري أباضة).. وذهبت لمقابلة عبدالله فكري، وبعد
اطلاعه على المستندات قال لي »اسمع يا كريم، إخرج لنا فيلم عن
حدائق الحيوان في الجيزة، علشان نجربك بدون أجر«.. فوافقت على ذلك،
كنت أذهب الى حدائق الحيوان يومياً لأشاهد الحيوانات في الأقفاص،
وأتجول في الحديقة، واستغرق هذا البحث شهراً كاملاً، وذهبت مع حسن
مراد، كان وقتها مصوراً بالشركة، وبدأت تصوير الفيلم يوم الأربعاء
15يونيو عام 1927، وانتهى التصوير بعد شهر، وتم الطبع والتحميض
وكتابة العناوين وتصويرها في شهر، يعني استمر العمل في إخراج فيلم
(حدائق الحيوان) حوالي ثلاثة أشهر. وبعد إعداد الفيلم للعرض، حضر
طلعت حرب مع عبدالله أباضة وعدد من الشخصيات المالية والتجارية الى
مقر شركة التمثيل والسينما لمشاهدة الفيلم، الذي نال إعجاب طلعت
حرب وجميع الحاضرين. وفي اليوم التالي، استدعاني عبدالله أباضة
وأخبرني بأن طلعت حرب أمر بصرف الأشهر الثلاثة التي اشتغلتهم،
وعينت في الشركة كمخرج بمرتب اثنا عشر جنيهاً في الشهر، وقدم لي
شيكاً بمبلغ ستة وثلاثين جنيهاً، وكان هذا المبلغ كنزاً، فقد كان
أول مرتب أخذته من بلدي كمخرج سينمائي...).
عودة للمسرح:
بعد عودته من ألمانيا، وقبل عمله مع طلعت حرب، وقف محمد كريم على
خشبة مسرح رمسيس مع يوسف وهبي، ليؤدي دور ضابط في مسرحية (تحت
العلم) بالرغم من أنه قام بمحاولات لإقناع يوسف وهبي بإنتاج فيلم
سينمائي يقوم هو بإخراجه، حيث أن فكرة الإخراج هي التي كانت مسيطرة
على تفكيره، بعد أن كان حلمه الأكبر أن يصبح ممثلاً، خاصة إن معظم
الأفلام التي قام بالتمثيل فيها لم يكن لأدواره فيها شأن كبير، كما
كان للمخرج الألماني »فريتز لانج« تأثيره الكبير على محمد كريم
وتحويل اهتمامه الى الإخراج السينمائي.
ويعتبر محمد كريم هو أول من صور أفلاماً سينمائية لبعض المناظر
الخارجية التي تقع في بعض مسرحيات يوسف وهبي، ودمجها في المسرحية
أثناء العرض. وفعلاً نجحت هذه التجربة الرائدة، ونجحت بالتالي
محاولات محمد كريم في إقناع صديقه بدخول مجال السينما، حيث نشأت
فكرة رمسيس فيلم، وكان الاتفاق مع كريم على إخراج فيلم يكون باكورة
إنتاج هذه الشركة. فاختار محمد كريم رواية »زينب« للأديب محمد حسين
هيكل، لتكون بداية العلاقة بين الأدب والسينما المصرية. عرض الفيلم
في سينما »متروبول« في التاسع من أبريل عام 1930، وقد قام كريم
بتصوير مناظر الفيلم في عدة أماكن من الريف. وقد حقق الفيلم نجاحاً
كبيراً، حيث قدم من خلاله ولأول مرة الوجه الجديد »بهيجة حافظ«
أمام سراج منير وزكي رستم، وكان الفيلم صامتاً ـ بطبيعة الحال لأن
السينما المصرية لم تكن قد نطقت بعد، ولهذا أعاد كريم إخراج هذا
الفيلم ناطقاً في عام 1952، بعد أن عهد ببطولته الى راقية إبراهيم
ويحيى شاهين وفريد شوقي.
وبعد أن نطقت السينما العالمية، أقدم محمد كريم على إخراج مسرحية
رمسيس الناجحة (أولاد الذوات) في فيلم سينمائي من إنتاج وبطولة
يوسف وهبي مع أفراد فرقته المسرحية. وصورت أغلب مشاهد الفيلم في
باريس، لأنه لم تكن قد أقيمت بعد أستوديوهات مجهزة بمعدات الصوت أو
حتى الإضاءة. أما بقية المشاهد فقد صورت صامتة في أستوديو رمسيس،
وأدخلت عليها مؤثرات صوتية فيما بعد. ولم تكن صناعة السينما في مصر
قد عرفت فن المونتاج إلا عندما أُخرج هذا الفيلم، حيث تم عمل
مونتاجه في باريس وتحت إشراف كريم نفسه. وقد لاقى فيلم (أولاد
الذوات) نجاحاً كبيراً، عندما عرض في سينما »رويال« في الرابع عشر
من مارس عام 1932. |