شيء من الخوف
في الثالث من فبراير، تمر الذكرى
الخمسين على العرض الأول لفيلم (شيء من الخوف ـ 1969)، الفيلم
الثالث في مسيرة المخرج المصري حسين كمال.. وهو الفيلم الذي أنهى
به مرحلة من أخصب مراحله الفنية في مشواره السينمائي الطويل.. ألا
وهي المرحلة التجريبية. وبهذا الفيلم ـ أيضاً ـ ينهي حسين كمال
تعاقده مع القطاع العام، ويتجه للعمل مع القطاع الخاص، وذلك لتنفيذ
أفلام تستهدف تحقيق أعلى الإيرادات، وتخاطب الغرائز والرغبات
السهلة لدى قطاع كبير من الجمهور.
خلال مرحلته الفنية الأولى
(التجريبية)، نجح حسين كمال في كسر وتحطيم بعض القواعد التقليدية
للسينما المصرية، وتقديم شكل جديد وضعه في مصاف أهم المخرجين
المصريين آنذاك. ففي فيلمه (شيء من الخوف) قدم حسين كمال أسلوباً
فنياً مبتكراً، حيث لجأ الى أسلوب جعل من الفيلم أشبه بالحكاية
الشعبية، علماً بأن الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب ثروت عكاشة.
وبعيد عن سردنا لحكاية عتريس وفؤاده
(حكاية الفيلم) التي حفظها الجمهور، فان حسين كمال كان ذكياً عندما
لجأ الى أسلوب الحكاية الشعبية مستخدماً بعض الأغاني، التي توزعت
بين ثنايا الفيلم، للتعليق على الأحداث، حيث أكسبت الفيلم نكهة
خاصة جعلت المتفرج يتفاعل معه ويتحمس له حتى النهاية. هذا من جهة،
ومن جهة أخرى حاول حسين كمال تغطية ما في القصة من مبالغات في
المواقف الدرامية، معتقداً بأن الموقف بمجمله، وليس بتفاصيله، هو
هدف الفيلم، على عكس ما كان في فيلميه السابقين (المستحيل،
البوسطجي)، حيث كانت التفاصيل فيهما عوناً له في إغناء الحدث
الدرامي الرئيسي وتعميقه.
لقد تخلى حسين كمال ـ أيضاً ـ عن
واقعيته في هذا الفيلم، واقعيته التي قدمها في (البوسطجي)،
فالواقعية ليست تصوير الأماكن الحقيقية وجعل الشخصيات تتكلم بلغة
المكان، وإنما هي تقديم الأحداث والشخصيات بشكل مقنع وصادق في
أفكارها وتصرفاتها، لتذوب في هذا الواقع وتعطي عملاً واقعياً
متكاملاً.
وبالرغم من أن حسين كمال، في فيلم (شيء
من الخوف)، استطاع أن يجعل المتفرج يعيش مع صورة من الريف المصري،
بكل تقاليدها وعاداتها ولغتها، إلا أنه لم يستطع أن يقنعه بهذه
الصورة المفتعلة والمبالغ فيها من الإجرام والمتمثل في عتريس..
والإجرام بطبيعته إما أن يكون من السلطات وأعوانها أو أن يكون
إجرام الإقطاع، وهو إجرام منظم.
وكما هو معروف منذ أقدم العصور، بأن
التكوين والهيكل الاجتماعي للأسرة في القرية المصرية يعطي الأولوية
في كل شيء للرجل، وليس المرأة سوى تابع للرجل وتحت حمايته. فكيف
يمكن لحسين كمال إقناعنا بأن تكون فؤاده (المرأة) هي من ينقذ
القرية من الظلم والإجرام؟ كما إن إصرار عتريس (الجد) على أخذ وعد
من حفيده لمواصلة ما بدأه، ثم ذلك التحول المفاجئ للحفيد يتناقض
تماماً مع شخصيته وتكوينها (في بداية الفيلم)، ولم يقدم لنا حسين
كمال مبررات كافية ومقنعة لهذا التحول، أي إنه لم يستطع إقناعنا
بواقعية بعض شخصياته وبعض أحداثه في فيلمه هذا.
لقد كان دور الصورة السينمائية، في
القسم الأول من الفيلم، بارزاً. وكان الحوار مركزاً داخل تكوينات
جمالية قوية للكادر. وليست مشاهد الأرض العطشى وما بها من تشققات
ثم ارتواؤها بالماء إلا دليلاً على ذلك. أما القسم الثاني، فقد طغى
عليه الحوار وضعفت تكوينات الصورة، بالرغم من أن الحوار الذي كتبه
عبدالرحمن الأبنودي تتضح فيه الصياغة الجيدة والعذوبة في نسج الجمل
الحوارية. وتأتي الموسيقى التصويرية مع الأغاني والكورال، لتضفي
على الفيلم طابعاً جميلاً ومؤثراً.
وبالرغم من احتواء فيلم (شيء من الخوف)
على بعض السلبيات، إلا أنه يظل واحداً من الأفلام البارزة في تاريخ
السينما المصرية، وذلك لتقديمه أسلوب الحكاية الشعبية بشكل جديد
ومؤثر. |