أهمية فيلم (تيتاوونج) لا تكمن فقط في اكتشافه لكل هؤلاء الفنانين
والفنانات، والذي أصبحوا فيما بعد من المشاهير، بل تكمن أيضاً في
قيمته الفنية التي أشاد بها النقاد والمهتمين بالسينما، إن كان من
ناحية التمثيل (خصوصاً أداء أمينة محمد)، أو من الناحية الفنية
التشكيلية، والتي كان وراءها فنان كبير هو الفنان عبد السلام
الشريف.
فعندما عرض الفيلم في سينما "الأميركان كونوجراف" بالقاهرة، نال
نجاحاً كبيراً وإقبالاً جماهيرياً غير متوقعاً تماماً، خاصة وإن
إمكانياته الإنتاجية ضئيلة جداً، مقارنة بأفلام أخرى عرضت في نفس
الموسم السينمائي، مثل فيلم (ليلى بنت الصحراء) لبهيجة حافظ، والذي
تكلف إنتاجه ستين ألفاً من الجنيهات، وفيلم (المجد الخالد) ليوسف
وهبي، و(نشيد الأمل) لأم كلثوم، و(يحيا الحب) لمحمد عبد الوهاب.
وكان ذلك ـ بالفعل ـ أكبر تحدٍ للجيل الثاني من شباب السينما
المصرية في منتصف الثلاثينات.
إن السينماتيك المصرية، عندما أنشأت عام 1957، وقامت بتنظيم مهرجان
لها في 1958، قد اختارت للعرض خمسة أفلام فقط، تعتبر نقطة تحول في
تاريخ السينما المصرية، وكان أولها فيلم (تيتاوونج)، إلى جانب
أفلام سلامة في خير، العزيمة، هذا جناه أبي، درب المهابيل. وقد
حضرت الفنانة أمينة محمد هذا العرض الخاص للسينماتيك، والذي أعتمد
على نسخة مقاس 16 مليمتر. وقد كرمها الحاضرون أكبر تكريم، بعد أن
عرف بمجهودها وبظروف إنتاج هذا الفيلم.
وبعد إنتاجها لفيلم (تيتاوونج)، اعتزلت أمينة محمد الفن، ولم تظهر
إلا في فيلم واحد عام 1945، وذلك عندما اختارها المخرج أحمد بدر
خان لتمثيل دور أم البطل في فيلم (تاكسي حنطور)، مع محمد عبد
المطلب وسامية جمال.
وفي عام 1950 جاء إلى القاهرة المخرج العالمي "سيسيل دي ميل"
لتصوير المناظر الخارجية لفيلمه التاريخي (الوصايا العشر) في صحراء
سقارة بمنطقة الأهرام. ولأن الفيلم كان يضم مجموعات كبيرة من
الكومبارس، وصل عددهم إلى ثلاثة آلاف شخص، فقد كانوا مقسمين إلى
فرق وفصائل، كل فرقة يقودها مساعد مخرج يوجهه حسب تعليمات المخرج
الرئيسي. وفي ذلك الوقت وقع الاختيار على أمينة محمد للعمل كمساعدة
للمخرج العالمي في هذا الفيلم العظيم.
بعدها، ابتعدت أمينة محمد عن الفن والسينما تماماً، واتجهت إلى
المشاريع السياحية والتجارية، حتى وافتها المنية في الخامس عشر من
ديسمبر عام 1984.
وبهذا، يسدل الستار على رائدة من رواد الفن السينما المصرية..
رائدة كان لها ولمجهوداتها الفضل في دفع عجلة الفن من خلال دعمها
لجيل كامل من شباب الفن السينمائي في مصر. |