فيلم (الكيف-1985) هو عودة ثانية وموفقه لعالم المخدرات للثنائي
المخرج علي عبد الخالق والسيناريست محمود أبو زيد. وذلك بعد نجاح
فيلمهما الأول (العار- 1982). وفيلم الكيف من بطولة محمود عبد
العزيز، ويحيى الفخراني، جميل راتب، نورا. ويعتبر فيلم الكيف من
الأفلام الهامة التي ناقشت قضية المخدرات وتأثيرها على المجتمع، بل
انه ناقش حتى قضية الكيف بشكل عام سواء كان متجسدا في المخدرات أو
في السيل الجارف من الأغاني الهابطة التي تساهم في انحدار الذوق
العام. وهو بالتالي يطرح تساؤلات ويحاول الإجابة عليه، ألا وهو: هل
الكيف حقيقة أم وهم؟
لقد نجح صناع الفيلم في خلق ذلك التسلسل المنطقي للأحداث، كما
نجحوا في خلق جو من الهزل الصاخـب ليكـون معـادلا للمناقشات
المنطقية المستفيضة بين الشقيقين (محمود عبد العزيز، يحيى
الفخراني) الأول غارق في القاع وسط العوالم وحفلات الأعراس وله
فلسفة ولغة خاصة في التعامل مع الحياة، والآخر يعيش حياته وفق
المبادئ والمثل ويتسلح بالعلم. شخصيتان مختلفتان بل ومتناقضتان لم
يكن اختيارهما عبثا وإنما جاء هذا الاختيار لإبراز ذلك الخلل
الاجتماعي والثقافي الذي يعانى منه المجتمع المصري نتيجـة
الانفتـاح الاستهلاكي. هذا الانفتاح الذي كان له دور تخريبي خطير
في انحدار الذوق العام وانتشار أخلاقيات سلبية وسيادة الفن الرديء
والتافه وازدهار تجارة الغش والخداع والنصب وبالتالي استطاع الرديء
الانتشار والسيطرة على الوسط الاجتماعي، حيث قويت شبكـات تجـار
المخدرات وأصبح لهم قلاعهم الخـاصة يحتمون بداخلها، شبكات توزيع
لهذه البضاعة المدمرة تجنى لهم الكثير من الثروة وتقضي على العقل
وتسلب الإرادة. كل هذا ناقشه الفيلم من خلال حـوار كثيف وذكى ومليء
بالسخرية المريرة، حوار يحتو ى على مفردات للغة جديدة سوقية
ومتداولة بشكل واسع في الأوساط الشعبية، كلمات لا معنى لها تتميز
بالغرابة ولها رنين يصدمك ويدهشك استثمرها المؤلف في تقديم عدد من
الأغاني داخل الفيلم أطلق عليها صفة التفاهة أدانها أصحابها في
الفيلم قبل أن يدينها المتفرج. هذه الأغاني اعتبرها المخرج علي عبد
الخالق منفذا له للخروج من جو المناقشات بين الشقيقين وهربا من
الرتابة التي من الممكن أن تسببها هذه المنـاقشات لاحتوائها على
حوار كثيف ومباشر في أحيان كثيرة. صحيح بان هذه الأغاني قد أخذت
حيزا مبالغا فيه بعض الشيء إلا أن المشكلة تكمن ق كاتب السيناريو
الذي اخفق في البحث عن لغة سينمائية تكون فيها الصورة قادرة على
استيعاب مناقشات كهذه، لذلك لم يستطع المخرج حل هذه المشكلة بل
استمر تأثير صوت هذه المناقشات على الصورة ورؤية العين بالرغم من
محاولته (المخرج) الابتعاد عن استخدام زوايا تصوير ولقطات قريبة،
والاستعاضة عنها بزوايا تصوير واسعة وبعيدة لا توضح تعبيرات وجه
الممثل ولا تكشف عن انفعالاته و دواخله. لدرجة لجوئه (المخرج) إلى
أوضاع غريبة للكاميرا دون مبررات فنية أو درامية.
ولكن بالرغم من هذا المأزق الذي وجد المخرج نفسه فيه، إلا أنه
استطاع بمساعدة العناصر الفنية الأخرى الحفاظ على سخونة القضية
المطروحة. كما أن المخرج قد أعطى الفرصة كاملة لممثليه للإبداع
والانطلاق حدود الشخصية المرسومة. فكانت حقا مباراة فنية بين محمود
عبد العزيز ويحيى الفخـرانـي، فقد أضحكنـا عبدالعزيز وأبكانا،
وأبكانا الفخراني وأضحكنا.