لقد صاحبت فيلم (ناصر 56) حملة إعلانية ضخمة منذ الإعلان عن بدء
الإعداد له، أي قبل عامين من عرضه تقريباً. ثم بعد عرضه الخاص أثار
عاصفة صحافية، حيث كتب عن الفيلم الكثير من المقالات النقدية
والتحقيقات الصحفية. أما عرضه الجماهيري الذي بدأ في الثالث من
أغسطس 1996، فقد حطم الأرقام القياسية لشباك التذاكر. حيث اجتذب
الفيلم مليوني متفرج إلى دور العرض في الأسابيع الثلاثة الأولى
التي تلت العرض الافتتاحي. وقد بدأ عرض الفيلم ليتزامن مع الذكرى
الأربعين للتأميم، وأعاد بذلك الجدل الطويل بشأن الدور التاريخي
للرئيس الراحل، ما بين معارض ومدافع.
يحكي الفيلم عن قصة الزعيم والقرار الصعب.. عن جمال عبد الناصر
وتأميم القناة. ويروي عن مائة يوم في حياة هذا الزعيم منذ جلاء
القوات البريطانية إلى العدوان الثلاثي، والتي اتخذ خلالها قرار
تأميم قناة السويس في عام 1956. ويتناول الفيلم هذا القرار منذ أن
كان مجرد فكرة مستترة أشبه بالبذرة التي ولدت في قلب الزعيم بعد
تلك الإهانة الجارحة التي تلقاها من صندوق النقد الدولي، والذي رفض
تمويل مشروع السد العالي بضغط من الحكومة الأمريكية. فقد نمت هذه
الفكرة رويداً رويداً على شاطئ بريوني اليوغسلافي، أثناء محادثاته
الساخنة مع الزعماء تيتو اليوغسلافي ونهرو الهندي، ليعود بها إلى
القاهرة يهدهدها في داخله وتزداد نضجاً حتى تأخذ بمجامع عقله
وتفكيره وقلبه. لقد نجح كاتب السيناريو بذكائه وحساسيته في إيصال
هذه الأفكار والمعاني العميقة ببساطة وسلاسة، دلت على ذكاء وموهبة
محفوظ عبد الرحمن. إن فيلم (ناصر 56) يسجل لنا بشكل سينمائي مدهش،
كيف بدأت هذه الفكرة في قلب وعقل الزعيم، وكيف نمت وازدهرت، وألقت
بثمارها مرة واحدة حتى أصبحت كانفجار رائع هز كل الدنيا.
السيناريو:
فالفيلم وراءه كاتب سيناريو كبير اشتهر بكتابة الدراما التاريخية،
بل أنه يعد من أبرز كتابها، ألا وهو الكاتب محفوظ عبد الرحمن.. وهو
كاتب له أسلوبه المتميز في التعامل مع التاريخ وأحداثه، جاعلاً من
هذا التاريخ قصص وحكايات درامية مشوقة ومقبولة لدى جمهور عريض في
الوطن العربي. وهذا ما حدث أيضاً في فيلم (ناصر 56).. فقد نجح
(محفوظ عبد الرحمن) في اختياره للفترة التاريخية التي تدور فيها
أحداث الفيلم (فترة تأميم القناة)، فهي قمة تألق شخصية عبد الناصر،
حيث أجمع كل المصريين على زعامته. فالفيلم ينقل البطل التاريخي في
حياة الشعب ليصبح البطل الدرامي على الشاشة. ثم أن هذا الفيلم أتاح
لشباب الجيل الحالي الذين لم يعاصروا عبد الناصر، والذين يمثلون
70% من جمهور الفيلم، أتاح لهم الفرصة للتعرف عليه بسرعة وبسهولة
وبأسلوب شيق عن طريق ساعتين ونصف على شاشة السينما بدلاً من قراءة
الكتب والعودة إلى المراجع. لذلك كان للفيلم معنى مختلفاً في حياة
هذا الجيل، فالفيلم جاء عن رجل أضاء في تاريخ الأمة ثمانية عشر
عاماً بكل مالم تكن تحلم به من عزة وكرامة وشموخ وصدام مع
الأقوياء.
وبالرغم من أن الفيلم تاريخي يعتمد على وثائق وأحداث حقيقية، إلا
أن كاتب السيناريو قد استطاع أن يحولها إلى دراما شدت الانتباه
وجذبت الأنظار إليها. فقد احتوى السيناريو على العنصر الإنساني في
حياة عبد الناصر، إضافة إلى العنصر الخيالي الذي هو من وضع الكاتب.
فمثلاً، التصرفات البسيطة كمواطن عادي في بيته مع زوجته وأولاده،
لهفة أولاده عند عودته من السفر، ترقب الزوجة أثناء تواجده في
مواقع وظروف خطرة، إلحاح الأولاد عليه في القيام برحلة إلى
الإسكندرية لقضاء عطلة الصيف، رفضه إقامة حمام سباحة في منزله
بتكلفة أربعة آلاف جنيه بسبب ميزانيته الخاصة التي لا تسمح بذلك.
جميعها معلومات استقاها الكاتب من الوثائق والكتب والمذكرات الخاصة
لعبد الناصر ومعاصريه. أما العنصر الخيالي الذي أضيف على المعلومات
الحقيقية فيمثل تدعيماً للدراما، ومنها على سبيل المثال: اقتحام
موظف سابق بقناة السويس موكب الرئيس يشكو له فصله من قبل هيئة
القناة. إلحاح السيدة العجوز في مقابلته بمكتبه رغم انشغاله. |