فيلم (الإنس والجن ـ 1984)، هو واحد من هذه الأفلام
التي تناولت مثل هذه الموضوعات، كما هو واضح من عنوانه. الفيلم
أخرجه محمد راضي ، وقام ببطولته عادل إمام، يسرا، عزت العلايلي.
ففاطمة (يسرا) الحاصلة
على الدكتوراه في العلوم تعود من بعثة دراسية بأمريكا لتلتقي بشخص
غريب وغامض يدعى جلال (عادل إمام) الذي يفرض نفسه عليها ويصارحها
بأنه يحبها ويريد الزواج منها، لكن فاطمة ترفض ذلك لأنها تحب
زميلها أسامة (عزت العلايلي) الدكتور الذي يعمل معها في مركز
الأبحاث، خصوصاً بعد أن تكتشف ـ ونكتشف نحن أيضاً ـ بأن جلال ليس
بشراً ، بل ينتمي إلى عالم الجن.
وأمام إصرار جلال على ملاحقة فاطمة ومحاولته
إقناعها بالزواج منه لدرجة لجوئه إلى التهديد، فإنها تنهار نفسياً،
ولا تجد مانعاً من التردد على طبيب نفساني، والذي بدوره يفشل في
علاجها، نتيجة تمسكه بالمنطق العلمي وعدم اعترافه بالجن والغيبيات.
لذا تقترح عليها والدتها أن تذهب إلى إدريس، وهو أحد المشعوذين
الذين لديهم اتصال بالأرواح والجن، فترفض في البداية، ولكنها تضطر
للذهاب إليه ليوصلها إلى درجة خطيرة من الانهيار العصبي، تنقل على
أثرها إلى المستشفى. وفي النهاية ينجح الدكتور أسامة من طرد الجني
جلال إلى الأبد، وذلك بتلاوة الآيات القرآنية.
الفيلم بشكل عام لا يخاطب العقل، بل يتناول عنصر
الخرافة وبأكثر المفاهيم بدائية في عصر العلم والتكنولوجيا. وهو،
أي الفيلم، يريد أن يثبت لنا بأن العلم عاجز ليس عن تفسير الظواهر
الخارقة فقط بل حتى تصديقها، ورغم أنها موجودة وغير قابلة للشك.
ويبدو أن الفيلم نفسه غير قادر على إقناعنا بظاهرة الجن، وهذا ما
يتضح فعلاً في تلك النهاية الساذجة، حتى يتم طرد الجني بشكل مفتعل،
مع أنه كان الممكن انصرافه بعد دقيقة واحدة من ظهوره في حياة
فاطمة، إذا كان الحل هو تلاوة آيات قرآنية. لكن يبدو بأن المخرج
كان حريصاً على جعلنا نمكث في عالم الجن أطول فترة ممكنة.
يقول المخرج: (...لم تتم الاستعانة بأي متخصصين
أثناء تنفيذ الفيلم، لأن فنانينا على مستوى جيد ولديهم حس مرهف،
والمخرج الواعي ذو الرؤية الصادقة يستطيع أن يستخرج من الفنان أفضل
ما عنده من طاقات إبداعية. وبالرغم من كل ذلك، كانت تواجهنا مشاكل
الإمكانيات الضعيفة للسينما المصرية بشكل عام، وتطلب ذلك مجهوداً
زائداً للوصول بالعمل إلى شكل يقارب الشكل الذي نتخيله...).
لكن النوايا الحسنة وحدها لا تصنع فناً، فالافتقار
إلى الإمكانيات أنتج بالضرورة عملاً فقيراً على المستوى التقني،
حيث أن هذا الفيلم يقتضي تلك الإمكانيات التقنية والفنية، والتي
تضفي على فيلم كهذا مصداقية ذات تأثير مقنع. ثم أن المستوى الفني
الجيد للفنانين والحس المرهف والوعي والرؤيا الصادقة والطاقات
الإبداعية التي تحدث عنها المخرج، لم تستطع أن تخلق عملاً متميزاً،
أو على الأقل عملاً مقنعاً. فقد لاحظنا بأن الخدع السينمائية التي
كانت تصاحب ظهور الجن واختفائه، لم تكن مقنعة حتماً، بل كانت توحي
بالسذاجة، وتذكرنا بالفيلم العربي القديم (طاقية الإخفاء) للمخرج
نيازي مصطفى. ولولا التصريح ـ عن طريق الحوار ـ بحضور الجن، لما
استطاع المتفرج أن يميز بين طبيعة جلال إن كان جني أو إنسان.
كذلك فإن الموسيقى التصويرية التي وضعها شعبان أبو
المجد، لم تستطع أن تسهم في إحداث التأثير المطلوب. فالموسيقى
بالذات ـ وكما هو معروف ـ في مثل هذا النوع من الأفلام، لها تأثير
كبير، ويمكن أن تلعب دوراً أساسياً في خلق حالة من التوتر والإثارة.
هذا هو ما قدمه لنا فيلم (الإنس والجن)، الذي لم
نلحظ فيه سوى ذلك الجهد المبذول في مجال الإضاءة والديكور، والذي
كان ملفتاً بحق، بالقياس إلى التجارب السابقة في السينما المصرية. |