من ذاكرة السينما..
الغيبيات والخوارق في السينما المصرية
(1)
سيكون حديثنا هذه المرة عن الأفلام التي تتناول
عوالم الغيبيات والخوارق، وهي ظاهرة برزت في السينما المصرية في
ثمانينات القرن الماضي. وسنتناول فيلمين فقط من هذه الموجة نعتقد
بأنهما الأفضل في كل ما أنتج حتى الآن. ولكن قبل أن نفعل ذلك، لابد
لنا من الحديث عن هذه الظاهرة، ورصد أسباب تأخر ظهورها نسبة
للسينما العالمية.
فقد استطاعت السينما العالمية أن تتطرق إلى أنماط
مختلفة من الموضوعات، عبر أساليب واتجاهات فنية متنوعة.. فوجدنا،
إلى جانب الميلودراما والكوميديا، النوع البوليسي والاستعراضي
والتاريخي والحربي والفنتازي وأفلام الرعب والخيال العلمي، وغيرها
الكثير من ابتكارات السينما العالمية. فقد ساهمت التطورات في مجال
العلم والتكنولوجيا في إعطاء السينما الحرية الفنية الواسعة
لمعالجة موضوعات مفرطة في الخيال والفنتازيا، وذلك على نحو مقنع
ومؤثر.
أما السينما المصرية والعربية بشكل عام، فقد ظلت
محصورة ضمن نطاق ضيق من الأطر، بل ظل الاتجاهين الميلودرامي
والكوميدي هما الغالبين، إلى جانب نوعيات أخرى كأفلام المغامرات
التاريخية والبوليسية، وحتى هذه الأعمال كانت قليلة وطرحت أيضاً في
أسلوب واقعي.
وعندما كانت السينما المصرية تلجأ أحياناً إلى
الطابع الفنتازي أو الغرائبي، فإن ذلك يتم في صيغة تهدف إلى
الإضحاك وإبهار المتفرج. ففي تاريخ هذه السينما لم نصادف سوى تجربة
واحدة في مجال الخيال العلمي، وكانت ـ أيضاً ـ في إطار فكاهي، وهي
فيلم (رحلة إلى القمر ـ 1959) للمخرج حمادة عبد الوهاب، من بطولة
إسماعيل ياسين.
ويرجع غياب مثل هذا النوع من الأفلام ـ بالطبع ـ
إلى عدة أسباب، أهمها ضعف الإمكانيات الفنية وعجز السينما المصرية
عن الاستفادة من التطورات التقنية والتكنولوجية في هذا المجال، ثم
انعدام روح المغامرة والتجريب لدى المنتجين العرب، والذين يرغبون ـ
عادة ـ في استثمار أموالهم في أعمال محددة ومألوفة ورخيصة
التكاليف، بدلاً من خوض تجارب غير مضمونة الربح. إلى جانب تردد
السينمائيين أنفسهم في طرح معالجات مغايرة جريئة، خشية أن تواجه
مثل هذه الأفلام عدم استحسان الجمهور لها. ويبدو بأن التردد
والتخوف في طرح موضوعات كهذه، جاء بسبب كون هذه الأفلام تقتضي في
تنفيذها تقنية عالية في مجال المؤثرات البصرية والسمعية وفي مجالات
فنية أخرى. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كون هذه الأفلام معرضة
لأن تعالج موضوعات تمس الدين والتقاليد، وفي هذه الحالة لابد من
مراعاة الحذر لتجنب مثل هذه المحاذير.
لقد تناولت السينما المصرية عبر تاريخها الطويل
موضوعات الأشباح في عدد محدود من الأفلام، إلا أنها منذ بداية
الثمانينات بدأت بالتوجه إلى صناعة الأفلام الغرائبية والتطرق إلى
عوالم الخوارق والغيبيات في بعض الأفلام. وهي أفلام، أو بالأحرى
تجارب سينمائية، تظهر من حين إلى آخر، وتهتم بتناول موضوعات تتصل
بعوالم الأرواح والجن، من خلال أساليب متباينة وعبر منطلقات مختلفة
إلى حد ما. |