فيلم (قشر البندق ـ 1995) للمخرج المصري المتجدد خيري بشارة، الذي يؤكد
بأنه يبحث دوماً عن الجديد والمختلف. مهما يكن موضوع الفيلم. المهم أن يكون
جديداً ومختلفاً في الفكرة والطرح والمعالجة.
فكرة فيلم (قشر البندق) فكرة جديدة ومشوقة، وتعتمد على إقامة مسابقة في
الأكل من قبل أحد فنادق الدرجة الأولى من باب الدعاية والإعلان. فيندفع
الجمهور للمشاركة في هذه المسابقة والحصول على المكافأة المادية الكبيرة
المخصصة للفائز الأول في المسابقة، والتي تشرف عليها الفتاة الطموحة فاطمة
(رانيا محمود ياسين)، كانت تعمل كخادمة في نفس الفندق، إلا أن حماسها
وإندفاعها لتطوير نفسها هما اللذان دفعا مدير الفندق رؤوف (حسين فهمي)
لإختيارها كمشرفة أولى للمسابقة. وينطلق الفيلم منذ بداية الإعلان عن
المسابقة ليتابع دوافع الأشخاص الذين تم إختيارهم من قبل اللجنة المشرفة
للمسابقة. فمنهم الموسيقي والعامل والشرطي والرياضي ورجل الأمن وفتاة الليل
والنصاب والمقامر والمرافق والخادمة الصغيرة والمتقاعد وبائعة اليانصيب.
جميعهم دخلوا المسابقة وكلهم أمل بالفوز بالجائزة الكبيرة بغية تحقيق
أحلامهم. وتبدأ المسابقة، التي تتكون من عدة جولات هي عبارة عن أطباق
متنوعة من أكلات عالمية. ومع بدأ المسابقة تتم التصفيات الأولى ويبدأ عدد
المتسابقين في التناقص، ويشتد التنافس بين الباقين. إلا أن المسابقة تنتهي
بمأساة موت المتسابق فتحي من كثرة الأكل، حيث يصاب بسكتة قلبية، وتنتهي
بإنتهاء العلاقة بين فاطمة وخطيبها، وتنتهي بقتل محمود ذهني، وتنتهي بفشل
هشام في مراهناته.
أما شخصيات المشاركين في المسابقة فقد إنتقاهم السيناريو بدقة وصاغ حولهم
حكايات كثيرة منها الطريف والمأساوي.. وهم: فتحي (حميد الشاعري): الموسيقي
الإسكندراني المتسكع والنصاب وتابعه السمين. وتهاني (عبلة كامل): بائعة
اليانصيب التي تعشق فتحي الموسيقي وكانت تصرف عليه، هذا بالرغم من معرفتها
بأنه نصاب، ولكنه هجرها. وصقر (محمد هنيدي): شرطي الأمن الركزي الذي يعاني
من الفقر والجهل، ويعتبر إشتراكه في هذه المسابقة فرصة لتحسين وضعه المعيشي
هو وأسرته في القرية. والرياضي أبو زيد (محمد لطفي): الذي قدم من القرية
على قدميه متأخراً، وذلك لعدم حصوله على ثمن المواصلات. مع أنه بطل
الجمهورية وأفريقيا في كمال الأجسام. ومحمد (طارق لطفي): رجل الأمن وخطيب
فاطمة التي تسببت في فصله من عمله كرجل أمن، وبالتالي يعرض عليها أن تتوسط
له للإشتراك في المسابقة فترفض. مما يسبب خلاف بينهما يؤدي الى فسخ الدبل.
وبالرغم من محاولاته إنهاء هذا الخلاف أثناء المسابقة إلا أنه لا يفلح في
ذلك. وفتاة الليل (دينا): التي تخلى عنها زوجها (حسب قولها) وتركها في
الفندق. تشترك في المسابقة لسداد أجرة الفندق. وهشام (ماجد المصري):
السمسار المغامر الذي يستأجره رؤوف للبحث له عن سيارة موديل 45 لزوجته
الأمريكية. نراه يدبر مبلغ السيارة بطريق النصب من زوج أخته الذي يختلس
مبلغاً من عهدته على أن يسترد نفس المبلغ بعد بيع السيارة. وبعد أن يرفض
رؤوف أن يشتري السيارة، يجد هشام نفسه في ورطة فيستغل جو المسابقة ويعمل
شغل من خلال المراهنات بين الجمهور على المتسابقين. والفلاح محمدين (علاء
ولي الدين): البدين الساذج الذي هرب من الذين يضحكون عليه في قريته، وهو
يعيش الآن عاطلاً في القاهرة منذ ثلاثة أشهر. والخادمة مرزوقة: البنت
الصغيرة التي تجوعها مخدومتها لمدة يوم ونصف، لتجبرها على الإشتراك في
المسابقة لكي تستفيد هي من قيمة الجائزة. والمتقاعد (محمد يوسف): الأب
الفقير الذي يعجز عن توفير جهاز إبنته، بسبب المهر القليل الذي دفعه
خطيبها، فيلجأ الى الإشتراك في المسابقة لتساعده في تحقيق كل أحلامه.
أما لجنة التحكيم فتتكون من: دكتورة علم النفس والأديبة (صافيناز الجندي)،
وهي إمرأة محافظة إلا أنها تعاني من الكبت الجنسي بسبب العنوسة، وتشتاق
لممارسة الجنس مع الرياضي. وعندما تختلي به في أحد الغرف تجهل بأن الغرفة
مراقبة بكاميرا تكشف على الهواء كل مايدور بينها وبين الرياضي. والمحكم
الثاني دكتور في الأغذية من جامعة كاليفورنيا. والثالث هي ملكة جمال وملكة
شواطيء ميامي النجمة (مريم فخر الدين). أما المحكم الرابع والأخير فهو رجل
الأعمال محمود ذهني (محمود ياسين) الذي إختارته مشرفة المسابقة ليكون عضواً
في لجنة التحكيم بسبب إعتذار مفاجأ لأحد أعضائها. وبالرغم من أنه لا يريد
الإشتراك إلا أن فاطمة تذكره بأنه يدين لها بإعتذار وعليه أن يسدده
بإشتراكه في لجنة التحكيم لإنقاذ الموقف.
سيناريو الفيلم جيد وخلاق ومكتوب بعناية فائقة، إستطاع به خيري بشارة أن
يلفت إنتباه المتفرج الى أحداثه حتى آخر لقطة. فبالإضافة الى الحدث الرئيسي
وهو المسابقة، هناك العديد من الحكايات الثانوية كانت قد ساهمت في ربط
الحدث الرئيسي وتقويته.
فمثلاً هناك حكاية محمود ذهني (محمود ياسين) رجل الأعمال المشهور والشاعر
الفاشل والمتورط في قروض تقدر بالملايين لذلك نراه يختار هذا الفندق ليختفي
عن الأنظار والصحافة والرأي العام الى أن يحل مشكلته مع المتسببين في
توريطه. ولكن أجمل شيء في هذه الحكاية هو صياغتها في السيناريو. حيث حرص
كاتب السيناريو على أن لا تكون محشورة حشراً في السيناريو. فجعل الدكتور
زهدي يكتب رسالة لصديقه القديم عبد العزيز يروي له ويتحدث له في لحظة صدق
عن مشوار حياته خلال ال 25 سنة الأخيرة وعن كل ما يحسه ويشعر به، حيث يكتشف
متأخراً بأنه قد أخطأ الطريق في مشوار حياته. دون أن يكون لظهور شخصية هذا
الصديق على الشاشة ضرورة حتى ولو للقطة واحدة، مختصراً في هذه الرسالة قصته
بكاملها في دقائق معدودة. بدل المط والتطويل الذي عودتنا عليه أغلب الأفلام
المصرية. حيث يظهر محمود في لقطات سريع وذكية أثناء سرد قصته لصديقه. وهناك
إعلان المسابقة (هات حته.. هات حته) الذي نفذ بخيال جميل ومتناسب وجو
الفيلم العام. كذلك مشهداً يظهر المشارك فتحي الإسكندراني وهو في طريقه الى
الفندق مع مرافقه، يكح بصوت يتناسب مع نغمة المؤثر الموسيقى للفيلم، وتتبعه
عدة لقطات لآخرين يكحون على نفس النغمة، ليتكون مشهد فنتازي كوميدي جميل.
إنه حقاً مشهداً يعد من بين أبرز الشماهد التى إستخدمها المخرج لإعطاء
طابعاً خفيفاً مقبولاً لفيلمه. وهو بالطبع ليس مشهداً شاذاً كما يعتقد، بل
هو يتناسب والجو العام للفيلم. وهناك الكثير من المشاهد والمواقف التي
نفذها المخرج المبدع خيري بشارة بخبرة ودراية، ووصلت الى المتفرج بشكل جميل
وسلس.
بالنسبة للإخراج بشكل عام، نجح خيري بشارة في تقديم فيلم جميل وسريع
الإيقاع، كما نجح في إدارة فريق عمله الفني في الإرتفاع بمستوى الفيلم
الفني والتقني. من خلال حركة كاميرا سريعة وزوايا تصوير موفقة ومنسجمة مع
المونتاج السريع اللاهث والشفاف والمتناسب والحدث الدرامي. هذا إضافة الى
الموسيقى التصويرية والألحان التي أكملت هذا الإنسجام العام.
ولا يمكن إلا أن نشير الى ذلك الأداء الأخاذ من جميع الممثلين كباراً
وصغاراً، وإدارتهم الجيدة من قبل المخرج الحساس خيري بشارة. يبرز منهم
الوجه الجديد رانيا محمود ياسين، التي نجحت في أول تجاربها وقدمت دورها
بثقة وتمكن، وأعلنت عن وجودها على الشاشة. أما الفنانة عبلة كامل صاحبة
الأداء التلقائي الطبيعي، فهي تواصل تألقها الفني من فيلم الى آخر، وذلك
بتوفيقها في إختيار أدوار متميزة وناجحة. |