عند الحديث عن الفيلم
الغنائي ، لابد لنا من الحديث عن أم كلثوم. فقد شهدت هذه الفنانة الفجر
الأول لظهور السينما المصرية، وعاصرت البدايات الأولى للفيلم الغنائي.
بدأت فكرة العمل بالسينما عند أم كلثوم في أوائل عام 1933، بعد النجاح
الجماهيري الكبير لفيلم (الوردة البيضاء) لعبدالوهاب.
منذ ذلك الوقت، قررت أم كلثوم أن تقوم ببطولة فيلم من إنتاجها، إلا أنها
عدلت عن فكرة الإنتاج فيما بعد، وبدأت في البحث عن قصة تصلح لأن تكون أول
أعمالها السينمائية.
فاتصلت بالشاعر أحمد رامي وطلبت منه كتابة القصة، فكتب لها قصة
"وداد"،
التي أعجبت بها وكلفته بالإتصال بالمخرج محمد كريم، ولكن نتيجة لحدوث بعض
المشاكل بينها وبين كريم، عدلت أم كلثوم عن النزول الى ميدان السينما.
وعاد طلعت حرب، مرة أخرى، يعرض عليها الظهور في بطولة أول فيلم من إنتاج
أستوديو مصر، فوافقت بعد أن إشترطت أن تختار هي مخرج الفيلم وممثليه،
فوقع الإختيار من جديد على قصة
"وداد"،
ورشح أحمد رامي المخرج أحمد بدرخان
لأخراجها.
وافقت أم كلثوم، رغم إن بدرخان لم يسبق له الإشتغال بالإخراج، وكان
عائداً لتوه من بعثة سينمائية في فرنسا. وبعد أن قطع بدرخان شوطاً طويلاً
في إعداد السيناريو، فوجىء بقرار أحمد سالم، مدير أستوديو مصر وقتذاك،
بسحب الفيلم منه ليقوم بإخراجه الألماني فريتزكرامب المستشار الفني
للأستوديو، والذي كان يحارب أي إتجاه يتيح الفرصة للمصريين بالعمل في
السينما.. وقد تنبهت أم كلثوم لهذه السياسة فيما بعد، فأصرت في أفلامها
التالية على أن يقتصر العمل فيها على السينمائيين المصريين فقط.
ظهرت أم كلثوم في ستة أفلام فقط وهي وداد، نشيد الأمل، دنانير، عايدة،
سلامة، فاطمة.. ستة أفلام كتب لها القصة والحوار أحمد رامي، وقام بكتابة
السيناريو والإخراج أحمد بدرخان، ما عدا فيلم (سلامة) الذي إشترك في
كتابة قصته وحواره، مع أحمد رامي، الشاعر بيرم التونسي، وأخرجه توجو مزراحي.
لقد كانت أكبر مشكلة توجه الفيلم الغنائي، قبل ظهور فيلم (وداد)، هي
الأغنية السينمائية؛ فقد كان عرض الفيلم الغنائي يستغرق ساعتين أو أكثر،
تخصص فيها ساعة كاملة أو أكثر للأغاني، مما يدعو للسأم والملل.
لذلك حاول بدرخان تجاوز هذه المشكلة بعد دراسة واسعة، إنتهى فيها الى
إختصار مدة الأغنية من ربع ساعة أو عشر دقائق، كما حدث في فيلم إنشودة
الفؤاد، الوردة البيضاء، الى ثلاث دقائق فقط، وتمتد الى خمس دقائق في
حالات إستثنائية.. هذا إضافة الى أن بدرخان حاول أن تكون الأغنية جزءً
مكملاً لقصة الفيلم وحواره.
لقد مثلت أم كلثوم شخصية الجارية المطربة في ثلاثة أفلام، فظهرت في فيلم
(وداد) كجـارية في عصر المماليك، وفي (دنـانـير) كـانت إحـدى مـطربـات
هـارون الـرشـيد، وفي (سلامة) كانت جارية يزيد إبن عبدالملك. ولا جدال
في أن أفلام أم كلثوم قد إكتسبت الكثير من أهميتها من قوة شخصية أم كلثوم
وكلمات شعراء مثل أحمد رامي وبيرم التونسي ومخرج كبير مثل أحمد بدرخان..
إلا أن رد فعل الناقد تجاه هذه الأفلام يتوقف على تفسير معالجة الأغنية
السينمائية، فبالرغم من بعض التحسينات التي أدخلها بدرخان عليها إلا أنه
من المؤكد بأنها كانت إمتداداً لسلبيات وإيجابيات الأغنية السينمائية التي
قدمها محمد كريم في أفلام عبدالوهاب. وهذا بالطبع لا يمنع من القول بأن
أفلام أم كلثوم كانت نقطة تحول هامة في مشوار أحمد بدرخان الفني، وهي
بالتالي الأفلام الأولى التي أكسبته إعتراف كل من الجمهور والنقاد كمخرج
متميز، وأرست قواعد إتجاهه نحو الموضوعات ذات الطابع الرومانسي.
ستة أفلام فقط، هي كل تراث أم كلثوم في السينما.. بينما كان في مقدورها
أن تقدم العديد من الأفلام، كنتيجة طبيعية لذلك النجاح الجماهيري الكبير
الذي حضيت به أفلامها الستة، وبذلك تكون أم كلثوم قد إنسحبت من السينما
وهي في قمة مجدها الفني كنجمة غنائية متألقة.
وإنه من المهم الإشارة، الى أن أفلام عبدالوهاب وأم كلثوم، قد وضعت
الأساس للمعنى الخاص للفيلم الغنائي المصري، بإعتباره فيلم يقوم ببطولته
مغنٍ أو مغنية، وهدفه الأساسي أداء المغنى وجمال اللحن الموسيقي. كما
أصبح من المتعارف عليه من أن الفيلم الغنائي هو عبارة عن قصة نمطية بطبيعة
البطل المغني، تتخلله عدة أغنيات غالباً ما تكون مقحمة وغير مبررة درامياً.
وبالتالي يصبح من الصعب ومن غير المجدي، أن نقرر الأبعاد الدرامية لهذه
الأفلام ودورها الإجتماعي، وإن كانت في النهاية هي نتاج الفترات التاريخية
التي ظهرت فيها، وهي تعكس بصورة أو بأخرى نفس إهتمام الكثير من الأفلام
التي لم تكن الأغنية تلعب فيها دوراً رئيسياً. |