كان الأمر غير مبشرا في أول أيام مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي، فقد سيطرت الفوضى على كل شيء، ابتداءا من العروض والندوات التي
أعقبت الأفلام، وحتى الأفلام نفسها. فبعيدا عن الوقفة الاحتجاجية التي
سيطرت أحداثها على الحوارات الجانبية للصحفيين، فقد حدثت أزمة تنظيمية
بمجرد انتهاء أول فيلم يعرض في المهرجان، والذي كان من نصيب الفيلم المغربي
"عود الورد"، فبعد انتهاء الفيلم وبحضور مخرجه حسن زينون لم تكن صالة العرض
بسينما جود نيوز مستعدة لاستقبال أول ندوات المهرجان، بل وكان بعض المنظمون
يحسبون أن ندوة الفيلم ستكون في مكان آخر غير صالة العرض، ولذك لم تنصب
طاولة الندوة، واضطر المخرج مع مديرة الندوة أن يبدأوا الندوة وقوفا وبدون
ميكروفون، وهو ما أدى إلى عدم سماع معظم الحضور ما يقوله المخرج أو مديرة
الندوة.
أما في الفيلم الثاني، والذي كان من نصيب الفيلم المصري "ألوان
السماء السبعة" فقد استشرت الفوضى وزادت مع انتهاء الفيلم، فقد انتشرت
كاميرات القنوات الفضائية داخل الصالة بمجرد انتهاء العرض، وفازت كل قناة
بنصيبها من الحوارات واللقاءات مع أبطال اعمل، وهو أمر يتنافى مع نظام
المهرجان في انعقاد الندوة في البداية، وبعد ذلك تعقد اللقاءات
التليفزيونية خارج القاعة بعدها، حتى لا يؤثر ذلك على العرض التالي، أما في
الندوة نفسها فقد زادت الفوضى عن حدها، فقد ترك المجال أمام الجميع من أجل
أن يتحدث أكثر من خمس دقائق، دون مراعاة لأي أعراف تقول بأن هذه الندوات هي
عبارة عن أسئلة من الصحفيين والنقاد فقط، وليست قراءات للفيلم من الممكن أن
ينشرها أصحابها في جرائدهم، ويقرأها الجميع، ولكن لا تفرض على الحضور الذين
يريدون أيضا أن يتحدثوا ويسألوا، وهذا الأمر بالذات وعد عزت أبو عوف
بمعالجته هذا العام، بعد أن كان واضحا جدا في العام الماضي.
العرض الثالث كان من نصيب الفيلم الأميريكي "التملص" وقد حاز بحضور عال
قياسا بالأقلام الأجنبية الأخرى التي تعرض في المهرجان، وذلك نظرا للسمعة
الطيبة التي حاز عليها قبل العرض، وجدية الموضوع الذي يناقشه والخاص بنظرة
الأميريكيين للعرب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، ولكن الفيلم حاز نصيبه
هو الآخر من الفوضى، فبعد أن قدمه يوسف شريف رزق الله، وأثنى عليه كثيرا،
وأغلقت الأنوارن وأنتظر الجميع عرض الفيلم، بدأ العرض ولكن بفيلم يوناني لم
نعرفه، وبعد دقيقتين قطع العرضن واعتذر يوسف شريف عن هذا الخطأ غير
المقصود، فالفيلم الذي تم إحضاره إلى السينما أحضر بطريق الخطأ، أما الفيلم
نفسه فقد ذهبوا إلى إدارة المهرجان من أجل إحضاره، لأنه ليس موجودا بدار
العرض أساسا، وانتظر جميع الحضور أكثر من ساعة ونصف في انتظار حضور النسخة،
وسط غضب الجميع وسخطهم، وهو ما أدى إلى نقل صورة سيئة جدا للمهرجان، حتى أن
أحد الضيوف الألمان قال "إن هذا هو التفكير العربي"، ولكن كانت المقولة
الأكثر صدقا كانت من أحد الشابات المشتركة في تنظيم مهرجان القاهرة منذ
العام الماضي عندما قالت "طبيعي أن يحدث ذلك، فأنت في مهرجان القاهرة"، وقد
تسبب هذا الأمر في تأخر عرض الفيلم التالي أكثر من ساعة كاملة.
أما عن الأفلام نفسها، فقد كان فيلم التملص الأمريكي الذي
يشارك خارج المسابقة الرسمية هو أفضلهم، وخاصة مع تدني مستوى الفيلم المصري
"ألوان السما السبعة" للمخرج سعد هنداوي، والذي سيطر البطء على أحداثه طوال
ساعة كاملة، وبالرغم من ذلك إلا أن البعض من أصدقاء المخرج قد ذهب في
الندوة إلى القول بأن هذا الفيلم به علاقة حب من أفضل ما رأى على مدار
تاريخ السينما المصرية، ولكن الأمر لم يكن مستغربا، فالنقاد الذين شكروا في
الفيلم هم أنفسهم من تحمسوا جدا لسعد هنداوي عند عرض فيلمه القصير الأول،
ونادوا بأن يعطوا لهذا الشاب المعجزة الفرصة كي يخرج أفلاما روائية، وبعد
أن قام بذلك بالفعل في فيلم "حالة حب" وهو فيلمه الأول، وبالرغم من أن
الفيلم على المستوى الفني لم يكن عاليا، إلا أن النقاد خشوا أن يكونوا
مخطئين فيما قالوه عن هذا المخرج من قبل، فأشادوا بالفيلم وسط استغراب
الجمهور الذي شاهد هذا الفيلم، وها هم يكرروا الأمر مرة أخرى مع فيلم قد
تكون هناك العديد من وجهات النظر فيه، ولكنهم تبنوا وجهة النظر الخاصة بهم
فقط، ألا وهي الدفاع عن سعد هنداوي مهما كان ما يقدمه.
حضر نجوم الفيلم الندوة، وعلى رأسهم ليلى علوي وشريف رمزي وحسن
مصطفى ومنى هلا، مع المخرج سعد هنداوي ومؤلفة العمل زينب عزيز، بالإضافة
إلى مدير التصوير رمسيس مرزوق وصاحب الموسيقى التصويرية تامر كروان، وقد
اعتذرت ليلى علوى عن عدم حضور فاروق الفيشاوي لأنه مسافر خارج مصر، على
الرغم من أنه تواجد في العرض التالي والذي عرض في العاشرة مساءا، وتحدثوا
عن أدوارهم بالفيلم، ولكنهم لم يضيفوا أي جديد غير ذلك مع القراءات النقدية
المتعددة التي تسأل عنها مديرة الندوة خيرية البيشلاوي، والتي سمحت للجميع
أن يقول ما يشاء في الوقت الذي يريده، ولكن إذا كان هذا الكلام في صالح
الفيلم، أما أي هجوم على الفيلم، فكانت المصادرة هي الحل الوحيد لذلك.
التصوير لسيد عبد ربه
muhammadabdelaziz999@hotmail.com
موقع "إيلاف" في 29
نوفمبر 2007
|