عن رحيل بيرعمان وأنتونيوني

سينماتك

عظمـــة انجمــــار بــرغمـــان

صحيفة: التايم

ريتشارد كوريس   ترجمة: عدنان توفيق

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

كان برغمان طوال حياته جادا في كل اعماله، فأغلب افلامه الستين تتعامل مع محنة الروح الحديثة، الشياطين والشكوك، الاسرار والاكاذيب التي يحاول الرجال والنساء تجنبها ولكنهم مضطرون لمواجهتها بسبب تلك المحنة بالذات. ان هذا السويدي المعذب كان الجراح الذي يشرح نفسه، كان يشرح مخاوفه ويحلل اخفاقاته ربما لانه كان يطلب الغفران بواسطة الفن، ولعله لم يعثر عليه، حيث امضى سنواته الاخيرة وحيدا في جزيرة فارو ولا يتحدث الا نادرا مع اصدقائه وزملائه القدامى ولكنه عندما توفي عن 89 عاما ترك برغمان وراءه جمهورا واسعا من المعجبين ومجموعة من الاعمال الفنية الفريدة في كثافتها وتأثيراتها. لاشك ان برغمان قد تفاجأ بالترحيب الحار لاعمال يغلب عليها الطابع الشخصي، اعمال كانت تبدو اشبه بالصرخات وفي مقابلة جرت معه عام 2001 قال "ان الارواح الشريرة لا متناهية وتظهر في اكثر الاوقات غير المناسبة لتخلق الالم والرعب". ويضيف في نفس المقابلة "ولكني تعلمت بأني اذا ما استطعت ان اسيطر على القوى السلبية واشدها الى عربتي فانها تستطيع ان تعمل لصالحي". لقد كان برغمان ومن خلال فنه الذي يفتقر الى التسامح ومن خلال المونولوج الداخلي لعقل معذب يحقق التأثير المطلوب على المستوى العالمي. ان افلام برغمان لا تخاطب الجيل المستغرق في علاج التحليل النفسي ولكن الانسانية بأجمعها تحثها علىاكتشاف الاسوأ والاقوى في داخلها وللقيام بتلك الرحلة نحو الظلام من دون دليل سوى تلك الحاجة الماسة الى المعرفة. وخلال ربع قرن من الزمان يبدأ من اول انطلاقة في عالم السينما في الخمسينيات ويستمر حتى تقاعده بعد الانتهاء من فلمه "فاني والكسندر" عام 1982 خلق برغمان ما يسمى بالسينما الجادة وقد حاز فلمه "Vigin Spning” الربيع العذري على جائزة الاكاديمية عام 1961 وجائزة اخرى عام 1962 عن فلمه “عبر الزجاج الاسود Through aclass Darkly” واخر عام 1984 عن فلم فاني والكسندر، كما تم ترشيحه ثلاث مرات لجائزة الاوسكار عن الاخراج في افلامه “Criesand Whis Pens” صرخات وهمسات ووجها لوجه “Facetoface” وفيلمه الاخير فاني والكسندر كما رشح خمس مرات عن كتابه سيناريوهات افلام (التوت البري) “Wildstrawbennies” و”عبر الزجاج الاسود” صرخات وهمسات و”فاني وسوناته "الخريف" “Autumn Sonata and fany” كما كرمته الاكاديمية بجائزة ايرمنغ تالبريغ عن مجموعة اعماله وهو اول مخرج سينمائي خارج الولايات المتحدة يفوز بها. وفي عام 1960 تم تكريمه بأعلى درجة عندما تصدر في صورته غلاف مجلة التايم، وهو اول مخرج من خارج الولايات المتحدة ينال مثل هذا الامتياز منذ تكريم ليني رفيني ستال عام 1936. في تلك الايام كانت الافلام الاجنبية التي تؤثر على الخبراء هي من فرنسا وايطاليا واليابان اما برغمان فلأنه كان يمثل حركة صناعة الافلام لوحده اصبحت الحركة تسمى بأسمه “البرغمانية” واذا ما اعتبرنا الافلام ادبا فان برغمان هو شكسبير السينما. عندما شاهدنا فلم الختم السابع “The Sevententhsead” شعرنا بان هذا هوالفلم الجدير بالدراسة والذي يمكن للدراس ان يكرس حياته له. فقد اكتشفنا بأننا لسنا في مواجهة مخرج يتعاون مع كتاب السيناريو بل صانع للفلم من مختلف وسائل صناعة الفلم. فبأستثناء فلم “الربيع العذري” الذي كتبه اولا ايزاكسون والمزمار السحري وهو تبني مخلص لاوبرا موزارت فان جميع افلام برغمان هي نتاج عقله الخصب حيث يستند على ذكريات الطفولة واغواءات المراهقة، ووساوسه وحساسيته الشاسعة. ونحن الباحثين عن نماذج تصلح للدراسة احببنا هذا الهوس. فمن خلال رؤيته للرجال كمتواطئين يتسمون بالضعف والنساء كقوة الحياة الحكيمة، ومن خلال الفن الغارق في الالاعيب “كما في فيلمه من نوع الكوميديا السوداء الساحرة. ومن خلال دراسته للاغتراب الجنسي “فلم ــ الصمت” ومن خلال تساؤلاته الداخلية لعقول تقترب من الجنون، ومن خلال رحلاته الى الماضي المرير واخيرا في معركته الطويلة مع الله يمكننا ان نقول بان برغمان هو من اعظم صانعي الافلام في العالم.

ولد برغمان عام 1918 في ايسالا من آب يعمل راهبا على النظام اللوثري وكان برغمان مقسما بين دفء الام وتحريمات الاب والتي استوحى برغمان منها العديد من بطلاته. ويمكننا ان نتخيل برغمان بطبعه النكد والميال للتأمل، كان يمتلك عاطفة واحدة هي عاطفة الفن. فعندما تلقى هدية المصباح السحري عندما كان طفلا انبهر بقدرة المصباح على تحريك الصور.

وقد اعطى للكتاب الذي يغطي سيرته الذاتية عنوان المصباح السحري والذي يمكننا ان نقول بانه عبارة عن ابتهال للوحدة التي كان يعاني منها والحماقات التي ارتكبها ويدفعنا الى التفكير بان مثل هذا الطفل الانطوائي كان قد وقع في فخ داخل محارة ولم يكن باستطاعته النجاة منه. ان الصوت المسيطر للمؤلف في افلام برغمان هو تعبير عن قوة شخصيته، فهو يسحر الممثلين والمنتجين وطاقم العمل الذي يعمل تحت اشرافه. في بداية الاربعاينيات تقدم بطلب للعمل في مؤسسة سيفنسك لصناعة الافلام والتي كانت تمتلك الاستوديو الوحيد في السويد وقد اجرت ارملة الكاتب المسرحي هلمار بيرغمان سيتنا بيرغمان لمقابلة معه وتقول ستينا وهي تتذكر تفاصيل المقابلة “لقد ظهر بضحكة يملؤها الاحتقار في الزاوية الاكثر ظلاما في الجحيم، ولكن بسحر اخاذ الى درجة انه بعد عدة ساعات من الحوار تناولت عدة اكواب من القهوة لأ ستيعد نفسي”. وقد وافقت على الحاقه بالعمل في نفس اليوم. وفي السنوات التي سبقت انطلاقة شهرته رآى في السينما اغراء شديدا وهي تقدم له ما لا يستطيع المسرح ان يقدمه له “المال” ويذكر بيرغمان عن تلك الايام “كنت فقيرا جدا وكان لدي العديد من الاطفال والعديد من النساء اللواتي كن بحاجة الى ان ادفع لهن. ان السبب في صناعتي لافلام ممتازة في ايامي الاولى كان لافتقاري الى الاموال” فالمخرج الكبير كان عاشقا كبيرا لا يبالي بالنساء اللواتي ينبذهن. وهناك شائعات تقول بان البطلات السبعة لفلمه “All these women” كل هؤلاء النساء كن عشيقاته. ومن المعلومات المتوفرة عنه انه تزوج خمس مرات. وخلف تسعة اطفال وعاشر عددا كبيرا من الممثلات واللواتي ساعد عدد   كبير منها ان يصبحن نجمات شهيرات.

ان المخرجين الكبار يفقدون بعض شهرتهم عندما يتوقفون عن صنع الافلام وبرغمان توقف عن العمل في منتصف الثمانينيات رغم استمراره في اخراج المسرحيات وكتب بعض السيناريوهات اخرجت من قبل اولمان ومن قبل ابنه دانييل ولكن ومع التغيير الحاصل في المناخ الثقافي لم يعد احد (بأستثناء كاتب هذه السطور" يعتبره من اعظم صانعي الافلام في العالم.

الإتحاد العراقية في 17 أغسطس 2007