خلال تواجده في أسبانيا حيث يصوّر فيلمه الجديد، تبلّغ وودي
ألن نبأ وفاة المخرج السويدي الكبير إنغمار بيرغمان (1918ـ 2007). فكان
لمجلّة تايم الأميركيّة (13\8\2007) أن أرسلت محررها وناقدها السينمائي
ريتشارد كورليس، لسؤاله عن الراحل، وهو أحد مخرجي ألن المفضّلين.
·
تايم: عندما يشاهد الشبان أفلام بيرغمان
العائدة إلى الخمسينات، فهم يفاجأون بما يكاد أن يكون إيماناً دينياً
راسخاً. والدين ذاك هو أن السينما فنّ.
وودي ألن: أوافق على هذا. بالنسبة لي هو "وايلد ستروباريز".
ثمّ "ذا سيفنث سييل" و"الساحر". أدركنا أن بيرغمان كان سينمائياً سحريّاً.
لم يشبهه أحد في كونه مثقفاً وفناناً وتقني أفلام.
·
تايم: بعد طول إعجاب فقد تعرّفت عليه أخيراً
من خلال الممثلة ليف أولمان.
وودي ألن: جمعنا العشاء في جناحه بفندق في نيويورك. لم يكن
أبداً ما قد تتوقعه عنه: الوقور والسوداوي والعبقري المكتئب. بل كان شاباً
عادياً. وقد تحادث معي عن الأرباح المتدنّية لشبابيك التذاكر وعن النساء
وعن العمل في الاستديو.
بعد ذلك كان يحادثني عبر الهاتف من جزيرته الغريبة الصغيرة
(فارو، حيث عاش سنواته الأربعين الأخيرة). كان يروي لي أحلامه غير
المنطقيّة، كأن يكون خلال التصوير وينسى فجأة كيفيّة التعامل مع الكاميرا
ويصاب بالرهاب. فيستيقظ حينذاك ليقنع نفسه بأن لديه خبرة كبيرة، وأنّه مخرج
معروف، وأنّه بالتأكيد يعرف كيفيّة التعامل مع الكاميرا. وقد ظلّ ذلك القلق
يرافقه حتّى بعد تحقيقه لـ خمس عشرة أو عشرين تحفة سينمائيّة.
·
تايم: أنت كنت تعرف بأنّه أنغمار بيرغمان،
فيما هو ربّما لم يعرف ذلك. إذ لم يحظ بسمعته عن نفسه من الخارج.
وودي ألن: تماماً. فقد نظر إليه العالم كعبقري، فيما هو كان
يحيا قلقاً من خسائر آخر الأسبوع. إلى ذلك فقد كان واضحاً ومباشراً في
أحاديثه، ولم يكن شغوفاً بالتصريحات الكبرى حول الحياة. سفين نيكفيست (كاتب
سيرته السينمائيّة) أخبرني أنّ الاحاديث، حين كانوا يحققون تلك المشاهد عن
الموت والموتى، لم تكن أكثر من نكات وثرثرة عن حياة الممثلين الجنسيّة.
·
تايم:عملت مع نيكفيست في أربعة أفلام. ويبدو
أنّك تشارك بيرغمان أخلاقيات العمل.
وودي ألن: لقد نسخت بعض ذلك منه. أعجبتني فكرته عن أن الفيلم
ليس قضيّة كبيرة. تحقيق فيلم بالنسبة له كان معناه أن ثمّة مجموعة من
الأشخاص يقومون بعملهم. كان يعمل بسرعة كبيرة. كان ليصوّر سبعا أو ثماني
صفحات من السيناريو في وقت واحد. لم يكن لديهم المال الكافي ليفعلوا غير
ذلك.
·
تايم: كلانا، أنا وأنت، نعرف عظمته. لكنّه
للكثير من الشبان ـ أقصد الشبان الأذكياء واللامعين في السينما ـ هو "إنغمار...ماذا؟
ما مدى حضور أفلامه اليوم؟
وودي ألن: أعتقد أن لأفلامه حضوراً خالداً، لأنّها تتعامل مع
صعوبة العلاقات الشخصيّة ومع انقطاع التواصل بين الأفراد ومع الطموحات
الدينيّة والأخلاقيّة ـ وهذه ثيمات وجوديّة ستبقى حاضرة لألف سنة من الآن.
وعندما تحال الكثير من الأعمال الناجحة اليوم إلى تراث لا بدّ من الاطّلاع
عليه، فإن ما تركه يبقى عظيماً.
·
تايم: لكن لا يوجد الكثير من الفنانين في هذه
الأيام ممن يقلقهم صمت الله. الحرب، بحسب الإعلام، هي بين مسلحين مؤمنين
وبين ملحدين مخلصين. اللاأدريون المعذبون اليوم هم قلّة.
وودي ألن: أنت محق. هذا كان هاجسه. فقد تربّى تربية دينيّة (
والده كان قسّا لوثريّاً) وكان يتوق إلى احتمال الظاهرة الدينيّة. ذلك
التوق عذّبه طيلة حياته. لكنّه في النهاية كان ترفيهيّاً عظيماً. أفلام مثل
"ذا سيفينث سييل" و"الساحر" تأسرك. أعماله لم تكن كفروض واجبة.
·
تايم: إن سألك أحد ممن لم يشاهد شيئاً من
أفلامه، تزكية خمسة أفلام يتعرّف من خلالها عليه ماذا تزكّي؟
وودي ألن: "ذا سيفينث سييل"، "وايلد ستروباريز"، "الساحر"،
"صرخات وهمسات" و"بيرسونا".
·
تايم: الكثير من المخرجين كان ليكون سعيداً
لو صنع هذه الأفلام الخمسة فقط.
وودي ألن: لا بل واحد منها فقط.
المستقبل اللبنانية
في 12 أغسطس 2007
|