كتبوا في السينما

سينماتك

قراءة في نتائج لجنة تحكيم

كان - محمد رضا

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

كيف انتهى عيد كبير بنتائج صغيرة؟

انتهت الدورة الستون لمهرجان (كان) السينمائي الدولي، الدورة الأكبر في تاريخه، ليس فقط بالنسبة لعدد سنوات حياته، بل أيضاً كحجم وكميزانية وإمكانيات متوافرة. ومثل كل دورة سابقة انتهت هذه الدورة، قبل أيام، بنتائج تم بموجبها توزيع الجوائز؛ ثماني جوائز، تحديداً، لمسابقة الفيلم الروائي الطويل، المسابقة التي تهافت على حضورها أكثر من 4000 إعلامي معظمهم أمّ الأفلام من دون انقطاع، وعاش أيام المهرجان في الصالات المعتمة أكثر مما عاش تلك الأيام خارجها.

ومع أن الأهمية يجب أن تكمن في الأفلام، وليس في النتائج، إلا أن المسألة تصبح بالغة الإزعاج عندما تخلص لجنة التحكيم؛ أي لجنة تحكيم، إلى نتائج يراها الناقد، ومعه عدد كبير من النقاد الآخرين، مجحفة بحق الأفلام التي كانت تستحق الفوز فعلاً، لكنها لم تفز، خصوصاً أن الأفلام الفائزة ليست أفضل منها.

هذا ما حدث حين أعلنت لجنة التحكيم التي تألّفت من المخرج البريطاني ستيفن فريرز (صاحب الفيلم المحتفى به أكثر مما يلزم الملكة) رئيساً، ومن الممثلة الصينية ماغي شيونغ والممثلة الفرنسية ماريا دمديروس، والممثلة الكندية سارا بولي والممثلة الأسترالية توني كوليت والممثل الفرنسي ميشيل بيكولي والمخرجين الموريتاني عبدالرحمن سيساكو والإيطالي ماركو بيلوكيو. جاءت النتائج على النحو التالي:

·         السعفة الذهبية: 4 أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان لكريستيان منجيو (رومانيا).

·         الجائزة الكبرى: غابة الآهات: لناوومي كاواسي (اليابان - فرنسا).

·         جائزة خاصّة بمناسبة ستّين سنة: بارانويد بارك (الولايات المتحدة - فرنسا).السيناريو: حافّة الجنّة لفاتح أكين (ألمانيا - تركيا).

·         الإخراج: جوليان شنابل عن (الغطّاس والفراشة) - (فرنسا).

·         الممثل: كونستانتين لافروننكو عن (الصد) - (روسيا).

·         الممثلة: جوان دي يون عن (أشعة الشمس السرية) - (كوريا).

·         جائزة لجنة التحكيم: مناصفة بين برسيبوليس (فرنسا - الولايات المتحدة) ونور سرّي (المكسيك - فرنسا).

بالنسبة إلى الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية، فإن (4 أشهر، 3 أسابيع ويومان) كان يستحق جائزة: فيلم صغير الإنتاج، من بلد لم يُعرف عنه إقدامه على احتلال مرتبة فنية مرموقة، ولا هو بلد مُنتج للعديد من الأعمال، بل لا يزيد عدد المرّات التي اشترك في مسابقة مهرجان (كان) أكثر من خمس مرّات. لكن هل الجائزة الكبرى تصدر عن جمعية خيرية ليتم تقديم السعفة، وهي الجائزة الأكبر، لهذا الفيلم الجيّد على تواضع، وحجبها عن الفيلم الذي كان يستحقّها؟

ثم ماذا عن (غابة الآهات) الذي أخرجته ناوومي كاواسي؟ ماذا عن نصف الساعة الأولى التي إذا ما شطبتها من الفيلم لم يتأثّر به؟ منذ متى والمخرجون لا يدركون أن مقدّمة فيلم يجب أن تنتمي إلى باقي جسده؟

وما حكاية (بارانويد بارك) لغسان سانت؟ لقد فاز هذا المخرج قبل سنوات قليلة عن فيلم بعنوان (الفيل)، لماذا عليه أن يفوز بجائزة الدورة الستّين عن هذا الفيلم؟ ما مقوّمات هذا الفيلم الفنية الخاصّة التي تجعله أفضل من (الصد) و(زودياك) و(لا بلد للمسنين) وغيره؟ هذا الناقد (ومثله نقّاد كثيرون أمّ بعضهم المؤتمر الصحافي الذي عُقد بعد إعلان النتائج وأمطروا رئيس اللجنة بمثل هذه الأسئلة) يريد أن يعرف.

تحفة المهرجان

الاقتراب من أفلام المسابقة هذا العام ومعاينتها لذاتها أمر يكشف عن أن لجنة التحكيم لم تكن عادلة، لكن لكي تكون عادلة عليها أن تكون (عالِمة) تجيد التصنيف، وتبتعد عن التحبيذ القائم على وجهة النظر الشخصية.

مثلاً هل حقيقة أن ستيفن فريرز، كمخرج، لا يحبّذ نوع السينما التي يقدّمها ألكسندر سوخوروف في (ألكسندر) كافية لحجب الجائزة عنه؟ إذا ما احتوت الدورة المنتهية من مهرجان (كان) السينمائي من تحفة مجّسدة في فيلم سوخوروف (ألكسندرا)، أكثر أفلامه اكتمالاً لناحية أسلوبه ولغته السينمائية، وأكثر فيلم سياسي حقّقه سوخوروف إلى اليوم، ولو أن السياسة التي فيه ليست مقصودة بذاتها، ليست الخطاب المباشر للفيلم، بل تحمله الشخصيات في بالها وهي تتبادل الحياة فيما بينها كما هو الواقع اليومي.

يبدأ سوخوروف حكايته بوصول امرأة روسية إلى ثكنة تقع في مكان ما من شيشينيا لتزور حفيدها المجنّد. إنها امرأة كبيرة السن، ذات جسد مليء، لكنه في الوقت ذاته ضعيف. تقول عنه لاحقاً: (جسدي يضعف، لكن روحي لا تزال تستطيع الاستمرار)، وإذ تفعل فإن العبارة تعكس مضمون تلك المرأة كرمز، وهي (بدءاً باسمها) رمز بلا ريب؛ إذ تدخل الثكنة بإذن زيارة وإقامة تلتقي، ليس فقط حفيدها (الذي عادة ما تزوره الفتيات الجميلات، كما يقول الضابط لها في لقطة بينهما)، بل بعدد من الجنود الذين يعيشون في الثكنة، يخرجون ويعودون في مهامهم العسكرية التي لا تبدو بعيدة. هناك، في ذلك الأفق الترابي الممتد هناك العدو الشيشاني. لا نراه، ولا نرى نشاطاً حربياً من أي نوع. لا مشاهد لقتلى وجرحى، ولا حتى خطب في الحرب وخطب في السلم، لكنك تعلم علم اليقين أن المعارك تقع والجدّة ألكسندرا تعرف ذلك وتشعر بالخوف حين تقول للضابط متحدّثة عن حفيدها: (هذا إذا عاش ليعود من الحرب).حين تلتقي ألكسندرا بحفيدها لأول مرّة هناك ألفة، وحب يربط عضوين من عائلة يباعدهما السنون والجغرافيا، ولكن لقاء الوداع هو الذي يُترجم هذا الود إلى حب حقيقي إنساني رقيق ويشبه موجة بحر عاتية لن تقلب السفينة بل ستحملها عالياً فوق الأوجاع. هذا المشهد، بما فيه من نضح عاطفي، ليس جديداً في سينما سوخوروف، بل متداول حين يحقق أفلاماً عن العائلة، بل هو يذكّر الذين تابعوا أفلامه بكل ما حواه فيلم (أم وابن) من عاطفة بين تلك الأم المشرفة على الموت وابنها الذي جاء لمعايدتها ورعايتها في هذه الساعات الأخيرة من حياتها.

جسر سلام

ألكسندرا ذاتها ليست رمز الأمومة والحنان لحفيدها ذاك فقط، بل لكل أولئك الجنود؛ يقصدونها، يحترمونها، يفرحون بها ويساعدونها. وهذا كله انعكاس لحرمانهم من الشعور النقي المتدفّق الخالص من الشوائب، والذي لا تجده إلا في علاقة عائلية من مثل هذا النوع.

لكن (ألكسندرا) الفيلم يحقق شموليّته في جانب آخر. ينجز رسالته الداعية إلى السلام ومنح الشيشانيين حقّهم في الاستقلال في خيط رئيسي يبدأ بانطلاق ألكسندرا إلى سوق البلدة باحثة عن سجائر تشتريها لبعض الجنود. هناك تتعرّف على الشيشانية مليكة التي تبيع على (بَسطة). تدعوها مليكة للجلوس إلى المقعد بجانبها، وتتبادلان حديثاً يبدو في مطلعه كأي حديث عابر، ثم تدعوها مليكة لزيارتها في البيت. هناك تساعدها على الاستلقاء على الصوفا. تصنع لها كوباً من الشاي، وتساعدها في أخذ قسط من الراحة. هذه الإشارات تحوّل العلاقة كلها من عابرة إلى وطيدة في ثوانٍ. ولاحقاً ما ستعود ألكسندرا لتدعو مليكة لزيارتها في روسيا. (صحيح؟) تسأل مليكة غير مصدّقة: (نعم. أنا بانتظارك). ترد عليها ألكسندرا التي - في ذات مشهد الوداع - تتعانق ومليكة وامرأتين شيشانيّتين في تجسيد آخر ذي دلالات إنسانية ينتج عنها الإدراك بأنه إذا ما كان الرجال يحلّون نزاعاتهم بالقوّة فإن المرأة هي السلام الذي نحن بحاجة إليه. الكثير جداً يمكن أن يُقال في فيلم ألكسندر سوخوروف. إنه أفضل الأفلام الثلاثة من النوع التأمّلي وأكثرها نضجاً.

فيلم بيلا تار يخسر نقاطاً حين يُريد سرد حكاية مقتبسة وتطبيق معالمها بحسب أسلوب المخرج البطيء. أعتقد أن مهرجان (كان) وجمهوره الواثب صوب المفاد السريع لم يكن الجمهور الأفضل لهذا الفيلم. وإذا ما نال شيئاً من الجوائز في هذا المهرجان فإنه سيكون شطح في التقدير، ليس خطأ كليّاً، لكن العين لا يمكن أن ترى (الصد) لأندريه زفياغنتسيف، وعلى الأخص (ألكسندرا) لألكسندر سوخوروف من دون أن تميل إليهما وترتاح لهما أكثر من ارتياحها لمخرج يصرّ على بطء يبدو مفتعلاً أكثر منه نتاج حب الحياة في الإيقاع.

مستشفيات

الفيلم الفائز فعلاً (4 أشهر، 3 أسابيع، يومان) هو اكتشاف آخر جيّد من السينما الرومانية الصغيرة حجماً وكمّاً. في العام ما قبل الماضي عرض المهرجان فيلماً أفضل منه بعنوان (موت السيد لازارسكو) حول رجل يدفع حياته ثمناً لفوضى المستشفيات وفقدان الاهتمام الإنساني من قبل قطاع كبير من الأطبّاء لحالة رجل يعاني من سكرات الموت. وهذا الفيلم هو الثالث لكريستيان مانجو؛ لاحتلال الخط الثاني في الاحتمالات إلى جانب بضعة أفلام أخرى في هذا الشأن. هذا الفيلم معايشة لمأزق فتاة تحاول مساعدة صديقتها الحامل على التخلّص من جنينها، والمكان الوحيد الذي كان يمكن أن تتم فيه، والأحداث تدور في أواخر النظام الشيوعي السابق. هذه العملية عليها أن تتم خارج المستشفى؛ كون مثل هذه العمليات ممنوعة. السعي لإنجاز ما يبدو في حياتنا اليوم كما لو كان تحصيل حاصل لقرار (طبيعي)، هو ما يؤلف وجدان الفيلم بأسره مع تمثيل رائع من ممثلة غير معروفة (آنا ماريا مانينكا) تستحق أن يُفرد لها مكان على المنصّة لتسلم جائزة أفضل ممثلة.في الخط الثاني ذاته يمكن اعتبار (برسيبوليس)، الفيلم الكارتوني غير الملوّن، لفنسنت بارونو ومرجان ساترابي مرشّحاً قويّاً. فاز أو لم يفز، هو فيلم عن تجربة العيش تحت نظام آخر عانت منه فئات كتلك التي تنتمي إليها المخرجة ساترابي التي تروي في هذا الفيلم سيرتها من حين كانت صغيرة في سنوات الشاه الأخيرة إلى حين كبرت في عصر ما بعده ونزوحها إلى أوروبا حيث مرّت بتجارب وجدت فيها نفسها موضع خيانة الصديق، واضطهاد صاحبة البيت وعنصرية من تبقّى؛ إذ تعود تجد أن الحياة المحافظة جداً ليست لها فتختار. بعد أحداث تناوئ وتنتقد نموذج الحياة في إيران تقرر العودة إلى أوروبا (فرنسا هذه المرّة) حيث تنجز مع بارونو حكايتها تلك.في بدايته يثير الفيلم الريبة؛ إذ يبدو كما لو كان بروباغاندا للنظام الحالي ضد السابق، ثم يثير الريبة كما لو كان بروباغاندا ضد النظام الحالي. لكن سريعاً ما يتبدّى كعمل ينتقد - ولديه الحق - النظام الحالي، ولأسباب موضوعية، ليس أقلّها الحجر على حريّة الناس إلى حد غير مسبوق. قيمة الفيلم الفعلية تنحصر في سلسلة أحداث حياة ليس علينا إلا أن نقر بأن الاحتمال الغالب أنها وقعت على هذا النحو؛ كونها تجربة ذاتية مرّت بها صاحبتها. ربما اإختيارات المخرج مرجان ساترابي الخاصّة ليست صائبة طوال الوقت، لكن لا أحد يلتزم بموقفها حين يشاركها الرأي في الوضع الإيراني من حيث انتقاله من دكتاتورية الفرد إلى دكتاتورية الجماعة.

اللقطة الأولى

يفوت الموزعون العرب أن ليس كل الأفلام التجارية التي يوزّعونها تحقق نجاحاً تجارياً، وليس كل الأفلام الفنية التي لا يوزّعون لا يمكن أن تحقق النجاح. هذه أكذوبة تخدم المصلحة الشخصية في الوقت الذي تحرم فيه الجمهور من أعمال فنيّة راقية.

والحقيقة أنه إذا ما عوّدت الجمهور على هذه الأفلام فسيأتي ربما ليس من المرّة الأولى لمثل هذه الأفلام لأنه حُرم منها طويلاً، لكن مع الوقت وفي غضون أشهر سيجد الموزع وصاحب الصالة أن هذه الأفلام بدأت تحصد إقبالاً وبدأ الجمهور يقبل عليها.

بكلمات أخرى، إذا ما كان الفيلم الفني المستعصي يُعرض في ألاباما وتكساس هل تريد أن تقنعني أن لا مكان له في صالة متخصصة واحدة في العالم العربي؟

مهرجانات تنافس على الأميركي

في سباق المهرجانات العالمية (كان - فانيسيا - برلين، وسواها) لاستحواذ الإقبال التجاري والإعلامي تكمن معضلة السعي للحصول على الأفلام الأميركية التي يراها مسؤولو المهرجان ملائمة للاشتراك. والمأزق بالطبع هو الهيمنة التي تشكّلها هوليوود آنذاك على ما عداها من مراكز الصناعة السينمائية.

صحيح أن هذه المهرجانات تعمل حسابها استيعاب أفلام مخرجين عالميين أيضاً، شرقاً وغرباً ومن كل اتجاه، إلا أن الفيلم الأميركي يتحوّل إلى عنصر الجذب.بعد (كان) الذي شهد خمسة أفلام أميركية في المسابقة، ها هو مهرجان فانيسيا يعلن أن السينما الأميركية ستكون حاضرة وبقوّة خلال الدورة المقبلة للمهرجان التي ستعقد ما بين التاسع والعشرين من أغسطس إلى الثامن من سبتمبر.

المدير الفنّي للمهرجان ماركو مولر صرّح بأن خمسة عشر فيلماً أميركياً سيشترك في كافة الأقسام بما فيها قسم المسابقة، بل إن الافتتاح سيكون على الأرجح أميركياً، أكثر من ذلك، فإن المنتج الأميركي، بل ميكانِك سيرأس إحدى لجان التحكيم - تلك التي ستٌكلّف بمنح جائزة أفضل عمل أوّل. هذا التنافس على العروض الأميركية بين المهرجانات الأولى يجعل مهرجاناً متخصصاً بالسينما الأميركية، هو مهرجان دوفيل، الذي يُقام مباشرة تقريباً بعد فانسيا في شمالي فرنسا، يبدو كما لو كان لا حاجة له، بينما مهرجانات أميركية، مثل سان فرانسيسكو وبالم سبرينغ ولوس أنجيليس، تتلهّف هذه الأيام لاستقبال الأفلام غير الأميركية.

من ناحية أخرى فإن الاشتراك الأميركي في المهرجانات الدولية ينتج عنه، عادة، فوز الأفلام المستقلة وليس الهوليوودية الكبيرة.

هذا ما حدث في الدورة الأخيرة لمهرجان (كان)، حيث فاز (بارانويد بارك) لغس فان سانت بجائزة الدورة الخاصّة، علماً بأنه خال من النجوم والحبكة الهوليوودية.

الجزيرة السعودية في 02 يونيو 2007

 

سينماتك