كتبوا في السينما

سينماتك

سينمائيات

مهرجان كان سنة الطوفان

بقلم: مصطفي درويش

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

وجدتني، وكأني في حلم، مستقلا لأول مرة الطائرة الي باريس حيث اقمت بضعة أيام.

ومنها توجهت بالطائرة الي مدينة 'نيس' فكان' حيث الدورة العشرين لمهرجانها، السينمائي الكبير.

ووقتها كانت فعاليات المهرجان لا تبدأ مثلما تبدأ الآن، أي في منتصف شهر مايو، وانما تبدأ قريبا من نهاية شهر ابريل.

كان ذلك قبل أربعين سنة، أي سنة طوفان الخامس من يونيو 'حزيران' أو سنة ما اصطلح علي تسميته تارة بحرب الايام الستة، وتارة أخري بحرب الست ساعات.

وعلي كل، فالمهرجان بدأ في السابع والعشرين من ابريل واسدل الستار علي أعماله باعلان جوائزه يوم الثاني عشر من مايو، أي قبل يوم الطوفان بتسعة عشرة يوما.

ولقد كان من بين عروضه الرسمية تسعة وعشرون فيلما روائيا طويلا.

وكما كان متوقعا فاز 'تكبير الصورة' ­ الاسم الذي عرف به في مصر 'انفجار بالسعفة الذهبية، جائزة المهرجان الكبري.

وأول عرض لانفجار كان في دار سينما صغيرة بمدينة نيويورك لجس نبض الرأي العام.

وسرعان ما اثار ضجة كبري وسط النقاد، واحتار في أمر بعض مشاهده الجريئة الرقباء.

ولانني كنت علي علم بالضجة والحيرة اللتين احاطتا به، فقد اتصلت بوصفي مدير الرقابة علي المصنفات الفنية وقتذاك، بشركة متروجولدين ماير صاحبة حق توزيعه طالبا الاسراع باحضار نسخة من الفيلم الي ادارة الرقابة.

وبعد أيام من الاتصال جاء بالنسخة المطلوبة الي الادارة حيث شاهدته، قبيل سفري الي فرنسا حيث مهرجان 'كان'.

ومما لفت نظري في الفيلم مستوي مدهش من الابداع، يتفجر منه فنا غزيرا، وحشد من اللقطات المحظورة رقابيا، لو تركت دون حذف، لكان الحساب عسيرا.

ولا غرابة في هذا، فالفيلم كان والحق يقال منعطفا في مشوار 'مايكيل انجلو انطونيوني' صاحب الرباعية الرائعة التي بدأت بفيلم المغامرة وانتهت بفيلم 'الصحراء الحمراء'.

فهو أول فيلم يصوره خارج ايطاليا، ويجري الحوار فيه باللغة الانجليزية، ويختار ممثلوه من غير الايطاليين.

والأهم انه لم يسلٌط الاضواء فيه، كما كان يفعل من قبل، علي الحياة الداخلية للشخصيات، أو علي العلاقات العاطفية، وانما سلٌطها أساسا علي شيء آخر.. الفن المعاصر.

ومن هنا، قصر البطولة علي مصور شاب 'توماس' ، يشع حيوية، ويعيش لاهثا، وراء احداث العصر، بايقاعه السريع.

واختيار لندن الستينيات، وبالذات وسطها الفني، المتمحورة الحياة فيه حول الاستمتاع بالجنس والمخدرات، مكانا للاحداث.

ومما لفت نظري كذلك انه فيلم بلا حبكة تقليدية، والاسئلة المطروحة فيه وما اكثرها بلا اجابات، بحكم خلو السرد من بيان الدوافع والأسباب.

وبناء الفيلم علي هذا النحو جاء متلائما مع شخصية المصور 'توماس' كما رسمها السيناريو.

فحياته كفنان مبعثرة في لحظات، ليس بينها اتصال.

وفنه قوامه التلقائية والصدفة، فضلا عن الغموض.

باختصار، فن يتسم بانعدام النظام وبه، أي 'توماس' تبدأ احداث الفيلم صباح أحد الايام.

وبه تنتهي صباح اليوم التالي وفي أثناء ذلك اليوم من حياته، وبفضل تفاصيل لا تغفلها العين، يحكي 'انطونيوني' الكثير بأقل القليل من الحوار وكان من بين حكاه، حكاية رجل وامرأة في حديقة عامة يراهما 'توماس' من بعيد وهما يتعانقان.

فيلتقط لهما صورة من منطلق ظنه ان ما يراه قصة حب. غير انه عند قيامه بتكبير الصورة في الاستوديو يكتشف ان ما التقطته عين الكاميرا لم يكن في حقيقة الامر حبا، وانما شروعا في قتل رجل غدرا.

فيعود الي الحديقة حيث يعثر علي جثة القتيل.

وفيما هو حائر بين الحديقة والاستديو يختفي كل دليل علي وقوع الجريمة، بسرقة بكرة الفيلم، والصور المكبرة، فضلا عن اختفاء الجثة.

وتزداد حيرته، ومع ازديادها وجدتني حائرا بدوري ومترددا ازاء مشكلة اجازة عرض الفيلم من عدمه وكان مما زاد من ترددي اشتراط المخرج 'انطونيوني' علي الشركة الموزعة الا يمس فيلمه مقص الرقيب فاما يعرض كاملا والا فلا !!

وأيا ما كان الامر فبعد الحرب وما صاحبها من احداث وجدتني اتعامل مع 'تكبير الصورة' 'انفجار' بوصفه عملا فنيا كاشفا لا وجه نقص في أسلوب تفكيرنا، معيدا الينا توازننا فيما لو حاولنا فهم ابعاده، ولو قليلا.

ومن هنا، كانت اجازتي عرضه للكبار فقط، دون أن احذف منه شيئا مع التقديم له ببيان يظهر علي الشاشة، قبل بدء عرضه، يفسر للمشاهد سبب عرضه كاملا.

والحق، انني لم اكن مبتدعا لفكرة كتابة بيان اقدم به الفيلم للناس.

بل كان صاحبها الدكتور 'ثروت عكاشة' وزير الثقافة وقتذاك.

ففي بداية عهدي بالرقابة نصحني ان اكتب بيانا شارحا لأسباب اجازتي فيلما، قد يثير بحكم جٌدة موضوعه، وأسلوبه، بلبلة وانقساما في الرأي العام.

وعلي هذه الخلفية كتبت البيان علي النحو الآتي 'لم يرتض المخرج الايطالي 'انطونيوني' لا يقاع أعماق الصورة 'انفجار' ان يشوه بأي حذف.

وما كان للرقابة وقد سلبت بعض ما قد يبدو انه حقها في الحذف أن تحرم الجمهور اليقظ من متعة الاشتراك الذكي في البحث عن الغريب المستتر وراء المألوف.

ولذلك وافقت علي عرض الفيلم كاملا غير منقوص، ثقة منها في ملكة الفهم.

moustafa@sarwat de

أخبار النجوم في 26 مايو 2007

 

سينماتك