هل من
المستحب خلط الانواع السينمائية الى هذا الحد في فيلم مأخوذ من التاريخ
المعاصر ويحمل قضية محددة لينتهي برسالة سياسية وانسانية واضحة؟ يطرح
المرء على نفسه هذا السؤال حين يخرج من عرض فيلم الانكليزي مايكل
ونتربوتوم الجديد «قلب قوي» والذي يعرض في التظاهرة الرسمية لمهرجان
«كان» من دون أن يكون في المسابقة الرسمية. الدافع الى السؤال هو
القضية نفسها التي يتناولها الفيلم: قضية الصحافي الاميركي دانيال بيرل،
الذي خطف في كراتشي بعيد أحداث ايلول (سبتمبر) 2001، ليعدم ذبحاً على
يد متطرفين يعتقد كثر انهم ينتمون الى تنظيم «القاعدة». في حينه اثار
مقتل بيرل على تلك الشاكلة البشعة، غضباً شديداً في العالم كله.
ولاحقاً وضعت عنه كتب عديدة. لكن الكتاب الذي وضعته أرملته ماريان، كان
الأفضل. وهو نفسه ما نقله ونتربوتوم الى الشاشة الكبيرة من انتاج براد
بيت وتمثيل انجلينا جولي (في دور ماريان). ففي حين اطل ونتربوتوم ليقدم
فيلما سياسياً يعادل به، ضمن المنطق الانساني نفسه، فيلمه السابق
«الطريق الى غوانتانامو» الذي دان فيه ممارسات الأميركيين ولا سيما
تجاه معتقلين «ابرياء» في غوانتانامو، تحول جزء أساسي من الفيلم بين
يديه الى فيلم تشويق كما الى عمل بوليسي، ناهيك عن كونه ايضاً دراما
عائلية وحكاية حب وخيانات وغدر. ربما يكون هذا في صالح رواية الفيلم،
ومع هذا من الصعب اتهامه باستغلال قضية سياسية وانسانية لتحقيق أرباح.
ليس
في احداث الفيلم، طبعا، مفاجآت. فهو يروي الحكاية المعروفة، وان كان
يرويها من وجهة نظر ماريان بيرل. لكن اللافت فيه انه يقدم عرضا مميزاً
لآليات العمل الاستخباراتي والبوليسي، وصورة تكاد تكون سياسية خالصة
للتعاون بين الأميركيين الرسميين والسلطات الباكستانية. ويطل في طريقه
على محاولات سياسية لاستغلال القضية من قبل وزير باكستاني في الصراع
بين الهند وباكستان. وفي المقابل نراه يقدم صورة تفصيلية للهرمية
الارهابية تكاد تكون تقنية بحتة. ثم في النهاية، حين ينتهي هذا كله،
يوصل من طريق الزوجة المفجوعة، رسالة انسانية تكاد تقول ان الارهاب
سيبقى ما دام الفقر والظلم قائمين. ولعل ما تجدر ملاحظته هنا هو أن
الفيلم كان من الخفر بحيث أنه استنكف عن أبلسة الارهابيين انفسهم. كما
أنه لم يبد استعراضيا، اذ في وقت كان يمكن فيه لمحطات تلفزيونية كثيرة
ان تعرض دون انسانية صور الفيديو عن ذبح بيرل، نراه بلسان الزوجة يرفض
عرض هذه الصور. في كل هذا ليس ثمة أي غبار، وان كان يمكن العودة دائماً
الى الاسئلة التي تطرح على السينما السياسية من حول مكوناتها. وهي
اسئلة ليس هنا مكانها. ومع هذا لا يمكن المتفرج الا ان يتوقف كثيراً
عند تأكيد الفيلم مرات ومرات على يهودية بيرل وعلاقاته باسرائيل ما
يمكن، مواربة، ان «يبرر» على أي حال لقاتليه، من وجهة نظرهم الخاصة،
قتله، كذلك تأكيده على أن ثمة ثلاثة اشخاص ناطقين بالعربية زاروا بيرل
في لحظاته الأخيرة. ثم بدأ ذبحه. لم يقل انهم ذبحوه لكنه أعطى الاشارة
على هذا النحو. وهي اشارة كان يمكن - طبعا - الاستغناء عنها، كما
الاستغناء عن «حشر» اسرائيل في الأمر، ما كان من شأنه ان يؤكد على
الطابع الانساني للفيلم، وعلى ان استشهاد الصحافي بيرل لم يضع هدراً...
وهو ما كانت زوجته تريد قوله بالطبع.
الحياة اللندنية
في 22 مايو 2007