الممثل
الذي قاد حياة غزيرة على الشاشة تعدت الأربعين بطولة الى الآن من السبعينات
والى اليوم يشعر بأن لديه الكثير مما لا يزال يستطيع تقديمه وهو مرّة أخرى
يتحدّث عن رغبته في الاخراج.
آل
باتشينو ليس ممثلاً ، انه أحد أفضل الممثلين في تاريخ السينما أنجز لنفسه
وجوداً ثابتاً في البال عبر تعريض نفسه لشخصيات مختلفة ومتتابعة من العام
1969 الى اليوم، من دون تعب ومن دون كلل وبأقل قدر ممكن من التكرار.
ولد في
نيويورك في 25 ابريل/نيسان ،1940 وحين كان صغيراً انفصل والداه فوجد نفسه
مع أمّه في بيت جدّيه. تعرّف الى السينما وهو ولد صغير، وحين كان يعود الى
البيت بعد قضاء ساعتين في عتمتها كان يمثّل الشخصيات التي يراها صوتاً
وصورة، بعد ذلك كان لابد له أن ينقطع عن الدراسة الرسمية ويتّجه الى
التمثيل وكان في أوج حالاته حين كان أخذ يصعد مسارح الكليات ليؤدي أدواره.
عاش شبابه
فقيراً. بعض المصادر تتحدّث كيف كان يستدين سعر تذكرة الأتوبيس ليلحق موعده
فوق خشبة المسرح كل ليلة. سنة 1969 ظهر في كوميديا عاطفية عنوانها “أنا
ناتالي” من بطولة باتي دوك، ثم في دور ثانوي آخر في “خارج اللعبة”، (بطولة
جون فويت) في العام ذاته، لكن من العام ،1971 ومن فيلمه الثالث أصبح الممثل
الرئيسي لاعباً شخصية شاب مدمن في “فزع في نيدل بارك”، بعده مباشرة ذلك
الدور الرائع في “العرّاب” متبوعاً بفيلم جيري تشاتزبيرغ “الفزّاعة” ثم
“العرّاب الثاني” والسلسلة بعد ذلك ما زالت مستمرّة الى اليوم وآخرها “أوشن
13” المعروض في مهرجان “كان” عرضاً رسمياً خارج المسابقة.
انه واحد
من عدّة وجوه أكملت وعينا بالضروب العليا من التمثيل في السبعينات وما بعد
والباقون هم: وورن بيتي، كلينت ايستوود، دستين هوفمان، جاك نيكولسون، سيدني
بواتييه، مايكل كين، روبرت دي نيرو، وودي ألن، جين هاكمان وروبرت ردفورد.
“أوشن
13”
بادر
قائلاً: “أشعر كما لو كنت في عطلة من العمل، رغم أن ما أقوم به الآن جزء من
هذا العمل”.
آل
باتشينو يقول ذلك واحدى عينيه على البحر الأزرق والعين الأخرى على محدّثه،
أما الابتسامة فلا تغادر شفتيه، يضيف: حين جئت الى هنا لأول مرة شعرت بأني
مثل السمكة خارج الماء، كل شيء كان جديداً وذات الشعور ينتابني الآن وفي كل
مرة زرت فيها كان من قبل متى تعتقد أنني سأتعوّد؟ أنت حضرت “كان” كما قلت
لي ألف مرة”.
سؤال صعب
لأني لا أريد أن أتعوّد...
(يضحك)...
“هذا هو الشعور، صحيح، لا تتعوّد”.
·
في كل مرّة أراك في فيلم جديد أتساءل عما اذا كان اشتراكك فيه له أي
علاقة بمستواه، هل قرأت شيئاً في سيناريو “اوشن 13” مثلاً جعلك تقول
لنفسك لن أترك هذه الفرصة تفوتني؟
لم يكن
السيناريو فقط، أعتقد أن السيناريو هو جزء من اللعبة بأسرها ربما كنت
سأتردد - وأشدد على كلمة ربما، لو أن “أوشن 11” ( الجزء الأول من هذه
الثلاثية ) هو الذي عُرض عليّ.
·
لماذا؟
“من ناحية
أنه فيلم فيه شخصيات كثيرة لن أجد فيه الفراغ الذي يتطلب مني أنا وليس غيري
أن املأه لكن “أوشن 13” هو الثالث، والفيلمان السابقان أسسا نوعية هذه
السلسلة. إن ذلك الدور الذي لعبته في هذا الفيلم مثير للاهتمام العب دور
الشرير كل بضع سنوات وليس في كل فيلم أمثّله وهذا يمنحني فرصة لتجديد
الصورة، لكن كنت أريد أن أقول إن ما جذبني الى المشروع هو ما يجذب الناس
الى مشاهدته، كل هذا العدد الكبير من الممثلين من يستطيع أن يقول لا اذا ما
كان سيلتقي بجورج كلوني وبراد بت وآندي غارسيا ومات دامون ودون شيدل، هل
شاهدت دون شيدل في أفلامه الأخيرة ... انه رائع”.
·
هل يتطلب تمثيل أدوار الشر من ممثل غير شرير
شيئاً خاصاً لا يقدم عليه في الأدوار الأخرى؟
في كل
الأدوار المنهج واحد، سواء أكان الدور خيّراً أم شريراً وطالما ليس مقتبساً
عن شخصية حقيقية عليك أن تستخدم خيالك لمنح الشخصية المكتوبة على الورق
لحماً وعظاماً وتعطيها الأحاسيس المناسبة. لا توجد شخصية يمكن تمثيلها
بانتشالها من الورق من دون تطوير، لكن في كثير من الأحيان فإن حجم النجاح
يكون وقفاً على اذا ما كان الممثل لديه خيال واسع أو لا.
·
الخيال بمعنى الموهبة؟
جزء من
الموهبة لا شك.
·
من بين الأربعين فيلما التي مثّلتها ليس هناك أكثر من فيلمين او ثلاثة
تقمّصت فيها شخصية حقيقية، هناك شخصيّتك في “دوني براسكو” وشخصيّتك
الأخرى في “سربيكو” وربما شخصيّتك في “بعد ظهر يوم ملعون”، هل تستهويك
هذه الأدوار؟
صحيح لم
أمثّل شخصيات حقيقية حتى هذه الأفلام التي ذكرت كان لي قدر كبير من الحريّة
لتأديتها مُنحت الحرية باكراً لتمثيل ما أريد بالطريقة التي أريد وهذا أفضل
ما يمكن أن أتمنّاه.
·
تقصد أنك عاملت الشخصية الواقعية كأي شخصية
غير واقعية؟
الى حد
كبير نعم الحريّة جزء أساسي عندي والا جرى تقييد الممثل الى شخصية أخرى غير
تلك التي يستطيع التفاعل معها.
·
ما نظرية ستانسيسلافسكي في التمثيل؟
سئلت هذا
السؤال قبل أشهر قليلة حين كانوا يصنعون فيلما تسجيلياً عن مارلون براندو
وسأرد عليك بنفس الجواب : لا أعرف ! ( يضحك )، مبدئياً هي شحن الشخصية التي
سيمثّلها الممثل بخلفية كاملة تساعده على انجاز شخصية حقيقية. الشخصية قبل
ذلك عارية عليك أن تلبّسها ثياباً تقترح لك التاريخ المناسب وتطرح على نفسك
اسئلة تخصّها وتستوحي منها الاجابات وعلى هذه الاجابات أن تكون مقنعة صحيحة
ليس هناك خللاً ما فيها، ولكل ممثل بعد ذلك طريقته في “الالباس”.
·
هل يصبح الأمر سهلا فيما بعد؟
يعتمد ذلك
على حاجة الفيلم او الدور من الخطأ منح الدور الذي تلعبه حجماً أكبر مما هو
عليه.
·
لكن يؤثر ذلك في كل حركة يقوم بها الممثل، لأن الحركة مرتبطة بالرسم
الذي ذكرته سوف لن تقوم الشخصية بتصرّف معيّن اذا لم تكن على هيئة
معيّنة أليس كذلك؟
تماما،
أيضاً التصرّف الصحيح يعني أن في الأمر تسلسلاً واضحاً فهمه الممثل وعرف
كيف يحافظ عليه.
·
بعض الأفلام لا تتطلب الكثير من الابداع في
هذا المجال.
تماماً.
·
لكن دورك في “تاجر البندقية” مثلاً، لا يمكن الا أن يكون ولوجاً عميقاً
في شخصية شايلوك، كيف تقرر أي صورة سيأتي تمثيلك له؟
مما كتب
ويليام شكسبير عليك أن تتّبع ما وضعه شكسبير وأن تستلهم الأساس من رسمه هو،
لم أكن أريد أن أقدّم رسماً كاريكاتورياً، وشكسبير لم يكتب كاريكاتوريات
ليس لديه شخصية واحدة تفيد “ستيريوتايب” (التنميط)، هذا هو المكوّن الأول
لأي من شخصياته المختلفة وخصوصاً لهذه الشخصية الصعبة، هذا جزء من عبقرية
شكسبير وليس من عبقريّتي، أنا أخذت الشخصية منه واذا نجحت بها فهو المسؤول
اذا أخفقت فأنا المسؤول.
·
هل كنت سعيداً بالنتيجة؟ سؤالي سينمائي بحت
كوني أعلم مدى ارتباطك بالمسرح وشكسبير؟
لقد
أعجبتني حقيقة أن المخرج مايكل رادفورد قرر تحقيق “تاجر البندقية” وهي كما
تعلم مسرحية أثارت لغطاً كثيراً ثم عالج الشخصية التي أثارت هذا اللغط،
شخصية التاجر اليهودي، على مستوى تراجيدي كان قرارنا من البداية أننا اذا
ما فعلنا ذلك جلبنا الى الفيلم الحس المطلوب.
·
ذكرت قبل قليل حماسك للعمل بسبب أبطال فيلم “أوشن 13” من الوجوه التي
تلت جيلك ، كلوني وشيدل ودامون وبِت، وسبق لك أن لعبت مع ممثلين أصغر
منك سنّاً وأتذكر في مقابلتين سابقتين حماسك للتمثيل أمام كريس أو
دونيل في “عطر امرأة” وأمام شون بن في “طريقة كارليتو” ثم أمام جوني دب
في “دوني براسكو” وأخيراً أمام ماثيو ماكنوفي في “اثنان للمال”... ماذا
تعتقد في هذا الجيل؟
أعتقد أن
هذا الجيل أفضل تمثيلاً في السينما، نعم أعتقد بشكل عام أنهم أفضل، أعتقد
أن هناك تواصلاً أفضل وأكثر ثباتاً لدى ممثلي اليوم الشبّان لقد كبروا مع
الفيلم ومع الوسط الفني بأسره لم يكن عليهم المرور عبر تلك الفترة
الانتقالية من المسرح الى السينما كما فعل العديد من أبناء جيلي.
·
هل هذا جيّد؟
التجربة
المسرحية جيّدة، لكنها ليست ضرورية او لابد منها لتكون ممثلاً سينمائياً
جيّداً. ممثلو اليوم لديهم القدرة على التعامل مع الكاميرا وفهم أهميّتها
بالنسبة للاداء أكثر من ممثلي جيلي.
·
تختلف في أفلامك كثيراً كيف تتيح لنفسك كل
هذا التنوّع؟
لقد بدأت
ممثلاً مسرحياً وهذا جعلني قادراً على تغيير الشخصيات كيفما أردت، هذا اسمه
“ربرتوار”، وأنا معتاد عليه، وحين أنتهي من تمثيل شخصية أودّعها، لقد
انتهت، أحياناً تنتهي الشخصية من عندي قبل يوم واحد من انتهاء التصوير، هذا
هو اعترافي المؤلم أمشي قبل أن يجف اللون عن اللوحة.
·
هذا لا يبدو واقعاً، لا تعطي التصوّر أن هناك أي تفاوت في تمثيلك لأي
شخصية، هل مشيت من الشخصية قبل انتهائها في “أوشن 13”؟
دائماً
(يضحك)، الشيء الذي اعتقدت القيام به هو أنني أرقب المخرج أكثر من مراقبتي
لنفسي أو لغيري من المخرجين، أرقب تحديداً تصرّفاتهم مع الممثلين، وستيفن
سودربيرغ يتصرّف على نحو صحيح.
·
لقد أخرجت فيلمين تسجيليين من قبل.
وأفكر
الآن أن الوقت حان لأخرج فيلماً ثالثاً أشعر أنني أريد تجربة حظي في فيلم
روائي من تأليفي، فيلم يجذبني اليه ممثلاً ومخرجاً، لكنني لم أجد بعد
السيناريو الذي أستطيع أن أتبنّاه، وهناك حقيقة أنني ما زلت معروفاً كممثل
محترف، وهذه تسمية تعجبني أعتقد أنه طالما أن هذه هي صفتي في هوليوود فأنا
بخير.
الخليج الإماراتية
في 19 مايو 2007
|