كتبوا في السينما

سينماتك

لبنان وبضعة بلدان وقارة في برنامج «سينما العالم» الطموح

مهرجان «كان» مكان فسيح لأسئلة الأجيال الجديدة الحارقة والحائرة

إبراهيم العريس

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

«الأفلام اللبنانية تظهر لنا قدرة هذا البلد الصغير وحيوية فنانيه والأصالة التي بها يطبع التاريخ، المأسوي حيناً والهادئ حيناً آخر، أعمالهم...»... بهذه الكلمات البسيطة أنما المعبرة والتي لا شك في أنها تصف بكل اختصار الحيوية السينمائية للشبان اللبنانيين، يفسر برنامج «سينما العالم» – وهو واحدة من تظاهرات مهرجان «كان» - اختيار لبنان، الى جانب عدد قليل من البلدان الآسيوية (الهند) والأفريقية (غينيا، كينيا وأوغندا) والأميركية اللاتينية (كولومبيا)، ناهيك عن الأوروبية – الشرقية (بولندا وسلوفينيا)، للمشاركة في هذا البرنامج الطموح، والجديد على «كان» على أي حال. إذ من المعروف أن هذا البرنامج، الذي يخصص عادة يوماً أو أكثر لكل بلد من البلدان المحتفى بها، لا يزيد عمره على ثلاث سنوات... حيث انه هنا يقدم في دورته الثالثة. والبرنامج، كما هو واضح من اختياراته وعناوين أفلامه، إنما هو في نهاية الأمر إطلالة على الانتاج السينمائي في بلدان لا يعرف العالم كثيراً عن انتاجها، أو يعرفه، إنما بأشكال مبتسرة. فمثلاً إذا نظرنا الى الهند سنتذكر بسرعة انها البلد الذي ينتج من الأفلام سنوياً ما يضاهي الانتاج الأميركي، أو حتى الانتاج في قارة بأسرها. ومع هذا ما الذي يعرفه جمهور «كان» – وبالتالي أهل السينما في الغرب وأوروبا خصوصاً – من السينما الهندية؟ في أحسن الحالات، أفلام الراحل ساتياجيت راي أو أفلام مرينال سن أو شيام بنغال... فماذا إذا كانت شهرة هؤلاء في بلدهم الأم أقل من شهرتهم في الغرب؟ ماذا إذا كانت السينما الهندية شيئاً آخر تماماً؟

من الهند خارج النجوم

ربما انطلاقاً من سؤال مثل هذين السؤالين وجدت هذه التظاهرة في «كان»، بعد أن مضى على المهرجان أكثر من نصف قرن يحتفل بما يمكن أن يراه المواطن الهندي مثلاً، «السينمائي الخطأ»... مهما يكن إذا كانت حال الهند في هذا السياق استثنائية، إذ كيف يعقل أن يتم اختيار بلد ينتج مئات الأفلام سنوياً، وتعتبر أفلامه هذه مصدراً أساسياً للدخل القومي الهندي، الى جانب بلدان، مثل لبنان والدول الأفريقية لا ينتج الواحد منها سوى أربعة أو خمسة أفلام في السنة؟ للإجابة على هذا السؤال أتى تبرير إدارة التظاهرة واضحاً: ان احتفال الهند هذا العام، وتحديداً خلال شهر أيار (مايو) الذي يشغل المهرجان بعض أيامه، باستقلالها هو الذي فرض اختيارها كجزء من برنامج «سينمات العالم»... ناهيك بأن الهند السينمائية – بوليوود في اللغة الجديدة – تعتبر، خارج آسيا، سينما أقلية.

من الهند إذاً، تعرض هذه التظاهرة الطموحة التي تحمل الإدارة المناطقية لمنطقة بروفانس – آلب – كوت دازور، عبئها المالي تخفيفاً عن عاتق المهرجان، مجموعة من أفلام هندية تجمع بين كونها شعبية وذات طموح فني لا بأس به، لكن أهميتها المشتركة معاً، تكمن في كونها تشكل إطلالة على الحياة الاجتماعية التعددية في الهند، اقليمياً ولغوياً بالتالي. فمثلاً فيلم «سايرا» الذي يتحدث عن مصير شخصين بريئين قسا عليهما دهر مباغت، فيلم يتحدث لغة الملايا، وهي إحدى لغات الأقليات في الهند التي ينطق أهلها بعشرات اللغات واللهجات، فيما ينطق فيلم «دعوة غير مستجابة» بالهندية والانكليزية... وهو فيلم عن الشبيبة وأحلامها وعن السينما خصوصاً، لقي حين عرض للمرة الأولى قبل عامين نجاحاً كبيراً إذ اعتبر فيلماً شبابياً، غريباً وسط سينما قلما اهتمت بأحوال الشبيبة وتطلعاتها. أما الأفلام الباقية (والتي يمتد عرضها على يومين) فتنطق إما بالبنغالية أو التامولية أو الهندية، ما يعطي صورة مفاجئة عن تنوع يعرف كيف يتعايش على رغم الفروقات، كما يعطي للمتفرجين الهنود أنفسهم صورة عن واقع اجتماعي هو في نهاية الأمر تشابه الهواجس والتطلعات على رغم بعد المسافات والتنوع العرقي حتى. وانطلاقاً من هنا قد يجوز لنا أن نرى في يومي الهند خلال مهرجان «كان» صورة للحياة الجماعية والفردية في هذه الأمة – القارة، تبدو أكثر «صدقاً» من سينما ساتياجيت راي، طالما ان سينما هذا الكبير الراحل، رسمت دائماً صورة محدودة في المكان والزمان، على رغم بعض الاستثناءات («لاعبو الشطرنج» مثلاً).

حساسيات لبنانية

برنامج السينما اللبنانية، الذي يلي سينما الهند أهمية، يقتصر على يوم واحد، وعلى أربعة أفلام طويلة روائية وأخرى قصيرة. وهي، كما نعرف، أبرز ما عرض وأنتج في لبنان خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة – أذ نعرف أن التظاهرة بأسرها لا تشترط، كما حال المهرجان ككل، حداثة انتاج مطلقة لعروضها -، وبعضها (مثل «لما حكيت مريم» و «فلافل» و «يوم آخر») اختير، أولاً لأنه حقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً لدى عرضه في لبنان وبعض الأماكن الأخرى، فيما اختير فيلم «الأطلال» مثلاً، لغرابة موضوعه (الغول آكل لحوم البشر في بيروت). وفي شكل إجمالي واضح أن ما يجمع الأفلام التي تم اختيارها لنعرض ممثلة الانتاج اللبناني، هو انها معاً ترسم حساسية جديدة لمرحلة ما بعد الحرب في لبنان، وتنم عن وجود توجه لدى جيل جديد من السينمائيين اللبنانيين، يحاول أن يجعل السينما تعويذة ضد عبثية الصراعات اللبنانية وتفاهتها، وهو ما كان بدأه قبل المرحلة الجديدة، سمير حبشي في «الاعصار» ولا سيما زياد دريري في «بيروت الغربية»، ثم رهط الشبان الذين حققوا عشرات الشرائط القصيرة خلال التسعينات وبعدها، من الذين يشاهد متفرجو «كان»، نماذج متميزة منها تحمل تواقيع هاني طنبا وديما الحر وقصي حمزة وشادي روكز. أما الجمهور الذي يريد أن يتجاوز مشاركة لبنان في البرنامج، لأنها ربما باتت تبدو بالنسبة إليه قديمة بعض الشيء في تعبيرها عن مجتمع يفاجئ العالم بتغيراته يوماً بعد يوم، هذا الجمهور سيقصد بالطبع صالة نوغا هيلتون، لمشاهدة فيلمي دانيال عربيد ونادين لبكي. علماً بأن عربيد سبق لها أن عرفت وبتميز في «كان» من خلال مشاركتها قبل سنوات في تظاهرة «اسبوعي المخرجين» بفيلمها المميز «معارك حب» أما لبكي فجديدة تسعى لاكتساب صدقية لهواها السينمائي في فيلم أول هو «سكر بنات»، بعدما أثبتت حضورها الابداعي من خلال كليبات حققتها لأغاني بعض أشهر المغنين، ومن بينهم نانسي عجرم، ما أطلق شهرتها مكنها من تعود الى حلمها السينمائي الأصلي. عربيد ولبكي تتسابقان معاً في تظاهرة «اسبوعي المخرجين» وبفيلميهما يستكمل من دون شك تقديم صورة مدهشة للدينامية السينمائية اللبنانية يساهم يوم لبنان (21 أيار/ مايو) في «سينما العالم» في بلورتها.

إذا كانت السينمات الأفريقية معروفة في «كان» أكثر مما هي معروفةٌ السينما اللبنانية أو السينما الهندية الشعبية والمتنوعة اللغات، فإن الأفلام المعروضة في يوم أفريقيا (22 أيار) طويلة كانت أو قصيرة، تقدم صورة عن الانتاج النادر في بلدان أفريقية تأتي من خارج دائرة السنغال – تشاد – بوركينافاسو، التي يعرف أهل «كان» الكثير عنها، إذ كانت هي دائماً من يمثل القارة الأفريقية، الى جانب جنوب أفريقيا، التي تبدو في هذا الإطار مستقلة، وتكاد تنتمي، حتى وإن كانت سينما»سوداء» الهم والقضية، الى السياق الأنغلو – ساكسوني. في برنامج أفريقيا أربعة أفلام طويلة تأتي من كينيا (ولكن بانتاج عاونت «الجزيرة» فيه) – فيلم «مو أند مي» لمراد رياني وروجر ميلز -، ومن غينيا – «ذات صباح مبكر» لكاهيتي فوفانا، ومن أنغولا – «البطل» لزيزي غامبوا -، وأخيراً من غينيا أيضاً – «غيوم في سماء كوناكري» للمخرج شيخ فانتامادي كامارا.

ورثة ماركيز وبوتيرو

من كولومبيا، التي تمثل هنا القارة الأميركية اللاتينية، تأتي أربعة أفلام لمخرجين شبان تتراوح أعمارهم بين السادسة والعشرين والثالثة والأربعين. وهي بدورها أفلام تقدم سينما غير معروفة كثيراً، لكنها في مواضيعها وأجوائها ستبدو شديدة القرب من السينما الأرجنتينية، ولا سيما المكسيكية التي تعتبر السينما الأم في تلك القارة من العالم. ومع هذا، واضح من خلال الأفلام – وهي «ظل المتنزه» لثيرو غويرا، و «عند نهاية الطيف» لخوان فيليبي اوروزكو، و «الحلم لا يكلف شيئاً» لرودريغو تريانا، وأخيراً «خدعة» لفيليبي مارتينيز -، ان المتفرج من خلال اكتشافه سينما جديدة، سيستكمل صورة كولومبيا التي سبق له أن خبرها مع روايات ماركيز أو لوحات بوتيرو، التي باتت تشكل مرجعية فنية واجتماعية في بلد غني بواقعه وتاريخه، لكن صورته لم تصل الى مألوف المتفرج العالمي بعد.

وما يقال عن كولومبيا هنا، يمكن قوله عن سلوفينيا التي ترسل أربعة أفلام طويلة وثلاثة قصيرة، يجمع بينها أيضاً قاسم مشترك فحواه توفير إطلالة على مجتمع جديد وعالم أجد منه، لبلد اتخذ منذ عقد فقط ابعاده الخاصة، بعدما كان بتاريخه – الغامض في نهاية الأمر – وواقعه وإبداعات أبنائه، ممتزجاً بالسياق الثقافي اليوغوسلافي. هنا مع أفلام مثل «الضواحي» و «تحت شباكها» و «أمل جاد» و «نوم الملاك»... تظهر خصوصية مجتمع ونظرة مبدعين متفاوتي الأعمار والتطلعات الى هذا المجتمع...

من هذا البرنامج اللافت والطموح، والذي من المؤكد أنه سيستقطب متفرجين كثراً همهم اكتشاف حساسيات جديدة آتية من عوالم متنوعة، تبقى بولندا، التي تظهر هنا – كما حال الهند – بلداً من البلدان «المجهولة» سينمائياً والتي باتت في حاجة الى «الاكتشاف». وتضع كلمة اكتشاف بين معقوفتين، لأنه كان يتوجب علينا استخدام كلمة أخرى في هذا السياق هي «اعادة الاكشتاف» وذلك في بساطة لأن حال بولندا هنا تعتبر حالاً استثنائية، ربما يكون عنوانها الأساس: القطيعة وما بعدها. لماذا؟ لأن التاريخ السينمائي البولندي تاريخ عريق جداً... مثله في هذا مثل الهند. لكنه في الوقت نفسه يختلف عن الهند، لأن القطيعة الهندية بين السينما الطليعية وسينما المؤلف من ناحية، والسينما الجماهيرية الصاخبة، لم يعرفها تاريخ السينما البولندية، حيث لم يكن ثمة شرخ كبير بين الأفلام الكبيرة والأفلام الشعبية في بولندا. إذ نعرف أن اندريه فاجدا وأندريه مونك، كانا – على سبيل المثال – كبيري السينما الطليعية والجادة، وكانت أفلامهما شعبية بامتياز. أما الآخرون من أبناء الجيل التالي، من زانوسي الى سكوليموفسكي، ومن الراحل كيشلوفسكي الى رومان بولانسكي وأندريه زولافسكي، فإنهم آثروا ذات زمن الخروج من بولندا للتحول الى مخرجين معلولَمين ومعولِمين. فأضافوا الكثير الى السينما العالمية، لغة ومواضيع وحساسية خاصة، الى درجة كفوا معها حقاً عن أن يكونوا بولنديين. ومن هنا كانت قطيعة مزدوجة لا تمت بأية صلة الى القطيعة الهندية. هنا، في بولندا، أتت القطيعة جيلية، أي بين جيل انتهى، وجيل لم يكن ولد بعد، أيام نضال بولندا في سبيل «استقلالها» عن المنظومة الاشتراكية، وجغرافية صورتها نصف دزينة من مخرجين غادروا بولندا وغادروا معها – الى حد ما – الموضوع البولندي.

من هنا، انطلاقاً من هذا الواقع تبرز أهمية ما يعرض في يوم بولندا (22 أيار) ضمن إطار «سينما العالم»، لأنها أفلام (ثلاثة طويلة وخمسة قصيرة)، تقول لنا أين هي السينما البولندية اليوم وما هي الحساسية الجديدة لجيل الورثة، الورثة في المعنيين: ورثة الذين غابوا في الزمان إما موتا أو شيخوخة -، والآخرين الذين غابوا عن المكان. ربما يبدو العدد قليلاً هنا، ولكن من المتوقع أن تبدو الحساسيات متنوعة، إذ لا شك في أن هذه الأفلام، سواء كانت «بالميست» لكونراد نيولوسكي أو «فوضى» لكساوري زولافسكي (وهو غير المخضرم أندريه زولافسكي)، و «الذي رأته الشمس»... أو مجموعة الأفلام القصيرة، سيبدو همها الأساسي طرح أسئلة شائكة وحادة على بلد ومجتمع حققا خلال عقد ونيف مَحْوَ ما لم يكونا يريدانه، لكن مبدعيهما يتساءلون حول ما الذي بني بديلاً من ذلك.

من المؤكد، أخيراً، أن هذا التساؤل نفسه هو الذي يخيم على مجموع أفلام «سينما العالم» لأي بلد انتمت، إذ نعرف في نهاية الأمر ان السينما تبدو اليوم، ولا سيما منها ما يحققه أبناء الأجيال الأجد، سينما التساؤلات المرة والحيرة، عن زمن يشكل منعطفاً، حتى وإن كانت سينما غير احتجاجية في مجموعها، إلا في شكل موارب.

واضح أن الأجيال الجديدة من سينمائيي العالم فهمت الدرس جيداً: ان طرح الأسئلة الصادقة أهم كثيراً من افتراض الأجوبة الوهمية والخادعة. وهذا أيضاً يقوله هذا البرنامج الطموح.

الحياة اللندنية في 11 مايو 2007

 

سينماتك