كتبوا في السينما

سينماتك

مهرجان «كان» يبدأ شباباً جديداً في الذكرى الستين لولادته...

الكبار يتبارون في المسابقة الرسمية والقضايا الشائكة في الانتظار

ابراهيم العريس

مهرجان كان الـ 60

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

كانت أغنية الستينات الأميركية تقول: «القاضي يقاضينا، ولكن من ذا الذي يقاضي القاضي؟».

في دورة مهرجان «كان» لهذا العام عدد كبير من أبرز المخرجين في العالم، وكثر منهم في التظاهرة الأساسية: أي المسابقة الرسمية. فليس امراً يحدث كل يوم ان يحتفل مهرجان من وزن «كان» بالذكرى الستين لتأسيسه. و «كان» اعتاد في كل ذكرى ذات رقم من هذا النوع ان يجعل دورته استثنائية، وهذه الدورة، بالمعلن من افلامها على الأقل دورة استثنائية على غير صعيد. ولكن تبقى مشاركة اسماء مثال كوينتن تارانتينو وغاس فان سانت ووونغ كارواي والأخوين كون وديني آركان وإمير كوستوريتسا في دورة واحدة وفي مسابقة واحدة، بالنسبة الى معظمهم، أمراً لافتاً و «تاريخياً»، خصوصاً اذا تذكرنا ان ثلاثة من كبار المتسابقين هذا العام، كانوا رؤساء لجان تحكيم في أعوام فائتة. اذاً... ها هو القاضي يقاضى، وها هو المخرج الإنكليزي ستيفن فريرز يلعب دور «قاضي القضاة»... وتحديداً في دورة تخلو من أي تسابق انكليزي... بل من أي فيلم انكليزي إن نحن استثنينا «قلب قوي» لمايكل وينتربوتوم، عن اغتيال المتطرفين الباكستانيين الصحافي دانيال بيرل. وهذا الفيلم لن يعرض، على أي حال، في المسابقة الرسمية.

صاروا مخضرمين

ستيفن فريرز لن يكون وحده في لجنة التحكيم، طبعاً، هناك الى جانبه اسماء كبيرة من ماغي شونغ الى ماريا دي ميديروس، ومن طوني كوليت الى ماركو بيلوكيو وميشال بيكولي، وصولاً الى صاحب جائزة نوبل الأدبية للعام الأخير أورهان باموك... لجنة تحكيم جديرة بما هو معروض وبأصحاب الأفلام المتسابقة، من الذين كانوا الى سنوات ابناء «كان» وها هم اليوم يكادون ان يصبحوا مخضرميه، حتى وإن كان ثمة بين المتسابقين ثلاثة عشر مخرجاً لم يسبق لأي منهم ان خاض المباراة الأسمى في عالم المهرجانات السينمائية. ومن بين هؤلاء دافيد فينشر وفيلمه المنتظر اكثر من أي فيلم آخر، «زودياك» الذي تبدأ عروضه العالمية بعد يومين من افتتاح المهرجان. فينشر الذي يعتبر كل فيلم جديد له، عادة، حدثاً سينمائياً كبيراً، منذ تحفته القاسية والمرعبة «سبعة»، يعود هنا الى حكاية السفاحين، وذلك من خلال اعادة رسم حكاية قاتل حقيقي روع لوس انجليس في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. «زودياك» ينتظره كثر، ويراهن كثر منهم منذ الآن، على انه لن يخرج خالي الوفاض، لكن عليه قبل ذلك ان ينافس وونغ كارواي في اول فيلم يحققه هذا الأخير بعيداً من مداره الصيني المعتاد والحميم. ذلك ان صاحب «في مزاج الحب» يحكي في فيلمه الجديد «ليالي بلوبيري» (فيلم الافتتاح) حكاية اميركية عن صبية تقوم برحلة عبر القارة تبحث فيها عن نفسها لكنها تلتقي في طريقها شخصيات تخرج عن المألوف.

ولعل الشخصيات الخارجة عن المألوف، ستكون الشيء الأكثر ألفة في ستينية «كان»، ولكن عبر كاميرا مخرجين يتمتع كل منهم بموهبة غير مألوفة. موهبة تنتمي الى النوع الذي يعيد اختراع السينما مرة أخرى في كل فيلم جديد. فهناك الألماني، التركي الأصل، فاتح أكين، الذي كان سبق له ان «زار» كان... ولكن في فيلم تسجيلي عن الموسيقى والرقص في اسطنبول. آكين يأتي هذه المرة مع روائيه الطويل «من الجانب الآخر» آملاً منه ان يربحه في «كان» كما سبق له ان ربح في برلين قبل سنوات. وأمير كوستوريتسا يحمل الى «كان» هذه المرة فيلمه الجديد «عدني بهذا» آملاً ان يحقق مأثرة لم يحققها مخرج من قبله: ان يفوز بجائزة اساسية (لم ليس السعفة الذهبية) للمرة الرابعة. والشيء نفسه يمكن ان يقال عن الأخوين كون اللذين يعودان للتسابق بعد غياب سنوات، عن كل المهرجانات... وهذه المرة بفيلم غريب عنوانه «لا وطن للرجل العجوز». اما الكندي – من كويبك – ديني آركان فإنه يأتي مع جديده «عصر الظلمات» محاولاً «الثأر» من غاس فان سانت، الذي لولا وجوده مع تحفته «فيل» قبل ثلاثة أعوام (حاصداً بها «السعفة الذهبية») لما كان من شأن آركان ان يكتفي بالجائزة الثانية عن «الفروات البربرية». مهما يكن فإن آركان يلعب هذه المرة، كعادته، دور اللامبالي ويقول انه انما يأتي الى «كان» ليصرخ في وجه عالم يزداد تخلفاً وغباء. أما فان سانت، فإنه يدنو مرة اخرى من قضايا الشبيبة الأميركية في فيلمه الجديد «حديقة الرهاب»، حيث – بعدما زار شبيبة اطلاق النار في المدارس في «الفيل»، وزار انتحار كورت كوبان في «آخر الايام»، والفيلمان لفتا الانظار في «كان» – يعود الى الشبيبة ولكن من خلال قتل شاب من مستخدمي الروليت، حارس حديقة بالغلط.

غائبة - حاضرة

واضح حتى الآن، ان الغائب اللافت هو السياسة... لكنها لن تغيب تماماً، بل ستحضر مواربة من خلال افلام عدة، ولكن بشكل غير موارب ايضاً من خلال ألكسندر سوكوروف، الذي سبق له ان عرض في «كان» بعض آخر افلامه وأجملها بما فيها جزءان من ثلاثية اصحاب السلطة (واحد مخصص لهتلر والثاني للينين) اضافة الى فيلمه الغريب والرائع «السفينة الروسية» الذي صوّر تاريخ روسيا وربما جزءاً من تاريخ أوروبا» في لقطة واحدة استغرقت الفيلم كله (تسعين دقيقة). في «ألكسندرا» هذه المرة يدنو سوكوروف من القضية الشيشانية. كيف؟ لننتظر ونر... روسي آخر، لم يعد مجهولاً منذ اول فيلم عرف له في الغرب، وهو «العودة» الذي فاز بأسد البندقية الذهبي قبل أعوام، يحضر في «كان» متسابقاً، وهو اندريه زياغنتسيف، وعنوان فيلمه «العقاب»... والعقاب فيلم يقول كثر انه يمكن المراهنة عليه منذ الآن. وكذلك الحال مع فيلم «لنا الليل» لجيمس غراي الذي كان سبق ان أدهش اهل المهرجان قبل عقد تقريباً بفيلم «الياردات». مرة اخرى في فيلمه الجديد، يطرح غراي، كما يبدو، اسئلته على المجتمع الأميركي... ولكن في المقابل لن يكون من السهل تلمس أية اجابات، ولا حتى لدى مايكل مور، مخضرم الصراع ضد بوش وربما ضد الإدارة الأميركية ككل. مور، الذي لم يقبل فيلمه في المسابقة الرسمية هذه المرة، يعود في وثائقي، يريد منه أن يثير صخباً كالعادة، يتحدث حول الأوضاع الصحية الأميركية واستهتار الإدارة بها. والسؤال هنا: هل ثمة حقاً من سيريد ان يهتم بمثل هذا الموضوع إذا نحينا جانباً غلاة المناهضين لبوش أو للعولمة؟ من المؤكد أن اطلالة مور على «كان» هذه المرة لن تكون في حجم إطلالتيه السابقتين، مرة بفيلم «بولنغ من اجل كولومباين» ومرة بفيلم «فهرنهايت 11/9». ولكن في المقابل، ومن خارج فيلمه الجديد، من المؤكد أن مور سيعرف كيف يجعل من نفسه «نجماً»، إن لم تكن نسيت حتى ذلك الحين، حكاية مأساة جامعة فرجينيا. ونحن نعرف أن «بولنغ من أجل كولومباين» لمور، والذي عرض في «كان» قبل سنوات يتناول الموضوع والكارثة انفسهما، وكان يعتبر مرجعاً في هذا الصدد، حتى عرض «فيل» غاس فان سانت وسحب البساط من تحت رجليه. اليوم إذ يحضر مور وفان سانت معاً في «كان» مؤكد ان صخباً ما، سيدور من حول علاقة فيلميهما المذكورين بالكارثة الجامعية الجديدة. وعلى الأرجح سيكون جورج دبليو هو الضحية المعلنة كالعادة.

لقد ذكرنا حتى الآن أبرز الأسماء التي ستعرض أفلام أصحابها في التظاهرة الأساسية في «كان» لكنها ليست كل الأسماء، حتى وإن كان في وسع الانكليز أن يغضبوا، والسينمائيين العرب أن ينتحبوا والايطاليين أن يصخبوا. في المقابل يمكن شرقيي آسيا أن يتفاخروا إذ يحضرون بنحو نصف دزينة من الأفلام (من كوريا والصين واليابان حيث ترسل نعومي كاوازي فيلمها الجديد «غابة موغاري» ما يضمن نفحة رعب حقيقية، تجعل رعب «شارا» فيلم كاوازي السابق لعبة أطفال)... ويمكن أن يتفاخر بعض سينمائيي أوروبا الشرقية، بالحضور الروسي، ولكن كذلك بحضور مجري (بيلا تار في جديده «رجل لندن») وروماني... لكن الفخر الأكبر سيكون بالتأكيد من نصيب الفرنسيين الذين يحضرون بقوة (أليس المهرجان فرنسياً ولا بد للعلم المثلث الألوان أن يكون حاضراً فيه)... ولكن من خلال مخرجي صف ثان، ربما ينقلهم «كان» الى الصف الأول (كاترين بريا في «عشيقة قديمة» الذي يتطلع إليه كثر على انه قد يؤمن لمسة جنسية بل إباحية في مهرجان لا تكثر الإباحيات فيه عادة!)، تماماً مثلما يأمل كثر منذ الآن بأن يؤمن لهم جديد كوينتن تارانتينو (برهان الموت) لمسة العنف المطلوبة لبعث الحياة في مهرجان، يبدو واضحاً ان الحياة لا تحتاج إلى من يبعثها حقاً فيه، حتى ولا الفيلم «الإيراني» الطريف المبنى على حكاية الشرائط المصورة «برسبوليس» التي كانت أثارت ضجة كبيرة حين أصدرتها صاحبتها مارجان ساترابي في كتاب.

لكل سينماه

حياة تؤمنها أفلام المسابقة، وأفلام خارج المسابقة، وأفلام تظاهرات موازية هامة، لعل أهمها بعد «المسابقة الرسمية» تظاهرة «نظرة ما» التي تقدم 17 فيلماً من بينها – وهذا رقم قياسي تاريخي – ثمانية أفلام هي الأولى لأصحابها الآتين من شتى البلدان والآفاق... وهي كلها أفلام سوف نعود إليها تباعاً، حتى وإن كان يمكننا ان نعلق منذ الآن حزننا – النسبي على أي حال – للغياب العربي التام عن هذه التظاهرات الأساسية. ونقول النسبي لأن ثمة، على أي حال، عزاء كبيراً يتمثل في الوجود اللبناني. في برامج سينمات العالم، ولكن أيضاً في تظاهرة «اسبوعي المخرجين» (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة)، ويتمثل بخاصة في مشاركة مخرجنا الكبير يوسف شاهين في الفيلم الجماعي الذي حقق تكريماً لستينية «كان» في عنوان «لكل سينماه»، حيث أعطى 35 من كبار مخرجي العالم، من بينهم شاهين والفلسطيني ايليا سليمان، ثلاثة دقائق لكل منهم يقول فيها نظرته إلى السينما أو إلى «كان» أو إلى الحياة. على الورق يبدو الشريط مزدحماً، لكن علينا ان ننتظر بعض الشيء قبل ان نحكم له أو عليه.

مهما يكن... لا بد لنا من ان ننتظر، حتى نحكم أيضاً على الدورة الجديدة من «كان»... إذ بدأ الآن، فقط، العد العكسي والمفاجآت – كبيرة أو صغيرة – لا تزال أمامنا.. أما ما ذكرناه حتى الآن فلا يمثل بالطبع، سوى نظرة أولى لدورة لن يقل ما يعرض فيها عن ثلاثمائة فيلم، وعدد الزوار عن عشرين ألفاً... علماً أن عدد البطاقات الصحافية التي وزعت لا يقل عن أربعة آلاف...

كما قلنا، ليس شيئاً قليلاً أن يحتفل مهرجان بستين ولادته. فالعام الستين يمكن أن يكون أيضاً بداية لشباب جديد أليس كذلك؟

الحياة اللندنية في 27 أبريل 2007

 

سينماتك