الحكم بالسجن على الممثل المصري الشهير عادل إمام بتهمة
الإساءة إلى الإسلام في أحد أفلامه يبرز استعراض القوة الذي يقوم به
الإسلاميون المتعصبون والتهديد المتنامي لحرية الرأي في مصر. التفاصيل في
تقرير أميرة الأهل.
الملايين يعرفون وجه عادل إمام، الذي يعتبر أشهر النجوم في العالم
العربي. وجهه مجعد، وهو الوصف الوحيد الذي ينطبق عليه. لكن هذا الوجه
يستطيع إظهار كل المشاعر تقريباً - الحزن العميق والشك والدهشة والسوداوية
- وأحياناً كل هذه المشاعر في نفس الوقت. هذا الوجه كالعجين، يمكن تشكيله
لإظهار أغرب التعابير، الأمر الذي أوصل صاحبه إلى القمة. منذ أكثر من 40
عاماً وعادل إمام يجلب الضحكة إلى وجوه الناس في مصر من خلال موهبته
الكوميدية وحس الدعابة القريب من التهريج، فهو لعب أدواراً في عشرات
الأفلام والمسرحيات، ويوصف عادة بتشارلي شابلن العالم العربي. لقد أضحى
عادل إمام رمزاً عربياً.
هدف للمتطرفين
شوكة في خاصرة المتعصبين الإسلاميين: فيلم "الإرهابي" من بطولة عادل
إمام، إنتاج سنة 1994ولهذا كان صدمة عالم السينما قوية، عندما أصدرت محكمة
بالقاهرة في فبراير الماضي حكماً على عادل إمام بالسجن ثلاثة شهور وغرامة
بقيمة ألف جنيه مصري، أي ما يعادل 125 يورو، بعد أن رفع المحامي أنصار
منصور، المقرب من التيار السلفي المتشدد، في الإسكندرية دعوى قضائية على
عادل إمام بتهمة الإساءة إلى الدين الإسلامي. كما يتهم منصور الممثل المصري
أيضاً بالتجديف على الله، والسخرية من ما أسماها برموز الإسلام، كاللحية
التي يطلقها المسلمون المحافظون والجلباب، وذلك من خلال أفلام كـ"الإرهاب
والكباب" و"الإرهابي".
هذان الفلمان يعودان إلى بداية تسعينات القرن الماضي، ورغم أنهما
أثارا آنذاك جدلاً حاداً، إلا أن غالبية المراقبين متفقون على أن الهدف من
الدعوى القضائية ليس التجديف على الشاشة الذهبية، بل استعراض قوة في ظل
تغير موازين القوى في البلاد. ويقول المحامي والناشط الحقوقي جمال عيد، وهو
أيضاً عضو في فريق الدفاع عن عادل إمام: "شخصياً لست متفاجئاً على الإطلاق.
لقد كان في مجتمعنا دائماً نسبة لا بأس بها من المحافظين، وفي الوقت الحالي
باتوا يتحيّنون الفرصة ويعلمون كيف يستخدمونها".
إلا أن عيد يشعر بالصدمة من الناحية القانونية، بسبب وصول الدعوى إلى
المرحلة الحالية، خاصة وأنها غير مبنية على أي أساس قانوني، مضيفاً أن
"الأفلام مضى عليها أكثر من عشر سنوات، فلماذا انتظروا طوال هذا الوقت كي
يتقدموا بالشكوى؟" وبالإضافة إلى ذلك، فمن غير المسموح قانونياً تقديم شخص
للمحاكمة بسبب ما قاله في إطار فيلم خيالي. ورغم ذلك، فإن استئناف فريق
الدفاع رُفض في نهاية أبريل، وهناك استئناف آخر ضد الحكم يُنتظر أن يصدر
القرار النهائي فيه شهر يونيو القادم.
مخاطر على حرية الرأي والصحافة
سبب للقلق: يقول بهاء الدين حسن، مدير معهد القاهرة لدراسات حقوق
الإنسان، أن قرار المحكمة قد يكون بداية سلسلة من الدعوات القضائية
المدفوعة دينياً ضد فنانين ومثقفين.لكن قرار المحكمة يثير قلقاً في أوساط
المثقفين والفنانين من رقابة أشد وتقييد لحرية الرأي. ويقول بهاء الدين
حسن، مدير معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أن القرار قد يكون بداية
سلسلة من الدعوات القضائية المدفوعة دينياً ضد فنانين ومثقفين، ويطالب
بقانون جديد يحميهم من مثل هذه الدعوات. لكنه يعترف بأن ذلك قد يكون غير
ممكن في المستقبل القريب، ذلك أن إدانة عادل إمام والدافع الديني وراء
الدعوى القضائية ضده يتفقان مع عقلية الأغلبية في البرلمان، الذي تهيمن
عليه التيارات الإسلامية منذ نوفمبر الماضي. وفي حقيقة الأمر لا يعتبر
القرار الصادر في حق عادل إمام أول حالة من نوعها في الأشهر الاثني عشر
الماضية تبرز ازدياد نفوذ الإسلاميين في مصر.
ففي العام الماضي رُفعت دعوى قضائية على قطب الاتصالات المصري القبطي
نجيب ساويرس بتهمة الإساءة للدين، لأنه وضع على حسابه في موقع "تويتر"
للتواصل الاجتماعي صورة لميكي ماوس بلحية وميني ماوس بنقاب. كما تلقى رجل
الأعمال المصري انتقادات شديدة بسبب هذه الصورة، فيما ترك الآلاف من
المستخدمين شبكة الهاتف الخلوي التي يمتلكها احتجاجاً. أما الدعوى القضائية
فقد رفضتها المحكمة فيما بعد.
استعراض قوة للإسلاميين
في الأشهر الماضية أيضاً تم إيقاف ثلاثة أعمال سينمائية وتلفزيونية
بحجة مخالفتها لقوانين الشريعة. كما رفضت وزارة الأوقاف المصرية إصدار
تصريح للمخرج أحمد عبد الله، الذي اشتهر من خلال فيلمي "هليوبوليس"
و"ميكروفون"، لتصوير أحد مشاهد فيلمه الجديد في مسجد، لأن ذلك مخالف
للشريعة، رغم أن الوزارة ليست مخولة بذلك، حسب ما يقول عبد الله، إذ إن
التصريح عادة ما يتم إصداره من قبل وزارة الداخلية أو من المجلس الأعلى
للشؤون الإسلامية (الأزهر).
ويوضح أحمد عبد الله أن "الفيلم الذي نقوم بتصويره ليس فاحشاً ولا
يحتوي على أي عبارات مسيئة للأديان". لذلك لفت المخرج انتباه الوزارة إلى
أن المساجد جزء لا يتجزأ من الثقافة المصرية والتراث الثقافي، الذي يتجاوز
حدود الدين. وحتى المحاججة بأن كثيراً من أعظم مشاهد السينما المصرية تم
تصويره في المساجد لم تنجح في إقناع موظفي الوزارة، الذين أوضحوا لعبد الله
أن الأمور ربما كانت كذلك قبل الثورة، إلا أن الأمور تغيرت الآن.
قرار عشوائي: رفضت وزارة الأوقاف إصدار تصريح للمخرج أحمد عبد الله
بتصوير أحد مشاهد فيلمه في مسجد، لأن ذلك قد يكون مخالفاً للشريعةكما تعرّض
المسلمسل التلفزيوني "ذات"، المبني على رواية صنع الله إيراهيم، لهجمات
الإسلاميين. ففي أول أيام التصوير في فبراير حل طاقم المسلسل ضيفاً على
جامعة عين شمس، من أجل تصوير مشهد هناك تدور أحداثه في سبعينات القرن
الماضي. وتتذكر الممثلة ليلى سامي أن نحو 300 من الكومبارس كانوا موجودين
آنذاك، مضيفة أنهم "ارتدوا ملابس السبعينات الملونة، بينما ارتدت السيدات
تنورات قصيرة، كما كان الحال في مصر آنذاك".
معركة حياتك
وكانت شركة الإنتاج قد حصلت على تصريح لتصوير المشهد التاريخي في
الجامعة. لكن بمجرد أن بدأ التصوير، طلب منهم أعضاء في اتحاد الطلبة مغادرة
الحرم الجامعي، لأن الممثلات لم يكن يرتدين ملابس محتشمة. وحول ذلك تقول
ليلى سامي: "لقد هددوا المنتج بمغادرة الحرم الجامعي فوراً، وإلا فسوف
يتصلون بعدد كبير من الناس من خارج الجامعة يعرفون كيف يخرجوننا من
الجامعة". وحتى الآن لم يتم تصوير المشهد بعد. وتتابع سامي بالقول:
"الإسلاميون يشعرون بقوتهم الآن بعد أن أصبحوا يسيطرون على ثلثي البرلمان".
ولذلك فقد بات مثل هذا الاستعراض العلني للقوي أمراً متكرراً، وذلك كي
يجبروا المجتمع على اتباع أفكارهم الأخلاقية. ولكن رغم ذلك لا تشعر ليلى
سامي بالقلق، لأن الفن الرفيع ينبع من المقاومة، والوضع الحالي يساعد الناس
على المقاومة والنضال من أجل حقوقهم، فهي "معركة حياتك"، بحسب سامي.
المصريون معروفون بحس دعابتهم وسخريتهم اللاذعة. إنهم يحبون الضحك ويحبون
شخصيات مثل عادل إمام، الذي لا يزال يجذب الملايين إلى المسارح ودور
السينما. لكن مدى نجاح الإسلاميين في إفساد ضحكة المصريين سيتكفل الزمن
بالإجابة عليه.
حقوق النشر: قنطرة 2012
قنطرة في
29/05/2012
تأكيد الحكم على عادل إمام بتهمة ''ازدراء الأديان''
عادل إمام ... والمثيرون لـ''الازدراء''
أميرة عبد الرحمن ـ
مراجعة: لؤي المدهون
تتساءل
الإعلامية المصرية أميرة عبد الرحمن في تعليقها التالي حول طبيعة التغيرات
التي شهدتها مصر حتى نكتشف فجأة أن القضاء المصري- فى أولى درجاته - يوجب
الحبس والغرامة على بعض أفلام عادل إمام باعتبارها مسيئة للإسلام؟! وهل
يرتبط هذا القرار بالقوانين المدونة أم بصعود تيارات سياسية جديدة وهبوط
أخرى!
ازدرى.. يزدرى.. ازدراءً.. فهو مزدرٍ.
على طريقة عادل إمام فى شاهد ماشفش حاجة: «ألحت تلح إلحاحاً- أصرت
تصر.. إلحاحاً»، طالعت أصل هذا الفعل الخماسى الذى يعنى تحقير الشيء
والاستخفاف به فالمزدرى بالدين هو من يسخر منه ويحقر من شأنه. أما المثيرون
للازدراء- الذين أتحدث عنهم- فهم أولئك الذين يحسبون أنفسهم دائما أكثر منك
ومنى إيمانا.
أو لعلهم لا يثيرون الازدراء بقدر ما يستحقون الشفقة وربما العلاج مما
هم فيه من أوهام مرضية تصور لهم أنهم- بالضرورة- أكثر من غيرهم قربا إلى
الخالق، وغيرة على دينه الحنيف، متناسين أنه لا أفضلية لعربى على أعجمى إلا
بـ«تقوى الله»، تلك التى لا يَـشـق عنها القلوب إلا هو عز وتعالى عما
يفعلون باسمه وباسم الدين.
بأيهم نبدأ؟ «فهم كثرُ»! بمغتالى فرج فودة؟ أم مكفرى نجيب محفوظ؟ أما
مفرقى نصر أبوزيد عن زوجته؟ أم مهدرى دم سيد القمنى؟! تاريخ الجماعات
«المتأسلمة» حافل بالجهل والخرافات.
أحدث تهم «ازدراء الإسلام» يواجهها الآن الفنان عادل إمام الذى قضت
«محكمة جنح القاهرة» فى 24 الماضى بحبسه 3 أشهر وغرامة 100 ألف جنيه. وذلك
قبل يومين من رفض «محكمة جنح العجوزة»، الخميس، قبول دعوى ضده مع عدد من
الفنانين الآخرين بتهمة مماثلة.
الظلاميون أشهروا تهمة "ازدراء الأديان"
يقول بعض السينمائيين إن السينما المصرية تتلقى ضربات قوية من عدة
أطراف في محاولة للتضييق على ما يصفونه بـ "حرية الإبداع". الفنانون وبعض
المثقفين أيضا دقوا ناقوس الخطر محذرين من أن تكون السينما ضحية للصراع
السياسي في مصر.
لا تعليق على قرارات القضاء التى لا أعى حيثياتها، وإن بدت محيرة.
لكنى أستغرب تلك التهمة الجاهزة التى أشهرها الظلاميون بالقانون، بعد سنوات
طويلة على إنتاج وإذاعة تلك الأفلام، علما بأننا لم نسمع بعد أن البنود
المتعلقة بحرية الإبداع وحق التعبير قد تغيرت عما كانت عليه فى النظام
السابق.
فما الذى تغير؟ كيف نكتشف فجأة أن القضاء المصرى- فى أولى درجاته-
يوجب الحبس والغرامة على بعض أفلام عادل إمام باعتبارها مسيئة للإسلام؟!
الشارع يتساءل ما إذا كان القرار يرتبط بالقوانين المدونة؟ أم بالمتغيرات
السياسية على الساحة وصعود تيارات وهبوط أخرى!
لست من المولعين بالفنان عادل إمام بالمناسبة، بل إن طريقة إقحامه
للعنصر النسائى فى أفلامه لا تستهوينى، مع احترامى له. لكن تصادف أنى
شاهدت- واستمتعت- بغالبية الأفلام التى أوردتها صحيفة الدعوى المرفوعة ضده،
والتى تتهمه خلالها بـ«ازدراء الإسلام».
فتشت مثلا فى مشاهد «حسن ومرقص»، «طيور الظلام»، «الإرهاب والكباب»
وغيرها عن «إفيه» واحد يسىء لـ«الإسلام»، فلم أجد سوى سيناريو ينتقد بسخرية
لاذعة الكثير من المنافقين فى حياتنا، من الذين يتحدثون باسم الدين، متخفين
وراء لحية وجلباب.
فهل لأنهم اختاروا، «ولهم حرية الاختيار»، مظهرا أطلقوا عليه
«إسلاميا» لا يحق عندئذ للرأى العام انتقادهم؟ وهل فى انتقادهم ثمة مساس
بالدين؟! من أين يأتون بهذا المنطق المفرط فى سذاجته؟ «من أنتم» كى تعتبروا
انتقاد سلوكياتكم المشينة انتقاصا من الدين الإسلامى بعزة قدره، وسمو
مكانته وجلاله؟!
يحضرنى عادل إمام وهو يشرح لسهير البابلى معنى كلمة «ولايا» فى «مدرسة
المشاغبين»، قائلا: «ولايا فى الزمخشرى جمع ولية، والولية هى التى تولول
على جوزها لما يموت». فى مصر، نولول على حال البلد ممن وثبوا عليها بأفكار
جاهلية، فأرجوكم كفوا أيديكم عن الإسلام لأنكم أشر من يمثله.
حقوق النشر: المصري اليوم 2012
قنطرة في
05/05/2012
ملاحظات حول فيلم ''الإرهاب والكباب'' للمخرج شريف عرفه:
عادل إمام....كوميديا سياسية موالية لنظام مبارك
إيريت نايدهارت
ترجمة: صفية مسعود ـ مراجعة: هشام العدم
فيلم "الإرهاب والكباب" لشريف عرفه من الأفلام الكوميدية
القليلة التي أثارت الانتباه على المستوى الدولي. وفي أعقاب التحولات
الراهنة في مصر يُعرض الفيلم في عديد من الأماكن كمثال على عمل فني نقدي
مبكر، كما تتناوله الصحف بالتحليل. إيريت نايدهارت تقدم هنا رؤية مخالفة
لمعظم النقاد.
النجم المصري الكبير عادل إمام هو بلا شك أشهر فنان كوميدي في العالم
العربي وأكثرهم شعبيةً وجاذبيةً لدى الجماهير. في فيلم "الإرهاب والكباب"
يلعب عادل إمام دور أحمد، وهو موظف صغير يمثل رجل الشارع. يحاول أحمد المرة
تلو الأخرى أن يستخرج من مبنى المجمع في قلب القاهرة الأوراق اللازمة لنقل
أطفاله من مدرسة إلى أخرى.
يسبح أحمد في تيار البشر الزاحف في ممرات المجمع. وبعد عدة دورات في
طوابق عديدة يصل إلى المكتب المنشود. وعندما يصل إلى هدفه يجد موظفة تثرثر
بلا انقطاع وبهستيرية في التليفون مع صديقتها، ثم تحيل الموظفة أحمد إلى
موظف آخر ينتمي إلى الإخوان المسلمين، وهو لا يفرغ من صلاة حتى ينهمك في
أخرى. وبين آيات الحمد والشكر التي يلهج بها يرسل الموظف أحمد إلى "الأخ
مدير القسم" الذي يكون ذات مرة في دورة تدريبية، ومرة أخرى يكون خارج
المجمع ليقضي حاجته إذ أن دورات المياه في المجمع لا تناسب مقامه، مثلما
تقول المرأة الثرثارة.
المصلحة الحكومية مرآةً للمجتمع
"النجم الكوميدي عادل إمام لا يفهم الدعابة إذا تعلق الأمر بشرف
رئيسه".يستغل كاتب السيناريو وحيد حامد المجمع لكي يتحدث عن معظم مناحي
الظلم التي يعاني منها الناس في النظام المصري. وتنبع الكوميديا في الفيلم
من المبالغة في رسم الشخصيات التي تتسم أساساً بالنمطية: شخصية الجندي
مثلاً – هذا القروي الساذج الذي يقبل إهانات رئيسه الأعلى رتبةً الذي لا
يأمره بتنظيف مكتبه من الغبار فحسب، بل يدعه أيضاً يعتني بأطفاله؛ أو ماسح
الأحذية الذي يجلس على الدرج بين الطوابق ويحكي كيف احتال عليه الموظفون في
المجمع واستولوا على قطعة الأرض الصغيرة التي كان يملكها؛ أو المرأة التي
قُبض عليها خطأ باعتبارها عاهرة والتي تستطيع أن تخرج من فتحة فستانها
الواسعة ترسانة كاملة من مواد التجميل والتي ترفض أن توقّع على اعترافات
خاطئة لم تدل بها؛ وأخيراً الشاب النوبي – وهو وفق الصورة النمطية محدود
القدرات العقلية – الذي يبدأ كلامه دائماً بعبارة: "في أوروبا والدول
المتقدمة ...".
يفشل أحمد في العثور على رئيس القسم في إحدى دورات المياه في المباني
الفاخرة المجاورة للمجمع، وفي طريق العودة إلى المجمع يرى في الشارع رجلاً
أنيقاً متقدماً في العمر كان قد سمعه من قبل في الأتوبيس وهو يهاجم انحلال
الأخلاق وتزايد أشكال التدين والغباء في المجتمع. يعتقد أحمد أن الرجل هو
"الأخ رئيس القسم"، وهكذا يعود مسرعاً إلى المكتب ويعلن أنه سيبقى هناك إلى
أن تُستخرج الأوراق المطلوبة.
وهكذا يتفجر نزاع بينه وبين الإخواني الذي يريد التخلص من أحمد، في
حين يرى أحمد أن المصلحة الحكومية مكان عمل وليست دار عبادة. يتطور الأمر
إلى عراك بالأيدي، فتتصل الموظفة بسرعة بقوات الأمن، وخلال القبض على أحمد
تنطلق رصاصة. يجد أحمد البندقية في يده، فيعلن وقد استولى عليه الارتباك أن
كل الموجودين رهائن.
وبالقرار الذي يتخذه أحمد يهجر الفيلم جنس الكوميديا؛ وتختفي فجأة
كافة المعوقات التي تعرض إليها سيناريو الفيلم حتى تلك اللحظة. وعندما يسير
على الدرج عائداً إلى المكتب (الرجل الأنيق لم يعد يذكره أحد) فإن طرقات
المجمع كادت تخلو من الناس، أما الثرثارة فقد توقفت عن التحدث بالتليفون
لأول مرة، وفجأة يجدها المتفرج قادرة بالطبع على الاتصال بقوات الأمن.
الإخواني وحده يواصل الصلاة، معمقاً بالتالي من حضور المشكلة.
استفزاز بلا نقاش
وحيد حامد كاتب سيناريو ناجح ومشهور، الحكايات التي تدور حوله تملأ
صفحات بأكملها في الجرائد. في مطلع التسعينات كان قد حقق الشهرة أيضاً.
ويُعتبر التصوير المستهجِن للتدين من سماته المميزة في الكتابة السينمائية،
وكذلك الاستفزاز وكسر المحرمات. غير أنه لا يتناول تلك المحرمات أبداً،
وإنما يذكرها فحسب، دون الخوض في أي نقاش.
انتقادات شديدة طالت عادل إمام بسبب موقفه من الثورةلا يتضامن مع أحمد
سوى الشخصيات المذكورة سلفاً، ما عدا النوبي المتعلم. أما الأشخاص الآخرون
في المجمع فهم مجرد رهائن. المقابلة بين الدولة والشعب تتحول إلى مقابلة
بين إرهابيين ومواطنين صالحين، إلى أخيار وأشرار. في هذا الفيلم أيضاً لا
يتأمل المؤلف في الموقف على نحو دقيق، كما أنه لا يلتفت إلى السخرية
النابعة من أن أحمد نفسه موظف، وأنه عندما أخذ الحاضرين رهائن فإن ذلك نبع
من شعوره باليأس من اللامبالاة التي تتسم بها المصالح الحكومية. كان ينبغي
على أحمد أن يصوغ مطالبه في أجندة سياسية، ولكن لا مطالب لديه.
يمنح وزير الداخلية – الذي يسرع إلى المجمع مع فرقة كاملة من جنود
الأمن المركزي المدججين بالسلاح – أحمد فرصتين لكي يصوغ مطالبه. غير أن
الخاطف يبدأ في التهتهة عاجزاً عن قول شيء، وفي النهاية يسأل الرهائن ما
إذا كانوا يشعرون بالجوع، ثم يخبر الوزير برغبتهم في أكل الكباب. يعرض
الوزير عليهم وجبات من كنتاكي، غير أن الشعب يرفض ذلك ويهتف عبر نوافذ
المجمع المفتوحة: "الكباب الكباب، يا نخلي عيشتكوا هباب!"
لدى محاولة الوزير انتزاع المطالب من أحمد يضحك الأخير ويقول في
اضطراب أنْ لا مطالب لديه، وأنه جاء ليستخرج أورقاً خاصة بنقل أطفاله من
المدرسة، وأنه لا يختلف عن كل الموجودين الآخرين الذين يبدأون شيئاً فشيئاً
في التحدث عن همومهم ومشاكلهم، معلنين ببلاهة عن استيائهم من السياسة.
لكنهم يعجزون عن صوغ مطالب. أثناء إخلاء المجمع على نحو سلمي يغادر أحمد
المبنى في حماية الرهائن دون أن يتعرف عليه أحد من رجال الشرطة. ويشرق نور
الفجر ويختفي الممثلون عن الأنظار، الواحد إثر الآخر.
فنان كوميدي لا يفهم الدعابة
حتى وإن كان الفيلم يهجر شكلياً جنس الكوميديا، دون أن يبالي بكافة
التناقضات بدلاً من استغلالها كعنصر أساسي لكي يفتح نقاشاً سينمائياً، فإنه
يظل في عيون أغلبية المشاهدين فيلماً مضحكاً. يخجل الضاحكون من غرور أحمد
الذي يجعله يعتقد أنه يقود انتفاضة. الجمهور هنا يضحك من البطل الذي يود أن
يكون متمرداً.
في بداية الفيلم يرى المشاهد لوحة يشكر فيها فريق العمل وزير الداخلية
وقوى الأمن. قد يبدو الأمر مزحة، ولكنه في الحقيقة جد كل الجد. لقد صُور
الفيلم في الأماكن الأصلية التي تدور فيها الأحداث، وهو شيء نادر بالنسبة
لهذه النوعية من الأفلام التجارية في مصر. من أجل ذلك تم إخلاء المجمع
والاستعانة بفرقة حقيقية من فرق الأمن المركزي، وهو أمر لن يحدث بالطبع إلا
إذا قدمت الحكومة دعمها السخي للفيلم.
في السنوات التالية للفيلم أصبح المخرج شريف عرفه عضواً في الفريق
الإعلامي الذي قاد الحملة الدعائية للرئيس السابق حسني مبارك خلال
الانتخابات الرئاسية عام 2005، وفي فبراير / شباط 2011 تولى عرفه،
بالاشتراك مع زميله في فريق الدعاية الانتخابية المخرج مروان حامد، التنسيق
لإعداد فيلم عن الثورة المصرية بعنوان "18 يوم". أما عادل إمام فقد ظل
يساند مبارك علنياً حتى بعد سقوطه. فالنجم الكوميدي لا يفهم الدعابة إذا
تعلق الأمر بشرف رئيسه.
حقوق الطبع: قنطرة 2011
قنطرة في
01/07/2011 |