"يوتيوب" الهواة .. يتفوق على خيال المحترفين
بعد الثورة انطلقت أحلامنا في غد أفضل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً
وثقافياً وفنياً وحتى الآن لا نزال ننتظر إشراقة الغد!!
صعدت السينما المصرية مرتين أثناء انعقاد مهرجان "كان" على السجادة
الحمراء واحدة لفيلم "18 يوم" والثانية لفيلم "صرخة نملة".. ارتدى الفنانون
الإسموكن والنجمات ملابس السهرة ولوح المصريون للجماهير المحتشدة أمام قاعة
لوميير.. لا أتصور أن هناك من أهتم من تلك الجموع الغفيرة بما يحدث حيث لم
يقل المذيع الفرنسي على منصة المهرجان شيئاً متعلقاً بالثورة المصرية أو
الأفلام المشاركة باسم مصر ولا حتى استمعنا إلى موسيقى لأغنية وطنية
ارتبطت بالثورة المصرية.. الكل لوح بعلامة النصر إلا أنني لا أعتقد أن
الآلاف الذين تواجدوا على مقربة من قصر المهرجان لرؤية النجوم العالميين
وهم يصعدون السلم قد عثروا على شيء مشترك بين ما يشاهدوه أمامهم والثورة
المصرية ربما اعتقدوا أن هؤلاء الصاعدون على السلالم من الجماهير العادية
الحريصين على مشاهدة الفيلم الأجنبي الذي كان سيعرض بعدها بدقائق لأن لا
الفيلمين المصريين ولا الفيلم التسجيلي التونسي الذي شارك رسمياً في
المهرجان في إطار تكريم الثورة التونسية لمعرض أي من الفيلمين في قاعة
لوميير الكبرى بل جاءت العروض في صالات أقل اتساعاً.. لم نشعر بأن هناك
حفاوة خاصة من الجماهير أمام قصر المهرجان هذا إذا استثنينا بالطبع
المصورين والصحفيين العرب الذين يتابعون من قبل عقد "كان" تفاصيل تكريم
المهرجان لثورتي مصر وتونس!!
إننا بصدد حالة سياسية ولا يمكن اعتبارها أبداً حالة إبداعية.. ضاقت
المسافة بين السياسة والإبداع الفني في الدورة الأخيرة من مهرجان "كان" حيث
تم اختيار مصر كضيف شرف لأول مرة لأسباب سياسية وتم الاحتفاء بتونس الثورة
وليست تونس السينما لنفس الأسباب وذلك لأن الثورات العربية انطلقت من تونس
أولاً.. هناك ولا شك مساحة تتسع أو تضيق بين قيمة الحدث الوطني الذي تعيشه
البلد وبين أسلوب التعبير عن هذا الحدث ليس بالضرورة أن الأحداث العظيمة في
حياة الأمم تخلق مباشرة إبداعاً عظيماً.. في النصف الثاني من فعاليات
مهرجان "كان"جاء موعدنا مع الأفلام العربية التي تناولت الثورتين المصرية
والتونسية.. عرض الفيلم التسجيلي التونسي الطويل "لا خوف بعد اليوم" لم
يحمل الفيلم سوى تكرار ممل لدوافع الثورة العظيمة التي فجرها الشباب
التونسي لتتحول إلى ثورات مضيئة تنتقل إلى عالمنا العربي محملة بعطر ثورة
الياسمين.. بل إن النداءات التي رأيناها تتكرر في كل الثورات العربية
انطلقت أولاً من تونس مثل سلمية والشعب يريد إسقاط النظام وأرحل كما أن
أسلوب الشرطة في قهر الناس بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي والضرب
والسحل تتكرر.. أكثر من ذلك فإن محاولة الالتفاف التي مارسها بن على ثم
مبارك على مطالب الجماهير وأسلوب الاستعطاف الذي لجأ إليه الاثنين في
محاولة أخيرة لكسب رضاء الناس كل ذلك رأيناه مع كل رئيس عربي تهدده الشعوب
بالرحيل فيبدأ على الفور في استعطافها وكسب ودها بالتأكيد على أنه تفهم
لمطالبها.. الغريب أن الفيلم التونسي التسجيلى الطويل الذي أخرجه "مراد
الشيخ" لم يستطع الاقتراب من روح الثورة التونسية النبيلة بل كان بنائه
الفني أقرب إلى "ريبورتاج" تليفزيوني وأغلب الأفلام القصيرة المصرية التي
اشتركت في تلك الاحتفالية تحت اسم "18يوم" رأيت فيها أيضاً نفس المأزق وهي
أنها لم ترقى إلى مستوى الحدث العظيم بل أتصورها لعبت دوراً عكسياً حيث
أنها سرقت الكثير من أحاسيس البهجة التي عشناها جميعاً أثناء الثورة!!
الاختلاف الوحيد بين ما حدث فى مصر وتونس هو أنهم في تونس لم يعترض
أحد على اختيار الفيلم التسجيلي الطويل التونسي للعرض في "كان" بينما في
مصر استمعنا إلى العديد من الأصوات الغاضبة التي سبقت عرض الفيلم بأكثر من
أسبوعين ووصلت نيران الاحتجاج إلى مهرجان "كان" وكانت ملامح الرفض تبدو على
عدد كبير من المخرجين وأيضاً بعض نجوم هذه الأفلام وكان أكثرهم حدة في
إعلان رفضه هو "عمرو واكد" الذي شارك في بطولة الفيلم الذي أخرجه "مروان
حامد" باسم "19- 19" وأصدر بياناً يشجب فيه هؤلاء المتسلقون ثم بعد ذلك
سافر إلى "كان" وقاطع الأمسية السينمائية التي أقيمت للسينما المصرية ورفض
تلبية الدعوة للصعود على سلم قاعة لوميير مرتدياً الإسموكن لأن لديه إحساس
بأن هناك من قفز على الثورة وأراد تقديم نفسه باعتباره هو الثوري برغم أنهم
كانوا الأقرب إلى عهد وزمن وعائلة مبارك بل واستفادوا مادياً وأدبياً من
هذا الاقتراب ورغم ذلك فإن المقياس الفني أثناء مشاهدة هذه الأفلام كان
بالنسبة لي هو المعيار الأهم ونحيت جانباً في تقييم المواقف السياسية
السابقة المؤيدة للنظام البائد لعدد من المشاركين في هذه الأفلام والغريب
أن أكثر مخرجين تعرضاً لهجوم مباشر قبل عرض الأفلام كانا هما "شريف عرفة"
و "مروان حامد" لأنهما شاركا في إخراج الأفلام الدعائية لمبارك قبل ترشحه
لفترة ولاية خامسة وقدما رغم ذلك أسوأ فيلمين ضمن الأفلام القصيرة العشرة
التي عرضت تحت عنوان "18 يوم".. الفيلم الأول "احتباس" لعرفة لا يحمل أي
لمحة أو وهج فني.. يقدم الفيلم مجموعة من المرضى النفسيين تواجدوا في
المستشفى كل منهم يعبر عن موقف فكرى مختلف وكأنهم قد صاروا بمثابة بانوراما
تتجسد في أنماط بشرية لما يجرى في الحياة خارج حدود هذه الغرفة.. تصل إليهم
أحداث الثورة المصرية عن طريق جهاز التليفزيون الذي يقدم لمحات مما كان
يجرى فى كل مصر من مظاهرات تريد خلع مبارك حتى تأتى النهاية عند إعلان تنحى
مبارك كما أن إدارة المستشفى بعد الثورة تغير من قواعدها في التعامل مع
المرضى.. افتقد في هذا الفيلم روح المخرج "شريف عرفه" كما عودنا في أفلامه
الطويلة الساخرة جاء فيلمه القصير هذه المرة خالياً من أي نبض فني!!
"19-19" للمخرج "مروان حامد" الذي يقدم لحظات من حياة معتقل سياسي من
الممكن أن تجد في ملامحه بقايا من كل الأعمال الفنية التي تناولت المعتقلين
السياسيين في الأفلام القديمة التي قدمت هذه القضية المزمنة في عالمنا
العربي وهى علاقة السلطة بالمواطنين وكيف تقهرهم بسبب وشايات الشك كما أن
في شخصية السجين السياسي التي أداها "عمرو واكد" لمحات من "وائل غنيم" الذي
قال في أكثر من حوار أن معتقليه حذروه من خلع تلك العصابة السوداء عن عينيه
وحرص المخرج على أن يظل "واكد" واضعاً على عينيه تلك العصابة.. الفيلم
أيضاً لا يحمل أي جهد إبداعي سواء في التناول الدرامي أو الإخراجي!!
في فيلم "داخلي خارجي" للمخرج "يسرى نصر الله" نرى زوجان "آسر ياسين"
و"منى زكى" وكيف أن الزوج يرفض أن تشارك زوجته في المظاهرات وينتهي الأمر
بأن تذهب رغماً عنه ويشاركها هو في الهتاف ضد مبارك.. أقحم "نصر الله"
مشهداً ليسرا تعلن فيه انتمائها للثورة ودفاعها عنها وعن الشهداء ولم أجد
سوى أنه مشهداً مقحماً ربما يرضى يسرا التي تريد أن تقدم رسالة تنفى خلالها
ارتباطها بالنظام القديم و تؤكد تأييدها للثورة إلا أن هذا المشهد لا يحمل
أي قيمة إبداعية وكان من الممكن درامياً أن يحذف!!
وهناك أفلام مثل "حظر التجول" لشريف البنداري أراه يبدو معادياً لروح
الثورة لأنه يتناول علاقة الجيش والمقاومة الشعبية بالمواطنين.. وقدم
المخرج وجهة نظر سلبية لتلك الحالة لجأ المخرج إلى أسلوب التكرار لخلق
الضحك لكنه أخفق في تحقيق ذلك.. فيلم "لما يجيلك الطوفان" لمحمد على قدم
الوجه السلبي لمن يشارك في المظاهرات أمامنا مواطن مستعد أن يرفع صورة
مبارك لو أنه يبيع بها العلم المصري ومستعد أيضاً أن يرفع صورة الثورة على
العلم لو أنه يبيع بالثورة وبرغم كونها حالة حقيقية شاهدناها جميعاً إلا أن
التوقيت أراه خاطئاً فلا ينبغي ونحن نحتفل بالثورة في أول تظاهرة أن نقدم
هذا الوجه على الأقل الآن.. فيلم "شباك" لأحمد عبد الله يمر وكأن شيئاً أو
فيلماً لم يكن!!
ويبقى لدينا أربعة أفلام حملت قدراً من الإبداع مثل "كعك التحرير"
إخراج "خالد مرعى" وبطولة "أحمد حلمي" الذي يؤدى دور ترزي يخشى أن يغادر
دكانه خوفاً على نفسه من المتظاهرين أو الأجهزة الأمنية التي سوف تلقى
القبض عليه باعتباره معاديا للرئيس وأثناء تواجده بالمحل وخوفه من النهاية
يريد أن يسجل لحظاته الأخيرة إلا أنه لا يجرؤ حتى أن يسجل على شريط كاسيت
ما يشعر به لأن الشريط كان عليه خطبة لمبارك وهو لا يستطيع أن يمحو صوته من
فرط خوفه يضع صوت مبارك في مكانة تقديس صوت القرآن فكما أنه لا يستطيع أن
يسجل على شريط القرآن لا يستطيع أن يفعل ذلك مع صوت مبارك إنه التقديس
للرؤساء وهو ما تسعى لتكريسه كل الأنظمة الديكتاتورية في عالمنا العربي وهو
ما قدمه هذا الفيلم.. إلا أنه في النهاية ومع ازدياد قوة التظاهر يخرج من
دكانه ولم يدرك أنه كان يرتدى بدلة أمين شرطة كان قد تركها لديه مما يعرضه
لاعتداء المتظاهرين ويترك المخرج النهاية مفتوحة فلا ندرى ما هو مصيره هل
سيقتله المتظاهرون اعتقاداً منهم أنه أمين شرطة أم سوف يدركون أنه ترزي
انضم للمتظاهرين ضد مبارك وضد جهاز الشرطة الذي كان ينفذ التعليمات بضرب
وقتل المتظاهرين.. فيلم آخر لمريم أبو عوف عنوانه "تحرير 2-2" عن زوجين
الرجل "آسر ياسين" يشارك في المظاهرة لمن يدفع أكثر ولهذا يذهب إلى ميدان
مصطفى محمود لتأييد مبارك لأن هناك من يجزل له العطاء المادي إلا أنه يكتشف
أن بداخله روح النضال وفيض كامن في حب الوطن ويفضح الفيلم هؤلاء الذين
كانوا يتعاونون مع البلطجية ويستقطبونهم لتأييد مبارك بالأموال إلا انه
يتمرد على ضعفه واحتياجه للمال وينضم هو وزوجته "هند صبري" للثوار.. أما
أفضل الأفلام فهما "خلقة ربنا" لكاملة أبو ذكرى عن فتاة صغيرة تبيع المياه
المعدنية للناس وتكسب بالقروش الضئيلة قوت يومها أمنيتها أن تغير لون شعر
رأسها إلى الأصفر تنزل للميدان لبيع بضاعتها وهناك تكتشف أنها ينبغي أن
تدافع عن مصر وتستشهد وهى تهتف لمصر أيضاً.. فيلم "إبراهيم سبرتو" لأحمد
علاء يتحول الحلاق الذي يقع دكانه في وسط البلد إلى طبيب بل وجراح لمساعدة
المصابين أثناء التظاهر إنهما ولاشك الأفضل بين كل الأفلام العشرة!!
هل وصلت هذه الأفلام إلى التعبير عن قيمة الثورتين العربيتين المصرية
والتونسية؟ إجابتي هي لا.. هل كان ضيق الوقت هو السبب أم أن خيال المبدعين
كان قاصراً لم يصل إلى روح الثورة.. مع الأسف الثانية هي الحقيقة المؤكدة
وهى أنهم لم يستوعبوا بعد روح الثورة.. ولا أزال أنتظر فيلماً عربياً
تسجيلياً أو روائياً أجد فيه روح الثورة العربية التي مع الأسف لم ألمحها..
لقد شاهدنا أثناء وأعقاب الثورات العربية على" اليوتيوب" أعمالاً إبداعية
أكثر وهجاً وتألقاً ولهذا كان سقف طموحنا أعلى بكثير مما أسفر عنه ما
شاهدناه في "كان".. الهواة تفوقوا على المحترفين!!
الدستور المصرية في
08/06/2011
عندما هتف الصحفيون "راؤول" .."راؤول" !!
طارق الشناوي
عدت إلى القاهرة بعد رحلة استغرقت 15 يوماً قضيتها في "كان" ما بين
قاعات العروض والمركز الصحفي حيث صار يصاحبني دائماً "اللاب توب" بعد أن
قلت وداعاً للقلم والورقة.. ما أحلى الرجوع إليه أقصد إلى مهرجان "كان" هذه
هي الدورة رقم "64" من عمر المهرجان وهى الدورة رقم 20 بالنسبة لي التي
أحضر فيها فعاليات هذا المهرجان الذي يعتبر هو المهرجان الأشهر على مستوى
العالم أجمع!!
المهرجانات تتلاحق وأنا أترك نفسي نهباً لها فاتحاً دائماً ذراعي
لإرادتها.. جداولها هي جداول حياتي.. أصحو طبقاً لعرض أول فيلم وأنام بعد
مشاهدة الفيلم الأخير.. مواعيد المهرجانات هي دستوري الدائم الذي لا أستطيع
أن أخالفه مهما كانت الأسباب!!
أستقل قبل أن يبدأ المهرجان بأربعة وعشرين ساعة الطائرة الفرنسية "آيرباص"
المتجهة إلى باريس ومنها انتقل إلى طائرة صغيرة متجهة إلى مدينة "نيس" ثم
أتوبيس إلى "كان" وأصعد إلى غرفتي المتواضعة التي أقطن بها على مدى 10 سنوا
ت.. الفندق ليس له من النجوم سوى اثنتين فقط لا غير الغرفة تحتوى فقط على
سرير ومنضدة ودولاب وثلاجة وكرسي.. وملحق بها حمام لا يسمح بالاستحمام إلا
فقط واقفاً.. منذ عام 1992 لم أتخلف دورة واحدة عن حضور مهرجان "كان" رغم
ما أتكبده من نفقات يزداد معدلها عاماً بعد عام بسبب قوة "اليورو" أمام ضعف
الجنيه المصري وهوانه على كل العملات الأجنبية.
أتابع في المهرجانات الأفلام والندوات وأيضاً الوجوه.. وجوه البشر
وأرى كيف يرسم الزمن بصماته التي لا تمحى على وجوه زملائي وأقول من المؤكد
أنهم يشاهدون الزمن وهو ينطق بل يصرخ على ملامحي ولكني أطمئن نفسي قائلاً
ربما يكون الزمن كريماً معي أو بتعبير أدق أظن ذلك وأرجو ألا يخيب ظني..
أرى شحاذة في مدينة "كان" منذ 20 عاماً وهي تحمل طفل عمره عام وبعد مرور 19
عاماً لا يزال الطفل في عامه الأول إنها تذكرني بالشحاذين في بلادي عندما
يؤجرون طفلاً رضيعاً ويظل للأبد رضيعاً.. أرى القاعات والأشخاص حتى الذين
لا أعرفهم شخصياً فأنا أراهم باعتبارهم من ملامح حياتي.. في مهرجان "كان"
استمع إلى هتاف يسبق عرض أي فيلم ويتردد اسم "راؤول" ناقد فرنسي راحل تعود
أن ينطق بصوت مسموع باسمه قبل عرض الأفلام وبعد رحيله بأكثر من 20 عاماً لا
يزال زملائه القدامى يهتفون بمجرد إطفاء نور القاعة قبل العرض "راؤول".
في المهرجانات نكتب عن الأفلام والندوات واللقاءات وحتى الكواليس بكل
تفاصيلها لكننا لا نكتب عن أنفسنا وعما نشعر به لأننا لسنا آلات تذهب
لتغطية المهرجانات.. إننا بشر وأعترف لكم أن أسوأ مشاهدة للأعمال الفنية هي
تلك التي نجد أنفسنا مضطرون لحضورها في المهرجانات.. لأننا متخمون بكثرة
الأفلام التي تتدفق علينا في اليوم الواحد قد يصل كم المشاهدات أحياناً إلى
خمسة أفلام.. هل هذه عدالة؟! بالطبع لا نحن نظلم أنفسنا بقدر ما نظلم
الأفلام.. لأنك بعد أن تشاهد الفيلم ينبغي أن تعايشه ليشاهدك الفيلم
ويتعايش معك ولكن كيف يتحقق ذلك وأنت تلهث من فيلم إلى آخر.. ثم بعد أن
نعود من السفر ينبغي أن تستعيد نفسك قليلاً قبل أن تشد الرحال إلى مدينة
أخرى ومهرجان آخر ووجوه تلتقي بها كثيراً ووجوه تشاهدها لأول مرة.. أسعد
بالأيام وأشعر بالشجن على الزمن الذي يسرق من بين أيدينا.. نعم المهرجان
يعني عيد وفرحة وبهجة وهو بالنسبة لي يحقق كل ذلك إلا أنه أيضاً يخصم من
أعمارنا زمن.. أشعر بمرارة الأيام والسنوات المسروقة.. يقول "عبد الوهاب"
أنا من ضيع في الأوهام عمره.. أما أنا فأقول أنا من ضيع في المهرجانات
عمره.. ولا أجد فارقاً كبيراً بين الأوهام والمهرجانات.. اليوم في "كان"
وبعد أسابيع انتقل ربما إلى بيروت أو الدوحة أو دبي أو وهران ولا تزال
المهرجانات تواصل سرقة أعمارنا ولا يزال يتردد في أعماقي هتاف النقاد
والصحفيين في "كان".. راؤول راؤول!!
الدستور المصرية في
07/06/2011
"صدق أو لا تصدق".. مخرج إسرائيلي يدافع عن القرآن!!
طارق الشناوي
في آخر أيام المهرجان عرض الفيلم رقم "20" آخر أفلام المسابقة الرسمية
لم يحمل الفيلم أي احتمال للحصول على جائزة ولكن سبقته اعتراضات وتساؤلات
عن مخرجه الفرنسي اليهودي الذي يحمل أيضاً الجنسية الإسرائيلية والفيلم
شاركت المغرب في إنتاجه اسمه "عين النساء" المقصود هو العين التي تتفجر
منها المياه وتحصل من خلالها القرية التي تجرى فيها الأحداث على شريان
الحياة وهى المهمة التي تتولاها نساء القرية.. في هذا الفيلم الذي تجرى
وقائعه في إحدى قرى شمال أفريقيا متاخمة لوسط أفريقيا حرص المخرج على ألا
يحدد المكان بالضبط يقدم الفيلم العلاقات المتشابكة التي تجمع أهل القرية
المسلمة وكيف أن البعض من الرجال وخاصة شيوخ تلك القرية يحملون الإسلام وزر
النظرة المتخلفة للنساء التي لا تعبر حقيقة عن الإسلام وذلك لأنهم يرددون
دائماً آيات من القرآن تدعو المرأة الخضوع لزوجها!!
الغريب أن المخرج الفرنسي والذي يحمل في نفس الوقت الجنسية
الإسرائيلية "راديو ميهالينيو" هو الذي تصدى لتلك القضية الحساسة وقدم
فيلماً يستند فيه إلى القرآن من خلال الآيات التي تدعو للمساواة بين المرأة
والرجل في الحقوق والواجبات ولا تفرق بينهما.. وكان المخرج قد حرص على أن
يقدم تنويعات للظلم الذي تتعرض له النساء من الرجال حيث يجبرن على العمل
ويتولين مسئولية جلب الماء من العين ولهذا حمل الفيلم هذا العنوان "عين
النساء" وتتعدد أوجه الازدراء للمرأة.. مثلاً الحقوق الشرعية للرجل يأخذها
عنوة من زوجته ولا يعنيه أن أبنائه في نفس الحجرة يشاهدون ويسمعون.. المرأة
هي المتهمة والمدانة دائماً لو أنها لم تنجب طفلاً أو لو تعرض الطفل
للموت.. الأطفال كثيراً ما يموتون بعضهم في عمر صغير وبعضهم أثناء الولادة
وتضطر المرأة للكذب وأحياناً للاحتفال بميلاد طفل لاقى حتفه ورغم ذلك فإن
المرأة عليها أن تتحمل بمفردها النتائج وأن تواجه موت الطفل بالغناء والرقص
للمولود الذي لم يعش الحياة.. تقرر النساء التمرد بإعلان الإضراب الجماعي
فلن يجلبن الماء من النبع ولن يمارسن الجنس مع الزوج إن معنى الماء هنا صار
مرادفاً للحياة التي لن تمنحها نساء القرية للرجال!!
وبين الحين والآخر نشاهد المرأة في لقطة تؤكد أنها لن تستسلم.. يرتكن
المخرج إلى القرآن الكريم في إيجاد الحجة للدفاع عن الإسلام ونظرته للمرأة
لأن أيضاً بعض الرجال يجتزئون آيات من القرآن من أجل التأكيد على أن الشرع
يسمح لهم بقهر المرأة.. كان المخرج يحطم أحياناً حالة الفيلم الواقعي وهو
يقدم أغنيات فلكلورية نجد فيها نساء القرية وهن يرتدين زياً وكأنه مصنوعاً
لتلك المناسبة ويضعن مكياجاً صارخاً مثل أفراد فرقة غنائية استعراضية راقصة
مدربة على الأداء كل ذلك من أجل أن يمنح فيلمه تلك الحالة الفنية التي
تتجاوز كونه عملاً واقعياً ولكن بدون أن نجد على المقابل صياغة فنية موازية
لأننا نتعامل كمشاهدين مع الواقع الذي يصطدم بالطبع مع هذا الادعاء الفني!!
الفيلم على المستوى الفني أراه متواضعاً ولا يحمل أي إضافة إبداعية
إلا أنه فكرياً يصب في صالح المرأة العربية والمسلمة.. كان عدد من بطلات
الفيلم المغربيات قد أعلن أن المخرج خدعهن ولم يقل أنه بالإضافة إلى كونه
يحمل الجنسية الفرنسية وهى الجنسية المعلنة في كتالوج المهرجان فإنه أيضاً
يحمل الجنسية الإسرائيلية بعد أن اكتشف ذلك عدد من المثقفين في المغرب
وبدأت حملة ضد بطلات الفيلم اللاتي وافقن على العمل في فيلم لمخرج
إسرائيلي.. والغريب أن أغلب بطلات الفيلم الغاضبات أمثال "ليلى بختى"
و"حفظة هيرزى" حرصن على التواجد في المؤتمر الصحفي الذي أعقب العرض صباح
السبت الماضي ثم حرصن أيضاً على الصعود على السجادة الحمراء قبل العرض
الرسمي في المساء.. فهل كن يزايدن على الجماهير الغاضبة في المغرب خاصة أن
الفيلم إنتاج فرنسي مغربي مشترك أي أنه من الناحية القانونية من الممكن
اعتباره فيلماً مغربياً.. ويبقى الحديث عن المخرج الفرنسي الذي يحمل
الجنسية الإسرائيلية لماذا يقدم فيلماً عن وضع المرأة في الإسلام.. لا
أستطيع أن أتحدث عن النوايا ولكن أغلب الظن أن الهدف المضمر هو تقديم
فيلماً مليئاً بالمشاهد الفلكلورية التي ترضى المشاهد الأجنبي من طقوس
الولادة والاحتفالات المصاحبة لها وقهر المرأة اجتماعياً وجسدياً في العالم
العربي بدعوى العادات والتقاليد وهى بضاعة درامية مضمونة في تسويق الأفلام
أوروبياً إلا أن المخرج كان يخشى في نفس الوقت أن يتهم بالتشهير بالإسلام
بسبب ديانته اليهودية المعروفة وجنسيته الإسرائيلية غير المعلنة التي من
الممكن أن تصبح أداة للتساؤل والرفض والاتهام المسبق بالهجوم العلني على
الإسلام.. لا أستطيع أن أحكم على نوايا المخرج إلا أنني في نهاية الأمر
بصدد فيلماً متواضعاً على المستوى الفني إلا أنه فكرياً يدافع عن المرأة
العربية وعن الإسلام ويوقر القران الكريم!!
الدستور المصرية في
01/06/2011
جوائز لجنة التحكيم وقليل من التوازنات!
طارق الشناوي
"روبرتو دي نيرو" يعرف"زينب"
لا تستطيع أن تعزل ما يجري في المهرجان أي مهرجان عن لجنة التحكيم
وكواليسها ومداولاتها وأيضاً حساباتها نعم المفروض نظرياً أن التقييم الفني
ليس له أي مرجعية أخرى غير الإبداع إلا أن التجربة أثبتت دائماً أنه كما أن
القانون يعرف في بلادنا "زينب" فإن نتائج لجان التحكيم حتى في اعتي
المهرجانات فيها أيضا "زينب"!!
خيم الموقف المعادى للمخرج الدانمركي "لارس فون تراير" من قبل إدارة
المهرجان على الأجواء في "كان" حيث شعر العديد من النقاد والفنانين أن
المهرجان الذي يعلى من شأن الحرية يتراجع أمام كلمات أخذت ملمح السخرية
أدلى بها "تراير" ثم أعلن بعد ذلك التراجع والاعتذار لليهود الذي قال
مستطرداً في محاولة لامتصاص الغضب إنه يهودي بالميلاد حيث أنه كان يعتقد
ذلك قبل أن يكبر ويكتشف أن أباه اليهودي ليس هو أباه الحقيقي كما أن زوجته
يهودية وأبنائه بالتبعية يهود ورغم ذلك صدر قرار لجنة إدارة المهرجان
برئاسة "جيل جاكوب" باعتبار أن المخرج الدانمركي شخصية غير مرغوب في
وجودها داخل مهرجان "كان" وذلك بعد إعلانه في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد
عرض فيلمه "مانخوليا" أنه يتعاطف مع هتلر!!
إلا أن السؤال الذي تردد وقتها ما هو مصير الفيلم "مانخوليا" أو
"كآبة" الذي شارك في المسابقة الرسمية هل صار أيضاً فيلماً غير مرغوب فيه..
الأمر هنا كان من الممكن أن ينعكس بالسلب على مصداقية المهرجان في الزمن
القادم وليس فقط هذه الدورة وهو ما تجاوزته الإدارة عندما قالت إن هذا لا
يعنى أن يتم إقصاء الفيلم من التسابق على الجوائز وبالفعل كان الفيلم
واحداً من الأفلام المرشحة للجوائز وذلك من خلال الترشيحات والأرقام التي
تصاحب عادة أفلام المهرجان في المجلات السينمائية مثل "سكرين" و "فاريتي"
و"فيلم فرانسيس" إلا أنه لم يكن هو الفيلم الأقرب للجائزة أو الأوفر حظاً
تفوقت عليه بعض الأفلام الأخرى وأتصور أن هذا هو المأزق الذي عاشته لجنة
التحكيم التي رأسها النجم "روبرتو دى نيرو"!!
لم يكن فيلم "مانخوليا" هو الوحيد المرشح للجائزة كانت هناك أفلاماً
أخرى تنافسه بقوة وعلى رأسها الفيلم الأمريكي الذي حصد السعفة الذهبية
"شجرة الحياة" للمخرج "تيرانس ماليك" في حدث نادر التكرار حيث تتوافق آراء
لجنة التحكيم مع ترشيحات النقاد في المهرجان و"ماليك" مخرج مقل جداً في
تقديم الأفلام هذا هو فيلمه الروائي الخامس رغم أنه يقترب من السبعين..
الفيلم بطولة "براد بيت" و"شين بين" ويقدم رؤية للحياة أقصد فلسفة الحياة
كلها أنت في الفيلم لا تتابع عائلة رب الأسرة "براد بيت" يعامل الابن
الأكبر بدرجة من الجفاء ولا يعنينا الإطار الزمني الذي يتحرك فيه الفيلم
الخمسينات من القرن الماضي ولكن هناك تطلع لرؤية تتعمق في الحياة عبر بدء
الخليقة إلى اليوم تتساءل عن جدواها ومعناها نشاهد أنفسنا في نسيج هذا
الفيلم.. المخرج التركي "نوري بيلجي سيلان" حصل مناصفة على الجائزة الكبرى
مع الأخوين "داردين لوك" و "جان" الجائزة الكبرى تلي في الأهمية السعفة
الذهبية.. فيلم "نوري" عنوانه "كان يا ما كان في الأناضول" يسخر فيه المخرج
من الحياة والموت... الحياة لا تقهرها تجربة الموت حتى لمن هم الأقرب
والجسد الذي رأيناه تحت الأرض عرضة لكي تأكله الكلاب الضالة يتحول أمام
الطبيب الشرعي أثناء التشريح إلى مجرد أجزاء تتناثر الدماء على وجه الطبيب
الذي صاحب الجسد منذ بدء اكتشاف الجريمة .. وفى رحلة اكتشاف الجريمة وإلقاء
القبض على المجرم نكتشف أيضا الشخصيات التي تتواجد داخل الدائرة سواء رجال
الشرطة أم القاتل ونقترب من تفاصيل حياتهم.. ننتقل عادة من حكايات الشخصيات
إلى الحياة التي تستمر برغم كل شيء لأن نداءها أكبر من الموت هذا المعنى
نراه مباشراً في اللقطة الأخيرة من الفيلم حيث نشاهد المرأة التي فقدت
زوجها مع طفلها في طريق عودتهما للمنزل وعلى البعد كان هناك أطفال يلعبون
الكرة تصل إلى الصبي يقذفها إليهم مرة أخرى ويواصل اللحاق بأمه ما حدث ذات
يوم في الأناضول هو ما يحدث دائماً في حياتنا ولكن المخرج العبقري أحال
العادي المألوف إلى حالة إبداعية!!
أما فيلم الأخوين "داردين" فإنهما يلتقطان في فيلم "الصبي صاحب
الدراجة" حكاية الطفل الذي تركه أبيه وتبنته امرأة تعمل كوافيرة.. الأب
يريد أن يقطع تماماً الصلة مع الابن وكأنه لم يكن نرى كيف أن الابن يمارس
العنف على الجميع ويستغله أحد الأشقياء في السرقة بالإكراه ويسرق أب وابنه
ويلقى القبض عليه ويتسامح الأب ويرفض الابن التسامح مع الجاني ويعتقد أثناء
مطاردته له أنه قد لقي حتفه وتنتهي الأحداث بنهاية سعيدة وهى أن الطفل لم
يقتل ويعود مرة أخرى إلى دراجته.. المخرجان بشفافية وألق خاص يقدمان لنا
معنى التسامح حتى مع تجاوزات الآخرين بالتأكيد أن كل الجرائم التي شاهدناها
تنتهي بالتصالح بين الجاني والضحية وهى بالتأكيد مبالغات درامية لو أننا
حللنا الفيلم ببعده الأول المباشر ولكن في المعنى الكامن هو يريد ألا ندين
أحد الكل مخطئ ومذنب وفى نفس الوقت التسامح هو القيمة التي علينا أن نضعها
أمامنا حتى تستمر الحياة!!
حصدت الممثلة "كريستين دانست" الجائزة عن فيلم "مانخوليا" للمخرج "لارس
فون تراير" وأتصور أن هذه الجائزة تحمل رسالة واضحة وهى أن اللجنة لم
تستبعد الفيلم من الترشيح للجوائز بعد أن استبعد المهرجان المخرج ولم تكن
الممثلة هي الأفضل كانت الممثلة البريطانية "تيلدا سوينتون" نحتاج للحديث
عن كيفين هي التي تستحق الجائزة!!
وتبقى جوائز فيلم "درايف" أفضل مخرج للدانمركي "نيكولاس يندينجرفين"
المليء بالعنف والدماء والجائزة أتصورها انحازت لقدرة المخرج فقط على ضبط
الإيقاع.. ومن الأفلام التي حصلت على جائزة لا تستحقها جائزة الإخراج لفيلم
"بوليس" للمخرجة الفرنسية "مايوين" الفيلم يفضح ممارسات الشرطة لكنه لا
يقدم رؤية إبداعية تؤهله لتلك الجائزة.. جائزة أفضل ممثل للفيلم الفرنسي
"الفنان" حصل عليها "ميشال هازافانيسيوس" الفيلم كان يستحق جائزة لجنة
التحكيم الخاصة لأنه يتناول مرحلة فارقة في تاريخ السينما في العالم وهى
تلك الواقعة بين نهاية العشرينات ومطلع الثلاثينيات التي شهدت بدايات
الفيلم الناطق ويبقى جائزة السيناريو التي كانت من نصيب الفيلم الإسرائيلي
"ملاحظة" لجوزيف سيدار وهو فيلم متواضع فنياً لا يستحق أي جائزة بل أن أضعف
عناصر الفيلم هي السيناريو.. يبدو أن "دى نيرو" يعرف "زينب"!!
الدستور المصرية في
31/05/2011
الفيلم الإسرائيلي وأزمة لجنة تحكيم النقاد!!
طارق الشناوي
وجد الناقد والمخرج المصري "أحمد عاطف" عضو لجنة تحكيم اتحاد النقاد
الدوليين أن الحل الوحيد الذي يجنبه الاشتراك في التحكيم على فيلم إسرائيلي
هو إعلان انسحابه من المشاركة في تحكيم أفلام المسابقة الدولية في المهرجان
على أن يكتفي فقط بالإدلاء بصوته في الأفلام المشاركة في قسم "نظرة ما" وهو
ما وافق عليه أعضاء لجنة تحكيم النقاد وهى لجنة موازية للجنة تحكيم
المهرجان ويأتي تشكيلها من قبل اتحاد النقاد العالميين "الفيبرسي" وليس
لإدارة مهرجان "كان" أي وصاية على تشكيلها أو قراراتها.. السر وراء انسحاب
عاطف هو أن مهرجان "كان" عرض فيلماً إسرائيلياً ضمن فعالياته داخل المسابقة
الرسمية بين 20 فيلماً.. الفيلم عنوانه "ملاحظة" والغريب أنه حصل على جائزة
السيناريو من لجنة التحكيم الرئيسية للمهرجان ولم يكن يستحقها على
الإطلاق!!
لا تواجد لأي دولة عربية في المسابقة الرسمية للمهرجان لدينا فقط
الفيلم اللبناني "هلا وين" وهي تعني "الآن إلى أين" باللهجة اللبنانية عرض
في قسم "نظرة ما" بالإضافة إلى الفيلم المغربي "على الخشبة" في قسم "أسبوعي
المخرجين".. ويبقى موقف المثقف العربي الذي يشارك في مهرجان دولي يعرض
فيلماً إسرائيلياً هل يشارك في التحكيم أم لا؟.. المعروف أن كل المهرجانات
العربية ترفض السماح بعرض الأفلام الإسرائيلية وهناك إجماع من مهرجانات
القاهرة ودمشق وقرطاج ووهران وأبو ظبي ودبي والدوحة وغيرها بمقاطعة الفيلم
الإسرائيلي ولا يسمح له بالمشاركة ضمن الفعاليات بعيداً حتى عن الطرح
الفكري للفيلم.. وفى نفس الوقت فإن المحاولات الإسرائيلية لم تتوقف للنفاذ
إلى أي مهرجان عربي بأفلام بعضها يدعو للسلام مثل "زيارة الفرقة" الذي تم
إرساله قبل 4 أعوام لمهرجاني القاهرة وأبو ظبي بحجة أنه يوجه دعوة للسلام
بين العرب وإسرائيل إلا أن إدارة المهرجانين تنبهت إلى ذلك ومنعت عرض
الفيلم.. في العام الماضي واجه السينمائيين في مصر اختباراً آخر عندما وضع
بين الأفلام المشاركة في مهرجان "الصورة" الذي يقيمه المركز الثقافي
الفرنسي بالقاهرة فيلماً لمخرجة إسرائيلية وكان من بين المشاركين في لجنة
تحكيم المهرجان بالصدفة المخرج والناقد المصري "أحمد عاطف" والذي لم يكتف
فقط بالانسحاب من لجنة التحكيم بل وجه الدعوة إلى مقاطعة مهرجان الصورة
وشارك مع عدد من السينمائيين في وقفات احتجاجية ضد المركز الثقافي الفرنسي
بالقاهرة ولم يوافق السينمائيين المصريين على حجة المركز التي تؤكد أنه
يتمتع باستقلالية سياسية تجعله ملتزماً بالموقف السياسي الفرنسي الذي يقيم
علاقات طبيعية مع إسرائيل وتم إلغاء المسابقة الرسمية لمهرجان الصورة وأقيم
في نفس التوقيت مهرجاناً موازياً في قصر السينما التابع لوزارة الثقافة
المصرية!!
هناك قرار غير مكتوب يلتزم به أغلب المثقفين العرب وهو أنهم لا
يشاركون خارج الحدود العربية في لجان تحكيم أي مهرجان عالمي إذا كان من بين
الأعضاء فناناً أو مخرجاً إسرائيلياً ولهذا اشترط قبل ثلاث سنوات الناقد
المصري "ياسر محب" عندما كان عضواً في لجنة تحكيم قسم "نظرة ما" بمهرجان
"كان" ألا يشارك في اللجنة عضو من إسرائيل واعتبر هذا شرطاً لقبول عضوية
اللجنة كما أنه تأكد من عدم عرض فيلماً إسرائيلياً في تلك المسابقة إلا أن
الأمر يختلف مثلاً لو أن إدارة المهرجان العالمي عرضت فيلماً إسرائيلياً في
هذه الحالة لا ينسحب الفيلم العربي المشارك في المهرجان وحدث مثلاً في
مهرجان "فينسيا" في دورته قبل الأخيرة التي أقيمت عام 2009 أن شارك الفيلم
المصري "المسافر" بطولة "عمر الشريف" وهو من إنتاج وزارة الثقافة وكان
الفيلم منافساً للفيلم الإسرائيلي "لبنان" وحصل الفيلم الإسرائيلي على
جائزة المهرجان - الأسد الذهبي - ولم تنسحب مصر حيث أن الاتفاق أيضاً
العربي بين المثقفين يقضي بألا تترك لإسرائيل الساحة لأننا لو انسحبنا من
المنافسة لن نشارك دولياً في أي مهرجان عالمي كبير وإذا كانت السينما
الإسرائيلية قد انتصرت على الفيلم المصري في "فينسيا" فإنه قبل نحو 9
أعوام في مهرجان "كان" تنافس الفيلمين الفلسطيني للمخرج "إيليا سليمان" وهو
"يد إلهية" مع فيلم لمخرج إسرائيلي "عاموس جيتاى" عنوانه "كيدما" وفاز
الفيلم العربي الفلسطيني بجائزة لجنة التحكيم بينما خرج الفيلم الإسرائيلي
خاوي الوفاض وذلك عند إعلان الجوائز الرسمية للمهرجان وهو ما تكرر أيضاً في
جوائز اتحاد النقاد الدوليين المعروفة باسم "فيبرسي" عام 2002 حيث حصل
الفيلم الفلسطيني على الجائزة وكان من بين أعضاء لجنة النقاد وقتها الناقد
المصري "أمير العمري" فلم ينسحب من التحكيم ولكنه منح صوته للفيلم
الفلسطيني وبالتأكيد فإن أغلبية المشاركين في اللجنة كان لديهم نفس التوجه
وإلا ما حصل الفيلم الفلسطيني على الجائزة.. المؤكد أيضاً أن لجنة التحكيم
لم تحسبها سياسياً عندما استبعدت إسرائيل من الجوائز ولكنها وجدت أن الفيلم
العربي الفلسطيني "يد إلهية" أقوى إبداعياً فكانت الجائزة من نصيبه!!
المخرج والناقد المصري "أحمد عاطف" عضو لجنة تحكيم النقاد هذه الدورة
في "كان" وجد أن الانسحاب من ترشيحات القسم الخاص بفيلم المسابقة الرسمية
بالمهرجان مكتفياً بمشاركته في مسابقة قسم "نظرة ما" حيث لا تواجد للسينما
الإسرائيلية بل إن لبنان لديه فيلماً يتنافس على الجوائز!!
الأمر يبدو حساساً لدى العقلية الغربية في أن تتقبل ببساطة تلك
المواقف ولكن مقاومة المثقف العربي لشبهة التطبيع الثقافي مع إسرائيل سواء
في المهرجانات العربية أو العالمية تتطلب دائما مثل هذه القرارات!!
الدستور المصرية في
24/05/2011 |