كتب الناقد الأمريكي روجر ايبرت عن فيلم "شجرة الحياة" الذي فاز
بجائزة أفضل
فيلم في مهرجان كان السينمائي الدولي الذي انتهي يوم 22 مايو الماضي يقول:
بعض
الأفلام تضعف قدرتنا وتنتقص من قدرنا وتدغدغ حواسنا وتطرق رءوسنا بقصص
إثارية رثة
رديئة!!
وأفلام أخري قليلة تشيع فينا الدهشة والاعجاب والتساؤل عبر تجارب
انسانية حياتية ومثل هذه اعتبرها صلاة ولكنها ليست صلاة لأي
شخص أو لأي شيء وانما
صلاة لكل واحد وكل شيء.
والصلاة التي تستجدي مطالب هي في اعتقادي ليست ذات قيمة
لأن ما سيكون فسوف يكون ولكنني أكن تقديرا كبيرا للصلاة حين نقف أمام حافة
البحر.
أو تحت شجرة أو أنت تشم عبق زهرة أو تحب
شخصا أو تفعل شيئا طيبا فهذه الصلوات تقوي
الوجود وتخطفه بعيدا عن الملل والروتين الأجوف الخالي من
المهني.
وعن الفيلم
يقول الناقد الذي أحترمه فعلا وأزور موقعه من آن لآخر واقتني بعض كتبه:
يقول عن
شجرة الحياة فيلم ذو طموح واسع أو تواضع جم. طموحه لا يقبل
بأقل من احتواء الوجود
كله والنظر اليه عبر أطياف من نماذج حياتية لعدد قليل من الشخصيات..
فالفيلم الوحيد
الآخر الذي يمتلك نفس القدر من الطموح فيلم "اوديسا الحياة 2001" للمخرج
الأمريكي
ستانلي كوبريك وان كان يفتقد قدرة مخرج شجرة الحياة علي اشاعة الشعور
الانساني.
يقول: مرت فترة شهدت مخرجين عديدين لديهم طموحات ليست أقل من صنع تحف
سينمائية ولكن الآن لا يوجد من صنف صناع السينما هؤلاء غير نفر
قليل منهم يترنس
مالك الذي ظل أمينا وحريصا علي ابقاء هذا الأمل منذ أن بدأ أول أفلامه
¢Badlands"
عام 1973 ويقول ايبرت الذي وجد في الفيلم انعكاسا كبيرا لحياته
وذكرياته هو
الشخصية: لست أعرف متي وفي أي موقع تواصل الفيلم علي نحو مباشر مع تجربتي
الشخصية
ولكن وبطريقة ما فإن الأحداث الرئيسية في فيلم "شجرة الحياة" تصور الزمان
والمكان
اللذين عشت فيهما وان الصبيان الذين ظهروا هم أنا. ولو كنت أمتلك موهبة
"ماليك"
وشرعت في عمل فيلم عن سيرتي الشخصية فسوف يكون شبيها جدا بهذا العمل.
فالمشاهد
التي ظهرت في المدينة في وسط أمريكا والتي تصور حياة الطفولة حيث تتدفق
الحياة منها
وإليها عبر نوافذ مفتوحة تتماثل مع ما تختزنه ذاكرتي الالتزام
والتسامح.
الأب في
الفيلم رجل صارم منظم والأم لديها طاقة من التسامح وهناك أيام الصيف
الطويلة
المليئة باللعب والتراخي وهناك أيضا أسئلة ملحة مسكوت عنها حول
معاني الأشياء وهناك
الأطفال الثلاثة أبناء أسرة "اوبراين" الذين لونت الشمس وجوههم بالحمرة
يجرون
أقدامهم من جراء اللعب وهناك أسرار المراهقة التي تلوح بها بعض التلميحات
وتكشف عن
أشواق عظيمة إلي أن يكونوا كبارا وأن يكتشفوا ذواتهم.
لقد حرك الفيلم نفسه أشواق
الناقد وحرك ذكرياته عن ذلك الزمان وذاك المكان وأثارت شجونه المروج
الخضراء
الواسعة والمدينة التي كانت تسكن ذاكرته كان يراها عبر عدسات ذات زوايا
منفرجة
والبيوت التي لم تكن تغلق أبوابها أبدا.. وعن الأمهات والنوافذ
حيث تطمئن عبرها
الأمهات علي أطفالهن وعن حرارة الصيف والتراتيل.
ردود فعل موحدة
هذا الإحساس
الغامر بالحنين لمرحلة يبعثها الفيلم "الخمسينيات من القرن الماضي" والتشبع
بتفاصيل
حياة في مدينة أمريكية اختلفت أجواؤها بفعل الزمن وما طرأ علي أنماط العيش
وحقق
للناقد الأمريكي متعة لأسباب ليست فقط شخصية وانما لأن العمل
الفني المتكامل
والصادق من شأنه أن يحقق نفس الاستجابة. لقد حقق فيلم "شجرة الحياة" نجاحا
كبيرا
جدا أثناء مهرجان كان. وفي المرات التي عرض فيها كانت الصالة تمتليء قبل
بدء العرض
بنصف ساعة أو أكثر.. والطوابير تطول إلي ما لا نهاية شغفا
وأملا في حجز مكان..
وجانب كبير من المتعة يعود إلي العامل الانساني وإلي قدرة المتلقي أيا كانت
جنسيته
علي التفاعل والدخول بكامل شعوره إلي حيث تمضي الأحداث فوق الشاشة وإلي
قدرة صانع
الفيلم نفسه علي تصوير أشياء الحياة والإمساك بدقائق التجربة
الانسانية في سريانها
في الزمان والمكان.
يقول الناقد الأمريكي ان الفيلم يمثل بوضوح حالة نادرة من
التعاون القائم علي الحب بين المخرج ومصمم الانتاج وهو هنا "جاك فسك"..
ويقول ان "فسك"
رجل في مثل عمري وقد ولد وتربي في مدينة داون ستريت بولاية الينوي وهو يعرف
بالطبع انه في فترة الأربعينيات كانت الأكواب الطويلة المصنوعة من
الألومنيوم
تستخدم لشراب الليمون والشاي المثلج. إذن فإن كل التفاصيل التي
ظهرت في الفيلم
صحيحة أيضا وكذلك تصميماته التي تناسب حياة كل شخصية. وعن تصميم الشخصيات
كما حركها
المخرج يقول: من الأشياء الممتازة ان "مالك
malick"
خلق الأبوين "اوبريان"
وأطفالهما الثلاثة من دون حبكة واضحة وانما صور أيام الصيف في تدفقها
وعفويتها دون
تخطيط ومن دون أن يفصح عن مكنوناتها وما نلتقطه من كلمات يصدر عن أناس
يتحدثون
لبعضهم البعض.
ان الحياة اليومية التي يرسمها "مالك" تأتي بإلهام من ذاكرته
وذكرياتها عن مدينة واكو
waco
في ولاية تكساس التي يحدها شيئان شاسعان هما المكان
والزمان بالإضافة إلي شيء آخر هو الطاقة الروحية العظيمة.
في شجرة الحياة تبعث
المشاهد إحساسا بالجلال وتوحي بفكرة "الميلاد" والاتساع الهائل للكون وظهور
الحياة
علي مستوي ميكروسكوبي ضئيل ونشوء الكائنات.. وهذه العملية تقودنا إلي
اللحظة
الراهنة إلينا جميعا فقد خلقنا في خضم انفجار كوني هائل وعبر
ملايين السنين لم نعرف
عنها شيئا وفي الفيلم نحن نري الطبيعة في عطائها وأخذها. أحد الصبيان
الثلاثة في
اسرة "اوبريان" مات ورأينا أيضا كيف تعمل مع الزمن. فالشخصيات تكبر وتمضي
بها
الحياة لكن ماذا بعد ذلك؟
الفيلم يوفر عبر نسيجه "رؤية" لما بعد الحياة.. حين
يظهر مشهد طبيعي واسع يمر فوقه أناس يتسمون بالهدوء وفي وقار
يتعرفون علي بعضهم
البعض ويلقون التحية ومن اكتمال الزمن يبدو كل شيء مفهوماً.
الفيلم من الأعمال
التي يفهمها بقدر من الحب والتقدير النقاد الغربيون وطبعا ناقد أمريكي عاش
في نفس
أجواء ومكان وزمان الفيلم وأبطاله حتي انه يري نفسه في الأبناء
الثلاثة للأسرة التي
ظهرت فيه.. ولكنه رغم ذلك يندرج تحت الأعمال المثيرة للجدل لأنه يعالج
موضوعا كونيا
أكبر من الأسرة ويتجاوز الزمان والمكان والمدينة إلي فكرة النشوء والتطور
وأصل
الكون.
وقد سبق أن أشرت إلي ان كثيراً من الانتاج الأوروبي ونسبة من الأفلام
الأمريكية تحتاج إلي مستوي من التلقي يتجاوز مفهوم الفرجة
السلبية الي التفاعل
الفكري والثقافي وحتي الحضاري أيضا ومن هنا يجد بعض الموزعين المحليين
عندنا صعوبة
كبيرة في جلب هذه الأفلام لأن مجرد توزيعها يعني مغامرة مادية فضلا عن
الإحباط الذي
ينتج عن الفشل.
عن المخرج تيرنس مالك
مخرج "شجرة الحياة" حقا متفرد بأسلوبه
واختياراته للموضوعات وقد بدأ بفيلم "بادلاندس" 1973 الذي اعتبره النقاد
بداية
راسخة وقوية أشبه ببداية المخرج اورسون ويلز صانع فيلم "المواطن كين"..
كلاهما
امتلك موقفا رصينا ورافضا للظروف المحيطة بالصناعة وأفلامه القليلة تعتبر
من
التجارب المحترمة والبديعة فنيا ومنها "أيام السماء" و"خيط
أحمر رفيع" وهو أجمل
أفلام الحرب التي رأيتها فهو من "النخبة" في مجال الاخراج ليس
فقط في الولايات
المتحدة وانما في إطار السينما العالمية.. وهو من مواليد مدينة "واكو" عام .1943
المساء المصرية في
05/06/2011
شباب فني مبهر لممثل طاعن في السن!
أعضاء اللجنة ليسوا
قضاة .. والعدالة ليست معصوبة
خيرية البشلاوي:
لماذا خلت جوائز مهرجان كان السينمائي الدولي الأخير "11 ــ 22 مايو"
من
أي جائزة للفيلم الإيطالي "لدينا بابا"
"habemus PaPau"
للمخرج الإيطالي ناني
موريتي؟؟
ليس لدي اجابة قاطعة لعدم حصول فيلم جميل ويحمل قيمة إنسانية وفنية
عالية سوي أن هذه هي قناعات لجنة يرأسها الممثل الأمريكي القدير روبرتو دي
نيرو..
وقناعتي الشخصية أن أعضاء لجان التحكيم ليسوا "قضاة" والعدالة بالنسبة لهم
مفتوحة
العينين وقد تكون "عيناها مبحلقة" علي أمور ليست بالضرورة فنية خالصة ولذا
نجد
فيلماً إسرائيلياً متواضعاً أو في أحسن الأحوال "عادي" ليفوز بجائزة
السيناريو.
ونجد "المخرج الدانماركي" لارس فون تريير
يعاقب بشكل أو آخر لأنه تجاسر وأعرب عن
إعجابه بالزعيم النازي هتلر والإعجاب قد يكون بشخصية الراجل
القوية أو بسبب تعصبه
الجنوني لجنسه الآري أو لقبضته الفولاذية. أو ربما لعشقه للموسيقار فاجنر.
باختصار
لأي شيء آخر سوي تعذيبه لليهود علماً بأن المصادر تقول إن لهذا المخرج جذور
يهودية؟
ولكن كيف يتجاسر مخلوق علي الكوكب ويعلن إعجابه بمعذب اليهود؟!
علي أي حال علمتنا المهرجانات المحلية والدولية ان الجوائز تخضع
لتوازنات
سياسية ومزاجية ومصالح واعتبارات وطنية وقد يتفق معها الجمهور أو لا يتفق
إلا انها
في نهاية الأمر لا تعني التفوق المطلق.
إعجاز ممثل
عموما ولأسباب شخصية
والناقد بالمناسبة لا يستطيع هو أيضا أن يتجرد بالكامل من ذاتيته ومن ذوقه
الشخصي
فهذه عناصر تدخل في صلب البنية الأساسية لتكوينه ولهذه الأسباب بهرتني
الشخصية التي
لعبها الممثل الفرنسي الفذ تشيل بيكولي في الفيلم الايطالي
وأداؤه الدقيق شديد
الاخلاص لها.. وأعني شخصية الكاردينال ملفيل الذي تم انتخابه بابا
الفاتيكان ولكن
شعوره بالمسئولية الثقيلة والمهمة الصعبة التي تلقيها عليه هذه المكانة
يصيبه
بالرعب فيقرر الهرب.
ومشيل بيكولي بلغ من العمر 86 عاما وقد هالني بصمات الزمن
علي وجهه وهو يخطو فوق السجادة الحمراء وان كان هذا الزمن بجلالة قدرة لم
يزده علي
الشاشة سوي المزيد من الشباب والنضارة فبدا مشرقا طوال عرض
فيلم "لدينا بابا" أتذكر
"مشيل بيكولي" بوسامته وباعزاز خاص في أفلام تأثرت بها جدا حين شاهدتها
لأول مرة
وهي فيلم "أشياء الحياة" 1969 وفيلم "القفز في الفراغ" الذي شاهدته هنا في
مهرجان
كان 1980 وتعجبت في هذه الدورة وغضبت له عندما لم يفز بجائزة عن هذا الدور
علي
صعوبته.
وناني لوريتي "مواليد 19 أغسطس 1953" صانع هذا الفيلم مخرج خارج
القطيع
لامع يكتب بنفسه سيناريوهات أفلامه وعادة ما يظهر فيها كممثل وهو يلعب هنا
دور طبيب
نفسي انه شيوعي وعادة ما يلجأ للتعبير عن أفكاره السياسية والاجتماعية
بطريقة
سينمائية ليست مباشرة تجعله يكتسب مذاقا خاصا في السينما
الايطالية الحديثة وقد حصل
علي جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين عام 1985 عن فيلمه "الحشود انتهت" "the mass is ended"
وجائزة مهرجان كان عام 2001 عن فيلم "حجرة الابن" الذي حقق اعجابا كبيرا
وسط جماهير السينما وفيلمه الأخير "habemus PaPau"
الذي عرض ضمن أفلام المسابقة
الرسمية لمهرجان كان في الدورة الـ 64 التي انتهت لتوها يقدم سخرية راقية
للطقوس
الشكلية المعقدة جدا لعملية انتخاب بابا الفاتيكان ويشيع أجواء التكتم
والمحافظة
والحرص التي تحيط بعملية الاقتراع ويستعرض التصميم المعماري
المركب لقاعة
الاجتماعات ولدواخل هذا المبني المهيب والجليل "الفاتيكان" ثم ملابس
الكرادلة
الحمراء التي لا تقل تعقيدا وثقلا ويستحضر شرفة الفاتيكان المقدسة التي
يطل منها
البابا بعد انتخابه ليبارك المخلصين المحتشدين بالآلاف تحتها حتي ينالوا
مباركته..
كل هذه التفاصيل الخاصة بالشعائر البابوية يترجمها المخرج كاتب السيناريو
بصريا
باتقان لافت محيطا المشاهد بالأجواء المنظرية التي تمنحها الثقل الديني
والجلال
الدنيوي والزخم التشكيلي.
شريط الدخان الأبيض
ووسط هذا المناخ المرئي المزدحم
يكتسب شريط الدخان الرفيع الذي يخرج من المدخنة في أعلي
الكنيسة والذي تتجه إليه
عيون المحتشدين أسفلها انتظارا لنتيجة الاقتراع يكتسب أهمية بالغة لأنه
لونه الأبيض
أو الأسود هو الذي يعلن ما إذا كان الكرادلة العظام قد أنجزوا مهمة
الاقتراع
واتفقوا علي البابا الجديد أم لم يوفقوا.
منذ الوهلة الأولي يشعر المتلقي انه
أمام عمل ضخم وما أن تمر الدقائق حتي يصل إلي أجواء الفيلم
المدهشة وإلي أن تبدأ
وساوس الكاردينال ملفيل "مشيل بيكولي" وقلقه من الفوز بمكانة البابا حتي
نبدأ نحن
في التوحد مع رجل الدين ونستشعر الصراع الذي بني عليه المخرج حبكة الفيلم
وهو
تحديدا الصراع بين "الدنيوي" و"المقدس" بين المسئولية الروحية
الكبيرة للبابا وبين
كونه إنساناً وبشراً بقدرات محدودة. فالبابا يفترض فيه انه
المسئول عن سعادته "المخلصين"
وهداية الآثمين وحمل أثقال الدنيا عن كواهل الرعية وهي مهمة يشعر "ملفيل"
ازاءها بالعجز وبالخوف الرهيب فيجري خارج الفاتيكان ويتجول عبر واقع الحياة
اليومية.. بينما الكرادلة داخل الفاتيكان تواجه أزمة كبيرة. فالبابا
المنتخب عليه
أن يطل من الشرفة وأن يحيي الجماهير.. وليس هناك من أسباب مقنعة تبرر عدم
ظهوره..
فيضطر كبير الكرادلة أن يأتي ببديل لا يظهر وانما يتراءي كشبح من وراء
الستار..
ويأتي بطبيب نفسي يؤدي المخرج وتحدث الكثير
من المفارقات بين مهمة الطبيب التي
تستدعي "التعري" أمامه. أي معرفة كل شيء عن المريض وبين
التقاليد التي تحتم الغموض
والسرية الكاملة ثم المفارقة التي تحدث للكاردينال "ملفيل" نفسه حينما يخرج
إلي
العالم الدنيوي ويلتقي بطبيبة نفسية ثم بفرقة تمثيل وما يستتبع ذلك من
مفارقات وبعد
سلسلة من المفارقات والأحداث الطريفة والمركبة إلي جانب
المواجهة الذاتية التي يحتم
علي الكاردينال ان ما يحسمها. يقف "ملفل" ويلقي خطبة رائعة تعلن عن مهمتها
أكبر من
أن يتحملها ويتنازل عن المنصب.
لا يوجد حدود فاصلة بين الواقع والخيال في هذا
العمل المحمل بالمعاني وبالذات في تشخيص "ملفيل".. وهل بمقدور
"البابا" أيا كان أن
يتنازل لأسباب واقعية نبيلة عن هذا "الكرسي" المقدس؟
ان الفيلم لا يسخر من الدين
وانما من التبعات الرهيبة والشكليات المعقدة التي تفرضها دولة
الفاتيكان عبر
الطقوس. والتقاليد الصارمة والتكتم والقيود التي تحرم الانسان من آدميته
والفيلم
يطرح أسئلة حول امكانية التلاقي بين منتهي التسامي علي المستوي الروحي وبين
الاحتياجات الانسانية للبشر وبين المسئولية الروحية والمخاوف
الانسانية.
الطبيب
النفسي الذي يؤدي دوره ناني موريتي ينظم داخل الفاتيكان مباراة للكرة
الطائرة يشارك
فيها الكرادلة وفي تصويره للمشهد واختياره للزوايا وحجم اللقطات يعكس مظاهر
المرح
والسعادة التي يشعر بها المشاركون.. الأمر الذي يجيب جزئيا علي كثير من
الأسئلة
المتضمنة في هذا العمل.. ربما شاب البناء السردي بعض التشققات
في الجزء الخاص بخروج "ملفيل"
إلي الشارع وتجربته مع الناس العاديين ومع أمور الحياة اليومية وقد يكون
هذا من العناصر التي أثرت علي التقييم الأخير للتجربة في نظر أعضاء لجنة
التحكيم في
المهرجان الدولي ولكن الرسالة أو مجموعة الرسائل التي حملتها تجعله عملا
يستحق
الاحترام.
**
عنوان الفيلم يشير إلي الجملة التي يلقيها كبير الكرادلة عندما
يطل
علي الجماهير بعد الاقتراع لينبئهم بأنه أصبح لديهم "بابا".. فالعنوان "habemus PaPau"
معناها "لدينا بابا" أو "أصبح عندنا بابا".
كـلبان يفوزان بجائزة "بالم دوج" في مهرجان كان الـ
64
الفيلمان حاصلان علي إحدي جوائز المهرجان.. وهما بالفعل عملان متميزان
ومن بين
عناصر التميز أدوار الحيوانات التي تستحوذ علي اهتمام المشاهد باعتبارها
عنصراً
عضوياً في حبكة الفيلم. وفي توليد الإثارة. وأيضاً في العامل الإنساني الذي
يبني
عليه المؤلف ردود فعل المتلقي..
فيلم "لهافر"
"Le Haver"
للمخرج الفنلندي آكي
كوريسماكي مواليد 4 أبريل 1957 حصل علي جائزة الاتحاد الدولي
للنقاد "الفيبرسي" رغم
أنه لا يعتمد علي أي نوع من الإبهار التكنولوجي. وإنما أساساً علي بعض واقع
المدينة
الفرنسية الساحلية التي تدور فيها الأحداث. ويشير عنوان الفيلم إلي اسمها.
وحين
أستخدم كلمة "بعث" فإنني أستعيد الأجواء الواقعية للأمكنة
وللميناء. وللبيوت
الصغيرة للسكان البسطاء. وللشخصيات الحية المفعمة بالحيوية والحس الإنساني.
والمصداقية. وكأنها بالفعل شخصيات من لحم
ودم. تجعلك ترتبط بها طوال مدة الفيلم
وتتذكرها بها. بعد أن ينتهي باعتبارها نماذج بشرية ليست
نمطية.. وبالذات شخصية
الزوجة "ارلتي" "كاتي أوتنن" المرأة الحريصة الطيبة جداً. والمحبة لزوجها
ماسح
الأحذية وكلبتها "لايكا" التي تعتبر فرداً من أفراد الأسرة..
سلوك الكلبة لايكا
في السياق السردي يجعلنا نتساءل عن علاقة هذا الحيوان بالممثلين خارج
الشاشة. لأنها
كما يعكسها الفيلم تبدو حميمية جداً ومشبعة بالمشاعر الأليفة وتصرفاتها
سليمة
ومتجاوبة مع الحدث. وكأنها شريكة في حياة هذه "الأسرة" التي
خرجت من خيال المؤلف
وليس كما يوحي الفيلم بأنها واقعية أو كأنها ضمن عمل تسجيلي.
الحيوانات الأليفة
منذ باكورة السينما تلعب أدواراً مدهشة ولها مدربون وتخضع لعمليات ترويض
وتدريب.
ويتم اختيارها بمعايير فنية.. تحدد قدرتها
علي الاستجابة. وهي بالقطع من أنواع ذكية
وقادرة علي "الطاعة" والتلون. وكثير من أعمال والت ديزني تعتمد
علي كلاب وحيوانات
حقيقية ومنها من حقق شهرة واسعة جداً مثل: الكلبة "لاسي" و"بنجي" و"توتو"..
ولكن أن
يشدك الحيوان إلي التعاطف معه. وفهمه من خلال أدائه "المدروس" واستجاباته
العاطفية
المثيرة للمشاعر مثلما فعلت "لايكا" في فيلم المخرج الفنلندي أو مثل "أوجي" "uggy"
في فيلم "الفنان" "The Artiste"
للمخرج مشيل هازا نافيكيوس.. أن يفعل الحيوان ذلك.
إذن فإنه يستحق جائزة..
في فيلم "الفنان" الذي حصل ممثله علي جائزة أفضل ممثل.
كان الكلب ضمن أكثر عناصر الفيلم تحقيقاً
للمتعة والتشويق. وأكثرها إثارة..
والعلاقة بينه وبين البطل الفنان احتلت مساحة معنوية وفنية كبيرة.. ومثيرة
أيضاً
للدهشة حول قدرة الفنان السينمائي علي الإبداع من خلال إدارة ممثل كلب. ومن
غير
الممكن أن نفهم هذه العلاقة الوثيقة بين الكل وصاحبه علي
الشاشة دون أن نعي أن
الحيوانات الأليفة في أوروبا والغرب بصفة خاصة تحتل أيضاً مساحة عضوية في
الكيان
الأسري وفي الشارع يمكن للمرء أن يلاحظ بعض مظاهر هذه العلاقة. فكثير جداً
من عشاق
السينما المحتشدين أمام مقر المهرجان وفي شوارع المدينة تجدهم
في صحبة كلابهم.. وكل
المحلات الكبيرة لديها قسم خاص بالحيوانات الأليفة بدءاً من المأكل وحتي
الملبس.
والأدوات الخاصة ببيت الحيوان. وألعابه
وأدوات زينته. وملابسه. صحيح أن هذه العادة
الأوروبية انتقلت إلي كثير من البيوت المصرية الثرية لأنها كائنات مكلفة.
وأنها
باتت ضمن "الموضة" المستعارة بالنسبة للبعض. لكنها لم تنتقل إلي الشاشة أو
إلي
صناعة السينما المصرية.. هناك قسم من هذه الصناعة في الغرب خاص بالحيوانات
وقائمة
من الأسماء. وهناك أيضاً نجوم من بين الممثلين الحيوانات..
وعشرات من الكومبارس من
الكلاب أيضاً.
وجائزة "بالم دوج"
"Palmdog"
وهي علي غرار جائزة
"Palm dor"
الجائزة الكبري لمهرجان كان السينمائي الدولي وقد
تأسست عام 2001 بمبادرة من الناقد
السينمائي "Toby Rose"
وتمنح لأحسن حيوان ممثل حقيقي أو تحريك "كارتون" والجائزة
عبارة عن طوق أنيق جداً من الجلد مكتوب عليه "بالم دوج" وقد
فازت بهذا الطوق الكلبة
"لايكا" والكلب
"Uggy"
عن امتيازهما في أداء أدوارهما..
المساء المصرية في
29/05/2011 |