واجه فيلم غس فان سانت الجديد «توتر» الذي تم عرضه في قسم «نظرة خاصة»
قبل أيام توترا في المقابل لدى الذين شاهدوه. كثيرون هم من يحبون أفلام فان
سانت، وأكثر منهم من يميل إلى السينما المستقلة في الولايات المتحدة، في
مقابل السينما المؤسسة على نظام هوليوود. وهؤلاء كانوا صلب مشاهدي الفيلم.
سبب التوتر هو الخوف من أن يكون هذا الفيلم المتواضع بداية انسحاب المخرج
من السينما المستقلة. ليس أن الفيلم غير مستقل، بل هو مستقل زيادة عن
اللزوم. فالاستقلالية الحقيقية تتضمن في طياتها تحقيق الفيلم من دون نظام
عمل تقليدي ماثل في المخيلة، لكن فيلم فان سانت بدا في وضع غير مرتاح بين
اتجاهات متعددة، الابتكار والتأكيد على ذاتية الاستقلال ليسا منها.
الأمل في السينما المستقلة مثل الأمل في أن تمطر الدنيا بعد شهور من
الجفاف. لذلك انتقل الاهتمام بعد أيام قليلة إلى خبر مفاده بأن المخرج جيم
يارموش - وهو من كبار السينمائيين الأميركيين المستقلين - سيعود إلى العمل
بعد سنوات عدة من الغياب في مشروع فيلم يتناول فيه حكاية مصاصي الدماء بقصة
«غير متداولة من قبل» كما يقول لي المنتج البريطاني جيريمي توماس.
الفيلم الذي لا يزال بلا عنوان سيتم تصويره بين المغرب وألمانيا وفي
البطولة الشابة ميا واسيكوفسكا والبريطانية تيلدا سوينتون والألماني مايكل
فاسبيندر.
لكن في حين يستعد يارموش للعودة (على أمل أنها عودة بلا تنازلات) نجد
غياب أحد كبار محققي السينما المستقلة، وهو ديفيد لينش، متواصلا.
لقد مرت سنوات عدة منذ أن حقق فيلما جديدا. وسنوات أكثر منذ أن كان
المشاهدون يقفون بالصفوف الطويلة بانتظار فتح شباك التذاكر لمشاهدة أحد
أعماله. أما غياب جون سايلس، الذي لا يقل عنه أهمية، فهو متواصل منذ مطلع
القرن الجديد. ولا توجد كلمة واحدة عن مشروع جديد له. لكن هل نضرب الطبول
والمزامير على هذا النوع من السينما؟ وهل يعني غيابها انتصار السينما
الهوليوودية المحضة؟
في كل سينما، مستقلة، نصف مستقلة أو غير مستقلة بتاتا، الجيد والرديء،
لذلك لا لزوم لطبول هنا أو هناك. لكن افتقادها ليس علامة حسنة لأن القائمين
بها عادة من أهم المواهب السينمائية اليوم. كذلك افتقادها يكشف النقص الذي
تعانيه بسبب انكباب الجيل الحالي من السينمائيين الشبان على صنع أفلام
هوليوودية الشأن والنظام وإهمال هذا الجانب الكبير. طبعا كل شيء مرتبط
بالجمهور الذي يبدو الآن وقد استدار بعيدا عن تشجيع هذه السينما. لكن هذا
ليس انتصارا لأحد. السينما التجارية لديها مشكلاتها هي أيضا كما هو معلوم.
براد بيت: أعرف عن الحياة بعد فيلمي هذا أكثر مما كنت أعرف براد بيت
يلعب في فيلم ترنس مالك الجديد «شجرة الحياة» دور رب أسرة أميركية تقليدية
تتألف من زوجة (جسيكا شستاين) وثلاثة أولاد. إنه رجل محب ومؤسس على نظام
متوارث من التعاليم الدينية والأخلاقية، لكنه صارم قليلا أكثر مما يجب ما
يخلق هوة بينه وبين أكبر أولاده.
وبيت في العمر المناسب لهذا الدور. السنوات الأولى التي كان فيها
مناسبا لتأدية أدوار الشاب الجميل الذي يسحر كل من حوله، انتهت. وبحثه عن
الأدوار الصعبة كان بدأ حتى من قبل أن تنتهي، فشاهدناه في «بابل» سنة 2006
و«اغتيال جيسي جيمس على يدي الجبان روبرت فورد» (2007) كما في «القضية
المثيرة للفضول لبنجامين باتون» (2008) بين أفلام أخرى مهمة خلال السنوات
القليلة الماضية. ونضجه لا يتبدى من خلال اختياراته كممثل بل أيضا كمنتج،
فهو وقف وراء فيلم «قلب كبير» الذي دارت أحداثه في أفغانستان، وقامت
ببطولته أنجلينا جولي، و«المغادر» الذي قام ليوناردو ديكابريو ببطولته،
ومارتن سكورسيزي بإخراجه، وهو الآن أحد منتجي «شجرة الحياة».
·
كيف أثار هذا المشروع اهتمامك
حين علمت به؟
- عرفته مرتبطا بمخرج سألت نفسي كثيرا إذا ما كنت سأجد عملا يجمعنا
معا. ترنس مالك هو كل شيء في هذا الفيلم فعليا. قيامي بإنتاج الفيلم كان
شيئا من تحصيل مفترض. أنت كمنتج تبحث عن الأعمال التي تناسب الهدف الذي من
أجله تحب أن تكون منتجا. عن مشاريع لا تريدها أن تذهب لغيرك من المنتجين
فتنبري لها. لذلك أثار المشروع اهتمامي منذ أن سمعت به أول مرة قبل أكثر من
ثلاثة أعوام، ثم تجدد هذا الاهتمام حين تم الربط بين قيامي بالإنتاج وبين
قيامي بالتمثيل فيه.
·
هل يختلف السيناريو الذي قرأته
عن النتيجة الماثلة على الشاشة؟
- كثيرا.
·
كيف؟
السيناريو يحتوي في غالبيته على المشاهد الدرامية التي مثلتها وزملائي
في هذا الفيلم. لكن ترنس مالك انطلق في التقاط مشاهد تؤلف نحو نصف الفيلم
من دون أن يكون لأي منها أكثر من ذكر عابر. أعطيك مثلا، المشاهد البركانية،
مشهد الديناصورات، مشاهد النظم الكونية كلها لم تكن واردة إلا كعناوين. لا
أعتقد أن أحدا كان قادرا على معرفة كيف سيتم جمعها ودمجها بالفيلم سوى رجل
واحد هو ترنس مالك. لكن الممثل الذي يقرأ سيناريو فيلم له عليه أن يعلم بأن
ما يقرأه ليس سوى جزء بسيط من صورة كلية لا تتوقف عن تطوير نفسها خلال
العمل.
·
هل أنت راض عن عدم وجود ترنس
مالك في «كان»؟ كان غيابه موضع سؤال البعض في المؤتمر الصحافي.
- كنت بالطبع أتمنى وجوده بيننا لكني أحترم قراراته. ترنس ليس من
النوع الذي يحب الجموع الكثيرة والكاميرات والرد على الأسئلة وتقديم
الإجابات المناسبة. كلامه هو فيلمه. قال فيه كل شيء. لقد قلب في ردي على
السؤال المطروح حول غيابه شيئا جال في بالي وأود أن أذكره هنا مرة أخرى:
إذا ما اختار صاحب العمل عدم الظهور في المؤتمرات الصحافية فإن هذا من حقه.
لا أفهم لماذا عليه أن يحضر إذا لم يكن معنيا بعملية بيع الفيلم؟ ليست هذه
العملية من مهام الفنانين.
·
كيف نظرت إلى دورك في هذا الفيلم
كأب متشدد ولو أنه يخفي في داخله حنانا كبيرا لأولاده.
- لقد خشيت في البداية من هذا الموقف لأني لست كذلك على الإطلاق. هناك
نقد للأب وللمفهوم التربوي الذي يتبناه وسبب خشيتي أن أساهم في تثبيت صورة
ثم كسرها مما يخلق موقفا غير ثابت. لكن الطريقة التي عالج بها مالك الفيلم
رائعة. أنا جئت من عائلة ملتزمة ومؤمنة لكنني لم أتعرض لما تعرض له الابن
في الفيلم. ولا والدي كان متشددا على هذا النحو.
يتوقف في وسط حديثه للحظة ثم يغير الوجهة قليلا لكنه لا يبتعد:
«سؤالك الأول لي كان عن السبب الذي من أجله أقدمت على إنتاج هذا
الفيلم. ما الذي أثارني صوبه. وما ذكرته لك حقيقي لكنه ليس الصورة بأسرها:
هذا الفيلم زاد من معرفتي بالحياة. وأصارحك أن المشروع أخافني وأنني ترددت
في تمثيله. لقد فكرت أنه إذا ما لعبت هذا الدور فإن أولادي، حين يكبرون،
سوف يجدونني أقرب إلى شخص بصورتين. لكن حين أمعنت في الدور أدركت أن العكس
سيقع. أعتقد أنهم سيفهمون أنني لم أكن ذلك الشخص الذي شاهدوه على الشاشة
وخشوه».
·
لديك الكثير من المشاريع هذه
الأيام (أكثر من 20 مشروعا) لن أسألك عما إذا كان لديك الوقت لكل ذلك، لكن
عن الفيلم الذي يتردد ذكره أكثر من سواه: «تجارة كوغن».
- (يضحك) شكرا لأنك لم تذكرني بالعمل الذي ينتظرني حين أعود.. لكني
تذكرت (يضحك). الفيلم الذي تتحدث عنه دخل الآن مرحلة ما بعد التصوير وهو من
إخراج أندرو دومينيك (عملا معا في «اغتيال جيسي جيمس..») وهو تشويقي لكنه
يختلف كما كان «اغتيال جيسي جيمس» وسترن لكنه اختلف.
·
هو من إنتاجك أيضا؟
- نعم، دومينيك قدم السيناريو الذي أعجبني كثيرا وبدأنا العمل عليه..
أعتقد قبل عام كامل.
·
بدأ عرض «شجرة الحياة» في أوروبا
قبل عرضه بأميركا. هل من فكرة متى سيتم عرضه هناك؟
- سيعرض عرضا محدودا في نهاية هذا الشهر في الولايات المتحدة وكندا
وستتوسع عروضه بالتدريج. إنه مشروع من نوع خاص ولا بد من توزيع من نوع خاص
أيضا.
أفلام اليوم
«شجرة الحياة»: هذا ليس فيلما.. بل إبداع
* كما كان ستانلي كوبريك من قبل، ينفرد المخرج ترنس مالك بالقدرة على
الانفراد بالرأي كاملا وبتقديم ما يريد تقديمه هو وليس شركة الإنتاج أو
الموزع أو الناقد أو الجمهور. إنه ليس فقط مخرجا مستقلا كبيرا، كما كان حال
كوبريك وكما هو حال فرنسيس فورد كوبولا، بل فنان موهوب ومثقف يمارس الفيلم
كما لو كان يقرأ ويكتب في آن واحد سر الحياة.
أفلامه السابقة، وآخرها «العالم الجديد»، طالما صاغت رؤيته الفلسفية
حول الحياة. انفصل عن الشخوص لتصوير مجرى نهر صغير، أو شجرة شامخة أو طائر
بعيد. لكنه هنا، وضمن رغبته عرض الحياة كما بدأت وكما هي اليوم، ينفصل عن
الحكاية ذاتها لأكثر من أربعين دقيقة (من أصل 138 دقيقة) يجوب خلالها الكون
متحدثا بإيمان واضح عن إبداع الخالق سبحانه وجمال ذلك الإبداع. يصور الكون
البعيد وأعماق البحر معا. يجوب الأرض والكواكب والأزمنة ويذهب في كل اتجاه
من شأنه تقديم صورة بانورامية للحياة كما نعرفها - وغالبا - كما لا نعرفها.
وكما فعل كوبريك في «أوديسا الفضاء»، حين تناول التاريخ منذ النشأة، يفعل
مالك هنا، لكنه يعمد إلى ذلك بجماليات بديعة تناسب إيمانه الروحي. في
الواقع، فيلم مالك الجديد هو فلسفي، شعري، جمالي، فني ولاحقا دراما عائلية
عن الأب الصارم في تأسيس عائلته وذلك في خمسينات القرن الماضي وكيف حفر ذلك
أخدودا في العلاقة بينه وبين أكبر أبنائه جاك (هنتر مكراكدن)، كاد يطيح
بذلك الابن إلى هاوية الجريمة.
إذ يتحدث عن أصل الحياة على الأرض، لا ينشغل المخرج كثيرا في العلم أو
في التوثيق، ولا يبحث في النظريات، بل يوفرها كتمهيد روحاني لموضوع له
علاقة وثيقة بالمؤسسة الدينية على الأرض. لب الموضوع هو كم يؤدي التشدد
الديني إلى نقيضه في الحياة. يدفع الأبناء إلى كره كل ما يمثله الأب من
مواقف عوض أن يستمدها منه كما هي. الابن حالة مكبوتة أمام والده، ومنفلتة
حين يغيب الأب في رحلة عمل. وهذه الازدواجية تزيد من الصراع في داخله
وتجعله، كما يقترح الفيلم في أحد مشاهده، على قاب قوسين من التخلص من أبيه
بقتله حين يعود.
هذا بالطبع إلى جانب أن علاقته بأخويه تهتز كثيرا، خصوصا بشقيقه
المائل إلى الفن والألفة. في أكثر من مشهد يقصد الابن الأكبر ذاك التسبب
بأذى شقيقه الأصغر منه، وصولا إلى ذلك المشهد الذي يطلق فيه رصاصة بارود
صغيرة (إنما نموذجية) على أصبع شقيقه الذي وثق به حين طلب منه وضع أصبعه
أمام فوهة البندقية.
ما يلطم جاك على الوجه هو الحب. شقيقه الأصغر ذاك يغفر له سريعا لأنه
يحبه. والفيلم يقرر بعد ذلك وعن صواب: «ليس هناك سعادة من دون حب».
جاك سنراه يتذكر كل ذلك بعدما أصبح كبيرا يؤديه شون بن الذي يعيش حالة
انفصال بين عالمه الحديث وبين تلك الذكريات مقررا، بصوت مسموع أن العالم
«صار أكثر جشعا».
الكاميرا في لعبة الذكريات تنجلي عن محاولة الخروج من قعر تلك المباني
الضخمة وناطحات السحاب وفي مشهد تتابع مئات طيور السنونو (إذا لم يكن
ألوفها) وهي تطير حرة مشكلة حركة منسابة. الكاميرا، التي هي هنا عين مشتركة
للمخرج ولجاك وللمشاهد، كما لو كانت تحلم بأن تحقق حلم الإنسان نفسه
بالانطلاق بلا قيود. لكن حركة الانسياب الشكلي مهمة للغاية. مالك (ومدير
تصويره إيمانويل لوبيزكي) ينجذبان صوب كل شكل فيه انسياب (خصوصا وعلى نحو
متكرر ذلك المشهد لأعشاب بحرية تتماوج كما لو كانت تؤدي رقصة ما). وهو، أي
المخرج، مستعد لأن يقطع مشهدا تعتقد أنه سيستمر لأنه مهم ويدلف إلى ما هو
أهم، بمشهد يختلف عنه. أساسا، يعامل القصة لا معاملة من يريد سردها كحكاية،
بل هي تتوالى كما لو كانت الحواشي، أما الأسس فهي الملاحظات البيئية
والاجتماعية والسلوكية التي تنبت هذه الحكاية فيها.
هنا نلحظ التقاء المخرج مع الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي. كلاهما
يعمل في حقل الإبداع على نحو مشابه. كلاهما يحب الموسيقى ويحب الماء ويترك
للكاميرا تصوير الطبيعة. تاركوفسكي أكثر تأملا ومالك أكثر تشكيلا، لكن
مفهومهما للمونتاج متشابه.
هناك ألوف الصور في هذا الفيلم وكل منها تعكس ألوف المشاغل والشجون
لذلك ليس من السهل الكتابة عنه، لكن هذه الكتابة ليست مستحيلة. مفتاح
الفيلم: الخروج من صندوق الحكاية التقليدية والسير وراء المخرج بفهم رؤيته
للحياة ولماهية الدور المناط بالسينما تبعا لها.
انقلاب لبناني
* على نحو متناقض تماما تأتي معظم الأفلام الأخرى. وأكثر التناقضات
يمثلها فيلم نادين لبكي الجديد «هلق لوين؟» سؤال يأتي في نهاية الفيلم
حينما يحمل أبناء قرية مسلمة ومسيحية مشتركة جثمان قتيل مسيحي إلى المقبرة.
تبعا لأحداث ما قبل النهاية انقلب تبادل بعض المسلمين وبعض المسيحيين
الأدوار فبات من الصعب معرفة ما إذا كان الجثمان سيدفن في مقبرة المسلمين
أو في مقبرة المسيحيين.
إنها نهاية لا تخلو من التبسيط لفيلم لا يخلو من السذاجة حاملا تمنيات
من تلك التي يرددها البعض في أحاديثهم كبديل لطرح اجتماعي أو سياسي حقيقي.
في هذا الفيلم نتعرف على قرية بلا اسم في بلد بلا إسم تخوض حربا بلا اسم.
لكن المعروف سريعا وعلى نحو حاسم أن القرية لبنانية وأن الحرب كذلك. نصف
أهل القرية مسلمون ونصفهم مسيحيون يعيشون ويتعايشون إلى أن تصل رياح القتل
على الهوية الطائفية قريبا منهم. مشاغبات من قبل كل طرف تهدد الوئام
والسلام، على الرغم من تحذير الشيخ والخوري من مغبة الوقوع في الفتنة.
في البداية هناك من يُعتقد أنه كسر الصليب، ومن يُعتقد - في المقابل،
بأنه أدخل الماعز والدجاج إلى المسجد، والعراك ينشب بين الرجال، لكن النساء
هنا أكثر وعيا ويتدخلن لإيقاف العراك ولمساعدة الجميع على الخلود إلى
السكون والهدوء. لكن حينما يعود ابن امرأة مسيحية مقتولا، حين تجرأ وخرج من
القرية إلى جوارها هي الأم الثكلى التي تعي أنه إذا ما انتشر الخبر اهتزت
القرية واشتعلت، لذلك تحاول أولا التظاهر بأن ابنها مريض، ثم حين يكتشف
شقيقه الأكبر ما حدث، وعلى الرغم من معرفته أن أحدا في القرية مسؤول، تطلق
النار على قدمه لمنعه من الانتقام.
هذا كله فعل نيات وحكاية قائمة على «ماذا لو...» وليس على تصرفات
واقعية. لكن ما يميد فعلا بالفيلم ذلك التخيل بأن الطريقة المثلى لوأد
الخلاف هو صنع حلويات وفطائر بحبوب الهلوسة والحشيش ما سيجمع بين الرجال.
نساؤهم سيفاجئنهم في الصباح الباكر بالانقلاب إلى دين الطرف الآخر، ولو
تمثيلا.. سيفيق المختار المسيحي على زوجته وهي تصلي، والابن المصاب في قدمه
على أمه وهي محجبة، والشاب أحمد سوف يجد والدته تتحدث بالإنجيل، وهكذا
وصولا إلى النهاية التي قدمتها أعلاه.
لو أن الفيلم مبني كفانتازيا بعناصر الشغل الفانتازي لكانت القصة أنسب
وأفضل ظهورا، لكن المخرجة نادين لبكي أرادت فيلما كوميديا - موسيقيا -
فانتازيا بأدوات واقعية ما أضعف السياق بكامله. في فيلمها الأول عرفت كيف
تقدم فيلما أنيقا بأسلوب بصري شغوف وباهتمامات نسائية مثيرة. لكن لا شيء
يبقى ماثلا هنا سوى مشاغلها النسائية حين قررت تحقيق فيلم لبناني الهوية
تماما. المشكلة هي أنها لم تكترث لصياغة صحيحة من ناحية، وأن الفيلم يأتي
متأخرا كثيرا في رسالته.
حركة السينما اللبنانية
* خلال السنوات الثلاث الماضية داوم اللبنانيون على صنع الأفلام بمعدل
ثلاثة أفلام إلى خمسة أفلام روائية وتسجيلية طويلة في السنة الواحدة، علما
بأن المصاعب والعقبات متعددة ومختلفة. إذ ليست هناك استوديوهات، ولا حتى
شركات عاملة دوما في هذا المجال، ولا يوجد هناك إقبال كبير على الأفلام
اللبنانية داخل البلد، ولا إقبال عليها في الأسواق العربية الخارجية ورغم
ذلك هناك عدد مهم من المواهب أثمرت مجموعات من الأفلام الجيدة خلال السنوات
القليلة الماضية.
في العام الماضي مثلا، تقاسمت السينما اللبنانية جوائز أهم المهرجانات
العربية مع زميلتها المصرية.
وعلى سبيل المثال، فاز فيلم بهيج حجيج الأخير «شتي يا دني» بجائزة
أولى في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، في حين فاز «رصاصة طائشة» لجورج
الهاشم بالجائزة الأولى في مهرجان دبي السينمائي الدولي في ديسمبر (كانون
الأول) الماضي. وعلى صعيد الأفلام الوثائقية فاز فيلم «شيوعيون كنا».
المعظم الكاسح من الأفلام اللبنانية التي أنتجت مباشرة من بعد الحرب
الأهلية اللبنانية تختلف كليا عن تلك التي كانت سائدة قبل الحرب. ليس فقط
في أن الكثير من المخرجين اللبنانيين، مثل مي مصري وجان شمعون وغسان سلهب
والثنائي جوانا حاجي توما وخليج جريج، كما فيليب عرقتنجي، طرحوا مسألة حرب
السنوات الـ16 وما تلاها على طاولة النقد والتقييم، بل في الأساس لأن ما
كان يُنتج في الستينات والسبعينات من أفلام لبنانية، بقيادة عدد من
المخرجين النشطين من بينهم الراحلان محمد سلمان وسمير الغصيني اللذان أنجزا
فيما بينهما أكثر من مائة فيلم في نحو عقدين ونصف من الزمان، كان لا قيمة
له عدا تنشيطه الحركة التجارية ذاتها. هي وتلك الأفلام والإنتاجات المصرية
والسورية التي حطت في لبنان خلال تلك الفترة لبعض الوقت لإنجاز أعمال
غالبها أكشن وكوميدي.
الشرق الأوسط في
18/05/2011 |