الجوّ لا يزال هادئاً في مراكش بعد ستة أيام على
انطلاقة الدورة العاشرة لهذا المهرجان الذي أسسه المنتج الفرنسي الراحل
دانيال
توسكان دو بلانتييه، بمباركة الملك محمد السادس. أفلام
المسابقة الرسمية التي بلغ
عددها الـ15 لم تثر نقاشاً حقيقياً، الى الآن، ونحن على بعد يومين من
الختام، ذلك
لأن عناصر الجذب لم تكن مواكبة لهذه الأعمال المختارة من بين ما تيسر.
الضربة
القاضية لم تأت بعد. المشاهد المتطلب لا يزال محتاجاً الى
المزيد من الأحاسيس
والاطلاع. هناك شيء ضائع في تفاصيل الحكايات المتداخلة والمتشعبة قدر تشعب
الأنماط
والأساليب. "ما تيسر" لا يعني في الضرورة ما هو غير صالح للعرض، انما يقع
في سلة
الأفلام التي لا تجد لها مكاناً في مهرجانات تتعامل مع كل فيلم باعتباره
اكتشافاً
مهماً. الاكتشافات في مراكش تقل عاماً بعد عام، لا سيما ان
تاريخ انعقاده، اي قبل
شهرين على مهرجان برلين، لا يساعده في الاتيان بأعمال أكثر رصانة وثقلاً
فنياً
وبلاغة اخراجية. 15 فيلماً من 15 بلداً مختلفاً، هذا يمنح المراقب من بعيد
الانطباع
بأننا أمام لوحة تجريدية لواقع الحال في القارات الخمس، لكن الأمر في يد
المبرمجين
ومدى جرأتهم على كسر القوالب الثابتة والخروج من دائرة
المحظور. هناك لحظات جميلة
طبعاً تخرج من أحشاء الأفلام، ووجوه تسكن البال لدقائق مديدة، ومعاناة تقرص
قلباً
وتهمس في أذن، لكن هل هذا يكفي حقاً؟
"تخيلوا مهرجان مراكش من دون سيارة رينو"،
تقول الدعاية المنشورة في الكاتالوغ، وهي زلة تلخص ما هو
المهرجان عليه من "فرنسة"
تنعكس، في حلوها ومرها، على الروح التنظيمية والتشكيلة الرسمية والتحيات.
السينما
حاضرة خير حضور من خلال أفلام المسابقة، وهي أعمال مخرجيها الاولى أو
الثانية، لكن
المهرجان لا يعتمد عليها. لذا، فالدعائم كثيرة: البساط الأحمر
والسهرات الليلية
والضيوف المكرمون بأعداد كبيرة ودعوة من هبّ ودبّ من فرنسيين.
عقد كامل مرّ منذ
الولادة، والمهرجان على منعطف تغدو الأسئلة معه أكثر جدية واثارة للقلق.
جملة
معضلات، على ادارة المهرجان حسمها والإختيار بين هذا وذاك: الترويج للسينما
أم
الترويج للسياحة السينمائية في المغرب؟ الاستمرار بصيغة فرنسية
مفصلة على قياس
باريسي، أم عودة الى الينبوع المغربي والحداثة الافريقية؟ في نشرة
المهرجان، يقول
نائب الرئيس المنتدب للجهة المنظمة للمهرجان نور الدين الصايل، انه ينبغي
التفكير
في اقامة سوق للفيلم، وهو شرط ضروري للانتقال الى مرتبة أعلى.
في انتظار معرفة
ما ستؤول اليه الأحوال في السنين المقبلة، لا نستطيع الا ان نرفع القبعة
لهذا العدد
من الضيوف الذين يتعاقبون هنا واحداً تلو الآخر. منهم من جاء ليشارك في
لجان
التحكيم، ومنهم من حضر ليلقي درساً في فنّ اتقان التعامل مع
السينما، وآخرون
ليشاركوا في حفل تكريمهم. هارفي كايتل، مارتن سكورسيزي، الأخوان داردين،
ايفا
منديس، غابريال برن، جون مالكوفيتش، سيغورني ويفر، كزافييه بوفوا. كل هذه
الأسماء
تصنع فرحة المهرجانيين يومياً، على البساط الأحمر.
في هذا السياق، كانت في
الدورة الحالية لحظتان وجدانيتان مهمتان: لحظة تكريم الممثل
الأميركي جيمس كانّ،
والليلة التي رفعت الستارة فيها على أشهر أسماء السينما الفرنسية الحالية
في مسرح
قصر المؤتمرات. في تكريم كانّ، جيء بفرنسيس فورد كوبولا ليمنح شهادة برجل
رافقه في
ثلاث مراحل من حياته. تبادلا الطرائف أمام الجمهور في وقار
بعيد من التكلف، قبل أن
يُعرض شريط من مشاهد افلام اضطلع فيها كانّ بأهم أدواره. أما اللحظة
الثانية فكانت
التكريم الموجه الى السينما الفرنسية. بعد كلمة سكورسيزي "المشربكة" بعض
الشيء في
السينما التي أعترف دائماً انها ألهمته ("الموجة الجديدة" تحديداً)، مُنحت
جائزة
فخرية الى كوستا غافراس، وكانت برفقته كاترين دونوف، قبل ان تُرفع الستارة
على نحو
خمسين من بعض من الذين يصنعون حالياً السينما الفرنسية. مشهد
ملهم ومعبّر لم يستغرق
الا دقائق قليلة، لكنها اعادة اعتبار في محلها الى البلد الذي انطلق منه
هذا الفن
ليصبح في ما بعد جامع الفنون. هذا التكريم ترافقه استعادة مؤلفة من 75
فيلماً، من
ألان رينه و"عمه الأميركي" الى "وداعاً أيها الأطفال" للوي مال
و"دم فاسد" لليو
كاراكس و"نيللي ومسيو أرنو" لكلود سوتيه. يجد المشاهد نفسه
أمام بانوراما شيقة من
محطات سينمائية خالدة، معظم الأجيال الجديدة لم يشاهدها الا بشرائط الـVHS
أو
الـ"دي في دي". في المقابل، من المؤسف في هذه البانوراما، بعض الاندساس
الذي لا
مكان منطقياً له في لحظة تاريخية كهذه. لا شك ان الجهة التي اختارت هذه
الأفلام
استندت في بعض جوانب خياراتها الى اعتبارات تجارية، فانتقت
افلاماً مثل "اهلاً عند
الشتي" أو "ثلاثة رجال وطفل"، ولم تفكر، في المقابل، في تخصيص زاوية صغيرة،
من باب
الاخلاص، الى كلود شابرول، أحد رموز السينما الفرنسية، الذي رحل في أيلول
الماضي.
طبعاً، مع هذه الاستعادة والتكريمات الكثيرة، نرى المهرجان مشغولاً
على نحو
معلن وصريح بالماضي أكثر منه بالحاضر. هذا أمر يندر وجوده، خصوصاً في
مهرجان يرغب،
بعد عشر سنين على تأسيسه، أن يضع نفسه على خريطة المهرجانات في العالم،
وهاجسه
مخاطبة المحترفين والمشاهدين في آن واحد. ثلاثة أرباع الأعمال
المعروضة هي أفلام
قديمة، وهذا رقم كبير لمهرجان، موازنته سبعة ملايين أورو. لكن، مهما يكن،
فإن
المهرجان يشغل أهل المدينة القرميدية على مدار أيام تسعة، حتى وإن تفاوت
الاقبال
بين فيلم وآخر وغزا المراهقون وضجيجهم الصالات المفتوحة أمام
عوالم مختلفة.
لقاء
مغربية في دور لبنانية... أو تقريباً
كــنــتُ
كــمــن يـتــلــقـى صــفــعــة!
ايطاليا...
أخيراً، مثلت المغربية الأصل والبلجيكية
الاقامة لبنى أزابال في فيلم "حرائق" لدوني فيلنوف الذي انطلق
في البندقية ثم عُرض
في ابو ظبي حيث كان لهذه الفنانة المتمكنة جائزة أفضل ممثلة عن اضطلاعها
بدور نوال
التي كانت ضحية حرب شُبّه لكثيرين بأنها الحرب الأهلية اللبنانية التي
قطّعت البلاد
أشلاء. التقيناها في تيراس فندق "أكسيلسيور" في الليدو، في ايلول الماضي،
وطرحنا
عليها بضعة أسئلة...
-
أجد أن هذا الفيلم نجح كثيراً في جذب المشاهد، انه سينما
حقيقية. الاقتباس الذي أنجزه فيلنوف قوي للغاية وهو أحسن في نقله من الورق
الى
الشاشة. فخور جداً بما قدمته في هذا العمل وسعيد لأني ارتبطت
به منذ البدء. تأثرت
جداً عندما شاهدته للمرة الاولى. كنت كمن يتلقى صفعة!
·
كيف جرت ظروف
التصوير؟
-
كانت ظروفا قاسية كوننا لم نكن نملك الكثير من المال. كان
صعباً
ايضاً علينا أن نتعامل مع قصة على هذا القدر من القسوة. ناهيك بالطقس
الحار، الذي
قارب أحياناً الاربعين درجة مئوية. كانت تجربة مؤثرة وقوية، لكني لم أشعر
بالألم.
متعة العمل مع فيلنوف وبقية أعضاء الفريق عوّضت عن كل شيء آخر. كنا محاطين
بأفضل
العناصر البشرية.
·
هذه المرة الاولى تعملين خارج
فرنسا؟
-
لا. لا أتوقف عن
العمل خارج فرنسا. سبق أن مثّلت في أكثر من عشرين فيلماً، منها
"منافٍ" لطوني
غاتليف. في السنة الماضية وحدها، اضطلعت بأدوار في نحو أربعة أفلام صوِّرت
في كل من
الأردن وأرمينيا وبلغراد وانكلترا.
·
كيف عملت على اللهجة اللبنانية
التي لم تكن
في منتهى الدقة (على رغم ان الفيلم لا يقول إن الحرب هي تلك التي دارت في
لبنان)؟
-
عملت مع مدربة لبنانية، لكن اللهجة لم تكن لبنانية. لا استطيع
أن أحكم
لأنني لست عربية مئة في المئة، أنا مغربية امازيغية من جانب والدي، ولهجتنا
مختلفة
تماماً عما نتكلمه في الفيلم. عملت طوال 15 يوماً على تقليد اللهجة، وآمل
أن تكون
قريبة الى الاصل. كان هذا تحدياً كبيراً.
·
كيف كان الدور عندما قرأته في
السيناريو الاصلي، هل تحمست له منذ البداية؟
-
نعم، تحمست له ما إن قرأت النص،
علماً انني كنت قد طالعت نص المسرحية سابقاً. شخصية نوال عظيمة
وتلقيتها كما يتلقى
المرء هدية. هذا الدور هو أفضل ما يمكن أن تناله ممثلة. كنت أصلّي ليلاً
نهاراً كي
يُسنَد الدور اليَّ. فيلنوف أثبت انه يثق بي كثيراً عندما اختارني، لكن كان
عليَّ
ألا أخيّب ظنه. لم يكن سهلاً. اعتنيت بكل التفاصيل من الألف
الى الياء، بدءاً من
الملابس وصولاً الى تسريحة الشعر، كنت أريد أن يكون هناك ترابط بين الحقبات
المختلفة التي تمر بها الشخصية. كنت أميل الى البساطة في تجسيد الشخصية.
عادةً أميل
الى غريزتي في تكوين الملامح، لا أشغل تفكيري، بل أحمل ما في
داخلي من طاقة وأذهب
الى الدور مع ذلك المخزون. لست بسيكولوجية في إدائي، أحاول أن أكون مخلصة
للحقيقة.
·
علامَ اقتصرت توجيهات فيلنوف؟
-
قادني أكثر مما وجّهني. كان الأمر أشبه في
أن يكون المرء في سيارة ويتلقى التعليمات من شخص آخر يقول له بالتوجه
يميناً أو
يساراً، الخ. لم يفرض عليَّ أي شيء، بل كنا نتحدث مطولاً. كان الواحد منا
يكمّل
الآخر. كنا نناقش الدوزنة، وحجم الاداء الذي كان مطلوباً من
أجل إنصاف الشخصية وعدم
الوقوع في المبالغة. كان علينا ايجاد الدوزاج المطلوب.
·
اتساءل كيف وصلتِ الى
التمثيل؟
-
بمحض المصادفة. لم أكن أريد أن أصير ممثلة. لكن اقتُرح عليَّ
دورٌ في "القيلولات".
كنت اعمل كنادلة كي اغطي تكاليف دراستي الجامعية، حين تلقيت هذا العرض
من محمود بن محمود. كان هذا فيلمي الاول، دخل محمود الى البار الذي كنت
اعمل فيه
واقترح عليَّ السفر الى تونس لمدة شهرين بغية تصوير الفيلم.
مذذاك، كرّت السبحة.
جاءني عرض آخر، هذه المرة من اندره تيشينه وفيلمه "بعيداً" الذي عرض في
مسابقة
مهرجان البندقية. ثم تحول الامر مخدراً، لم يعد ممكنا التخلص منه بتلك
السهولة. صار
التمثيل همي الاول. شيئاً فشيئا نجد أنفسنا امام اقتناع مفاده "لا شيء آخر
يمكن أن
افعله في هذه الحياة".
·
ماذا عن ثقافتك المزدوجة؟
-
لا اسأل نفسي مثل هذه
الأسئلة. ثقافتي المغربية احملها معي اينما حللت، عندما أطبخ
مثلا، تجدني مغربية
مئة في المئة. لا اسأل نفسي اذا كنت مغربية أكثر ام بلجيكية. طبعاً عليَّ
النضال
احيانا للحصول على دور ما نظراً الى مظهري الخارجي الذي يضعني اوتوماتيكياً
في
ادوار معينة كون والدي مغربياً، بعضهم يعتبر أنه من غير الممكن
اسناد ادوار فرنسيات
اليَّ. هذه حماقة الناس، ولا شأن لي بها. لحسن الحظ هناك مخرجون اقل حماقة
من
غيرهم، فيقترحون عليَّ ادوار فرنسيات في فرنسا. اصولي قد تكون عائقاً، لكن
خارج
فرنسا، ما من مشكلة نابعة من هذا الموضوع. هناك طريق طويلة
امامنا. لكن لا اتذمر
كوني اعمل وافعل ما اريده.
·
هل تودين المرور خلف الكاميرا؟
-
نعم، احب ذلك
من دون ان أُحسَب على موجة الممثلات اللواتي يؤلفن كتباً ويعتلين المسرح
للغناء.
(ضحك)
لست مستعدة بعد لهذه المغامرة. كي تكون لي تلك الرغبة، عليَّ ان اجد القصة
التي أريد فعلا نقلها الى الشاشة. وعليَّ ان امتلك رؤية. لست مستعدة بعد،
لكن لا
اخفي انه لديَّ رغبة في ذلك. لكن في اليوم الذي ستجدني خلف
الكاميرا، فهذا يعني انه
لديَّ ما اقوله للعالم. في الوقت الحاضر، هناك افكار تجتاحني، لكني لست
مستعجلة
لتجسيدها. انا متأكدة من ان هذه الافكار ستجد طريقها الى السينما، لكن ربما
بعد
خمسة أعوام او عشرة او خمسة عشر.
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
خارج الكادر
مملكة الشاشة
ما هي أحوال السينيفيلية
اليوم في العالم؟ لا شيء معلناً في هذا الشأن. ما نعرفه أن
عشاق الشاشة يعانون من
الوحدة، وهذه الوحدة مضمرة ومدمرة، تؤثر في سلوكهم وعقولهم. الشاشة الضيقة
ضيقة
الآفاق. الصالة السينمائية تلتقي فيها جسداً غريباً، تمارس معه الجنس
ذهنياً،
وتفترق عنه بعد لقاء عابر، بعد أن يعديك بمرض لذيذ. حب السينما عدوى ينتقل
من واحد
الى آخر من دون أن يلمس يد الأول الثاني. أؤمن بهذه العدوى، أشجعها، وآمل
أن تنتقل
بين الناس، وأصلي كي لا يُكتشَف علاج لها.
للأسف، صارت السينما تفرّق بين من
ألتفّوا حولها، لسنوات وسنوات، أكثر مما تجمعهم. أندره بازان،
وهو المرجع الذي نعود
اليه مراراً، لم يكتب الا عما كان يحبه. جان دوشيه، الكبير الآخر، ألّف
كتاباً اسمه "فنّ
أن نحب". تروفو قال: "من يحب الحياة يذهب الى السينما". الحبّ والعشق من
المفردات التي تعود دائماً في الحديث عن السينما، وهي المكان الذي جمع عشاق
العالم
كلهم. أين نحن من هذه المفردات؟ متى كانت المرة الأخيرة خرجنا فيها من صالة
ورأينا
في عين أحدنا دمعة معلقة أو بريقاً أو غبطة الذي اكتشف كنزاً؟
تحولت السينيفيلية
وحشاً يخيف أكثر مما يجذب. انتشار الانترنت، جعل النقد "ديموقراطياً".
منتديات
وشبكات اجتماعية احتلت مكان نادي السينما وشرارة اللقاء بالآخر.
من شاشة كبيرة
انتقلنا الى الجلوس قبالة شاشة صغيرة، باردة. نقرة صغيرة لا تكلفك شيئاً،
فتدخل في
تواصل مع آخر لا تعرفه. تضيف تعليقاً على فيلم أحببته أو عنى لك شيئاً!
يأتي الجواب
من أحدهم ليصفك بالمختل عقلياً أو بالأبله أو بناقص المعرفة
والاطلاع. كأن النقد
علم دقيق كطب الأسنان. كأن تحب فيلماً خفيفاً أو
كوميديا تتضمن بعض ركاكة، فتلك
جريمة في حق الانسانية. كأن السينيفيلية أشبه باعتناق ديانة، الانتماء
اليها لا
يصير الا عبر الايمان الاعمى. كل مساءلة هي سبّة واهانة. بعد التطرف في
الدين
والسياسة، هل نحن في حاجة الى تطرف في السينما؟
بات اعطاء رأي في الشيء، أقلّه
بالنسبة اليَّ، أمراً مملاًّ. المنظومة الحالية تريدك مشاركاً
في كل شيء. تضطهدك
لتفهم اذا كنت مع أو ضد. تهددك اذا لم تعرف موقفك الايجابي أو السلبي. عدنا
الى ما
كان يقوله تروفو: للكل مهنتان، مهنته الأصلية والنقد السينمائي. ترى العسكر
يجيزون
فيلماً أو يرفضونه (وهذا ابداء رأي)، أو فيلسوفاً مثل سلوفاج
زيزيك يكتب صفحتين عن "أفاتار"
في أهم مجلة سينمائية في العالم، ويعترف بعد وقت قليل بأنه لم يشاهد
الفيلم، من دون أن يسأله أحد اذا كان الأمر بخلاً أم تعالياً على "منتوج
أمبريالي".
كثر الرأي، لكن الحبّ صار اقل. لا أملك ميزاناً أقيس به الحب، ولا اعرف اين
كان
واين اصبح، لكني عندما أعود الى مقالات قديمة، واتكلم مع ناس
من أجيال سابقة، وأبحث
في أرشيف السينما، أرى شغفاً حقيقياً، صارت المطالبة به اليوم كمرجع،
تصنّفك في
خانة الساذج الذي لا يفقه شيئاً. العدائية والانفعال صارا الخبز اليومي
للسينيفيليين، وإن كنا لا نشك في اطلاع بعضهم على هذا الفن
واخلاصهم له. اذا كنت لا
تحب ما يحبه أحدهم فأنت أحمق. واذا لم توافق على قول أو ملاحظة، فعليك
الاعتراف
بأنك لا تملك الوعي الكافي وبأنك دخيل أو متطفل.
فعلاً، أين نحن اليوم من
سينيفيلية جيل الستينات والسبعينات؟ في عالم يعود الى
الميثولوجيات والخرافة، كيف
نروّج لفكرة الالتفات الى ما يجمعنا في الشاشة وليس الى ما يفرقنا؟ عندما
اقرأ على
الانترنت كيف يُحكى عن السينما أحياناً، اعتقد نفسي في عرس لتبادل الاتهمات
بين 8
و14 آذار، وهذا، طبعاً، يعكس روح العصر، القائم على حبّ الغاء
الآخر وانعدام
التسامح. أعرف ان هذا المقال سيرتّبني في عداد الرومنطيقيين السذّج الذين
يؤمنون
بالحبّ والفضيلة بين البشر. هل المرجلة أن نؤمن بعكس ذلك؟
القرصنة
شرّ لا بدّ منه. تقتل السينما من جانب، وتربّي مشاهدين من جانب آخر. هنا
المصيبة.
تبعث حب المشاهدة عند ملايين سيصبحون يتامى
اذا استمر الأمر على ما هو عليه. من
يستطيع أن يحل هذه المعضلة؟ الحكومات العربية التي تسرق
المواطنين، أم وعي الانسان
الذي لا يملك الا ان يلجأ الى هذا الشرّ لتراجع قدرته الشرائية يوماً بعد
يوم؟ لا
حلّ لمشكلة القرصنة. بل هي الى ازدياد لتصبح الطريقة الوحيدة للمشاهدة في
بلدان
كثيرة.
صديق مغربي أخذني الى احد الاسواق الشعبية التي تزدحم بكل أنواع
المنتوجات. ملابس بالية وهواتف نقالة وعصير. تعايش مغربي عجيب بين انواع
غير
متجانسة. في تلك الدهاليز محال لبيع أفلام مقرصنة. رفوف برمتها
تنادي العيون وتعدها
بعوالم سينمائية. هي قطعة بلاستيكية دائرية، لكنها تأخذك بأقل من دولار الى
حيث لا
يستطيع الموظف ذو الدخل المحدود الذهاب. أفلام أميركية وفرنسية ومصرية
ومغربية.
وطبعاً نوادر من سينمات أخرى. بالمبلغ الذي تدفعه لشراء "دي في دي" أصلي،
في امكانك
شراء ثلاثين فيلماً على الاقل. هناك القديم طبعاً، لكن الزبون هنا يأتي
لمواكبة كل
جديد. يريد الأحدث من بين إنتاجات هوليوود. والشبكات التي تتاجر بممتلكات
الآخرين
صارت معلومة. يكفي أن يصدر الفيلم في الصالات الأميركية حتى
يصبح منسوخاً على قرص
مدمج يباع على ارصفة الدار البيضاء أو وهران أو تونس العاصمة. لا تهم
النوعية ما
دام الفيلم صار عند المشاهد. المهم أن يمضي برفقته ساعة وهو ينفخ في
نرجيلته مادّاً
رجليه على الاريكة بعد يوم عمل شاق.
تدخل هذه الدهاليز وتصاب بصدمة. ما من
مكتبة سينمائية كهذه في اي عاصمة عربية! اذهب الى سينماتيك
بيروت، فلا تجد فيها الا
الغبار والعدم. قم بجولة في معهد العالم العربي في باريس، فلن تجد ربع ما
هو موجود
هنا. جميل أن نصور القرصنة كنيرون السينما، أو الشيطان الذي يريد حرق مملكة
الشاشة!
لكن كيف تصل المعلومة الى من لا يملك
سبيلاً آخر اليها، في عصر لم تعد المعلومة
حكراً على القادر الذي في امكانه السفر والتزود من الكتب
والافلام واسطوانات
الموسيقى ذات العلب الفاخرة والألوان المنقشة.
القرصنة عيب، لكن العيب الأكبر
هو عند القابعين في الحكومات العربية الذين يقفلون على الناس
أساليب الوصول الى
المعلومة. هؤلاء هم أول المسؤولين عن انتشار القرصنة في العالم، عبر
التضييق على
صالات السينما واعتبار الفيلم مادة ترف. ماذا يعني الاّ يكون في الجزائر،
بلاد
النفط والغاز الطبيعي، الا حفنة معدودة من صالات السينما،
ومنها قاعات لا تصلح الا
ان تكون كاراج سيارات؟ ماذا يعني الا يكون هناك مكتبات سينمائية، كما في
باريس أو
لندن، لنستعير الأفلام من دون مقابل؟ ماذا يعني ان تباع الـ"دي في دي" في
محال في
بيروت أو دبي بأسعار ينبغي للمرء أن يكون مدير شركة ليمتلكها؟ ماذا تفعل
السلطات
المختصة في بيروت لمحاربة المقرصن وطرح حلول بديلة، غير التقاط
صور تكسير بعض
الاقراص وارسالها عبر البريد الالكتروني؟ أليس من العيب ان تكون أكبر مكتبة
سينمائية في العالم العربي تحت بيوت الصفيح؟
طرحت على نفسي هذه التساؤلات وأنا
أتجول في هذه المدينة الموازية. بحثت عن وجه المجرم فلم أجد
الا ذلك الذي يمنع عن
الناس الفقراء حق المعرفة التي تنتشلهم من بؤسهم اليومي. ثم حدقت الى صديقي
الجميل
سعيد، هذا السينيفيلي الذي بنى كل معرفته على الافلام المقرصنة، وحفظ عن
ظهر قلب
كلاسيكيات كثيرة، فلم أملك الا أن أعترف: اذا كانت القرصنة
جريمة، فالجريمة الكبرى
أن نمنعها عن الفقراء.
هـ. ح.
النهار اللبنانية في
09/12/2010
ثقافات / سينما
أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش يضاهي كان وبرلين
روسيا مريضة بتاريخها الستاليني والمكسيك بماضيها الخرافي
أحمد نجيم -مراكش:
خير الأمور أوسطها، هذا الأمر ينطبق على برمجة أفلام المسابقة
الرسمية، فقد عرض في اليوم السادس للمهرجان أفلام على مستوى سينمائي كبير.
جاءت هذه البرمجة لتجعل المهرجان في مصاف المهرجانات العالمية. أفلام جميلة
رائعة وممتعة.
فيلم "الحافة" للمخرج الروسي أليكسي يوشيتل، هو الفيلم الثاني المعروض
في المسابقة الرسمية للدورة العاشرة من مهرجان مراكش الدولي للفيلم. من
منظور تاريخي قدم المخرج رؤيته لروسيا.
ستالين خرج عن السكة
ففي خريف 1945 نقل عدد ممن نعتوا ب"خونة الوطن الأم" إلى وسط سيبريا،
مهمتهم العمل في الغابات الكثيفة وتزويد مصانع الاتحاد السوفياتي بالخشب.
كل المتواجدين في السجن المفتوح خانوا الوطن خلال الحرب العالمية الثانية،
الخيانة لا تعني إفشاء أسرار عسكرية أو التخابر مع العدو، بل تعني إقامة
علاقات حميمية أو حتى علاقة حب مع العدو (خاصة جيوش هيتلر)، سيلتحق بهذه
القرية وسط روسيا إكنار، جندي روسي حارب الألمان وهزمهم، هو والمسؤول عن
المخيم يمثلان الاستثناء. إكنار مهووس بالقطارات، فقد كان بطلا قويا لكونه
استطاع أن يقود قطارا روسيا بسرعة أكثر من 160 كلم في الساعة (رقم قياسي
عالمي آنذاك). سينسج البطل علاقات عاطفية الأولى مع الروسية صوفيا، خانت
الوطن لأنها أحبت ألمانيا، ثم مع ألمانية تدعى إلزا، هربت قبل انطلاق الحرب
العالمية الثانية وظلت في الغابة القريبة من القرية. هذه الألمانية لا علم
لها بوقوع حرب وهزيمة بلدها. في فضاء مفتوح (غابات سيبريا) منغلق (ممنوع
مغادرته) سيقدم المخرج نقدا للفترة الستالينية ويربطها بالحاضر، يقول البطل
في إحدى حواراته عن قطار سريع سماه "ستالين"، "كنت أملك قطارا اسمه ستالين،
سرعته 165 كلم في الساعة، لقد زاغ ستالين عن سكته، لذا أنا اليوم عليل".
فالبطل الجندي المنتصر في الحرب يعاني مرضا عصبيا، يحاول مجهدا أن يتعايش
مع ألمانية رغم أن كوابيس مشاركته في الحرب ضد ألمانيا تلاحقه. بذكاء كبير
نجح المخرج في تقديم فيلم جميل ورائع، نقل بكاميراه وحشة المكان وقسوة
الطبيعة ومكر التاريخ، اعتمد استعارات ذكية لم يسقط في المباشر، واختار
نهاية سعيدة مفتوحة على الحياة والمستقبل.
التاريخ لا يصنع الحاضر
للفيلم الروسي حظ كبير لنيل إحدى جوائز مهرجان مراكش، ولم لا النجمة
الذهبية؟ فيلم آخر سينافسه على هذه الجائزة، يتعلق الأمر ب"غيوم" للمخرج
المكسيكي أليخاندرو كربر بيسيكي، يتقاطع هذا الفيلم مع الفيلم الروسي من
خلال توظيف التاريخ لفهم الحاضر، لكن يختلف معه لكون التاريخ الذي يعود
إليه الفيلم المكسيكي تاريخ اجتماعي، من خلال مسار ثلاث شخصيات: خوسي
وفيليبي وأوندريس، يعود إلى أواسط الستينيات. الأول يعمل مكرها مع والده
(أو من تبناه) في مصنع للثلج والثاني يدير مقهى للأنترنيت والثالث مسكون
بتاريخ المكسيك القديم الحافل بالانتصارات، قد أن يدنسه كريستوف كولومبوس.
درس هؤلاء في قسم واحد وعاشوا حادثا أليما ظل يطارد فيليبي. من خلال هذه
الشخصيات قدم المخرج رؤيته لبلده الغارق في الخرافات والمسكون بحب جنوني
للمسيح. مشاهد جميلة ورائعة للحظات الطفولة للحظات البحث عن الذات ثم
الضياع في أحياء مكسيكو الفقيرة. شد هذا الفيلم انتباه القاعة لتماسكه
وقدرة مخرجه على نقل أحاسيس شخصياته إلى المشاهد الذي تفاعل معه كثيرا رغم
عدم فهمه لكثير من الرموز والدلالات الدينية والثقافية الموظفة من قبل
المخرج. هذا التجاوب يجعل منه أحد الأفلام المرشحة لإحدى جوائز مهرجان
مراكش في دورته العاشرة.
ربما أفلام يوم غد الخميس وأفلام الجمعة تحمل مفاجئات أخرى، وهذا ما
يطمح له متتبعو مهرجان مراكش الذي اكتسب مكانة عالمية من خلال جودة أفلام
مثل التي عرضت في اليوم السادس، وهو بذلك يصبح في مصاف كبرى المهرجانات،
على مستوى البرمجة، رغم أنه مازال يافعا لا يتجاوز عمره عشر سنوات.
إيلاف في
09/12/2010
ثقافات / سينما
تكرار تجربة رائدة تمنح الحاضرين حق الاستمتاع بالفن السابع
للمكفوفين عيون في مهرجان مراكش الدولي للفيلم
أحمد نجيم من الدار البيضاء
السينما في مهرجان مراكش الدولي للفيلم ليست حكرًا على الأشخاص الذين
يرون دون مشاكل، بل يمكن للمكفوفين الاستمتاع بسحر الفن السابع. تجربة
رائدة في مهرجان يطمح ليصبح في خانة أهم المهرجانات العالمية.
إختار مهرجان مراكش في دورات سابقة إشراك المكفوفين في الاستمتاع
بالفن السابع، فمنذ الدورة السابعة بدأ المهرجان تجربة فريدة تعتمد تقنية
"الوصف السمعي" للفيلم بطريقة تسمح للمكفوفين متابعة الأفلام السينمائية.
وفي هذا الاطار اكد الأمير مولاي رشيد، أخ العاهل المغربي الملك محمد
السادس ورئيس مؤسسة مهرجان مراكش الدولي للفيلم، أكد أن المهرجان حريص على
تخصيص أفلام دولية ووطنية للمكفوفين.
وقد صف أحد المكفوفين، المستفيدين من التقنية الخاصة، هذه التجربة
بالأمر المختلف حيث "يغيب المخرج ويحضر المنصت"، وهكذا يتحول الكفيف إلى
كاتب للفيلم.
هذه التقنية الخاصة هي باشراف الإذاعي المغربي الشهير رشيد الصباحي
الذي قال إنها مكنت من اكتشاف العديد من المكفوفين في مجالات مختلفة، مشيرا
إلى أن مؤسسة المهرجان وعلى غرار النسختين السابقتين، ستتكفل بضيوف هذا
الحدث العالمي من المكفوفين وضعفاء البصر القادمين من كل جهات المملكة.
ويشرح الأستاذ إغلان في ندوة حول "دور السينما في ولوج المكفوفين
وضعفاء البصر إلى عالم المعرفة" ان هذه التقنية تسمح للكفيف بملء اللحظات
الميتة في العمل السينمائي، ثم بتلقي وصف للحركات الصامتة وللمشاهد التي
يغيب فيها الحوار، وهذا يجعل للكفيف قوى إدراكية أخرى، اذ يلامس المسافات
الفاصلة بين المشاهد الصامتة والناطقة، لتتحول المتعة السينمائية إلى "متعة
مستفزة للكفيف وللسينما أيضا".
ويؤكد الأستاذ المغربي أن استفزاز الكفيف للفن السابع يكمن في أن
للضرير الحق، كغيره، في مشاهدة السينما، كما أكد على أهمية تعميم تقنية
الوصف السمعي في المؤسسات التعليمية لتمكين الناشئة الضريرة، عموما، من ضبط
حواشي الجمال ولمس كل تلاوينه وتفاصيله.
وكان المهرجان نظم الندوة المذكورة يوم الخميس، وفي هذا الاطار قال
الأستاذ الجامعي محمد الدكالي، إن في كل الأعمال السينمائية، بما فيها
الأفلام التي عرضت ضمن فقرة السينما بتقنية الوصف السمعي، مشاهد طويلة
صامتة ، الضرورية في التعبير السينمائي، فضلا عن تعابير ملامح الشخصيات،
إلا ان تقنية "الوصف السمعي" تتيح للمكفوفين وضعاف البصر إدراك كل هذه
التفاصيل الدقيقة.
ولا تهم هذه التقنية فقط هذه الفئة، بل تتجاوزهم إلى من يتمتعون بنعمة
الإبصار ، يضيف الأستاذ الدكالي (كفيف) ، التي "تمكنهم من إدراك حدة أو رقة
تعبير سينمائي صامت".
يذكر ان المهرجان افتتح الثلاثاء الماضي سبعة عروض سينمائية وظفت فيها
تقنية الوصف السمعي البصري لفائدة مجموعة من المكفوفين، وكان المهرجان أعد
"البحث عن زوج امرأتي" للمخرج عبد الرحمان التازي، في أول تجربة وفق
التقنية المذكورة، وقد أضاف إلى ذلك الفيلم فيلما مغربيا جديدا "السمفونية
المغربية" لكمال كمال.
وقد اقتنت مؤسسة مهرجان مراكش أفلام أخرى اعتمدت نفس التقنية ويتعلق
الأمر بـ"تشاو بونتان" (100 دقيقة) للمخرج الفرنسي كلود بيري، و"دروس في
البيانو" لجين كامبيون و"الكراهية" لماتيو كاسوفيتش و"الابن المفضل" لنيكول
كارسيا و"كل يبحث عن قطه" لسيدريك كلابيتش و"كل صباحات العالم" للمخرج آلان
كورنو، وقد عرضت تلك الافلام بشراكة مع القناة الألمانية الفرنسية "آر تي
أو".
إيلاف في
09/12/2010 |