بين دراسته القانون في جامعة القاهرة وعشقه للسينما، بدأ مشواره الفني
الممتد
منذ عام 1987. عمل مساعداً للمخرج الراحل يوسف شاهين مدة عامين ثم سافر إلى
إنكلترا
ليتعمق في دراسة السينما، فحصل على درجات علمية عدة في الإخراج والتأليف
السينمائي.
عن فيلمه «الشوق» الفائز بجائزة {الهرم الذهبي} لمهرجان القاهرة السينمائي
الدولي كان لنا اللقاء التالي مع المخرج خالد الحجر.
·
هل تعتبر «الشوق» فيلم مهرجانات؟
نعم، على رغم أني لا أعترف بتصنيف الأفلام لكن طبيعة المواضيع التي يناقشها
الفيلم مثل الفقر والكبت اللذين يؤدي كل منهما إلى مشكلات سواء اجتماعية أو
نفسية،
تتطلب زاوية مختلفة في التناول.
·
متى سيُعرض الفيلم تجارياً، وهل
سيحظى برأيك بإقبال الجماهير؟
من المقرر عرضه تجارياً في أوائل العام المقبل. برأيي، على رغم أن «الشوق»
فيلم
مهرجانات لكنه ليس بعيداً عن الجمهور، إذ لا شيء يمنع من أن يحمل صبغة
تجارية تضمن
نجاحه جماهيرياً، كذلك أتمنى أن يُعرض في عدد آخر من المهرجانات الدولية.
·
هل يؤثّر عرض الفيلم تجارياً في
مشاركته في مهرجانات أخرى؟
لا، لأن الفيلم لم يُعرض تجارياً سوى في مصر.
·
كيف جاءت فكرة الإنتاج المشترك
للفيلم؟
طرقت أبواب أكثر من منتج مصري وعرضت عليهم سيناريو الفيلم، ولكنهم جميعاً
رفضوه،
لأن القصة من وجهة نظرهم ثقيلة على الجمهور، ولأن الفيلم لن يلاقي النجاح
المرجو
منه، فالمنتجون أصبحوا ينتجون للنجوم الكبار فحسب لأن هذا ما يضمن لهم
تحقيق أرباح
ومكاسب مادية. بعدها قرّر المنتج محمد ياسين تنفيذ الفيلم بمساعدة الإنتاج
الفرنسي
المشترك، وهذه ليست المرة الأولى التي أتعامل فيها بنظام الإنتاج المشترك،
إذ كانت
لي تجربة سابقة مع ألمانيا ودول أخرى عدة، الأمر الذي يتيح فرصة كبيرة
للانتشار
والتوزيع في الخارج وتعريف الجمهور الأجنبي بالسينما المصرية. كذلك ثمة دول
أوروبية
عدة تعطي منحاً للإنتاج السينمائي، وفي «الشوق» تحديداً حصلنا على منحة
«دعم
الجنوب» التي تمنحها فرنسا بهدف الارتقاء بفن السينما، وليس شرطاً أن يكون
الدعم
مادياً خالصاً، بل يأتي أيضاً على شكل معدات أو فنيين.
·
يهاجم البعض الفيلم بسبب احتوائه
على عدد من المشاهد الجنسية؟
لم يُعرض «الشوق» قبل مهرجان القاهرة السينمائي، وقد فوجئت بقضايا عدة
تُقام ضدي
بدعوى أن الفيلم يحتوي على مشاهد جنسية كثيرة، فكيف يهاجَم فيلم قبل عرضه؟!
·
هل ترى أن مساحة الحرية
السينمائية راهناً أصبحت أكبر؟
مساحة الحرية في الماضي كانت أكبر بكثير من الآن، وقد ناقش صناع الأفلام
آنذاك
مواضيع كثيرة كانت تعد غريبة ومسكوت عنها حينها وقد ظهر هذا بوضوح في:
«الحرام»، «بداية
ونهاية»، و{القاهرة 30»، أما اليوم فمساحة مناقشة القضايا المعاصرة قلّت
جداً.
·
لماذا لم تشارك أفلام مصرية أخرى
في مسابقة المهرجان الرسمية؟
أولاً، إدارة المهرجان هي المسؤولة عن الاختيار والتقييم، ثانياً قد تكون
الأفلام عُرضت في مهرجانات خارجية، ومن شروط مهرجان القاهرة أن يكون الفيلم
يُعرض
للمرة الأولى، أو ربما لم تتوافر أفلام مصرية ذات مستوى فني عالٍ لتمثّل
مصر في
المسابقة الدولية.
·
ألا ترى أن نسبة المعاناة والألم
في الفيلم كانت أكبر من أن تُحتمل؟
يحمل {الشوق} الكثير من المعاناة والألم، إذ إن كثيراً من ضيوف المهرجان
الذين
شاهدوا الفيلم بكوا أثناء عرضه وبعده، ما يعني أن رسالتي وصلت إليهم وشعروا
بحجم
المعاناة. الفيلم جريء في تناوله موضوع الفقر وصادم على مستوى القصة،
والتمثيل،
والنهاية تحديداً.
·
هل تدخّلت في السيناريو الذي
كتبه بطل الفيلم سيّد رجب؟
على العكس. كان تعاملي مع سيّد رجب سهلاً جداً، خصوصاً أننا نعرف بعضنا منذ
فترة، ما سهّل التعاون بيننا. قصة الفيلم نُشرت في إحدى المجلات الأميركية،
فطلبت
من سيّد تحويلها إلى سيناريو، وبمجرد أن انتهى من كتابته طلبت منه بعض
التعديلات
البسيطة ليظهر الفيلم بشكله الحالي.
·
كيف أثرت دراستك الأكاديمية في
رؤيتك الفنية؟
أدركت أهمية البروفات والجلوس كثيراً مع الممثلين كي تظهر الشخصيات التي
يؤدونها
بأفضل صورة، الأمر الذي يتجاهله كثر فيظهر بعض الممثلين بالأداء نفسه في كل
فيلم.
كذلك عرفت أهمية الاهتمام بإطار الصورة الكامل، وهذا ما تعلّمته من يوسف
شاهين.
·
ما رأيك في كون خالد يوسف
امتداداً لمدرسة الراحل يوسف شاهين؟
لكل مخرج طريقته الخاصة في التعامل مع الفيلم، أي أن له رؤية خاصة تميّزه
عن
باقي المخرجين. قد نتأثّر بمخرج ما أثناء رحلة التعلّم لكن المخرج الجيد لا
يقلّد
من سبقوه.
·
بعد دراستك السينما في إنكلترا،
ما الفارق الرئيس برأيك بين السينما الإنكليزية
والسينما الفرنسية؟
يمثل المخرج في السينما الفرنسية حجر الأساس، إذ لا يقتصر دوره على الإخراج
بل
يمتد الى كل صغيرة وكبيرة في الفيلم، بعكس السينما الإنكليزية والأميركية
التي
يقتصر دور المخرج فيها على توجيه الممثلين وتحديد أماكن الكاميرات.
·
كيف ترى السينما المصرية راهناً؟
تعاني أزمة في الصناعة وتحديداً في الأفلام التي تناقش قضايا مهمة، إذ لا
تجد من
يموّلها، لأنها قد لا تدر دخلاً كونها ليست أفلاماً تجارية في المقام
الأول، لكن
هذا لا يمنع من وجود أفلام مستقلة جيدة جداً. من جهة أخرى، السيادة اليوم
هي
للدراما التلفزيونية.
·
غالبية أبطال أعمالك من الوجوه
الشابة ونجوم الصف الثاني، ما السبب؟
لأنني أسعى دائماً إلى اكتشاف المواهب الشابة، مثلاً عندما اخترت خالد أبو
النجا
وأحمد عز وهنا شيحة للقيام ببطولة فيلم «حب البنات» لم يكونوا «سوبر ستارز»،
لكنهم
أصبحوا في ما بعد من نجوم الصف الأول، كذلك الحال في أفلام كثيرة أخرجتها.
في «الشوق»،
اخترت روبي وراهنت على أختها كوكي وأتصوّر أنني كسبت الرهان.
·
كيف جاء اختيارك لروبي للقيام
ببطولة الفيلم؟
تعرّفت الى روبي أثناء عملي مع الراحل يوسف شاهين في فيلم «سكوت هنصور»،
وشعرت
بأن في داخلها طاقة تمثيلية كبيرة، وحين وجدت الفرصة الملائمة لها اخترتها
بلا
تردّد.
الجريدة الكويتية في
13/12/2010
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي...
الأفلام المصريَّة
واقعيَّة بامتياز
فايزة هنداوي
للمرة الأولى منذ سنوات لم يعانِ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (انتهت
فاعلياته أخيراً) غياب الفيلم المصري.
شاركت أربعة أفلام مصرية في أقسام المهرجان المختلفة: في المسابقة الدولية
شارك
«الشوق»
من تأليف سيد رجب وإخراج خالد الحجر وبطولة روبي وأحمد عزمي وباسم سمرة
وسوسن بدر وبسمة ومحمد رمضان. في المسابقة العربية شارك فيلمان إضافة إلى
«الشوق»
هما «الطريق الدائري» من تأليف تامر عزت وإخراجه وبطولة نضال الشافعي
وفيدرا وسامية
أسعد، أما «ميكروفون» فمن تأليف أحمد عبد الله وإخراجه وبطولة مجموعة من
النجوم في
مقدّمهم خالد أبو النجا، يسرا اللوزي، أحمد مجدي، هاني عادل،
عاطف يوسف مع ظهور خاص
للنجمة منة شلبي.
في مسابقة الديجيتال شارك الفيلم الرابع «الباب» من إخراج محمد عبد الحافظ
وبطولة عمر عبد الحافظ وياسر أبو العلا ومصطفى حسني.
كان القاسم المشترك بين الأفلام الروائية الطويلة الواقعية الشديدة ونقل
الحياة
بتفاصيلها كافة، لكن من زوايا مختلفة خاصة بكل فيلم. إذ رصد
«الشوق» حياة بعض الأسر
الفقيرة في أحد أحياء الإسكندرية وتأثير العوز عليها من خلال أم تضطر الى
التسوّل
لإنقاذ حياة ابنها المريض بالفشل الكلوي، إلا أنها لا تدركه، فتقرّر
الاستمرار في
التسوّل لأجل ابنتيها، ويستعرض المخرج من خلال الفيلم المعاناة التي يحياها
أهل هذا
الحي وعلاقاتهم المضطربة ببعضهم البعض.
في هذا السياق، قال خالد الحجر إن الفيلم شديد الواقعية، لأنه ينقل حياة
فئة من
البشر تعيش القهر والفقر، لذلك جاء بصبغة «سوداء» لأنه يعرض
حياة سوداء.
أما مؤلف الفيلم سيد رجب فقال إن الفقراء يستحقون أن نقدم عنهم أعمالاً
سينمائية
لأنهم يمثلون غالبية الشعب المصري، ولا بد، برأيه، من وجود
أفلام تناقش الكبت
الاجتماعي بأشكاله كافة.
أما «ميكروفون» الذي شارك في المسابقة العربية فتدور أحداثه في قالب غنائي
اجتماعي، عبر خالد الذي يعود إلى الإسكندرية بعد غياب سبع
سنوات ليكتشف أن البلد قد
تغير ويفشل في الاحتفاظ بحبيبته أو إعادة علاقته بوالده، ثم يلتقي بمجموعة
من
المواهب الحقيقية الاسكندرانية التي تحاول أن تصل أغانيها وموسيقاها إلى
الجمهور.
يستعرض مخرج الفيلم ومؤلفه أحمد عبدالله السيد الفرق الاسكندرانية الغنائية
المستقلة، وبعض المواهب التي يغني بعضها الهيب هوب على أرصفة
الشوارع، وبعضها الآخر
يعزف موسيقى الروك فوق أسطح العمارات القديمة، فيما يرسم آخرون لوحات
السلويت على
الجدران. كذلك، يتعرض الفيلم للحادثة الشهيرة الخاصة بمقتل الشاب
الاسكندراني خالد
سعيد على أيدي الأمن من خلال مشهد ضرب لبائع متجوّل يتعرض
للتعذيب بوحشية حتى
الموت.
قال أحمد عبد الله إن الفيلم مبني على قصص حقيقية للشباب الاسكندراني
الموهوب
الذي يحيا على هامش المشهد الإبداعي، في محاولة لتسليط الضوء
على جيل جديد من
المبدعين يبحث عن فرصة للوجود على رغم العوائق والعقبات كافة، مشيراً إلى
مشاركة
أربع فرق موسيقية من الإسكندرية بشخصياتها الحقيقية هي: مسار إجباري، واي
كرو،
ماسكارا وصوت في الزحمة.
أضاف عبد الله أن حادث خالد سعيد وقع أثناء تصوير الفيلم فقرر الإشارة إليه.
بدوره، لفت بطل الفيلم خالد أبو النجا الى أن أهم ما يميز هذا العمل هي
الواقعية
الشديدة، حتى أن الممثلين أنفسهم كان اختيارهم مرتبطاً
بتشابههم مع الشخصيات التي
أدوها في الفيلم. وأضاف أن حوارات كثيرة دارت في الفيلم كانت طبيعية ولم
تكن موجودة
في السيناريو المكتوب.
كذلك، ذكرت يسرا اللوزي أن أهم ما جذبها لهذا الفيلم عدم تقيّدها بسيناريو
محكم،
ومنحها مساحة لارتجال بعض الحوارات المناسبة للموقف، لذلك كان
الفيلم صادقاً
وحقيقياً، كما قالت.
الفيلم المصري الثالث في المسابقة العربية هو «الطريق الدائري»، وتتناول
أحداثه
قضايا الفساد الطبي المنتشرة في مستشفيات عدة، إضافة إلى بيع
الأعضاء البشرية مثل
الكلى باعتبارها تجارة رائجة ورابحة.
يعرض الفيلم هاتين المسألتين عبر تصدّي صحافي لقضية فساد كبرى مرتبطة
بفلاتر
الغسيل الكلوي ومحاولته إنقاذ ابنته المصابة بالفشل الكلوي، ما
يضطره في النهاية
الى التنازل وقبول مبلغ مادي كبير مقابل التخلّي عن فضح الفساد لإنقاذ
ابنته.
أوضح مخرج الفيلم ومؤلفه تامر عزت أنه لم يتقصد قضية بعينها، بل أراد
التنبيه
إلى الفساد الذي يودي بحياة الأبرياء من دون ذنب، مشيراً إلى
حرصه على تقديم وجهة
نظر واقعية ومنطقية لأن الطبيعة تؤكد ضعف الأب أمام أبنائه.
أمّا فيدرا التي تشارك في بطولة الفيلم، فقالت إن شخصيات الفيلم جميعها
واقعية
تحمل الخير والشر معاً بعيداً عن المثالية أو الشر المطلق.
فيلم «الباب» الذي شارك في مسابقة الديجيتال يدور حول الشاب أشرف كمال الذي
ينشأ
في بيئة بسيطة ثم ينتقل إلى العيش مع ابن عمه الثري المهندس
حسام في شقته التي
تحتوي على متطلباته الحياتية كافة، وداخل هذه الشقة يجد أشرف باباً موصداً
يحذره
ابن عمه من الاقتراب منه رافضاً الإجابة عن أي سؤال يطرحه بشأن هذا الباب.
بمرور
الوقت يستحوذ الباب الغامض على اهتمام أشرف ويصبح شغله الشاغل.
يعلِّق المخرج محمد عبد الحافظ بأن الفيلم يناقش حالة حقيقية قد تسيطر
علينا
جميعاً وهي تحوّل موضوع ما إلى هوس يدمّر حياتنا.
الجريدة الكويتية في
13/12/2010
الشوق... رحلة الفقر والجنون
محمد بدر الدين
الأوضاع في هذه البلاد قد تفضي إلى الجنون وربما تؤدي إلى الموت! لا سيما
مع
الفقر المتزايد الذي يشمل شرائح اجتماعية كثيرة إحساسها متفاقم
بالقهر والظلم.
هذه هي الحال التي يعبّر عنها فيلم «الشوق» إخراج خالد الحجر وسيناريو سيد
رجب
في أول تجربة له في هذا المضمار، وهذه هي حال بطلة الفيلم
فاطمة (تؤدي الدور
باقتدار الممثلة الراسخة سوسن بدر) وهي أم لابنتين بلغتا سن الزواج كبراهما
شوق (روبي)، ولطفل يعاني آلاماً مبرحة ويحتاج
إلى غسيل كلى أكثر من مرة أسبوعياً وتكلّف
كل جلسة ثلاثمائة جنيه. ليس هذا فحسب إنما يلحّ الطبيب على
ضرورة الإسراع في العلاج
وعدم انتظار الدور الذي قد يأتي على مهل في المستشفيات الحكومية.
تنجح فاطمة وزوجها (يؤدي دور الأب بإقناع سيد رجب) في جمع تكاليف الجلسة
الأولى
بعد بيع أثاث المنزل بمعاونة المقربين في الحارة الواقعة في
مدينة الإسكندرية،
فيلتقط الطفل الأنفاس وتداعبه شقيقتاه وتمرحان معه... لكن كيف سيؤمنان
تكاليف جلسات
غسيل الكلى التالية؟
يقترح زوج فاطمة عليها أن تقصد أهلها في قريتها في مدينة طنطا وتطالبهم
بحقوقها،
لكنها تتردد لأنها غادرت منزل والديها في شبابها المبكر بعد
إصرارها على الزواج من
الشخص الذي تحبه ورفض أهلها له لفقره... في نهاية المطاف وتحت ضغط الحاجة،
تستقلّ
القطار إلى قريتها.
لدى وصولها تبقى فاطمة على تردّدها وما إن تقترب من باب الدار القديمة حتى
يستفيق الحنين في قلبها وتشعر بتأثر بالغ، فتلمحها شقيقتها من
بعيد وتنادي باسمها
إلا أن فاطمة تفرّ مسرعة.
ربما كان على المخرج أن يصوّر لنا مشهداً قوياً أكثر يجعلها تتوجس أو تقلق
ويدفعها إلى هذا الفرار، بدلاً من نداء الأخت الذي لم يكن فيه
ما يثير القلق، بل
على العكس كان يفترض أن يهدئها ويساعدها على دخول البيت واللقاء المتأخر مع
الأهل.
على أي حال، تهرع فاطمة إلى القطار وبعد أن تستقله تكتشف أنه يتجه إلى
القاهرة،
فتستسلم للأقدار وتجوب شوارعها وتمرّ على أصحاب المحال في
محاولة للعثور على عمل،
لكنها عبثاً تبحث فتجلس على أحد الأرصفة منهكة ذليلة، لتجد فجأة من يضع في
يدها
قروشاً... عندها تنتبه إلى طريقة قد تجمع بها بعض مصاريف علاج الطفل وهي
التسوّل.
فعلاً، تنجح في ذلك وتتعرف إلى امرأة كادحة بدينة تجلس أمام الحمام العمومي
فتصادقها وتبيت لديها (تؤدي الدور بجمال وتلقائية منحة زيتون)،
لكن عندما تعود
فاطمة إلى حارتها في الإسكندرية تجد أن الطفل، بمرضه المطرد بلا علاج، قد
توفي.
هذا هو الدرس الأكبر والأقسى في حياتها. تعاود الأم الكرة وتقصد القاهرة
بعيداً
عن معارفها ومحيطها وتنصرف إلى التسوّل لتؤمن لأفراد أسرتها
بعض حقوقهم في الحياة،
ابتداء من شراء تلفزيون إلى الإدخار لتزويج ابنتيها زواجاً يجلب لهما الخير
وحياة
مختلفة عن حياتها التعسة حتى مع زوج أحبته، لذلك ترفض زواج ابنتها شوق من
الشاب
الذي تحبه (أحمد عزمي) وتقسو عليها وتدفع البلطجية إلى ضربه
ونهيه عن الاقتراب
منها، فتغضب شوق وينمو لديها شعور بالضغينة تجاه والدتها إلى حدّ أنها
تحاول
الانتحار وتتضامن معها شقيقتها الصغرى عواطف (تؤدي الدور كوكي شقيقة روبي،
وجه جديد
يظهر للمرة الأولى على الشاشة، وكلتاهما عبرتا بأداء جيد سلس).
هكذا يتولد لدى المحيطين بفاطمة، التي عانت طويلاً من الظلم، لا سيما
ابنتيها
وبعض قاطني الحارة، شعور بأنها أصبحت ظالمة بدورها فيكرهونها،
وعندما تخبط رأسها في
الحائط مراراً، كأنها جنت، يتركونها تمضي في فعلتها حتى الموت، فيما كانوا
سابقاً
يسارعون إلى إنقاذها على الأقل بوضع وسادة خلف رأسها وهي تضربه في الحائط
بقسوة
وهذيان.
ذهبت الفتاتان في التعبير عن غضبهما الجمّ إلى حدّ إقامة علاقات مع الشباب
والتفريط في كل شيء والعبث معهم، ذلك على النقيض من سلوكهما
السابق، فمزجتا بين
الانتقام من الأم، التي تحولت في نظرهما إلى جائرة ومتسلطة، والخضوع لرغبات
دفينة
متزايدة ومواجهة حرمان طال.
ثم، تمضي الفتاتان في مشهد النهاية، حيث دنيا الله الواسعة وشاطئ
الإسكندرية
الممتد والأفق المفتوح... نعم ربما المفتوح على كل احتمال أو
حال.
الفيلم قاسٍ وموجع، عن حياة معاشة قاسية. إنه محاولة تجسيد لمأساة كاملة
تعبّر
عن أوضاع المجتمع.
يُشار إلى أن السيناريو هو التجربة الأولى لكاتبه وللأعمال الأولى عادة
ثغراتها،
وإلى أن المخرج يتطور في جهده الفني أو الحرفي فيلماً بعد آخر،
أياً كانت الملاحظات
أو التحفظات على عمله، فـ{الشوق» في تقديرنا أنضج أعماله لغاية اليوم.
الجريدة الكويتية في
13/12/2010
ابن بابل الأفضل والخطاف الأسوأ بين الأفلام العربيّة
أثارت الأعمال المختارة ضمن المسابقة الرسمية للأفلام العربية في مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي الـ34 ردود أفعال متباينة، بين
الانبهار ببعضها والاستياء
من البعض الآخر والتساؤل حول سبب مشاركته في المسابقة.
كما توقّع كثر، لاقى الفيلم العراقي «ابن بابل»، الحاصل على أكثر من 16
جائزة
عالمية والمُشارك في أكثر من 40 مهرجاناً دولياً، استحسان
الجمهور. فعلى رغم أن
قصته تدور حول موضوع شائك خاص بالسجون العراقية والمقابر الجماعية التي
كانت موجودة
أثناء فترة حكم صدام حسين، إلا أن الجمهور اتفق على أن المخرج العراقي محمد
الدراجي
استطاع الاهتمام بالإيقاع والخط الإنساني في الفيلم بطريقة غير مباشرة ومن
دون
إقحام الآراء السياسية فأوصل إلى الجمهور الأحاسيس التي يرغب هو في
توضيحها، مقدماً
سينما راقية.
ردّ الفعل نفسه حظي به الفيلم العراقي «حي خيالات المآتة»، فعلى رغم جنوحه
نحو
«التجريدية»
ومدته الزمنية القصيرة (أقل من65 دقيقة)، إلا أن انبهار الجمهور
بالفيلم جعله يتغاضى عن أي مشكلة بسيطة ظهرت فيه، إذ يحكي عن فكرة فلسفية
بعض
الشيء، وهي حالة الخضوع التي تعاني منها غالبية شعوب العالم
العربي، ما جعلنا
جميعاً نشبه خيال المآتة.
بساطة تناول الفكرة والسيطرة الرائعة لمخرج الفيلم حسن علي على مجاميع
الأطفال
المشاركين وعلى أسراب الطيور سواء من الحمام أو الغربان جعلت
الحضور في حالة انبهار
بمن فيهم المخرج العراقي محمد الدراجي، خصوصاً بعد علمه بأن تكلفة الفيلم
لم تتعدَّ
الـ300 ألف دولار، وأن المخرج قد بنى قفصاً للطيور على مساحة 2500 متر مربع
وبارتفاع 15 متراً وبنى داخله أحد الديكورات.
إيقاع
جاءت ردود الأفعال على الفيلم المغربي «الجامع» جيدة جداً، لفكرة الفيلم
البسيطة
التي تحكي عن رجل في إحدى القرى المغربية يدخل في صراع مع أهل
القرية بسبب رفضهم
هدم ديكور خاص بجامع بعد الانتهاء من تصوير فيلم على اعتبار أنه مسجد حقيقي.
كذلك، جاء حوار الفيلم لافتاً، وقال المخرج إنه لم يكتبه بل ذهب في أنحاء
المغرب
وسجل مناقشاته مع الناس ومع علماء الدين، ما ساعده في ظهور شكل
الفيلم النهائي
بصورة حقيقية.
وعلى رغم أن الفيلم التونسي «آخر ديسمبر» لا يناقش فكرة جديدة، إذ يتكلم عن
علاقة طبيب المدينة بأهل إحدى القرى وتحديداً علاقته بإحدى
بنات القرية، إلا أن
خبرة المخرج معز كمون ومشاركته في أفلام عالمية عدة مثل «حرب النجوم» جعلته
قادراً
على تكوين صورة لافتة وإيقاع أشاد به الجمهور والنقاد.
إضافة إلى ذلك، يناقش الفيلم مشاكل قرية تونسية، وهذه خطوة جديدة في
السينما
التونسية التي تهتم غالباً بمشاكل المدينة أو بإظهار معالم
تونس الخلابة، وهذا ما
رفضه المخرج قائلاً إنه لا يقدم فيلماً لتنشيط السياحة.
أما مفاجأة المسابقة فكانت من نصيب الفيلم الإماراتي «أهل الحي»، الذي تدور
أحداثه في مدينة دبي عن مجموعة من العلاقات والصدف التي يشبكها
المخرج علي مصطفى مع
بعضها بطريقة أشاد بها جميع الجمهور وبمستوى الصورة والفيلم ككل.
رأى معظم الحضور أن الفيلم يستطيع المنافسة في أي مهرجان عالمي وحصد
الجوائز
لتطوّر التقنيات فيه وأداء الممثلين الجيد جداً والصورة
المميزة.
الفيلم البحريني «حنين»، وعلى رغم ضعف مستواه التقني، إذ لا تتعدى تكلفته
الـ80
ألف دينار، إلا أن مخرجه حسين الحليبي تناول ظاهرة شائعة
بطريقة رقيقة.
تدور الأحداث حول أسرة بحرينية تضم بين أفرادها شيعة وسنة تربطهم جميعاً
علاقة
ودودة وإنسانية للغاية.
أما أسوأ أفلام المسابقة العربية، بحسب إجماع النقاد، والذي تسبب في جدل
واسع
لعدم أحقيته في المشاركة في المهرجان فهو الفيلم المغربي
«الخطاف».
شارك فيه المصريان عصام كاريكا وصبحي خليل، وقد تساءل معظم الحضور عمَّا
إذا كان
دخول الفيلم إلى المهرجان جاء مجاملةً لهما، فهو بحسب البعض
فيلم ساذج لا يحمل أي
قيمة ولا معنى فني ولا حتى مقومات سينمائية.
الجريدة الكويتية في
13/12/2010 |