مهرجان أبوظبي في دورته الرابعة
والتي عقدت فاعلياتها في الفترة من14 أكتوبر وحتي ال 23 من
الشهر نفسه يبدو أن
مهرجان أبوظبي السينمائي يملك الكثير من الطموحات والأحلام.
حيث يرغب القائمون عليه في جعله من أكثر المهرجانات العربية ثراءا,
قياسا الي
باقي المهرجانات الاخري والثراء هنا لا يعني ارتفاع حجم جوائزه المالية فقط
والتي
وصلت الي مليون دولار موزعة علي أقسامه المختلفة, بل لاجتهادهم في الحصول
علي كم
من الابداعات السينمائية شديدة التنوع ومحاولة التوازان بين
أحدث الانتاجات واعطاء
فرص للمواهب الشابة سواء عن طريق المسابقات الرسمية للافلام الطويلة
والقصيرة
برنامج أفاق جديدة والذي تم استحداثه هذا العام, أو مسابقة أفلام من
الامارات
والتي أصبحت حافلة بالمواهب التي تتحسس البدايات, أو البرامج
الخاصة, وعروض من
العالم, وكلاسيكيات مرممة اضافة الي برامج الدعم التي تقدم للعديد من
السيناريوهات لصناع السينما سواء من خلال برنامج سند و ذي
سيركل والي جانب كل هذا
العديد من الحلقات النقاشية والتي تتضمن الكثير من الموضوعات المتعلقة
بصناعة
السينما في الوطن العربي وأزماتها ومشاكلها والتي شارك فيها هذا العام
الدكتورة
هالة سرحان رئيس استوديوهات روتانا وعادل أديب العضو المنتدب
لشركة
جودنيوز,وليالي بدر ال ايه ار تي, ووليد العوضي من الكويت والعديد من
الاسماء
العربية, وقد فطن سلطان بن طحنون رئيس مجلس ادارة المهرجان ونائبه محمد
خلف
المزروعي وبيتر سكارليت المدير التنفيذي للمهرجان الي أن
السينما العربية تعاني
الكثير من المشاكل في التمويل سواء السينما في شمال افريقيا والتي تبحث
دوما عن
التمويل في الدول الغربية, أو السينما في الشام وفلسطين ولبنان والتي
تبحث عن
أفاق في الخارج أو السينما المصرية والتي يعاني الكثير من مبدعيها
الحقيقيون لسطوة
السينما التجارية ولذلك يركز القائمون علي المهرجان علي ضرورة زيادة دعم
المشروعات
السينمائية الطموحة والجادة والاهم الاحتفاء بكلاسيكيات
السينما العالمية والتي تم
ترميمها وعرض منها السيرك لشارلي شابلن, ومترو بوليس لفريتز لانج
والمومياء وليلة
احصاء السنين, لشادي عبدالسلام وهي من الافلام التي كثيرا ماكنا نسمع
عنها واذا
كان قد أتيح لبعضنا مشاهدتها فيديو أوسي دي الا انه من الافضل
بكثير رؤيتها علي
شريط سينما35 مللي.
أفلام وجوائز
رغم كل هذه التظاهرات والاحتفاليات فان
المسابقات الرسمية عادة ماتخطف الانظار ويدور السؤال والتكهنات
دائما حول الفيلم
الفائز والمبدعون الذين استطاعوا اقتناص اللؤلؤة السوداء سواء في مسابقة
الافلام
الروائية الطويلة او القصيرة حيث تتضمن مسابقة الروائية الطويلة15 فيلما
من روسيا
واسبانيا والمملكة المتحدة,وكندا وتشيلي والبوسنة وفرنسا وغيرها وتقتصر
المشاركة
العربية علي3 دول فقط وهم مصر برسائل البحرلداود عبدالسيد, وسوريا
بفيلم روداج
لنضال الدبس ولبنان شتي يادنيا لبهيج حجيج, ورغم تميز العديد
من الافلام المشاركة
الا أن الفيلم البوسني سيرك كولومبياللمخرج دانيس تانوفيتش يعد هو الاقرب
للفوز ولا
اعرف اذا كان ذلك سيتحقق ام لا حيث تمت كتابة هذه السطور قبل اقامة حفل
الختام
وتوزيع الجوائز والذي عقد أمس وأيضا الفيلم الروسي أرواح صامتة
للمخرج اليكسي
فيدروتشنكو وهو الفيلم الذي سبق عرضه في مسابقة افاق بمهرجان فينسيا
السينمائي
بدورته الماضية واذا كان الفيلم الروسي يتناول معاني فلسفية حول الحياة
والموت
والحب قدمهم المخرج وكاتب السيناريووالمصور في صورة شديدة
الشاعرية والرقة والعمق
في أن واحد أما سيرك كولومبيا فهو من أكثر الافلام التي تناولت الحرب في
البوسنة
والهرسك بعمق دون أن نري معركة واحدة بل من خلال قصص لبشر عاشوا عشية الحرب
في
البوسنة في عام1992 ومن الافلام المتميزة أيضا الفيلم الشيلي
حياة السمك والذي
صورت أحداثه في مكان واحد, ولا يقل فيلم رسائل البحر بحال من الاحوال
فنيا عن
الافلام التي تنافسه في المسابقة الرسمية, ولكن في النهاية لايستطيع أحد
التنبأ
بذوق لجنة التحكيم والتي يترأسها المخرج الارجنتيني لويس
بيونزووعضوية المخرج
المغربي فوزي بن سعيد والفنانة السورية سلاف فواخرجي, والمخرج كريم عينوز,
ومن
افغانستان ولد صديق برمك.
وفي النهاية تعقد المهرجانات وتنفض ولا يبقي في
الذاكرة سوي الابداعات الحقيقية للموهوبين.
الأهرام المصرية في
23/10/2010
عودة للموهوبين في أبو ظبي
يبدو مهرجان أبوظبي السينمائي
الدولي وقد قارب علي نهايته كرحلة عودة كبيرة لمجموعة من
الموهوبين.
فالتيمة الأساسية التي تجدها بمعظم أفلام مسابقة المهرجان الهامة هي عودة
البطل
لموطنه الأصلي بعد رحلة طويلة خارجه. ففي سيرك كولومبيا للبوسني دانيس
تانوفيتش
الذي حصل علي أوسكار فيلم أجنبي عن فيلمه الأول( أرض لا
أحد) نتابع بطل الفيلم
الذي يعود الي الهرسك بعد عشرين عاما من النفي في ألمانيا كون خلالها
ثروة. ويضع
كل همه اذلال زوجته الفيلم الكندي( حرائق) لداني فيلنوف الذي حاز جائزة
الاخراج
بمهرجان كان من قبل.يقدم هو أيضا رحلة عودة للشقيقين التوأم جين وسيمون
الي موطن
أمهما اللبنانية( نوال مروان) حسب وصيتها بعد موتها في الفيلم
اللبناني( شتي
يا دني) لبهيج حجيج تطل الحرب الأهلية اللبنانية بشبح
ذكرياتها البغيضة حيث يعود
رامز المخطوف منذ عشرين عاما لعائلته. وقد جن تماما ولا يوجد فيه أي
بقايا لانسان
طبيعي لكنه عندما يقع في الحب مع زوجة صحفي زوجها اختطف منذ عشرون عاما
يتفجر الأمل
بداخله مرة ثانية شيئا فشيئا في حين تحاول زوجة رامز الصمود
والحفاظ علي حياة
ولديها الشابين.نفس تيمة العودة تجدها في الفيلم الشيلي الرائع( حياة
السمك)
لماتياس بيزيه الذي يحكي عن أندريه الذي يتجول حول العالم كاتبا عن الأماكن
السياحية يقرر العودة فجأة الي موطنه في زيارة قصيرة فيجد كل
شيئ وقد تغير. لكنه
حضوره كرحالة يفجر الاسئلة ويحرك الماء الراقد في نفوس أهل بلدته.رسائل
البحر
للمخرج الكبير داوود عبد السيد والمعروض في مسابقة المهرجان هو الاخر رحلة
عودة
للبطل المتلعثم لشقته بالاسكندرية ليكتشف نداء غامض يعيد له
روحه وسط عالم مليئ
بالنفاق و التطرف والتشوه النفسي.المغزي المتكرر في افلام العودة تلك هو
البحث عن
الروح بعدما جرفت المادة البعض واستعادة من يحبوك وسط غربتك أينما كنت
ومحاولة
محاكمة الماضي والتطهر منه بل واعادة تشكيله. الماضي او
البلدة الاصلية او
التاريخ الاول للفرد جنة ونار معا. حقيبة ذكريات مغلقة بها الجميل وبها
المرير.وعملية استئصال الالم واستعادة الامل نجحت في اغلب تلك الافلام
حتي اننا
نخال تيمة العودة تلك سحرية.
بعيدا عن تحليل الافكار جاءت اجواء المهرجان جادة
وحميمية وكان العرب والمصريين أغلبية بمشاركتهم ومعهم العراقيين. لكن
أكثر أوقات
المهرجان حميمية كانت من خلال اللقاءات مع نجو السينما المصرية الكبيرة
يسرا ويحيي
الفخراني ولبلبة. درجة تفاعل الحضور مع ثلاثتنا الكبار أعطي
للمهرجان روحا حماسيا
وحيوية لم تكن تنقصه لكنها أضافت اليه بريقا. وليس هذا تحيزا لنجوما
الذين
ننتقدهم بمصر لكنهم مازالوا مصابيحا البراقة عند الجمهور العربي.ورغم
حضور بعض
النجوم الامريكيين ككليف أوين وأدرين برودي فالروح العامة
للمهرجان هي روح تشجيع
السينما العربية الذي تشعر بحضورها القوي رغم قلة عدد أفلامها المعروضة بكل
الأقسام.. ضف الي كل ذلك المبادرات الكثيرة للمهرجان كاصدار نشرة يومية
مع الشبكة
الاوروبية لسينما الشبان وتخصيص قسم لافلام البيئة التي تضع
همها الحفاظ علي كوكب
الارض.كل ذلك يزيد من قيمة المهرجان ويجعله نشاط متكامل له رسالة وهدف
انساني
ولايهدف فقط الي عنصر واحد بعينه. حتي قبل بدأ المهرجان وفي أيامه الاولي
كان
هناك مؤتمرا عن الصناعة بعنوان ذا سيركل حضره العديد من خبراء
صناعة السينما
بالعالم والعالم العربي كطارق بن عمار وريمي بورا من أرتيه فرنسا وليالي
بدر من أيه
أر تي مصرووليد العوضي من الكويت. وناقش الجميع سبل تمويل وتسويق توزيع
الفيلم
العربي.لعل كل هذا معا هو الذي يصنع خصوصية مهرجان أبو ظبي
الذي تطور بسرعة
كبيرة. في هذة الدورة الرابعة.
الأهرام المصرية في
23/10/2010
السيرك
بقلم: كمال رمزي
عنوان الفيلم هو «سيرك كولومبيا»، لكن لا علاقة له بكولومبيا، فكل ما
فى الأمر أنه اسم السيرك الموجود فى بلدة صغيرة، فى البوسنة، حيث تدور فيها
أحداث ما قبل الحرب الأهلية بعدة شهور، يحكيها، بطريقته الآسرة، المخرج
القدير، الشاب، دانيس تانوفيتش، فى ثانى عمل روائى له. فيلمه الأول «أرض
محايدة»، حصد عشرات الجوائز المرموقة، ومنها جائزة الأوسكار لأحسن فيلم
أجنبى.. «سيرك كولومبيا»، المرشح لجائزة الأوسكار هذا العام، يعتمد على
رواية بذات العنوان، كتبها الكرواتى إيفيكا ديكتشى. الفيلم يبدأ بداية
نموذجية: عودة الرجل الستينى «ميكى» إلى بلدته بعد غياب عشرين عاما قضاها
فى ألمانيا، هربا من حكم تيتو. «ميكى» غدا ثريا، يملك عربة فارهة، يصطحب
معه فتاة ألمانية جميلة ينوى الزواج منها، فضلا عن قط أسود، مدلل، يقول إنه
تميمة الحظ الجميل، الوافد، يجزل العطاء للعمدة الجديد، المرتشى، الذى
يساعده على استعادة بيته القديم، من يد المرأة الغاضبة «ماريا» وابنها
الشاب «مارتن».. لاحقا، سنعرف أن «ماريا» هى زوجة العائد وأن «مارتن» هو
ابنه. العمدة يرسل موظفيه لطرد «ماريا»، التى تسكب عليهم، من النافذة،
مياها ساخنة. الشرطة تداهم بيت «ماريا» وتقبض عليها مع ابنها. ولأنها من
النوع المقاوم، يحاول العمدة استرضاءها بمنحها إحدى شقق البلدية. شقة جديدة
نعم، لكنها ضيقة، قذرة، متآكلة الجدران، متهالكة النوافذ. إنها تجسد فساد
البلديات فى الكثير من بلدان العالم.
«سيرك كولومبيا» يتكون من تفاصيل صغيرة، تنساب على الشاشة بنعومة،
لتقدم فى النهاية لوحة بشرية، إنسانية، لواقع تلك البلدة، باتجاهاتها
الفكرية والعاطفية، التى ستؤدى بالضرورة إلى اندلاع حرب مجنونة.. العمدة
القديم، عضو الحزب الشيوعى المفكك، الذى قدم وحقق الكثير لبلدته، يعيش الآن
مرتبكا فى أجواء معادية، فالبعض يقذف مصابيح وزجاج بيته، وها هو، فى لمسة
كوميدية تنطوى على شعور بالمرارة، ينقل التمثال النصفى لتيتو، من الحديقة
إلى داخل المنزل، لأن البعض يبصقون عليه.. قائد الثكنة العسكرية، الكرواتى،
يحس بالخطر إزاء الميليشيا المحلية، ذات الطابع الفاشى، المدججة بالسلاح،
التى تتهيأ للانفصال. وثمة الشاب النحيل، نصف الأبله، الذى بلا مهنة، الذى
يحاول، شأنه شأن سكان البلدة، العثور على قط «ميكى» التائه، طمعا فى
المكافأة، فيحضر له قطا مرقطا باللون الأبيض تارة، وقطة سوداء، أنثى، بينما
القط ذكر.
وراء اللمسات الكوميدية، تتطور العلاقات، الخاصة والعامة، على نحو
صارم: الفتاة الألمانية تضيق ذرعا بالمكان، وبالرجل الستينى الذى خمدت
جذوته، تنزعج من سلوكه تجاه زوجته، والأهم أن قلبها يتفتح لحب «مارتن»،
البرىء، الذى يبادلها حبا بعشق وفى المقابل، يدرك «ميكى» مدى شجاعة وصمود
زوجته المهجورة، التى رفضت إعطاء أى معلومات عن زوجها الهارب، خوفا عليه من
بطش النظام الشيوعى.. وعلى صعيد آخر، يجتاح وهم القوة تلك الميليشيا، التى
تستولى على الثكنة العسكرية وتخطو نحو الانفصال، تجوب فى الشوارع، تقيم
المتاريس. ومع قرار الابن الرحيل مع الفتاة الألمانية، يدرك الأب أنه إذا
كان هرب بسبب قسوة مرحلة، فإن ابنه يهرب تخوفا من مرحلة أشد وطأة. وبينما
الأب يجلس بجانب زوجته السابقة على أرجوحة فى السيرك تدوى صوت الانفجارات
من بعيد. إنه فيلم يعنى الكثير.
الشروق المصرية في
23/10/2010
أفكار سينمائية تتخفى وراء أقنعة وتثور على
نار هادئة وتترك إشعال لهيبها للمتفرج
خالد محمود
هل عادت «الرمزية» إلى شاشة السينما من جديد؟.. نعم بل باتت أفكار
السينمائيين تتخفى وراء أقنعة، وتذهب بعيدا بصورتها وصورها وكل مفرداتها
الفنية حتى تطرح أفكارها الجريئة التى شئنا أم أبينا تدين سياسات وتخشى من
أخرى فى المستقبل، تثور ولكن ثورتها على نار هادئة ربما تحتاج لمن يشعل
لهيبها بفكره وعواطفه حتى تضىء أنوارها الحمراء لتدق جرس الإنذار بالطوفان
المقبل والخوف من المجهول.
وبين رمزيات قصص ورؤى أفلام طرحتها شاشة مهرجان أبوظبى السينمائى
أتساءل: هل مع هذا العالم المفتوح والذى لا يخفى فيه شىء، هل مع هذا العالم
الحر مازالت هناك ساحة للرمز، والهروب بوجدان المتفرج بعيدا حتى يكتشف ما
يراد طرحه.. مثلما حدث فى فيلم «دعنى أرحل» للمخرج الأمريكى مات ريفز الذى
عاد من جديد لقصص مصاصى الدماء ليرى الحياة بعيونهم، ورغم أن العمل يروى
قصة مألوفة لحياة مصاصة دماء وإن اختلف الشكل والأسلوب فإن المخرج فاجأنى
بأنه يرصد مخاوف الشر من الاتحاد السوفييتى تجاه الأمريكان، وأن يتحول بطله
الطفل إلى قاتل فى المستقبل من كثرة ما يتعرض له من ضغوط، كلام المخرج أربك
حساباتى الذهنية تجاه الفيلم، واندهشت هل ما يقوله عن الفيلم الذى شاهدته؟!
وبطبيعة الحال رفضت تحليله الذى قال فيه إن هذه الأحداث تتناول عصر الرئيس
الأمريكى رونالد ريجان حينما كان شعاره فى هذه المرحلة هو «محاربة الشر»
وكان يقصد به الضغوط الروسية.
وأعود للفيلم الذى يطرح على الشاشة فى خضم الشعبية الاستثنائية
والإقبال الجماهيرى الكبير على أفلام مصاصى الدماء الخيالية، وهو إعادة
رؤية للفيلم السويدى «دع الشخص المناسب يدخل» وحكايتنا الدموية المخيفة
تدور عام 1983 بإحدى ضواحى المكسيك حول صداقة تنشأ بين صبى وحيد اسمه أوين
«كورى سميث ماكفى» وآبى «كلوى جريس» مصاصة الدماء، أوين المراهق شخصيته
ضعيفة.. جبان، ينال دائما ضربا مبرحا من زملاء المدرسة، يخشى والدته، بينما
آبى التى انتقلت للسكن بجواره هى ووالدها لها تصرفات غريبة يشعر بها الصبى،
فى هذا الوقت تقع سلسلة من جرائم القتل فى القرية ونكتشف أنها من تدبير
والد الفتاة كى يحضر دم ضحاياه لتشربه ابنته الصغيرة مصاصة الدماء التى
تحاول أن تقف بجوار الفتى أوين ليتغلب على مخاوفه ويأسه وشعوره بالوحدة.
إنها مشاعر حاول الفيلم إبرازها فى فترة ما قبل المراهقة لكنها مشاعر
صعبة، لأن الفيلم يدخل فى منطقة مفجعة باستعانته ببطلين صغيرين لأداء
الأدوار الرئيسية، فنحن أمام طفلة مصاصة دماء.. كيف؟.. ولماذا؟ فقطعا جمهور
المراهقين سيشاهدون الفيلم لأنهم يمثلون الفئة العظمى لرواد دور العرض فى
العالم كله الآن، فهل من أجل مغازلة الشباك ندفع بمصاصى دماء أطفال
ومراهقين ونصور جرائمهم ومخاوفهم بهذا الحد من العنف والدموية.. هذه هى
الخطورة بذاتها وليست الخطورة من العنف وضغوط المشهد السياسى إبان عهد
ريجان كى يدعى مخرجه فى تفسيره لتحول سلوك بطله فى المستقبل.
المهم صالت وجالت مصاصة الدماء الطفلة لتواصل ممارسة حياتها فى البحث
عن ضحايا كان آخرهم الشرطى الذى يبحث عن الحقيقة، والمهم أيضا هذه اللغة من
المشاعر والعواطف التى نشأت بين الولد والبنت وحاول الفيلم عبر الأداء
الرائع لأبطاله والموسيقى التصويرية الأكثر روعة وإضاءة ملهمة أن يصوب سلاح
هذه العلاقة لتدخل قلوب المشاهدين.. فكيف نتعاطف مع مصاصة دماء، وكيف نقبل
أن تمثل هذه الفتاة المجرمة الروس، وكيف أن المواطن الأمريكى سيعيش تحت ضغط
العدو التقليدى ونحن نعلم جميعا أن الروس فى خبر كان ولم يشكلوا تهديدا على
المواطن الأمريكى اليوم!
إنها حقا تفسيرات بلهاء، ورمزية فجة!!
فإذا كان مخرجنا يراها رؤية سياسية فأنا أقر بأنها صورة تجارية لتوجه
اجتماعى بلا وعى.
العنزة العذراء
الفيلم الآخر الأكثر غرابة ودهشة ووقعا تحت وطأة الرمزية هو الهندى
«عنزة عذراء» ومن أول وهلة لقراء العنوان تبدو أن قصة الفيلم ستدور حول
عالم المرأة، لكن المخرج دانيس تانوفيتش المولود فى يوغوسلافيا السابقة
يفاجئنا بفانتازيا لا تقل عن هزلية الواقع، فبطلنا يسير طوال الوقت بعنزة
وهو يحمل مظلة شمسية وبقدمه جرح باحثا عن دواء يثير عنزته جنسيا حتى تتخلص
من عذريتها، فعل كل شىء لكنها أبت أن تفقد هذه العذرية، والمثير حقا أن
العنزة ليلى تجعل الزوجة تغير من تفرغ الرجل لها، ويدخل فى معركة مع ابنه
وزوجته من أجل إضاعة حياته مع العنزة بحثا عمن يجعلها غير عذراء سواء طبيبا
أو عنزة ذكر أو أى شىء، وطوال الوقت نمر بمشاهد لشخوص رمزية، نرى شرطيا
يطلق النار وهو يغنى الراب.. نرى رجلا متعدد الزوجات وهن يتحركن من حوله
كأنهن شخص واحد.. أطفال فى صورة جورج بوش الابن وغاندى والأم تريزا، رجال
فى ملابس بيضاء وجوههم مثل وجه الخراف والدجاج يرقصون حوله فى حركات صوفية،
أسر فقيرة، سحرة،.. كل ذلك يمر فى رحلة البحث عن تخصيب ليلى.. وواقع الأمر
أن الفيلم رائع التصوير والديكور والسيناريو ذكى جدا، وامتزجت كل هذه
العناصر لتنتهى بمفاجأة للملهاة الكبيرة وسط فلاشات بيضاء ضبابية للبطل
الذى يدور فى حلقة مفرغة.
وعند سؤال المخرج عن عدم استيعاب هذه الفلاشات المبهرة سينمائيا قال
إنه أراد أن يضفى نوعا من السريالية والطابع الخيالى، وأن تلك الصورة
الغامضة أراد وضعها لعدم الواقعية المباشرة ولكى لا تفهم الصورة بشكل خاطئ،
وعن العلاقة بين الرجل وعنزته أشار إلى أن إيجاد الشريك المناسب من أصعب
الأمور فى الحياة... إنها حقا سيريالية.. إنها حقا سينما جميلة فى عناصرها
لكنها غريبة بغموضها.. إنها مثل تصرفات الأطفال تتحايل على الكبار لكى
يعملوا ما يريدون ويحصلوا على ما يرغبون.
الحفرة
إذا كانت هناك رمزية سينمائية غير مقبولة فى بعض الأفلام، فإن هناك
أفلاما أخرى طرحتها شاشة مهرجان أبوظبى مقبولة بل تتحد معها مشاعرك وتألفها
أفكارك وتعيش معها واقعا وخيالا لا يحركه سوى إحساسك بما تشاهده من لغة
إبداعية مبهرة، من هذه الأفلام بل فى مقدمتها «الحفرة» ذلك الفيلم الصينى
الموجع إلى أقصى درجة والمؤلم والصادم والملىء بما لا يتحمله بشر ولا تألفه
عين. حيث استطاع المخرج وكاتب السيناريو وانج بينج أن يطرح نفسه بقوة فى
عمل سينمائى خالد وقاسٍ، والفيلم يحيى التجربة المؤلمة التى مر بها
المواطنون الصينيون من جوع وتشرد عام 1960 ففى هذه المرحلة أصابت الصين
كارثة الموت جوعا.. وأبطالنا يسكنون الصحراء فى معسكر معدم فقير يحفرون حتى
الموت.. هؤلاء هم من اتهمتهم الحكومة الشيوعية باليمينية فى فترة
الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.. وحكم على هؤلاء البؤساء بالعمل
الإجبارى فى مخيمات بصحراء جوبى فى ظروف من الحرمان والقسوة وانعدام
الإنسانية بأقصى درجة.
الفيلم رغم مرور أكثر من 50 عاما على أحداثه فإنك تشعر بأنه يستدعى
اليوم بل واللحظة الراهنة وكأنه يسجل غضبه من التطرف فى أى ظرف إنسانى..
والتطرف هنا هو تطرف حكومة وسياسيين ونظام أراد أن يعاقب المنشقين
بالموت البطىء.. وهم لا يعلمون أن انتقاداتهم للحزب الشيوعى الحاكم ستؤدى
بهم إلى الهلاك.. فنحن فى معسكر تحت الأرض فى ظروف مناخية قاسية الكل
يحفر.. الكل ينتهى.. ترى واحدا يأكل لحم زميله المتوفى، وآخر يأكل ما
يتجرعه غيره..
وأظهر السيناريو الرائع حالة اللا حياة لهؤلاء الرجال، الصورة
ضبابية.. ظلامية، تشعر باختناق أثناء المشاهدة، ولم أشعر بالتنفس الطبيعى
إلا عند خروجى من قاعة العرض وظهور أول بقعة ضوء حقيقى، لكن يمكنك أن تقول
إن التصوير مبهر وبه مجهود كبير لكونه محافظا على الإيقاع النفسى الجغرافى
الزمنى للمرحلة طول الوقت. وهو أيضا يعرض فصلا مأساويا من فصول تاريخ الحزب
الشيوعى الصينى. هنا الرمزية واقعية، فنحن أمام حدث حقيقى بلغة سينمائية
واعية وصادقة لدرجة جعلت الكثير من المشاهدين لا يتحملون قسوة المشهد
ويتركون السينما، وواقع الحفرة يدور فى ثلاثة أشهر، وعبر مجموعة رجال واقدة
الفحم مينجشوى لإعادة التثقيف.
حسب توجهات الحزب الشيوعى، المعسكر الذى شيد ليأخذ خمسين شخصا وضع فيه
ثلاثة آلاف معتقل، وقد أجرى المخرج لقاءات كثيرة مع بعض من بقوا من هؤلاء
البؤساء على قيد الحياة ليمنحوه شهادات يسجلها بلغته فى الفيلم، وقيل إن
«الحفرة» خرج من جوائز أحد المهرجانات الكبرى بناء على رغبة صينية وتوجهات
سياسية لأنها شعرت بأن الفيلم يسىء إليها!!.
الشروق المصرية في
24/10/2010
"شتي يا دني" لبهيج حجيج
فاز في مهرجان أبو ظبي بـ "اللؤلؤة السوداء"
فاز فيلم "شتي يا دني" للمخرج اللبناني بهيج حجيج بجائزة "اللؤلؤة
السوداء" لأفضل فيلم روائي طويل من العالم العربي، في الدورة الرابعة من
مهرجان أبو ظبي السينمائي التي أعلنت نتائجها مساء أول من أمس الجمعة.
وكان "شتي يا دني" أحد 15 فيلماً شاركت فيه مسابقة الأفلام الروائية
الطويلة، وهو الفيلم الروائي الطويل الثاني لحجيج بعد "زنار النار" (2004)،
ويتناول قصة رجل خطف في منتصف الثمانينات خلال الحرب اللبنانية، وبعد
اختفائه 20 عاماً عاد إلى حياته الطبيعية، غير ان عودته مريضاً ومحطماً
ومنفصلاً عن الواقع، تهز عائلته وتحدث فيها اضطراباً وتربك مشاريع ولديه
وزوجته. ويلتقي الرجل العائد امرأة تنتظر عودة زوجها المخطوف هو الآخر منذ
20 عاماًُ وتنشأ علاقة صداقة عميقة بينهما.
ويتولى أدوار البطولة في الفيلم كل من حسان مراد وجوليا قصار وكارمن
لبس وبرناديت حديب وايلي متري وديامان أبو عبود.
ويشارك "شتي يا دني" بعد أبو ظبي، في مهرجان الدوحة ترابيكا السينمائي
السنوي الثاني الذي تنظمه مؤسسة الدوحة للأفلام بين 26 و30 تشرين الأول
(أكتوبر) الجاري.
وستكون المشاركة الثالثة لفيلم حجيج في المهرجان الدولي للفيلم
المستقل في بلجيكا في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وسيكون ضمن المسابقة
الرسمية، على أن يعرض في بروكسل يوم الرابع من تشرين الثاني المقبل.
المستقبل اللبنانية في
24/10/2010 |