قبل سنوات قليلة كان مجرد الحصول على الاهتمام سواء الرسمي أو
الإعلامي أو المجتمعي مجرد حلم يراود السينمائيين الإماراتيين الذين كانوا
أشبه بإنسان يحفر الصخر بمخرز أو يحارب طواحين الهواء. لم تكن في المدينة
سينما ولا مشاريع سينمائية واضحة ولا حتى رغبة - كما بدا الأمر حينها - في
خوض مثل هذه المغامرة البالغة الجرأة. كانت ثمة طموحات فردية وأحلام تعشش
في رؤوس قلة من الشباب الحالمين؛ تجربة هنا، وفيلم هناك، ومستقبل يبدو
غامضا غموض البيداء في ليلة شتائية ماطرة.
واليوم، بعد أن قطعت المدينة خطوات عديدة - لا مجال هنا لاستعراضها -
يتحقق جزء كبير من الأحلام: ثمة سينمائيون يعملون. ثمة اهتمام رسمي وإعلامي
ومجتمعي بهذا الفن وتغيرات ملموسة على صعيد الذائقة. ثمة دور للعرض
السينمائي وأفلام تعرض من شتى بقاع الأرض، ثمة أفلام تصور هنا في الإمارات
يخرجها شباب مسكون بعشق الفن السابع.
تطوير الذائقة البصرية
يصعب بل يكاد يكون مستحيلاً أن تورد ما تكرر من كلمات الشكر والمديح
والثناء التي تسمعها حين تسأل أي شخص، سواء من الجمهور أو ممن لهم علاقة
بالسينما بأي شكل من أشكال صناعتها، عن أهمية هذا المهرجان وضرورته، لهذا
سأكتفي بهذه الإشارة إلى أن كل من قابلتهم أجمعوا على أهمية المهرجان وجمال
تنظيمه وحسن إخراجه وجمال الأفلام التي عرضت فيه، مع ذكر سلبية واحدة
أبداها عدد من متابعي العروض الذين حرصوا على حضور أفلام معينة فاتتهم ثم
لم تتح الطريقة التي برمجت فيها الأفلام أن يروها مرة أخرى، وأمنيتهم أن
يروها في دور العرض السينمائي لاحقاً، والحرص في دورات المهرجان المقبلة أن
تعرض الأفلام المهمة يومي الجمعة والسبت لأنهما يوما إجازة للكثيرين.
وعودة إلى أهمية المهرجان وضرورته لتحقيق حلم صناعة السينما في
الإمارات يقول الناقد السينمائي عبد الرزاق الربيعي: “لا شك أن مهرجان
أبوظبي السينمائي وغيره من المهرجانات التي تقام في المنطقة الخليجية
ضرورية جداً ولها أهمية كبرى في تنشيط الحراك السينمائي. هذا النشاط بحكم
حداثة التجربة السينمائية في المنطقة - كما لاحظت من خلال تواجدي في
السنوات الأخيرة في منطقة الخليج – هو نشاط فردي ومحاولات واجتهادات تبذل
في أوقات متباعدة. الى جانب غياب الإعداد الأكاديمي للسينمائيين. ففي
العراق، على سبيل المثال، هناك كلية فنون جميلة فيها قسم للسينما، أي هناك
إعداد نظري للكوادر لكن في هذه المنطقة لا يوجد هذا الإعداد. وهنا تأتي
ضرورة اقامة المهرجانات السينمائية في منطقة الخليج لتحقيق الخبرة التي
يوفرها الاحتكاك بخبرات أخرى عربية وعالمية ومشاهدة العروض وحضور الندوات
وغيرها مما يسهم في تطوير الذائقة البصرية. إضافة الى أن المهرجان لا يقدم
فقط ثقافة سينمائية بل يدعم الإنتاج السينمائي دعما ماديا وهذا شيء مهم.
فالجوائز ومنحة سند وغيرها من البرامج من شانها أن تنشط هذا الحراك”.
ويضرب الربيعي مثلاً بما حدث في عمان، يقول: “عندما أنشئت الجمعية
العمانية للسينما في أواخر التسعينات كانت موضع لغط وجدل واستغراب من
الكثيرين الذين تساءلوا عن جدوى وجودها في بلد لا توجد فيه دور عرض ولم
ينتج أي فيلم، لكن القائمين على الجمعية تحدوا وعملوا. وفي العام 2000
عندما أقاموا مهرجان مسقط السينمائي طرح السؤال نفسه مرة أخرى: ماذا نستفيد
من إقامة مهرجان للسينما يعرض أفلام الآخرين فيما نحن ليس لدينا فيلماً
يعرض. وفي عام 2006 عرض فيلم “البوم” الذي أخرجه الدكتور خالد الزدجالي في
المهرجان. كان الفيلم خطوة مهمة جداً ثم تتابعت الخطوات وأقيمت الورش
الفنية وقدمت أفلام قصيرة أقيم لها أكثر من مهرجان، وحدث حراك سينمائي
والآن يقطف السينمائيون العمانيون الجوائز ويشاركون بأفلامهم في مهرجانات
عالمية”.
مهرجان حقيقي لا بروتوكولي
من جهته، يرى علي حمود الحسن، ناقد سينمائي عراقي في جريدة الصباح
العراقية، أن مهرجان أبوظبي السينمائي “يتميز عن غيره من المهرجانات بكونه
مهرجاناً حقيقياً وليس بروتوكولياً أو صورياً”. ويضيف: “السينما العربية
تجاوزت القرن لكن بالمقابل ليس هناك منجز (عدا مصر والتي تراوح سينماها
بالمناسبة مكانها) تتوفر فيه المواصفات السينمائية العالمية. ولا أتحدث هنا
عن العالمية بالمعنى التقليدي وإنما بالمعنى الجمالي والفني. هناك الكثير
من المهرجات العربية بعضها تجاوز عمره الأربعة عقود مثل مهرجان القاهرة
السينمائي ومهرجان قرطاج السينمائي لكن غالبا ما تتميز بنمطيتها الشكلية
والصورية والاحتفالية. في مهرجان أبوظبي السينمائي نجد اختلافاً كبيراً
يتمثل في عدة أمور: أولاً هناك دعم كبير للمهرجان وهذا الدعم يأتي بالطبع
من توفر المال. والثاني يتعلق بمدينة أبوظبي نفسها وهي مدينة عالمية بمعنى
أنها منفتحة على الآخر وعلى الثقافات المختلفة، من هنا يتميز المهرجان
بآفاق منفتحة مما أتاح للسينمائيين العرب أن يجدوا وسيلة مثلى لتلاقح
الخبرات، وعمل أفلام. والثالث أن المهرجان يتوجه لدعم صناعة السينما، بمعنى
أن هناك صندوقا لدعم الإنتاج السينمائي وهناك جوائز ليس فقط للإخراج بل
لكتاب السيناريو وهذا أمر في غاية الأهمية”.
حكاياتهم مع المهرجان
ايفا داود، مخرجة شاركت لأول مرة في أول فيلم تصنعه في مسابقات
الطلبة. قدمت فيلمها “السندريللا” في دقائق قليلة لكنها لفتت الانتباه
لجمال الفكرة وغرابتها وتجسيدها المفارق لمفهومنا حول “السندريللا”، خاصة
من قبل الرجل الذي يرى المرأة وفق تصوراته لا كما هي في الواقع. إيفا واحدة
من الذين حقق مهرجان أبوظبي الدولي أحلامهم وممن وجدوا في هيئة أبوظبي
للثقافة والتراث وعاء حاضناً لهم. لا تكف عن توجيه الشكر للهيئة على
إتاحتها هذه الفرصة لها لتقف وراء الكاميرا، وتنجز الفيلم الذي ظلت تحلم به
طوال حياتها. كانت تحلم بالسينما منذ صغرها لكن ظروفاً حالت دون تحقيق هذا
الحلم، وها هي بعد سنين طويلة تجد في “أكاديمية نيويورك للفيلم” التي
تدعمها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مكاناً لممارسة الحلم ودراسته. كل حركة
من حركاتها وكل إيماءة تعكس حجم الفرح الذي خلقته هذه التجربة في روحها.
تؤكد إيفا داود أن تجربتها بدأت وأنها ستستمر في العمل السينمائي.
لديها طموحات كثيرة وأحلام أكثر صارت الآن واثقة من إمكانية تحقيقها بعد أن
كانت قد فقدت الأمل، وكل ذلك، تقول إيفا، بفضل أبوظبي. وتؤكد ايفا أن أي
مشروع مستقبلي لها “سيكون تحت جناح هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أو كتحية
لها، عرفاناً مني بما منحتني إياه هذه المدينة الجميلة التي تفتح أحضانها
لكل العاشقين والموهوبين وتتبناهم وتصقل مواهبهم وتتيح لهم فرص تطويرها،
وهذا أقل ما يمكنني أن أفعله على سبيل رد الجميل”.
“منحة” مدينة
غير بعيد عن العرفان والأثر الذي تمارسه أبوظبي في حياة السينمائيين
ممثلة في جهود هيئة أبوظبي للثقافة والتراث يأتي حديث المخرجة الإماراتية
هناء الشاطري التي شاركت كمساعدة مخرج في فيلم “منحة الوالد” للمخرج أحمد
الزين الذي يصور كفاح امرأة من عمق الصحراء، وجدت هي الأخرى في منحة الشيخ
زايد “رحمه الله” ما يحقق حلمها ويكفيها نوائب الدهر ويعينها على تربية
أبنائها، وهو أيضا “زايد” الذي أنشأ جامعة الإمارات العربية المتحدة التي
أتاحت لهناء الشاطري أن تدرس وتحقق حلمها السينمائي.
يطول حديث هناء حول أهمية مهرجان أبوظبي السينمائي والفوائد التي
يقدمها للسينما بشكل خاص والثقافة بشكل عام. وتعرب عن سعادتها “الكبيرة”
بالمهرجان الذي “أتاح لي مشاهدة الكثير من الأفلام المهمة، والتعرف إلى
مخرجين كبار والاحتكاك بخبرات سينمائية عالية على أرض الواقع. أبوظبي أحضرت
لنا نجوم السينما إلى هنا، سمعناهم، وحاورناهم، وعرفناهم عن قرب. اغتنينا
بتجاربهم وتعلمنا الكثير مما سيظهر أثره بلا شك في أعمالنا المقبلة”.
أيها الغائبون.. عودوا
لا أعرف بالضبط كم حكاية مثل هاتين الحكايتين تتجول في أروقة
المهرجان، ولا كم حلما تحقق لكنني أعرف أن هذه المدينة تغيرت كثيراً، ومن
عرف أبوظبي قبل سنوات قليلة لا تحسب شيئا في عمر الأفراد فما بالك في عمر
الدول والمدن، يعلم أن مجرد وجود دار عرض سينمائي أو إقامة ورشة سينمائية
متخصصة كان واحدا من أحلام السينمائيين الذين خطفهم سحر السينما مبكراً
جداً وتعبوا واجتهدوا وخاضوا حتى رقابهم في هذا الفن الأخاذ... واليوم باتت
أبوظبي تستقطب أهم الفعاليات السينمائية العربية والعالمية، وفيها صالات
مجهزة على أعلى مستوى لعرض الأفلام تعرض فيها افلام لم يكن يخطر على بال
احد أنها ستعرض هنا يوماً. وثمة ورش على مستوى عالمي، وأكاديمية لتدريب
السينمائيين والطلاب، ومنح لإنتاج الأفلام، ومؤسسات تسعى لتحقيق الحلم
الأكبر: إيجاد صناعة سينمائية في الإمارات... وإذا كان السينمائيون في
الماضي عانوا من الإهمال أو الرفض أو قلة الإمكانيات وغياب الدعم المالي
أو... أو... فأمامهم اليوم فرصة سانحة لكي يصنعوا أحلامهم الصغيرة/
أفلامهم، ويشاركوا، وينافسوا... ويمكن للغائبين أن يعودوا من غيابهم
ويواصلوا مشوارهم الذي بدأوه.
هي قفزة كبيرة لا شك تؤكد أن هذه المدينة ماضية في طريقها، مصرة على
حفر اسمها كمدينة مثقفة تعنى بواحد من اهم أوعية الثقافة وأكثرها قدرة على
التأثير في الناس... ومن يدري ما يحدث في قابلات الأيام، فأول الغيث قطرة
ثم ... ينهمر.
الإتحاد الإماراتية في
22/10/2010
تنظيم جيد وعروض نوعية وجمهور حاشد أمام شبابيك التذاكر
«أبوظبي السينمائي» يعزز التألق الثقافي للعاصمة عربياً
ودولياً
شهـيرة أحـمد
أينما سرت في مدينة ابوظبي هذه الأيام تلفتك الإعلانات واليافطات
الضخمة المنتشرة في كل مكان “تعرف على حكاياتنا” أو “تعال لتكتشف عالماً
جديداً”، هاتان المقولتان اللتان يطالعهما المرء أيضاً في كل مطبوعات
المهرجان وخلف كل فعالية من فعالياته تترجمان المغزى البعيد الذي يريد
المهرجان تحقيقة، والرسالة التي يسعى لإيصالها. فثمة رغبة جامحة في أن يعرف
العالم ثقافة هذه المدينة، حكاياتها، تراثها، تقاليدها وعاداتها. ثمة رغبة
في ان يلمس الآخرون نبضها الداخلي، ألقها وتوقها لأن تكون مدينة مثقفة،
قادرة على اجتذاب كافة اشكال العمل الثقافي الذي تقع السينما في صلبه،
والتي يتضح ان أبوظبي مستعدة لتقبله أسرع من غيره من أشكال العمل الثقافي
الأخرى التي تحتاج الى وقت لتنضج.
إقبال جماهيري
هذه باختصار شديد اللوحة العامة التي يرسمها مهرجان أبوظبي السينمائي
الذي يقام حالياً في مدينة أبوظبي، وتلك بعض التداعيات التي يثيرها
المهرجان في عقول من يتابعون عروضه ونشاطاته. ولقد شهد المهرجان في يوميه
السادس والسابع حراكاً واسعاً على غير صعيد، فمن حيث الجمهور غصت قاعات قصر
الإمارات والمارينا مول التي عرضت فيها الأفلام بعشاق الفن السابع، وبدا أن
المهرجان يرسخ حضوره يوماً بعد يوم في مناخ المدينة التي تسعى لصناعة
مشهدها الثقافي الخاص. ومن حيث الأفلام المعروضة نفسها ظهرت مساحة جيدة من
حيث الانفتاح على الآخر وحرية التعبير واستقطاب طاقات سينمائية مختلفة
وربما مغايرة للمشهد السينمائي الاحتفالي التي نراه عادة في المهرجانات.
ومن حيث الوعي المجتمعي بأهمية السينما في الحياة الثقافية يقول المشهد
الحالي إن هناك وعياً يرتقي باستمرار تجاه المهرجان وفكرته وتقبله من
الشرائح المختلفة، وإن لوحظ الحضور الكثيف للأجانب (الأوربيون والآسيويون)
في شتى مفاصل المشهد من دون أن يقلل ذلك من الحضور الإماراتي والعربي. ومن
حيث التنظيم لوحظ كم العمل والجهد المبذول لتحقيق مستوى عالمي على هذا
الصعيد إذ حشد منظمو المهرجان الكثير من الإمكانات المادية والبشرية
واللوجستية لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية المهمة التي غيرت إيقاع المدينة
وأدخلتها في طقس مغاير للرتابة والمألوفية. أما شبابيك التذاكر فقد شهدت هي
الأخرى ازدحاماً كبيراً بل إن بعض الأفلام لم يكن من السهل الحصول على
بطاقات الدخول لمشاهدتها إلا قبل يوم من عرضها.
عن قرب
من المشهد العام السابق يمكن الولوج إلى المشهد التفصيلي حيث تفاصيل
المهرجان والعروض والزوار والندوات والمؤتمرات الصحفية وغيرها مما يجري في
أروقة قصر الإمارات أو مسرح أبوظبي أو قاعات المارينا مول التي اختتمت
عروضها اليومية مساء الاثنين الفائت بعرض فيلمين من أهم الأفلام التي
يستضيفهما المهرجان: نسخة مصدقة للمخرج الإيراني الرائع عباس كياروستامي،
و”يد إلهية” للمخرج الفلسطيني ايليا سليمان وهو فيلم قديم يبدو أن لديه
القدرة على التجدد الدائم، وبهما أقفلنا نهاراً كاملاً المتعة الفنية التي
سرعان ما تجددت مع أفلام الثلاثاء التي اختتمت أيضاً بفيلم شاعري جميل
للمخرج المصري داود عبد السيد وبحضور جماهيري يؤكد عافية السينما الجيدة
وقدرتها على فرض حضورها على المشهد السينمائي الذي يعج بالسينما الرديئة،
وهو الأمر الذي تكرر مع فيلم لا تتخل عني، تشيكو وريتا وغيرهما كثير. أما
نهار الأربعاء فكان حافلاً أيضاً حيث تواصلت عروض المسابقات المختلفة،
وتألق فيلم الغرب غرباً، واحتشد الناس لمتابعة فيلم “كارلوس” إحدى أكثر
شخصيات القرن العشرين غموضاً وإثارة، وبينهما عرضت أفلام مهمة كرست الرؤية
التي أرادتها إدارة المهرجان من مسابقة “آفاق جديدة” التي جاءت في المجمل
جديدة بالفعل.
رسائل “داود”
في خيمة المهرجان في قصر الإمارات، تحدث المخرج المصري داود عبد السيد
وأبطال فيلمه “رسائل البحر”: بسمة، ومحمد لطفي، وآسر ياسين، في ندوة حضرها
الممثلان السوريان بسام كوسا وعابد فهد وعدد من النقاد ولفيف من الإعلاميين
العرب والأجانب وأدارها الناقد السينمائي امتثال التميمي الذي أطرى على
الفيلم وجودته، وأعلن أنه كان الأقرب إليه من بين الأفلام التي أخذت طريقها
لتعرض في المهرجان، مؤكداً أن داود عبد السيد ليس فقط من أهم المخرجين
العرب بل ربما الأهم، منوهاً إلى قدرته على إخراج افضل ما لدى الممثل من
طاقات إبداعية ليدخل إلى سؤاله عن دور المخرج في إدارة الممثل ومدى مساهمة
ذلك في نجاح الفيلم.
في إجابته أشار السيد إلى أن “الاختيار الجيد يتوقف عليه 50% من نجاح
الفيلم، والـ 50% الأخرى تتوقف على عمل كادر التصوير والمونتاج وباقي
العمليات الفنية التي تتم خلال الفيلم”، مضيفاً أن الفنان آسر يتمتع بلياقة
عالية جعلته يؤدي بشكل أفضل مما توقعه هو. أما بالنسبة لبسمة فهي نجمة
معروفة، لكن في كل الأدوار التي قدمتها كان ثمة شيء ناقص، ربما يكون السبب
في الدور نفسه او في التوجيه خلال التمثيل، لكن ما تتمتع به من جمال وأنوثة
كان غائباً”.
ورداً على سؤال عن التغير الذي حدث في رؤيته الفنية والتقنية
بالمقارنة بين “الكيت كات” و “رسائل البحر” أحال السيد الإجابة الى السائل
قائلاً إن هذا السؤال لا ينبغي ان يوجه إليه بل إلى النقاد والجمهور، فهما
من يكتشف او يلاحظ مثل هذا التغيير. لكن ما أستطيع قوله أضاف السيد، هو
أنني أحرص على الاستمرار في التجربة الشعورية، ويعنيني أن أحقق للمشاهد
متعة المشاهدة، التي تدفعه لمشاهدة الفيلم، مرة واثنتين وعشرة”.
وبسؤال فهد عابد عن واقع السينما المصرية وتدني الأفلام التي تعرض
والخدعة التي تم الترويج لها تحت مسمى “فيلم العيد” حدث سجال بين “السيد”
و”فهد” ملخصه أن المسؤولية مشتركة بين قطاعات عدة، حيث أكد عبد السيد أن
هناك ظواهر ليس لها سبب واحد بل تحكمها الكثير من المعطيات، وفي هذه الحال
ينبغي البحث عن الأسباب في الحالة التعليمية للجمهور، وشكل الإعلام
والطريقة التي يؤدي بها دوره، ودور الرقابة، وحيوية الصناعة السينمائية.
منوهاً إلى أن التنوع في إنتاج افلام تخاطب مختلف الشرائح المجتمعية يتناسب
طردياً مع كم الأفلام التي يتم إنتاجها، فكلما ازادد عدد الأفلام يزداد او
تزداد الفرصة لتحقيق أفلام جيدة أكثر او تتوجه الى شرائح اخرى غير الشريحة
العامة التي تتابع السينما التجارية. ورأى عبد السيد أن تدخل الحكومة لدعم
صناعة الفيلم سيخفف من ظاهرة الأفلام التجارية ويعزز حضور السينما الجيدة،
لأن المنتج في النهاية لا يهمه سوى الربح. ولفت إلى أن الكثير من تقاليد
الصناعة السينمائية تآكلت وأن المنتج يتدخل في كل شيء بل إن النجوم في بعض
الأفلام يتدخلون في الفيلم، وهناك أفلام كثيرة تصنع على حجر النجم.
وحول سؤال عن تراجع حرية تصوير مشاهد العلاقة بين الرجل والمرأة عما
كان عليه في الستينيات، على سبيل المثال، قال عبد السيد إنه يتفهم خوف
الممثلة من أداء مثل هذه اللقطات، والمناخ الاجتماعي الذي يحيط بها
والطريقة التي ستظهر بها بالنسبة إلى أسرتها او جيرانها، مؤكداً أن هناك
رقابة مجتمعية خفية أو غير معلنة لكنها أكثر قسوة من الرقابة التي تمارسها
الرقابة على المصنفات الفنية والتي تلتزم بلوائح وقوانين محددة. فرقابة
المجتمع المحافظ أكثر أثراً وخطورة لكن بالإمكان الالتفاف على مثل هذه
العقبات أو التحايل عليها فنياً، وما لا يدرك كله لا يترك كله على حد
تعبيره. منوهاً إلى أن التطور الذي شهدته السينما المصرية على مستوى
الميزانيات والتقنيات والتجهيزات والمعدات الفنية في الآونة الأخيرة قابله
خصم من الحرية الفنية، بل يكاد يكون ممنوعاً أن تصنع عملاً فنياً جيداً.
ورأى عبد السيد أن الحل يكمن في تغيير الرقابة بحيث لا تكون رقابة على
الفكر، وتحديث المجتمع وإشاعة روح التحضر وهذه عملية طويلة المدى وتحتاج
الى وقت. وعن كون حضور البحر في الفيلم ظل حضوراً جمالياً ولم يتجاوز
الزخرفة الجمالية قال إن حضور البحر في اي فيلم يعتمد على الدراما التي
تحاول إنجازها، والإسكندرية لن تكون اسكندرية الا بالبحر، ولن تكون متعددة
الثقافات إلا بالبحر. وفي إجابة له عن دوره في الفيلم (يؤدي دور طبيب يتأتئ
في الكلام ولهذا يعتزل الطب ويعمل صياداً للسمك) قال إنه درس الدور بعناية،
وخاص تدريبات كثيرة لكي يستطيع إتقان التأتأة على هذا النحو، وأن تدريبات
النفس والعمل على مخارج الألفاظ مكنته من الكلام بطريقة ترتبط بالإحساس أو
الانفعال وصولاً إلى التوازن والإتقان.
من جهتها أكدت بسمة أنها لم تكن خائفة من أداء دورها بل كانت قلقة على
أن تؤديه بالإتقان المطلوب، وأنها كانت سعيدة بالدور منوهة إلى انها تعتمد
على وعي الجمهور في التفريق بين الممثل والدور الذي يؤديه على الشاشة.
وقالت إنها كانت تشعر أنها في أيد أمينة لأنها تعمل مع المخرج داود عبد
السيد.
أحلام تتحقق
من يتابع فعاليات المهرجان، خاصة الإعلاميين، يلاحظ أن ثمة جديداً
يضاف كل يوم الى المهرجان تعلن عنه اللجنة المنظمة في الصباح خاصة على صعيد
الاحتفاء بالمخرجين والممثلين وصناع السينما الذين يشاركون في المهرجان
وتنظيم المؤتمرات الصحافية لهم او اللقاءات مع الجمهور. وفي خطوة لافتة
تستهدف تحقيق المشاركة التفاعلية وضعت إدارة المهرجان صناديق أمام قاعات
العروض لكي يرشح المشاهدون فيلمهم المفضل، وذلك لكي يتم اختيار فيلم
الجمهور الفائز في نهاية المهرجان.
ومن إضافات المهرجان أنه قدم مخرجين وممثلين جدداً، يقفون للمرة
الأولى سواء أمام الكاميرا أو خلفها. بعضهم برز في “أفلام الإمارات” وبعضهم
في “أفلام الطلبة” وبعضهم من خلال أفلام “أكاديمية نيويورك السينمائية”.
بالنسبة لهؤلاء يعتبر مهرجان ابوظبي السينمائي فرصتهم الأولى للإطلالة على
الجمهور، وتعتبر هيئة أبوظبي للثقافة والتراث محل امتنان كبير قالوا إنه
يصعب عليهم وصفه بالكلمات، وأنهم سيحملونه معهم طوال تجربتهم، ذلك أنها
حققت لهم حلم حياتهم.
الإتحاد الإماراتية في
22/10/2010
رواد المهرجان يقيّمون مشاهداتهم ويتبادلون توقعاتهم:
المهرجان جرعة ثقافية سنوية ضرورية للتفاعل مع الآخر
أحمد سعداوي
في اليوم السادس من مهرجان أبوظبي السينمائي، انصرف الرواد إلى تقييم
ما شاهدوه وتبادل توقعاتهم للختام، والإعراب عن أمنياتهم بالنسبة للدورات
القادمة، التي يجدون فيها استمرارا في التعبير عن المكانة الثقافية
والحضارية التي تحتلها العاصمة أبوظبي على الصعيدين العربي والدولي، وأكدوا
أن مهرجانهم السينمائي هو واحد من تعبيراتها الصادقة عن تلك المكانة
بالإضافة إلى ما تمثله شواهدها العمرانية والحضارية الأخرى، والتي يعتبر
الإنسان الإماراتي عمادها الأول.
الهند وكارلوس
المحاسب عدنان أبوشمالة قال إنه جاء إلى أبوظبي منذ ثلاثة أشهر فقط،
وفاجأه المستوى الحضاري ومظاهر العمران الحديثة، وأكثر ما أعجبه القدرة على
تنظيم فعاليات وأحداث كبيرة وعالمية في فترات متقاربة، ومن بينها مهرجان
أبوظبي السينمائي الدولي.
وذكر أنه جاء للتعرف على الأفلام المعروضة والاختيار من بينها،
وبالفعل اختار الفيلم الهندي “عنزة عذراء” ويتناول إحدى حكايات الريف
الهندي عبر إنسان بسيط يعاني من تعسف الحياة، وهو حال ملايين البشر حول
العالم، فالفيلم يحتوي على قدر عال من الانسانية، ولذا سيحرص على مشاهدته.
وأيضا هناك فيلم “كارلوس” ويحكي قصة ذلك الارهابي الذي أثار كثيرا من
الجدل واللغط حول حياته، غير أن مدة عرض الفيلم تمتد إلى ما يقرب من ثلاث
ساعات تقريباً، وهي فترة طويلة نسبيا وتمنى لو كان أقصر من ذلك، حتى تتاح
مشاهدته دون ملل. وحول تنظيم المهرجان، وسبل الراحة التي توفرها إدارته،
قال إن هناك مجهودات كبيرة ملموسة من أجل انجاح الحدث، وهو ما انعكس على
المظهر الراقي الذي غلف كل ما يتعلق بكل مظاهر المهرجان.. وفخامة دور العرض
المعروضة بها الأفلام.
وأضاف: إن المهرجان نجح في استقطاب أفلام عالمية مهمة، ونجوم كبار
زادوا المهرجان وفعالياته ألقاً على ألق، وإن كان هناك حاجة لاستضافة مزيد
من نجوم السينما العربية مثل أحمد عز وأحمد السقا وكريم عبد العزيز.
وأشاد بتوقيت المهرجان كونه في مطلع الموسم الدراسي، ما يساعد على
إقبال فئات كثيرة من الطلبة للاستفادة من والاستمتاع بالجرعة الفنية
والثقافية العالية التي توفرها أفلامه.
دكتور خالد طلال أبدى اعجابه بالفخامة الملفتة التي يدور في أجوائها
المهرجان، وهو ما يعكس صورة التقدم والازدهار الذي يعيشه المجتمع الاماراتي
حالياً، ويبرز قدرتها على إدارة فعاليات عالمية بمثل هذا الحجم.
وقال إن الأفلام المعروضة به مميزة ومستواها يختلف عن الأفلام
المعروضة في دور السينما على مدار العام التي يغلب عليها الطابع التجاري
الاستهلاكي فقط، بعكس أفلام المهرجان التي تحمل أفكاراً ومضامين هادفة،
وأيضاً مواضيع يصعب أن نجدها في غير المهرجانات السينمائية، مثل فيلم “سيرك
كولومبيا” الذي يتعرض لمأساة البوسنة والهرسك.
وأضاف إنه شاهد مهرجانات سينمائية في بلدان عديدة في أوروبا والشرق
الأوسط، بحكم معيشته في أوروبا نحو 15 عاماً، ومهرجان أبوظبي لا يقل باي
حال من الأحوال عنها من حيث الاعدادات والتنظيم، وإن كان يتمنى لو زاد
العنصر العربي في المهرجان، من حيث فريق العاملين به، لكثرة الوجوه
الأوروبية التي شاهدها في أروقة المهرجان، وهو ما قد يعطي انطباعاً بأنه في
بلد اوروبي وليس عربياً، وهذا الشيء يجب على إدارة المهرجان أن تعمل على
علاج الدورات القادمة، من خلال الاعتماد على الطلبة الإماراتيين، خاصة وأن
منهم الكثيرين يتقنون الانجليزية بطلاقة، وهو ما يمكنهم من التعامل مع
الضيوف بسلاسة ويسر.
دقة وأناقة
هناء ابراهيم (موظفة مبيعات) قالت إنها المرة الأولى التي تزور فيها
المهرجان، بعد أن قرأت عنه في الصحف، وما به من فعاليات وأنشطة كثيرة،
وانبهرت بالقدر العالي من التنظيم والأناقة.
وحول الأفلام التي تفضلها إبراهيم، أوضحت أنها تحب كلا النوعين العربي
والأجنبي، غير أن لكل منهما وقته الذي يشاهد فيه، ومميزاته التي تميزه عن
غيره، فالعربي يتحدث عن واقعنا وقضايانا ويطرحها برؤى مختلفة وخاصة من جانب
مخرجي الموجة الجديدة من الواقعية مثل خالد يوسف، غير أنها لفتت إلى ضرورة
مراعاة خصوصية مجتمعاتنا الشرقية وعدم الخوض في أمور معينة بصراحة ومباشرة،
حيث يكفي التلميح أو استخدام الرمز في التعبير بدلاً من المكاشفة التي قد
تضيع بالمعنى الجميل من وراء الفيلم وفكرته.
أما الأفلام الأجنبية، فهي أكثر إثارة وتشويقا مما يمتلكه صانعوها من
حرفية عالية، وقدرة على الابتكار والتجديد، في أفكار أفلامهم.
أفلام واقعية
فيما قال المحاسب حسين الدهشوري إن الأفلام المعروضة في المهرجان تحمل
قدرا كبيرا من الواقعية، خاصة بالنسبة للأفلام المصرية، ولكوني مصري فإنها
تنقل لي صورة المجتمع المصري، وتجعلني أعرف ما يدور بداخله من حراك ومظاهر
اجتماعية مختلفة، وبالنسبة للأفلام المفضلة لدي، فهي الأفلام الرومانسية
التي أصبحت نادرة إلى حد كبير، وحتى ما ينتج منها لا يكون على مستوى فني
عالي، وسوف أحرص على مشاهدة فيلم “رسائل البحر” بطولة بسمة ومحمد لطفي.
مساحة الحرية
وأوضحت هند محمد إبراهيم (ربة بيت)، أن المهرجان به مجموعة أفلام
عالية المستوى وهناك مساحة أكبر من الحرية متاحة لتلك الأفلام قد لا تتوفر
لغيرها من الأفلام المعروضة في دور السينما خارج المهرجان، ولذلك سوف تحرص
على مشاهدة أكبر عدد من تلك الأفلام خلال فترة المهرجان، وبصفة عامة تفضل
الأفلام التاريخية ذات الإنتاج الحديث لأنها أكثر جاذبية عما سواها من
الأفلام.
وفترة إقامة المعرض وهي عشرة أيام كافية جداً لمتابعة الأفلام
المعروضة، كما أن توقيت المهرجان مناسب، وأسعار التذاكر مشجعة وفي متناول
الجميع، بما يجعل المقيمين في أبوظبي قادرين على الاستمتاع بالمهرجان
وفعالياته دونما تحمل اية أعباء مادية كبيرة.
أفلام هادفة
وبالنسبة لصديقه سامح محمود، فيقول إن أفلام المهرجان هادفة، وليست
تجارية بحتة، وتتمتع بدرجة عالية من الإخراج والتصوير والديكور وغيرها من
عناصر العمل السينمائي، لكونها أفلام مشاركة في مهرجان وتتنافس للحصول على
جوائز، ولذلك أعتقد أنها أفضل من مثيلاتها المعروضة في دور السينما على
مدار العام، والتي يغلب عليها الطابع التجاري.
وعن نفسه فسيشاهد فيلم رسائل بحر، لاعجابه بالفنانة بسمة وكل أعمالها
السينمائية ومنها فيلم “ليلة سقوط بغداد” الذي مثلته من قبل مع أحمد عيد
وحسن حسني.
الإتحاد الإماراتية في
22/10/2010 |