يقترب المخرج الفلسطيني السوري باسل الخطيب من إنجاز مسلسله الجديد
“أنا القدس”، الذي يراهن به على تقديم كل جديد عن القضية الفلسطينية، كما
أنه يعد الجمهور العربي بوجبة من الجرأة في الطرح تصل إلى حدود تسمية كل من
خان القضية الفلسطينية وساهم في خسارتنا للقدس . وفي هذا الحوار يوضح كل ما
يتعلق بهذا العمل من اختيار الممثلين إلى الطابع القومي للمسلسل، انتهاء
بأسباب اختياره أماكن التصوير دون سواها .
·
تصور حالياً مسلسل “أنا القدس”،
وكثيراً ما تم التطرق إلى القضية الفلسطينية في الدراما السورية، ما الذي
ستقدمه؟
- موضوع القدس لم يسبق التطرق له في الدراما
العربية، واليوم نقدم هذا العمل بمنتهى الجدية والمصداقية، نقدم القدس في
فترة زمنية مغيبة بعض الشيء عن علوم المواطن العربي وحتى المقدسي، هي
الفترة ما بين 1917 و،1967 وهذه السنوات الخمسون كان فيها الكثير من الأمور
المفصلية غنية بالأحداث والشخصيات والمعطيات، من خلالها ندخل إلى عمق
القضية بشكل أوضح وأقرب وأكثر مصداقية .
نبحث في “أنا القدس”، في تاريخ المدينة، وفي واقعها ومخلفاتها، وستكون
شخوص العمل درامية وواقعية . سنتحدث عن القدس كمدينة وكمأساة، وعن
الفلسطيني كإنسان معذب مظلوم مضطهد محروم من أبسط حقوقه، لنرصد كيف قلبت
الأمور في هذه المدينة وكيف تحول الصراع، وكيف وقعت في يد الاحتلال .
·
عنوان المسلسل “أنا القدس”،
لماذا استخدام الضمير (أنا)؟
- المسلسل حالة بوح، تتحدث فيها القدس بلسانها،
تكشف مأساتها وأسرارها لنا جميعاً، عندما نقول “أنا القدس” سيشعر كل إنسان
بأنه معني بالمدينة وبما تعانيه .
في الماضي القريب تراجعت قضية القدس تراجعاً مريباً وخطيراً، حتى
أصبحت في الدرك الأسفل بالنسبة لاهتماماتنا، وطفت على السطح أحداث أخرى أو
محاور أخرى في القضية، تحول الصراع من صراع مع عدو إلى صراع داخلي بين
الإخوة . كل ذلك يؤدي إلى أن القضية مهمشة والمدينة مغيبة، فكان لا بد أن
تنطق القدس بلسانها وتصرخ بأعلى صوتها: أنا القدس، أقدم شكواي لكم فاسمعوا
وأصغوا وعودوا إليّ .
·
العمل يتحدث عن الفترة التي
خسرنا فيها القدس من البداية إلى النهاية، ويتردد أنه كان هناك تواطؤ من
بعض العرب في ذلك، هل ستمتلكون الجرأة في الإشارة إلى مواضع الخيانة؟
- يتوفر في العمل جانب كبير من الجرأة في الطرح
والقدرة على المكاشفة وقول الحقائق، كما جاءت في الكتب التي تتحدث عن تلك
الفترة، لن نجامل أحداً أياً كان .
من يدخل مكتبة ويطلب كتباً عن القضية الفلسطينية سيقرأ فيها وبوضوح
كيف ضاعت فلسطين وكيف كان هناك تواطؤ واضح من قبل بعض الأنظمة العربية، لا
نأتي بشيء من عندنا، بل ننقل الواقع من الكتب إلى الشاشة . الحقائق معروفة
ومتداولة إن في الكتب أو عبر أفلام وثائقية تؤرخ للقضية، لكن عندما نعرضها
على الشاشة الصغيرة يصبح تأثيرها أكبر .
وأرى أنه من واجبي ومسؤولياتي، كعربي وكفلسطيني، ألا يتكرر خطأ
الماضي، وذلك لا يتم إلا إذا أشرنا إلى من خان وإلى من كان أميناً، لذا لا
يجوز أبداً تجاهل موضوع الخيانات التي قام بها بعض السياسيين العرب .
·
لعل الشهيد عز الدين القسام أبرز
وجوه النضال والجهاد في تلك الفترة، وقدم في مسلسل كامل قبل 30 عاماً، هل
استفدتم من ذلك المسلسل في تقديم شخصيته في هذا العمل؟
- نحن في مسلسل يتحدث عن القدس ويتألف من ثلاثين
حلقة فقط، ولا يمكن فيه الحديث بإسهاب عن كل شيء، لكن كل الشخصيات التي مرت
في الفترة التي يتحدث عنها العمل ستنال قسطاً وافراً من الأهمية، مع تأكيدي
على أن تلك الشخصيات تستحق كل واحدة منها مسلسلاً من أجزاء .
وبالنسبة للمجاهد الشهيد عز الدين القسام فهو موجود ضمن إطاره
التاريخي كأحد رموز المقاومة، وسيمر في العمل أنه أتى إلى فلسطين من سوريا،
وتحديداً من مدينة جبلة الساحلية، وعمل في بادئ الأمر كإمام ومأذون شرعي
إلى أن تحول إلى الجهاد ضد الإنجليز واليهود واستشهد قرب جنين، لن نستفيد
من أي أفكار أخرى أو مسلسلات أخرى في ما يتعلق بالشهيد القسام لأن الإطار
الذي يوضع فيه في المسلسل لا يتسع لأكثر مما قدم .
·
يشارك في العمل ممثلون مصريون
كثر، هل هذا لإعطاء العمل طابعاً قومياً أم لمجرد علاقات طيبة تجمعك
بالمصريين؟
- العمل إنتاج سوري مصري وهذا ما يجب أن يعرفه
الجمهور العربي، وأردنا أن نمنحه طابعاً قومياً أكثر فأتينا بممثلين من
الأردن ولبنان والعراق فضلاً عن المصريين، ومن هنا أرى أن التنويع في
الممثلين يخدم العمل من حيث طبيعته التي تتحدث عن أمر قومي بحت .
وهناك بعض النقاط التي تؤكد قومية التوجه لدى فريق العمل، فالنجم
المصري الكبير سعيد صالح جاء إلى العمل للمشاركة في 20 مشهداً فقط لكنه
وافق على ذلك من أجل أن يكون جزءاً من مشروع عربي قومي، وكذلك النجم أحمد
ماهر جاء ليشارك في 12 مشهداً لنفس الرغبة، وهما نجمان لا يقبلان بذلك في
أي عمل آخر، وآخرون كانوا مستعدين للمشاركة في مشهد أو مشهدين وهم نجوم .
·
ما توقعاتك للعمل بعد العرض خاصة
وأنه عمل نخبوي وليس جماهيرياً؟
- أرفض الفرز الشخصي، كما أرفض الأحكام المسبقة عن
أي عمل درامي، والجمهور العربي يهتم بالعمل الناجح الذي يهتم بقضاياه
ويلامس مشاعره، وأنا على ثقة بأن جمهورنا متعطش لأعمال توثق القضايا
المصيرية للأمة .
لا أنجز عملاً لرمضان كي أنتظر نتيجته في هذا الشهر، بل أنجز وثيقة
تاريخية تخص قضية القدس وفلسطين لتبقى حاضرة في الأذهان لعشرات السنين،
وبالنسبة لتوقعاتي لترتيب العمل أؤكد أن كل الاستطلاعات أكدت أن العمل
الجيد يكتسب جمهوره بعد شهر العرض في رمضان وليس خلاله .
لا هاجس عندي من شهر العرض، بل إن نتائج مسلسلي ستظهر على المدى
الأبعد .
·
تصورون في مدينة صافيتا الساحلية
وليس في دمشق، هل هذا للبعد عن ضجيج العاصمة غير المساعد على إنجاز أعمال
كهذه؟
- لا أبداً، لكن مدينة القدس من الناحية العمرانية
لا تشبه دمشق، فالقدس مبنية بكاملها من الحجارة وتقع بين التلال على عكس
دمشق في تلك الفترة، مدينة صافيتا كما أراها تشبه القدس نوعاً ما .
ومدينة حلب في بعض مناطقها تشبه القدس وتخدم العمل لذا اخترناها
للتصوير فيها أيضاً .
·
قبل فترة اختلفت ومنتج منفذ
عراقي بخصوص مسلسل “سقوط الخلافة”، واتهمك بأنك تهربت من ذلك العمل لعدم
قدرتك على التوفيق بينه وبين “أنا القدس”، ما الصحيح في ذلك؟
- لم أشأ الرد على كلام كهذا، ورغم ذلك أصدرنا
بياناً وزعناه على وسائل الإعلام، بيّنا فيه موقفنا مما صرح به المنتج
المنفذ العراقي .
أود إيضاح أمر بسيط في القضية وهو أن مسلسل “سقوط الخلافة” كان سينفذ
في شروط إنتاجية مجحفة لا تتناسب وأهمية العمل، وكان بيدي فقط 15 حلقة
طلبوا مني إخراجها من دون أن يكون هناك أي علم لي عن ال 15 حلقة الأخرى،
لذا كنت سأظهر وكأني أعمل في الفراغ .
كان شرطي الوحيد أن أحصل على سيناريو كامل كي لا أكون داخلاً في
مغامرة خاسرة .
أما مسألة عدم القدرة على التوفيق بين “سقوط الخلافة” و”أنا القدس”
فهذا أمر لو كان صحيحاً لأعلنته من البدء لأنه لا يعيب، وفي كل عام هناك
مخرجون يعتذرون عن عدم إخراج أعمال درامية لتضاربها مع أعمال أخرى تكون
بأيديهم، وحصل ذلك معي وكنت أعتذر بلا حرج .
الخليج الإماراتية في
31/07/2010 |