ستخجل وتقول: ( لا ) , ولكنك
ستكذب إذا لم تقل:( نعم ) ! - هل ضبطت طفلك الصغير يوما متلبسا
بترديد كلمات
مبتذلة.. وبسؤاله عن مصدرها اعترف بأنه تعلمها من أحد الإعلانات
التلفزيونية
؟!
- هل شعرت بالحرج يوما وأنت تشاهد إعلانا وتمنيت
والريموت بعيدا عن يدك أن تنقطع الكهرباء أو ينفجر التلفزيون فلا تشاهد
زوجتك أو ابنتك ذلك الإعلان الخادش للحياء ؟
- أخيرا هل أنت راضى عن نوعية ما تشاهده من
إعلانات تطاردك في كل لحظة على القنوات الفضائية المختلفة؟
قبل أن تجيب .. دعنى أصارحك أن لا فرق بين من يقدم لك إعلانا عن سلعة
وهو يثير غرائزك بإيحاءات جنسية .. ومن تبيع جسدها لمن يدفع .. فكلاهما
تجسيد مباشر لثقافة الابتذال التي شاعت بيننا في الفترة الأخيرة وتسللت
خلسة إلى قنوات التلفزيون!
ولا فاصل بين سقوط منظومة القيم والمبادىء الإعلامية وتراجع ثقافة"
العيب" في المجتمع المصري وتزايد أعداد المدمنين والمنتحرين سنويا,
فالاثنان توأم خرج في ولادة طبيعية من رحم الانهيار الأخلاقى الذي أصاب
بعضا من العاملين في مجال الإعلان التلفزيوني فباتوا يروجون لبضائعهم
ويسعون لجذب انتباه المشاهدين بكافة الوسائل ..بما فيها " خلع الهدوم والكلام
المكشوف " !
والنتيجة أن لا أحدا بات آمنا في بيته وهو يجلس بين أفراد أسرته
يطالع التلفزيون ، وقد حرص بعناية على تجنب مشاهده البرامج
المبتذلة والابتعاد عن أى مسلسل أو فيلم يحمل في مضمونه الإثارة والإسفاف..
واختار بعناية برنامج ملتزم وهو يمنى النفس والعقل بمعلومة مفيدة ولكن فجأة
تطالعه الإعلانات التي تتخلل فواصل البرنامج بكم من المشاهد المثيرة
لفتيات يتراقصون بملابس شبه عارية وينطقن بألفاظ بذيئة تحمل الكثير من
الإيحاءات الجنسية وتكون الطامة اكبر عندما تجد طفلك يرددها أو يتوجه
بالسؤال عن مغزاها منك ؟! كما هو الحال في مصطلحات باتت مستخدمة بكثرة في
الإعلانات المختلفة من نوعية ( يا رجل يا ناقص - يا واطى - يلبٍسهم –
استرجل – رجل مسمار ) !
- فهل تستطع تفسير أى منها لطفلك "!
- إذا جاءت أجابتك ب ( لا ) , فاستمر فى القراءة كى تعلم أنك بعدها
ليس أمامك خيار ألا أن تلقى بكل نظريات علم التربية عرض الحائط - يفضل
أن تتخلص منها عبر نافذة بيتك - لاسيما تلك التي تدعوك للحوار مع طفلك
وتحرى الصدق معه - فليس هذا وقتها - وتتحول إلى أب ديكتاتور متسلط ويا حبذا
لو تقمصت شخصية الغول فينتفض ما تبقى من شعر راسك مع احمرار العينين وأنت
تصرخ :" عيب يا قليل الأدب .. أوعى تنطق بالكلمة دي تانى .. يلا مفيش
تلفزيون.. قوم أدخل أوضتك "!
يبكى الصغير دون أن يعي ما الجريمة التي اقترفها بالسؤال عن معنى كلمة
سمعها أمامه أو مغزى مشهد رآه على شاشة التلفزيون وحسب نظريات الطب النفسي
فان كل ممنوع مرغوب .. لذا فإن الطفل في قرارة نفسه سيسعى إلى مشاهدة ذلك
مرة أخرى ومعرفة ما يجهله بعيدا عن البيت .. والمحصلة مزيدا من السلوكيات
المنحرفة واتساع فجوه الغربة بين جيل الأبناء والآباء!
ابتذال واسفاف
- هل بات الإعلان التلفزيوني وسيلة أخرى لتدمير الأسرة وتخريب المجتمع
؟
- سؤال ينتشل إجابته بوضوح من بين عشرات مما نشاهده يوميا على
القنوات الفضائية المختلفة دون تجنى منا على احد .. فهذا إعلان لشركة مياه
غازية عن مشروب جديد يدعى "فنتالوب" يقول من خلاله مرؤوس لرئيسة : لو ما
اتبعاوش إلـ 300 ألف زجاجة يبقى " يلبسهم" مصيلحى ونرفده و يختم قائلا :
إشرب .. وأنقذ مصيلحى .. تاركا للمشاهدين تخيل مصير ذلك المصيلحى وما
ينتظره من زجاجات!
إعلان أخر لفتاة جميلة ممشوقة القوام تتبختر في الشارع ببطء وهى
تتناول علبة عصير بطريقة مثيرة عن طريق"الشفط " والكاميرا ترصد مفاتن
جسدها تارة من خلال ملابسها الفاضحة في لقطات تمتزج فيها الإيحاءات الجنسية
بالرسالة الإعلانية بشكل صريح يتزايد إلى درجة الفجاجة عندما تمر الفتاة
على عددا من الرجال كلا منهم يبدى انبهاره بجمالها تارة بالعين وأخرى بحركة
اللسان والجميع يردد إسم العصير بطريقة مثيرة بها الكثير من المط والتطويل
المتعمد :" يا هوووووووو " !
وهناك إعلان عن منتج عصير تستعرض الكاميرا شفاه ثلاث جميلات وهن ينطقن
باسم العصير بطريقة مثيرة للغاية " إيزى موزوووووو"
ناهيك عن إعلان لشركة مسحوق غسيل يتعمد إهانة ربات البيوت فى الأحياء
الشعبية بجعلهن يبكون عند تسليمهم جائزة مالية متواضعة أو سفر لأداء
العمرة فى مشهد مفتعل يثير الاشمئزاز لاسيما وهن يصيحون بأعلى صوت "
أووووه.. أووووه"
علما بان تكرار حرف الواو عند العامة يحمل الكثير من الايحاءات
والاثارة !
وهناك إعلان عن حلاوة طحينية يعتمد على الإيحاءات الجنسية لجذب
انتباه المشاهد لرجل معجب بفتاة ويقول لها :"أوصلك " فترد عليه وتقول "هي
سايبة" وتسير والرجل يحدق في مؤخرتها قبل أن ينتهي الإعلان ليوضح لنا أن
الحلاوة الطحينية لم تعد" سايبة " و أصبحت تباع كقطع مغلفة ! ولا أحد يعرف
ما علاقة الحلاوة الطحينية بكل تلك الإيحاءات وهل بدونها لا يباع المنتج؟!
ناهيك عن إعلانات أخرى تتعمد استغلال الأطفال ونشر قيم مبتذلة كإعلان
عن شرائح البطاطس يقدمه الفنان فنان كوميدي مع الطفلة طفلة معروفة وفية
تقوم تلك الطفلة بعمل مقالب وحيل مختلفة في هذا الفنان كي تحصل على كيس
البطاطس أشدها بشاعة عندما تقوم بسرقة كيس البطاطس وتعمد إيذاؤه بتركة يغرق
في شلالات وادي الريان !
فكيف نربى أولادنا على أن السرقة حرام واحترام الكبير ومساعدة
الآخرين واجب بينما الإعلان التلفزيوني يدعوهم إلى عكس ذلك ؟!
وليس هذا فحسب وإنما الطامة الكبرى تجلت في الفترة الأخيرة بالاتجاه
إلى استغلال الأغانى الوطنية الشهيرة في الإعلان عن منتجات غذائية أبرزها
إعلان ماركة جبن تستخدم أغنية "المصريين أهما" الوطنية الشهيرة للمطربة
ياسمين الخيام بعد تحريف كلماتها كوسيلة للترويج وهو ما أثار استياء البعض
ودفع بأسامة الشيخ رئيس أمانة إتحاد الإذاعة والتلفزيون المصرى إلى التحرك
أخيرا بعد مرور شهر كامل من عرض الإعلان واتخاذ قرار بوقف عرضه إلا أن
الشركة المنتجة تحدت القرار وقررت استمرار عرض الإعلان على
القنوات الفضائية الخاصة التي لاهم للمسئولين عنها إلا جمع المال ولتذهب
الوطنية والأخلاق والقيم التى يتشدوقون بها مساء فى برامج التوك شو إلى
المخزن مثل أى صفيحة جبنه!
اما المصيبة الأفدح فكانت اختصار قيم الرجولة في إعلان عن أحد
المشروبات نسمع من خلاله جملة :" الرجولة مش سهلة استرجل واشرب (..) طعم
يغطى على المر اللي بندوقوه "! ناهيك على ما يتضمنه من غرس سلوكيات منحرفة
فى مقولة ( إضرب صحبك ) ناهيك عن المغزى من( حط الأنكل على الركبة تبقى
أرجل من دروكبا ) !
وديع و تهامى
كذلك إعلانات قناة ميلودى الخاصة بالتنويه عن الأفلام العربية التى
تعرضها على قنواتها والتي تدور بين تهامى المنتج ووديع المخرج وما تتضمنه
من خدش متعمد لحياء المشاهدين من خلال كلمات خارجة ومسفة
وكذلك الحال في إعلانات المنشطات الجنسية التى باتت تعرض على القنوات
الفضائية المصرية والعربية بصورة مقززة تارة بطرق مسمار فى الحائط مع
ابتسامة الزوجين في دلالة على أن من يستخدم المنشط يشعر بالسعادة وبدونه
يعوج المسمار ويسقط !
ناهيك عن تلميحات أخرى لزوجه تقول لزوجها فى دلال " الأولاد خلصوا
الواجب..وأنت لا تنسى الواجب ".. فهل هذا الأسلوب في تقديم المحتوى
الاعلانى يصح فى مجتمع شرقى؟!
الاجابة على السؤال لا تحتاج الى خبير بقدر ما تحتاج الى ملاحظة
بديهية منا والدليل أننا أصبحنا نشاهد تلك الاعلانات وغيرها يوميا فلا
نندهش أو نتوقف كى نعلن رفضنا لها , بل يذهب بعضنا ليرويها كطرفة
لاصدقائه مثل نتائج كره القدم ، بل وتنطلق النكات حولها وكأنها سيرة
عاديه من سياقات يوميه معتادة !!
لذا طرحت علي الدكتور صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة والإعلان
بكلية الإعلام جامعه القاهرة , سؤالا محددا ومختصرا: هل أصبح مباح للمعلن
تقديم ما يحلو له طالما كان الهدف جذب وإغواء المشاهدين ؟
فأجاب باختصار أكثر دلالهة: بالطبع لا!
لافتا إلى أن غياب الأخلاقيات في الإعلان يرجع إلى افتقاد مهنة
الإعلان لضوابط وقوانين صارمة تلزم العاملين بها على احترامها وعدم
تجاوزها وإلا تعرضوا للعقوبة.
وأوضح العالم أن الأخلاقيات لا تتوافر في الإعلان لأنها اصبحت مهنة من
لا مهنة لة فليس شرطا أن تكون دارس لقواعد فن الإعلان وطرق تقديمة وما هو
المناسب لقيم المجتمع وما يتنافى معه وتحول الأمر إلى سبوبة بين المعلن
والمخرج والقناة التى يعرض فيها الإعلان لدرجة أننا وصلنا إلى إعلانات تروج
عن سلع مغشوشة وأدوية غير مصرح بها وهو ما لايحدث فى أى دولة أخرى في
العالم .
وحذر العالم من خطورة ترك الساحة الإعلانية هكذا " سداح مداح" دون
رقيب او ضوابط فهذا من شأنه تحطيم كافة القيم وهدم الأسس والأخلاقيات ،
مطالبا الحكومة المصرية و كافة أبناء المجتمع بالضغط على المعلنين وإجبار
الشركات المعلنة على احترام الأخلاقيات في الإعلان ومعاقبة من يخالف ذلك
بعقوبات صارمة.
وقال : الضوابط يجب ألا تقتصرعلى الشكل فقط وإنما أيضا على المضمون
وطريقة العرض فيجب ان يتم تحديد مدة الإعلانات التى تذاع فى أى قناة فضائية
بمعدل يتراوح من 5-7 دقائق خلال كل ساعة بث وهذه القاعدة غير موجودة الآن
،وقد عانى منها المشاهدين كثيرا خلال شهر رمضان لطول الفترات
الإعلانية خلال وقت عرض البرنامج أو المسلسل لدرجة أن يفقد المشاهد ما كان
يتابعة ويصاب بالملل.
وأضاف : هناك نقطة أخرى فى غاية الأهمية يجب التوقف عندها وتتلخص فى
أن غالبية القنوات الفضائية لا تملك فى هيكلها الإدارى إدارة أو جهاز خاص
بتسويق وجلب الإعلانات ، وبالتالى فالقناة تعتمد اعتمادا كليا على ما تقدمة
لها الوكالات الإعلانية وما تفرضة عليها من إعلانات حتى ولو كانت تخالف
طبيعة عمل القناة فمثلا : نشاهد إعلانات عن المنشطات الجنسية فى قنوات
وبرامج دينية أو تخاطب الأطفال إلى جانب عدم وجود تعريفة محددة لأسعار
الإعلانات والتى تختلف من قناة لأخرى ومن برنامج لآخر مما أدى إلى سيطرة
تلك الوكالات الإعلانية وتقديمها بالشكل الذي يرضى العميل حتى لو جاء
مخالفا لقيم وتقاليد المجتمع.
وأكد العالم في نهاية كلامه على أهمية أن تسارع الدولة بوضع ضوابط
وقوانين ضمن قانون حماية المستهلك تحمى المجتمع من تلك النوعية من وكالات
الإعلان الفاسدة التى تهدم قيم المجتمع وأن تلزم الوكالات والقنوات
الفضائية الخاصة والحكومية بالأ تتضمن الرسالة الإعلانية أية إيحاءات جنسية
أو سوء استخدام للمرآة والأطفال في الإعلان المقدم وألا تعرضت للعقوبة
هيمنة اقتصادية
من جهتها ترى الدكتورة نسمة البطريق الأستاذ بكلية الإعلام جامعه
القاهرة أن ما نحن فيه الآن له أبعاد أكبر من مجرد لفظ يقال أو ملابس
مبتذلة وإنما فى حقيقته إفراز لعصر هيمنة اقتصاديات الدول الكبري علي
الاقتصاد العالمي لاسيما علي اقتصاديات الدول النامية ومن بينها مصر
واستغلت وكالات الإعلان الكبرى ذلك فى فرض الإعلانات التجارية وفقا
لمفاهيمها الخاصة بحيث لا يقتصر الأمر على الترويج لمنتجاتها المختلفة,
بل وأيضا لتعزيز هيمنتها علي مضمون إعلام وثقافة تلك المجتمعات
النامية,وذلك لأهمية الإعلان الذي أصبح من أهم مصادر في مؤسسات الإعلام
خاصة التلفزيون
موضحة أن الإعلان أصبح أداة ووسيلة للتأثير الإجتماعي فمن خلال تلخيصه
لمفاهيم وقيم عديدة في قالب سهل ومبهر وبتكراره للمعلومات والسلوكيات
والألفاظ السطحية على مدار اليوم يؤثر تأثيرا سلبيا علي البيئة
الاجتماعية بكل مظاهرها وأخلاقياتها.
وتؤكد البطريق على ضرورة وجود هيئة أو نقابة تجمع الإعلانيين وتضع
ضوابط لمن يريد العمل بتلك المهنة وتحمى حقوق العاملين بها وكذلك تحمى
المشاهدين من أخطاء الإعلانيين وتحاسب المتجاوز منهم فلا يصح أن
يصبح الإعلان مهنة من لا مهنة له.
وأردفت قائلة :وجود نقابة من شأنه تفعيل العمل بمثياق الشرف الإعلانى
والامتناع عن نشر إعلانات غير صادقة أو مبتذلة وتحديد ضوابط نشر وترويج
الإعلانات في كافة وسائل الإعلام بمختلف أنواعها تلفزيون وأذاعه وصحافة
وانترنت أيضا.
لافتة إلى أن الإعلان رغم قصر مدة عرضة التي لا تتجاوز 30 ثانية إلا
أن تأثيره يعد قويا على المتلقي من كثرة تكراره ، لاسيما الأطفال
والمراهقين فيتأثرون به وبما جاء فيه من مصطلحات وألفاظ وهذا من شانه ترك
آثار سلبية على أمن وسلامة المجتمع.
حماية المستهلك
كما تقترح د.نسمة البطريق ضرورة تفعيل دور جمعيات حماية
المستهلك ومساعدتها من خلال التشريعات المناسبة للتصدي لمن يخالف ميثاق
العمل الإعلانى باعتباره تعديا على حقوق المستهلك خاصة أن هناك بعض
الإعلانات التي تحمل مضمونا مبتذلا وغير أخلاقي بات الجميع يشكو منها في
الفترة الأخيرة ، وتقول :" من الخطأ إلقاء المسؤولية كاملة على الدولة
وأجهزتها الرقابية لابد إن يكون للمجتمع دور رقابي في مواجهه كل من يسيىء
إلى قيمة وأخلاقياته وهذا لا يتحقق إلا بزيادة توعية الناس بما يجب أن تكون
علية الرسالة الإعلامية لاسيما تلك التي نطالعها من خلال التلفزيون بما
فيها الإعلانات والمسلسلات والبرامج لأن التلفزيون يدخل كل بيت وتتسلل
أفكاره إلى عقول الجميع خاصة الأطفال .
وهو ما تحذر منه أيضا الدكتورة عزة كريم خبير علم الاجتماع بالمركز
القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة مؤكدة أن للإعلان التلفزيوني أثر سلبي
خطير على الحياة الاجتماعية للفرد والمجتمع نتيجة عدم توافر المقومات
الثقافية لكثير من المشاهدين ما يؤدي بالتالي إلى تقليد البعض لما جاء
بالإعلان والتصديق على سلامة المنتج:" لكونه جاء في التلفزيون" لافتة إلى
أن كثير من الأطفال من كثرة مشاهدتهم للإعلانات يتعلقون بما جاء فيها من
حيث الإقبال على المنتج إلى حفظ وإعادة ترديد ما جاء فيه من أغنيات أو
كلمات كما يعيدون محاكاة مشاهد بعينها كنوع من اللعب وهو ما يؤثر بالسلب
على سلوكياتهم تجاه من حولهم وفي كثير من الأحيان تهبط بمستوى اللغة
والثقافة لدى هؤلاء الأطفال ، وأيضا فريق من الكبار يتأثر بالإعلان .محذرة
من الألفاظ الخارجة التي يستخدمها الإعلان أحيانا، ما يتسبب في تشويه ثقافة
المجتمع لغويا وأخلاقيا وكذلك إصابة المجتمع بنوع من الإحباط كما في برامج
المسابقات الوهمية التي تدعوك إلى الاتصال وتستنزف أموالك بعدما هدمت
إعلانات أخرى أخلاقيات وقيم المجتمع مشيرا إلى أن التجاوزات التي تحدث تمر
دون معاقبة ، لذا فالحل يبدأ بشن تشريعات تعاقب من يتجاوز بعقوبات رادعه
صارمة.
الأهرام المصرية في
22/09/2010
مليودي تعرض المسلسل الإيراني "يوسف الصديق
"
تحقيق :أشرف سيد
على الرغم من أن الأزهر الشريف
هو المؤسسة الدينية الوحيدة التي من حقها أن تراجع و تجيز عرض
المسلسلات الدينية في
مصر وخاصة تلك التي تتناول سير الرسل و الأنبياء
لما لهم قدسية خاصة لأن الله سبحانه وتعالي قد اصطفاهم من بين بني
الإنسان لتبيلغ رسالته على الأرض ، وقد سبق للأزهر من قبل أن اعترض علي عرض
المسلسل الإيراني "يوسف الصديق، لأنه يتضمن تجسيد شخصية ثلاث من الأنبياء
وهم "سيدنا يوسف ،وسيدنا يعقوب و سيدنا إسحاق عليهم جميعا السلام بالإضافة
الي تجسيد شخصية سيدنا جبريل عليه السلام ، وكذلك ملك الموت عزرائيل عليه
السلام أيضا ، وانه بذلك يكون قد أخل بقدسية وملائكيتهم الذين وصفهم الله
عز و جل بها ، غير أن قناة " ميلودي مسلسلات " ضربت عرض الحائط حتى بكل ذلك
و تبثه الآن علي قناتها في تحدي صارخ للمؤسسة الدينية الإسلامية الأولي في
العالم.
ونظرا لحساسية الأمر كان هذا التحقيق الذي يبحث في أسباب العرض ومدى
شرعية تجسيد شخصيات الأنبياء والملائكة من عدمه :
في البداية تشير الدكتورة أمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية وعضو
المجلس الأعلى للشئون الأسلامية بأن قضية إظهار الأنبياء والصحابة أو بعض
الأئمة الذين لهم خصوصية قضية تثار من وقت إلى آخر دون انقطاع ومسألة إظهار
الأنبياء بتشخيصهم على الشاشة ممثلين لهذا الدور تعد قضية مرفوضة لأنهم
صلاوت الله عليهم جميعا يتمتعون بالعصمة واختيار الله سبحانه وتعالى لهم ،
حيث رباهم على عينه كى يطلعوا بالرسائل السماوية لأقوامهم وهذه الخصوصية
تجعلنا لانرحب أبدا بتشخيصهم على الشاشات المرئية سواء السينما
أوالتليفزيون لأنه بخصوصيتهم لايجوز أن يقوم بأدوراهم بعض الشخصيات التى لم
تخضع للاختيار أو العصمة.
ثانيا بالنسبة لمسألة الصحابة أو الائمة فلا مانع لأنهم لايتمتعون
بالصلاحيات التى منحت للأنبياء بل إن تشخيص وتجسيد أدوراهم فى الشاشات
المرئية فى سيرتهم الذاتية والعلمية ودرورهم فى صنع الحياة والعلم أمر
مستحب ونرحب به حتى يجد أجيالنا المعاصرة من الشباب هذة القدوة والرموز
الجميلة لصناعة الشخصية القوية الناضجة والمتوازنة التى تكون قدوة لهم فى
الحياة.
أما النقطة الثالثة تأتى من قبل بعض المذاهب التى تجيز تشخيص الأنبياء
سواء ما استمدت سيرتهم من العهد القديم أو العهد الجديد أو ما ذكروا من
التراث الإسلامى فهم يجيزون هذا الأمر ونراه على بعض الشاشات العربية
والإسلامية وهو أمر حتى فى حالة اختلافنا معهم فأنهم يجب أن يضعوا الضوابط
العقائدية والتاريخية لضبط هذا العمل الحساس والذى لايخلو من بعض الأخطاء
العقائدية مهما تم تقديمها فى إطار مغرى .
فى حين يشير ياسر عبدالعزيز الخبير الإعلامى بأن مشكلة عرض مسلسل يوسف
الصديق فى مصر أولبنان أو إيران أوغيرها من دول العالم الإسلامى تأتى ضمن
سياق أشمل يتعلق بعلاقة الفن والإعلام من جهه والدين من جهه أخرى .
بالنسبة الى المجتمعات الأكثر تقدما على الأصعدة العلمية والثقافية
والفنية والاقتصادية والإعلامية والتى تظهر التزاما أفضل بالقيم الاجتماعية
يبدو أنها حسمت هذا الملف لمصلحة حرية الإبداع فى مواجهة بعض الاعتراضات
ذات الإسناد الدينى ، وبالتالى أمكن مشاهدة أفلام وأعمال فنية وإعلامية
أجنبية تصور شخصيات ذات قدسية ومنها رسول المسيحية والذى يؤمن به قطاع
كبير فى الغرب.
وإضافة إلى ذلك فقد ظهرت بعض الأعمال الفنية والإعلامية المسيئة والتى
تتجاوز حدود حرية التعبير والإبداع كما حدث فى أزمة الرسوم المسيئة للرسوم
الكريم (صلى الله عليه وسلم )أوالإساءات الأخرى فى أعمال فنية غربية للرسل
والمقدسات ، ولذلك فأن التعاطى الإعلامى والفنى مع الشأن الدينى فى مجتمع
من المجتمعات إنما يعكس درجة التطور والاعتبار الممنوح للحريات فى ذلك
المجتمع والطرق التى يتم بها تداول الأفكار وتناولها ، فكلما تطورت أوضاع
الحريات ومؤشرات التقدم الاجتماعى والاقتصادى والسياسى فى مجتمعاتنا ستقل
القيود المفروضة على حرية الإبداع فى تناولها للمقدسات سواء كانت أفرادا أو
موضوعات وكلما نضج الإبداع والفن والإعلام فى مجتمع ما من المجتمعات كانت
المعالجات الفنية والإعلامية فيما يخص المقدسات أفرادا كانوا أو موضوعات
أكثر حرية ومسئولية فى آن واحد .
ومن المعروف بأن مجتمعنا الحالي يعانى من الفقر والأمية بنسبة تصل إلى
40%من إجمالى السكان ويحتقن بخلافات طائفية ويكون من الأفضل العمل على رفع
مستويات الوعى والنضج الاجتماعى والسياسى والاقتصادى بشكل متواز مع المضى
قدما فى مسار تحرير الإبداع الذى سنتقدم فيه حتما إذا حققنا تقدما فى
مؤشرات التنمية الأخرى .
ويشير الناقد الفنى طارق الشناوى بأن الأزهر الشريف كان معترضا على
عرض فيلم الرسالة بشكل رسمى ، وكان ذلك منذ ثلاث سنوات وتم عرض الفيلم فقمت
بسؤال السيدة سوزان حسن رئيسة التلفزيون فى ذلك الوقت كيف تم العرض ؟
فأجابتنى بأنها اتصلت بفضيلة الإمام الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر
- رحمه الله - كى أستأذنة فى العرض فقال لى هل بالفيلم أى إساءة للدين
الإسلامى فقلت له لا ، فكان ردة (أعرضى على بركة الله) .
وهذا هو ماحدث برغم أن الفيلم كان ممنوعا من العرض على مدى ثلاثون
عاما بحجة أن الأحداث يظهر فيها حمزة بن عبد المطلب عم الرسول (صلى الله
عليه وسلم ) بدور رئيسى ، وهو كما نعلم من المبشرين بالجنة ومن الممنوع
ظهورهم على الشاشة طبقا لقرار الأزهر ، وهذا ما يؤكد على أنه فى واقع الأمر
لايوجد منع يستند على أسس شرعية .
والدليل الآخر الذى من الممكن أن نراة عندما وافقت وزارة الثقافة عام
2004 بعرض فيلم آلام المسيح لميل جبسون رغم أن القواعد الصارمة فى الرقابة
والتى ظلت مطبقة على مدى أربعون عاما تمنع تجسيد صور الأنبياء على الشاشة
والسيد المسيح فى الشريعة الإسلامية هو نبى ممنوع تجسيده وعندما عرض الفيلم
لم يثر أحد أى ضجة سواء فى الأزهر أو الرقابة أو المجتمع المصرى بل كان عدد
المسلمين والمحجبات اللاتى شاهدوا الفيلم أضعاف المسيحيين فى دور العرض .
إذا ينبغى أن يعاد النظر فى القواعد التى طبقت منذ عام 1926 وتحديدا
عندما شرع يوسف وهبى فى تقديم فيلم النبى (صلى الله عليه وسلم ) فمنذ ذلك
الحين أصدر الأزهر مرسوما يمنع ليس فقط تجسيد صور الأنبياء ولكن الصحابة
والمبشرين بالجنة ولم يدرك أحد فى المؤسسة الدينية بأن مسلسل خالدبن الوليد
والذى شاهدناه جميعا منذ عامين ومن إخراج محمد عزيزية فلم يعترض عليه أحد ،
ويوجد لدى المخرج ثلاث أعمال أخرى وهى الأول عن سيدنا عيسى (رضى الله عنه )
فى القرآن والثانى عن أبى بكر الصديق والثالث عن عمر بن الخطاب .
ولهذه الأسباب فأنا أرى أن المنع القائم ينبغى أن يسقط أو على أقل
تقدير يعاد النظر فى الأسباب الشرعية التى انتهى إليها قرار الأزهر خاصة
وإن عدد الاختراقات لهذا القرارقد تعددت فى السنوات الأخيرة .
ومن هنا فأنا أرحب بعرض مسلسل يوسف الصديق على شاشة التلفزيون بعد
انكسر الفضاء وتحلل من كل الحدود والقيود .
من جانبه أشار الدكتور محمد الشحات الجندى أمين عام المجلس الأعلى
للشئون الأسلامية وعضو مجمع البحوث الأسلامية بأن الأنبياء معصمون ولهم
مكانة خاصة فى الإسلام وفى كل الأديان السماوية وذلك لأن الرسول (صلى الله
عليه وسلم ) يوحى إليه من الله سبحانه وتعالى وهذا ما ذكر فى آيات كثيرة من
القرآن الكريم كما جاء فى قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من
ربك وإن لم تفعل ما بلغت رسالتة والله يعصمك من الناس ) سورة المائدة .
وبمقتدى هذا فإن الأنبياء والرسل الذين كان لهم اتصال وحضور مع الذات
الإلهية بطريق مباشر كما حدث مع سيدنا محمد وسيدنا موسى عليهما السلام أو
عن طريق غير مباشر عبر تبليغ سيدنا جبريل عليه السلام لسيدنا محمد (صلى
الله عليه وسلم ) وباقى الاأنبياء .
الامرالذى يعطى خصوصية لشخصية الرسول ويجعله فى منزلة تختلف عن غيرة
من بقية البشر وإن هؤلاء الأشخاص المرسل إليهم يكونون من أصفى الناس قلبا
ومن أعظهم خشية لله سبحانه وتعالى ومن أشدهم حرصا على تبليغ تعاليم الله
للبشر واستعداهم للتضحية حتى الشهادة أو الموت فى سبيل تبليغ الرسالة كما
إن هؤلاء الأشخاص حريصون على إصلاح الخلق وطهارة المجتمع الذى أرسلوا إليه.
فمن المعلوم إن الممثل الذى يجسد شخصية الرسول أو النبى (صلى الله
عليه وسلم ) هو بشر لايتمتع بصفات الأنبياء وهى الصدق والأمانة والفطنة
والتبليغ وما يجرى على هؤلاء الممثلين يجرى على البشر العاديين من صدق وكذب
وأمانة .
وفى ضوء ذلك فقد أصدر مجمع البحوث الأسلامية قراره بعدم تجسيد
الأنبياء والرسل بواسطة أى ممثل أو شخص لما يتضمن ذلك من ابتذال وازدراء
لشخصية الرسول أو النبى (صلى الله عليه وسلم ) واعتبر هذا الظهور لتمثيل
الأنبياء محرما لأنه يعطى انطباعا لدى المشاهد بتصور السلوكيات الخاطئة
أوغيرالمشروعة التى يقوم بها الممثل فى حياته العادية ويربطها بشخصية النبى
(صلى الله عليه وسلم ) التى يقوم بتمثليها.
وحيث أن العمل التلفزيونى المسمي "يوسف الصديق يتضمن تجسيد شخصية
ثلاث من الأنبياء وهم "سيدنا يوسف ،وسيدنا يعقوب و سيدنا إسحاق عليهم
جميعا السلام بالإضافة الي تجسيد شخصية سيدنا جبريل عليه السلام وكذلك ملك
الموت عليه السلام أيضا فانه بذلك يكون قد أخل بقدسية وملائكيتهم الذين
وصفهم الله عز و جل (بأنهم لايعصون الله ما أمرهم و يفعلون مايأمرون ).
وحول رأى قناة ميلودى التي عرضت المسلسل فقد صرح مصدر مسئول بالقناة
بأن مسلسل يوسف الصديق والذى يعرض حاليا على شاشة ميلودى دراما لم يكن أول
عرض للمسلسل ، ولكن عرض قبل ذلك على قناتى المنارة ،Lbc.
هذا مع العلم بأنi
قد وصلت إلى إدارة القناة الكثير من الخطابات والاتصالات الهاتفية والتى
تعبر عن تقديرها لعرض المسلسل على الشاشة ومع احترام وتقدير القناة للمؤسسة
الدينية فأننا لم نرى بأن هناك مشكلة من عرض المسلسل على القناة وذلك لوجود
ردود أفعال ايجابية من المشاهدين ولم نتلقى من جهة دينيةأي مطالب أو
اعتراضات تمنعنا من بث حلقات المسلسل .
وبغض النظر عن المسلسل بأن هناك تحريم بعرضه على القنوات صادر من
المؤسسة فإن هناك من قام بعرض فيلم آلام المسيح للممثل ميل جيبسون وعندما
تم عرضة فقد حقق أعلى الإيرادات ولم تعترض أى جهة.
وللعلم فقد تم عرض مسلسل " مريم المقدسة " على قناة
art
السعودية وميلودى دراما ولم تعترض أى جهة أثناء عرضة .
وأضاف نفس المصدر مؤكدا بأن من أهداف القناة أنها تقدم مادة جيدة كى
يتعلم الجيل الحالى قصص الأنبياء بطريقة مبسطة وممتعة وهذا موجود فى هذا
العمل ووتوفر ظروف الإنتاج الضخم والمتميز فضلا عن الأداء التمثيلى الرائع
والذى أبهر جميع المشاهدين .
ومع كامل احترامنا لكل المؤسسات الدينية ولنا منها كل التقدير
والاحترام ومع هذا لم يتم توجيه أي خطاب لنا بمنع عرض المسلسل.
الأهرام المصرية في
22/09/2010 |