يقول صلاح عبدالله
استوحيت شخصية 'تمام' في مسلسل 'باب الحارة' من شخصية الشيخ عبدالحميد كشك.
كما جسد
صلاح عبدالله دور 'عبدالحميد يونس' في مسلسل 'الجماعة'.
فهو في 'تمام' كما يرى
شخصية واقعية تعيش في الحياة إذ هو رجل يعشق الخطابة وإعطاء الدروس والنصح
والموعظة، هذه كانت الزاوية التي تناولت منها شخصية الاستاذ 'تمام' وهو في
المسجد
يختلف تماما عنه خارجه، فهو لم يشارك في مظاهرة ولا كان له موقف سياسي،
ورغم ذلك
يتحدث عن كل شيء داخل المسجد، فهو جزء لا يتجزأ من الحارة
المصرية تلك التي تختلف
ايضا عن العشوائيات، فهي منطقة شعبية وليست عشوائية وعلينا إدراك الفارق
بينهما،
فالمنطقة العشوائية نشأت بطريقة عشوائية، أما المنطقة الشعبية كالحارة فهي
ضاربة في
جذور هذا الوطن.
وقد استمددت شخصية 'تمام' من شخصية الشيخ عبدالحميد كشك رحمه
الله، كما استلهمت شخصية الدعاة الجدد الذين يقدمون الدعوة بطريقة مسرحية
خاصة عمرو
خالد.
وحول المشكلات الانتاجية التي كادت تعصف بالمسلسل يقول صلاح عبدالله:
إن
الظروف التي مر بها المسلسل جعلتنا نعمل في ظروف صعبة ولو قدرت لهذا
المسلسل ظروف
افضل لصار علامة من علامات الدراما التلفزيونية، حتى انه بسبب هذه الظروف
كانت تمر
بالمؤلف أحمد عبدالله أوقات لا يستطيع فيها مواصلة الكتابة.
ويؤكد صلاح عبدالله
أن ظهوره ضيف شرف في مسلسل 'الجماعة' يرجع إلى إحساسه بالإحراج من
السيناريست وحيد
حامد والمخرج محمد ياسين، فكانت موافقتي لأسباب إنسانية، فأنا اختلف عن
غيري فلو
ظهرت على الشاشة في سبعة مشاهد ستقول الناس لقد ظهر في دور صغير، أما إذا
ظهر أمثال
أحمد حلمي أو منة شلبي أو كريم عبدالعزيز في دور ومشهد واحد
سيكون الأمر عادياً
لأنهم نجوم شباك.
ويفجر صلاح عبدالله مفاجأة حيث يؤكد أنه كان يتوقع ضجة أكثر من
التي حدثت لمسلسل 'الجماعة' لكنه فوجئ بأن الناس تعيش حالة من البلادة
واللامبالاة،
وأصبحت تمل بسرعة وتستسلم للواقع.
وحول تجربته مع المرض الأخير بعد إصابته بجلطة
في المخ يقول لقد كانت هذه التجربة ليس فقط مجرد مرض بل كانت
'بروفة' للموت، فقد مر
أمامي شريط حياتي لحظة بلحظة، وتعلمت منها أن الحياة لا تستحق هذه الصراعات
التي
نعيش فيها، فالأمور في النهاية تتشابه وليس هناك ما يستحق ان نبكي عليه فكل
شيء قد
يزول في لحظة، واعتبر ان ما حدث هو إنذار لي فكثيرا ما يسرق
الإنسان النجاح أو
الفشل وينسى آخرته، ولذلك على الإنسان ألا تغريه ملذات الحياة.
ويواصل صلاح
عبدالله حديثه حول مرضه الذي لم يخفه من أول يوم، رغم انه قد يمنع المخرجين
من أن
يعرضوا عليه أعمالا بأنه كان يجيب مباشرة كل من يدعوه الى عمل بأنه اصيب
بجلطة
خفيفة أثرت على الجانب الأيسر فقد فهمت وأفهمت أسرتي ان الرزق
هو من عند الله، بل
إنه بمجرد انتقالي للمستشفى اتصلت بالمنتجين الذين تعاقدت معهم على
الاشتراك في
بطولة أفلامهم وأخبرتهم بحالتي المرضية بالتفصيل.
القدس العربي في
22/09/2010
نساء .. (الحارة)
بقلم: كمال رمزي
الأداء التمثيلى، فى تاريخنا الفنى، كان من العناصر المتفوقة، وحتى فى
الكثير من أفلامنا المتواضعة تجد لحظات إبداع من هذا الفنان أو تلك.. لكن
الآن، من الممكن القول، بضمير مستريح، إن مستوى الأداء التمثيلى عندنا،
إجمالا، وصل إلى درجة رفيعة من التمكن، والقدرة على الإقناع، فضلا عن أسلوب
مصرى، محلى، يمنح أعمالنا طابعا خاصا، صادقا، يميزه بوضوح عن الأعمال
الأجنبية.. دليلى على هذا ما شاهدناه فى مسلسلات رمضان، وإليك هذه الأمثلة:
يضم مسلسل «الحارة» عددا من نساء قد لا يتوافر فى مسلسل آخر. كاتب
«الحارة» أحمد عبدالله، ومخرجه سامح عبدالعزيز، مفتونان بأسلوب «الأوتشرك»،
الذى يقدم العديد من النماذج البشرية، يضمهم مكان واحد، والمكان ليس مجرد
ديكور سلبى كما فى مسلسلات «السيت كوم»، وليس خشبة مسرح محايدة، ولكن له
حضوره وشخصيته وأبعاده الاجتماعية والنفسية، يؤثر فى ساكنيه ويتأثر بهم.
وبقدر ما يتصاعد العمل، بأحداثه، رأسيا، يمتد أفقيا لنرى المزيد من المكان
والناس.. هنا، الحارة فقيرة، عشوائية، معتمة، دميمة ــ لا تصدق من يقول
إنها تسىء لسمعة مصر ــ تتجانس تماما مع قاطنيها، سواء فى الملبس أو أثاث
الشقق الضيقة أو التصرفات. نصف الحارة نساء، تنهض من بينهن نيللى كريم فى
دور «منى»، ذات الوجه الجميل، المنسق التقاطيع، ولكن واقعها جعلها أقرب إلى
الصقر، ذات مخالب جارحة، شرسة، رعناء، لا تتوانى عن الاتجار فى المخدرات،
وتواجه السجن بلا ندم. نيللى كريم، استوعبت الأبعاد الداخلية للشخصية، وبدت
عفوية تماما فى حركتها، ولفتاتها، ونظراتها التى لم تغب عنها تلك النزعة
للتمرد والخروج من القفص، الذى تدرك أن لا فكاك منه..
وتماشيا مع خشونة الحارة، تتضاءل رقة العواطف، أو على الأقل، لا يتم
التعبير عنها بنعومة، فها هى سوسن بدر تتحايل على الحياة الضنينة بكل
السبل، يخفق قلبها حبا وقلقا على ابنتها الوحيدة، ومع هذا فإنها، على
الطريقة المصرية، الشعبية، لا تتوقف عن زجرها وتأنيبها.. سوسن بدر، ذات
الوجوه المتعددة، المتلونة، تثبت جدارة فى الكوميديا، خاصة فى «عايزة
أتجوز»، وتمس شغاف القلب فى التراجيديا، فعندما يشتد بها المرض، فى
«الحارة»، تتنفس بصعوبة وتجعلها تحس بألم التقاط أنفاسها حيث تنتفخ عروق
رقبتها مع كل استنشاق صعب للهواء.. إلى جانب سوسن، من الأمهات، ثمة
القديرة، سلوى محمد على، المستوعبة تماما لعناء المرأة الصابرة على هجرة
ابنها من ناحية، وشراهة زوج ابنتها الوغد من ناحية ثانية، ومرض شريك حياتها
من ناحية ثالثة. سلوى، تحافظ طوال الحلقات على وحدة الشخصية، وتبدو ــ
كقبطية، وكما فى الواقع ــ جزءا لا يتجزأ من نسيج الحارة.
قواسم مشتركة كثيرة تربط بين نساء «الحارة»، لكن لم يفت المؤلف
والمخرج، إبراز الفروق الفردية بين امرأة وأخرى، ووضعت كل ممثلة بصمتها
الخاصة على الشخصية التى تؤديها، فإذا كانت رانيا يوسف تعطى إحساسا بأنها
منكسرة، تريد إخفاء نفسها داخل نقاب، وتتسول، فإن علا غانم تعبر بعينيها،
وفمها نصف المفتوح، عن الشراهة والرغبة عند فتاة ضاعت أحلامها.
الشروق المصرية في
22/09/2010
رسائل رمضان السياسية
بقلم: سلام الكواكبي
مع انتقال الفعل الثقافى العربى من حقول الكتب والندوات الفكرية
والصحف والمجلات المطبوعة إلى التلفزة والإنترنت، تنبهت السلطات السياسية
والدينية والمالية من جهة، وكذلك بعض الفئات النقدية والمعارضة والداعية
إلى الإصلاح السلمى والتدريجى فى حدود الإمكان من جهة أخرى، إلى أهمية
استغلال هذه الأدوات الإعلامية شديدة التأثير لمزيد من إمعان السيطرة
والتوجيه على المتلقين فكرا وإنجازا. وقد حفلت شاشات العرض التليفزيونية
العربية فى شهر رمضان المنصرم بعديد من الأعمال الدرامية، التى أثارت
نقاشات مجتمعية غنية حول أمور الدين والسلطة والسياسة والمجتمع والفساد.
ولقد برزت أعمال سعت من خلالها بعض السلطات السياسية وأدواتها الفنية
والتمويلية إلى توجيه رسائل متعددة الاتجاهات، كما مسلسل يحمل حنينا إلى
سلطان عثمانى مستبد، فى محاولة لممارسة غزلٍ بدائى تجاه السياسة التركية فى
الشرق العربى واعتبار العمل مساهمة فى تعزيز التقارب العربى التركى فى حين
أن الأتراك قد تجاوزوا بسنوات ضوئية هذه الحقبة من ماضيهم القريب أو
مسلسلات واجهت الصعود الأصولى من خلال الإدانة المباشرة، والمعالجة
التبسيطية، التى تقارب السذاجة لمرجعيته الفكرية ولممارساته العنفية فى
إطار العائلة أو فى حدود المجتمع، والقيام بتسليط الضوء على النساء كضحاياه
الأساسيين.
إضافة إلى أعمال تهدف إلى ترسيخ «قيم» محافظة ورجعية تصدرتها ما سموه
فى بلاد الشام بأعمال البيئات المحلية، والتى تزعم أنها تخاطب ذاكرة
المتلقى، التى تحمل حنينا إلى الماضى القريب، وهى تكاد تدعو المواطن العربى
إلى أن يسعى باتجاه إعادة الاعتبار إلى ماضٍ متخيل ملىء بالجرعات التخلفية،
فى حين أنه كان أكثر تقدما بكثير مما تم تقديمه عبر هذه الأعمال، وذلك عوضا
عن تحفيزه إلى السعى باتجاه تبنى مفاهيم التقدم والإصلاح والحداثة
والمراجعة النقدية. إضافة إلى ذلك، فقد جرت بعض المحاولات لطرح مواضيع
إنسانية ومجتمعية بعينٍ تحمل رؤية نقدية أكثر انفتاحا، ولكنها ظلّت محدودة
فى التعبير من خلال سطوة الرقابات الدينية والرسمية والمالية.
إلى جانب هيمنة وتأثير السلطات السياسية وتوجيهها المباشر أو المستتر
لنتاج الدراما الخاصة، برزت مصادر التمويل كراسم أساسى لما يراد أن يصار
إليه الحراك المجتمعى والوطنى. وكان عنوانها الأبرز السعى إلى ترسيخ فهم
محافظ للعلاقات الاجتماعية، وإعادة الاعتبار إلى شخصيات سياسية لفظتها
الذاكرة القومية والوطنية كبعض الملوك والرؤساء الذين لم تكن إضافاتهم
النوعية إلا مزيدا من التخلف والاستبداد وجرعات كبيرة من الفساد. ومن خلال
بعض الأعمال الدرامية، ظهرت المرأة كعنصر ضعيف وقاصر فعلا فى المجتمعات
التقليدية «المثالية» واقتصر دورها على إنجاب الأولاد وقبول الزواج المتكرر
لرجلها، بل حتى الامتنان له أو أنها، وفى أحسن الأحوال، لعبت دور العنصر
الخبيث الذى يشبك المؤامرات لرجلها. واعتبرت مشاهد إهانتها وامتهان كرامتها
جزءا طبيعيا بل محبذا من الوجبة البصرية المقدمة.
فى خضّم هذا الإنتاج الكثيف والمترامى الأهداف السياسية والاجتماعية،
تميزت الدراما السورية بهامش مفاجئ نسبيا من حرية التعبير المبرمجة
والمؤطرة. فقد تطرقت إلى التطرف الدينى بشكله القائم فعلا داخل المجتمع
المحلى، والذى يكاد يكون العنصر المشترك الأبرز بين المجتمعات العربية،
وأبرزت بشكل مبطن تقاطع التحالفات المصالحية، التى تنشئ أحيانا بين سلطات
سياسية تدعى العلمانية وأشاوس التطرف الدينى وأصحاب المال والأعمال.
وقد أجج ذلك غضب بعض رجال الدين الذين تأخروا فى فهم المغزى الحقيقى
للرسالة، التى حظيت بمباركة رسمية وظنوا حقا أن الإبداع الفنى قد تحرر
بالمطلق من قيوده كافة، وبأن من واجبهم التصدى إلى ما يعتبرونه تعديا على
مجالهم المحمى بعلم من السلطات السياسية ذاتها منذ فترة ليست بقليلة، جرى
استعمالهم خلالها كأدوات امتصاص تحت السيطرة. مما دفع بالجهات المسئولة إلى
المسارعة إلى توبيخ المنتقدين وإفهامهم أن حرية معالجة الموضوع الدينى التى
برزت فى هذه الأعمال الفنية ليست إلا جزءا من سياسة رسمية بدأت تحاول
القيام بإعادة ترتيب البيت الدينى، وسحب البساط مما سبق وأفردت لهم مجالات
عدة على حساب التيارات التنويرية.
لقد تحوّلت المسلسلات التليفزيونية إلى أدوات سياسية فاعلة فى أيدى من
لهم السيطرة على أدوات إنتاجها، ولا فروقات مهمة بين قطاع خاص وآخر عام لأن
العملية الإنتاجية تجرى فى ظل نظمٍ تسلطية لا تفسح للإبداع مجالا إلا بقدر
تقديرها الذاتى لحاجات المرحلة. إن هذه النظم وآلياتها المتشعبة قد عرفت
تمام المعرفة أثر الدراما على الوعى العام وبدأت باللجوء إليها فى إعادة
تشكيله أو فى تعديل بعض أسسه من خلال إعادة قراءة التاريخ بل القيام بإعادة
كتابته بما يتماشى مع أهداف معلنة وأخرى أقل تصريحا، معدلة فيه وفى معالجته
وفى الاجتهاد فى فهمه.
أما الوعى العام العربى، الذى يستند أكثر فأكثر إلى «التعليم» البصرى،
ويبتعد أكثر فأكثر عن أى مصادر أخرى أكثر صرامة علمية وأكثر متانة معرفية،
فهو يخضع لعمليات إعادة تشكيل وتطويع بحيث أضحى مطية سهلة الانقياد، وأضحت
مصادره ومستنداته الفكرية هى أعمال درامية، وفى أحسن الأحوال، برامج حوارية
تشكّل له تفكيره، والتى هى فى حقيقة الواقع تقوم على تحديده وتأطيره
وقولبته وتجميده وتساهم فى تقهقره.
وبعد أن أضحى المشهد البصرى هو الفاعل والمؤثر فى بنية الذهنية
السياسية، أصبح من الملائم أن يؤخذ هذا الواقع بعين الدراسة والبحث، مع
التأكيد على أهمية الفعل الثقافى والفكرى الحقيقى فى إصلاح المجتمعات
العربية أو إعادة بنائها، بعيدا عن السقوط فى التبسيط البصرى، الذى يسعى
صانعوه إلى إيقاع المتلقى فيه ربما.
الشروق المصرية في
22/09/2010
الدراما «الصفراء»:
مسلسل «الخبز الحرام» نموذجاً
سامر محمد
اسماعيل
لم تعد الصحافة وحدها
تميل إلى اللون الأصفر. فالدراما السورية اقتربت في بعض أعمالها الجديدة من
لهجة
الفضائح، الدراما الصفراء المكتوبة وفق مزاج المسطرة المالية النفطية، باتت
اليوم
نوعاً مبتكراً في عالم الحكاية التلفزيونية. إنها كالصحافة الصفراء، تعيش
على
العناوين الرنانة التي تلامس حساسيات اجتماعية معينة، وتقتات
من الفضائح والإشاعة
وتخادع الجمهور بذريعة كشف الفساد والمفسدين وتأديبهم بصرياً!
ففي مسلسل «الخبز
الحرام» لمؤلفه «مروان قاووق» ومخرجه «تامر إسحاق»، نشاهد عن كثب عالماً
مليئاً
بالجريمة عبر مجموعة أسر منتقاة على أنها من قاع المجتمع السوري، حيث نشاهد
شخصية
وهيب (باسم ياخور) تاجر البناء والعقارات، مدير جلسات القمار
والليل والصفقات
المشبوهة والاتجار بالعملة الصعبة، إلى جانب «أبو عذاب» (عبد المنعم عمايري)
سائق
الميكرو باص الذي يعمل تحت إمرة معلمه «وهيب» في تنفيذ جرائم السرقة والقتل
ونصب
الأفخاخ للنساء. وهناك شخصية «راتب البلاط» (عباس النوري)
الرجل الخمسيني الغارق في
الحشيش والكحول وصحبة بنات الهوى، والذي يقوم «وهيب» و«أبو عذاب» باستغلاله
وتوريطه
من أجل الإيقاع بابنتيه العازبتين، حيث ينتهي المسلسل باغتصاب واحدة وقتل
الأخرى.
بالمقابل نشاهد شخصية «زهير» (باسل الخياط) الشاب الذي يعمل في
الدعارة، عبر
توريط بنات يستغلهن للإيقاع برجال تقطعت بهم السبل، واستدراجهم إلى شقق
الليل،
ليظهر «زهير» في المشاهد التالية على أنه رجل أمن يعمل في الشرطة الأخلاقية
بعد
الاتفاق مع الفتاة على تمثيل دور فتاة الهوى، بهدف الحصول على
مبالغ معينة.
وهناك شخصية «سهام» (مرح جبر) صاحبة «البوتيك» التي تعمل في تنظيم
صفقات
للاتجار بالرق الأبيض، مستدرجةً «هيام» (رواد عليو) بالعمل عندها بعد أن
تكون
الأخيرة قد تركت بيت أبيها البخيل «عبد الوهاب» (خالد تاجا)، لتبعث بها إلى
رجل
مافيا دولي (سليم كلاس)، الذي يعيش في قبرص وشهوته عارمة لشراء
العذارى.. نشاهد ذلك
عبر مشاهد خاطفة لرجل يطلب من أتباعه الإتيان له بنساء خارقات الجمال».
هناك
أيضاً شخصيات أخرى تعمل على الخط الساخن نفسه، كشخصية عشيقة وهيب (عبير شمس
الدين)،
وشخصيتي «ندى (سوسن أرشيد)، و«سليمة» (ليليا الأطرش)، المراهقتين المدمنتين
على
مشاهدة أفلام البورنو.
طبعاً تسير كل هذه الشخصيات وفق إيقاع الكارثة المؤجلة.
فجائعية اجتماعية قوامها الفقر والقتل
والمخدرات، العيش على أطراف المدن أو في
مناطق السكن العشوائي، والحرمان حتى من لقمة الخبز. المهم هو
الإبقاء على عناوين
ساخنة من المشاهد المثيرة عن طريق تأجيج المقاطع التلفزيونية بالجنس
والجريمة.
انظروا إلى الأفكار التي يتصدى لها «الخبز الحرام» فيما لو تحولت إلى
عناوين
صفحة أولى في مجلة صفراء! أليس عنوان واحد منها كفيل بزيادة مبيعات هذه
المجلة، عبر
إقبال قراء متعطشين لأخبار الجريمة والجنس في شرقنا العربي «السعيد»؟
وبعد ما
الذي يريده مؤلف «الخبز الحرام» من مشاهديه بعد زج كل هذا الكم من مواضيع
الفضيحة
الاجتماعية؟ لكن الفضيحة البصرية هنا أشد خطراً، وتعمل بتأثير قوى الكبح
والردع
الاجتماعي ومقص المونتاج والغرافيك. صحيح أن طبيعة الخطر هنا
لها تأثير المخدر،
لكنها في الوقت ذاته تعمل على تخريب مضاعف لفكرة الجمهور عن المكان الذي
يعيش فيه،
المكان هنا خطر للغاية مملوء بالمشبوهين والحاقدين طبقياً وأرباب السوابق،
مفعم
برائحة الدم، والجنس الهستيري، عابق بالولولة، ضيّق ولا يمكن
أن نشاهد عبره إلا
شخصيات الجريمة، ووعيها مدقع في سطحيته.
والفجيعة هنا مضاعفة تأتي على شكل زعيق
بصري وصوتي معاً، الفجيعة عند تامر إسحاق ليست تراجيدية، فهو
يريد أن يقدم نوعاً
رخيصاً من التشويق المحمول على مخيلة أساسها لفت الانتباه، والغلو في توصيف
الجريمة
المبتكرة، وتفنيد حياة المجرمين، واللعب الخفي والمباشر على قيم الصداقة
والأبوة
والحب والرحمة الاجتماعية، عبر حشد أكبر قدر من المفارقات
المصطنعة.
هذا النوع
شديد الصفرة والسواد ويشبه أسنان ورئتي مريض السرطان في إعلانات التحذير من
التدخين.. نوع مبني على الترهيب والتخويف والتنكيل بالمشاهد. استخفاف
بالمشاعر
الإنسانية المهدورة على حفنة من عبّاد المال والجنس والعنف.
أيضاً العنف هنا أصفر،
ولا يرقى إلى الكتابة البوليسية المحترمة. فالمادة التي يقدمها إسحاق في
خبزه
الحرام تفتقد إلى المناقشة المنطقية للشخصيات المكتوبة، وكأن المهم هو
تحقيق أكبر
قدر من المباغتة والصدام مع المشاعر العدوانية المضمرة لدى المشاهد،
واستعراض كل
الوسائل الممكنة لتقديم هذه الجريدة البصرية الصفراء، مستفيدةً
من الكاميرا
المتواطئة لصالح الفحوى الفضائحي الرخيص.
هذه النوعية من الكتابة تعزز ثقافة
الوهم، ولو كانت القصة تنتهي عند صناعة الوهم لقلنا إنها تنتمي
لواقع افتراضي،
لكنها تتعداه إلى ابتكار منطق عجيب في محاكمة الأشرار وإدانتهم، بل إلى
التعاطف
معهم ضمنياً من أجل الفرار بجلدهم من قبضة العدالة، وأية عدالة؟ العدالة في
«الخبز
الحرام» مبنية على شريعة الغاب، حيث تقدم هموم المرأة في المسلسل على أنها
هموم
اجتماعية، تجب معالجتها عبر المسلسلات الصفراء.
ليس «الخبز الحرام» من جنح وحده
نحو الدراما الصفراء، بل هناك مسلسلات أخرى عرضت سابقاً.
والمضامين الجديدة كما
يسميها البعض في المسلسلات الصفراء، ليست جديدة، بل طريقة حشد الشخصيات
المتهالكة
في فضاء واحد هو الجديد. وإصرار الكاتب قاووق على اتباع مؤشر أخلاق السوق
التلفزيونية، مع من لف لفه من الكتاب والمخرجين، هو من جعل
أعمالاً رديئة تتبوأ رأس
القائمة في ساعات البث. فهي مكتوبة بطريقة صفحات الحوادث التي يؤلفها بعض
الزملاء
في الصحف العربية، بعد أن فقدوا الأمل من جمهور لا يريد قراءة صفحة الثقافة
أو
الاقتصاد أو السياسة، خصوصاً أنه لم يعد خافياً على أحد أن
المال الأصفر تحالف
وبشكل نهائي مع الصورة التلفزيونية الصفراء!
السفير اللبنانية في
22/09/2010 |