حداثة عهده في مجال الكتابة الدرامية ورغم صغر سنه (فهو علي مشارف
الأربعين) ورغم ان كتاباته لم تتجاوز الثلاثة اعمال منها فيلم "علي جنب
يااسطي" من اخراج سعيد حامد ومسلسلا الرحايا وشيخ العرب همام وكلاهما من
إخراج حسني صالح إلا ان قلمه وطبيعة كتاباته الأقرب إلي الملحمة منها إلي
المسلسل التليفزيوني تعطيك إنطباعًا انها لشيخ من شيوخ كتاب السيناريو في
مصر ربما يرجع ذلك الي شخوصه التي تنبض بالحياة وحواره الذي ينقلك بسلاسة
الي عالم خاص مليء بالمشاعر الإنسانية بعيدا تماما عن الصورة النمطية
للمجتمع الصعيدي تلك الصورة المليئة بالصراعات القبلية والثأر والسلاح فمعه
عرفنا الصعيد كما لم نعرفه من قبل ورغم ان كلا المسلسلين يتناول صعيد مصر
الا ان شيخ العرب همام كان له طبيعة خاصة لان احداثه تعتمد في خطوطها
الرئيسية علي قصة حقيقية عن شيخ الصعيد همام بن يوسف الهواري
الذي عاش في الفترة من 1709 وحتي 1769 واستقل بجنوب مصر بعيدا عن سطوة
المماليك جاعلا منه دولة ممتدة من المنيا حتي اسوان واشتهر بعدله وامتداد
نفوذه وشعبيته وانشأ دواوين لادارة اراضي دولته وتمكن من تشكيل قوة عسكرية
لمحاربة المماليك الا انه هزم علي يد علي بك الكبير ليسقط القطر المصري كله
تحت امرته وكعادة الاعمال الدرامية التي تعتمد علي احداث واقعية وشخوص ذات
صلة بالتاريخ ظهرت العديد من الاصوات التي تتهم المسلسل بتشويه الحقيقة
والاساءة لتلك الشخوص بل وذهبت بعض الاصوات الي ان المسلسل قد يتسبب في
اشعال الفتنة القبلية بين اهالي الصعيد وذهب احفاد شيخ العرب همام الي
المطالبة بوقف المسلسل لانه لم يتحر الدقة في العديد من الأحداث عن تلك
الفترة الزمنية ولكل الاسباب السابق ذكرها كان هناك ضرورة لمحاورة صاحب
الرؤية
الدرامية وكاتب السيناريو الخاص بالمسلسل المؤلف عبد الرحيم
كمال.
حماس نور
·
كيف كانت البداية مع عالم
الدراما التليفزيونية ؟
-
بعد تخرجي في المعهد العالي للسينما قسم سيناريو قمت بكتابة
العديد من الروايات منها المجنونة ورحلة الي الدنمارك وبلاد اخري ثم اتجهت
لكتابة السيناريوالتي هي مجال تخصصي وكانت سعادتي لا توصف عندما تحمس لي
الفنان نور الشريف لتقديم اول أعمالي للتليفزيون من خلال مسلسل الرحايا في
العام الماضي.
قصة صعود
·
ولماذا شيخ العرب همام؟
-
لانه شخصية وطنية مشرفة وبها العديد من الجوانب الايجابية فقد
تمكن من توحيد الصعيد واستطاع ان يكون مثالاً للحاكم العادل المحبوب
بالاضافة الي انها شخصية ثرية دراميا ويكفيني شرف التصدي للكتابة عن ذلك
الزعيم الشعبي وتأكيد انتماءه الي العرب وليس إلي جذور أخري.
·
إذاً يمكن اعتبارها قصة صعود
لزعيم رغم انه هزم من أعدائه وكان سببا
في تفتيت دولته ووقوعها تحت الاحتلال المملوكي؟
-
صحيح ان شيخ العرب لم يكسب الحرب لكن يكفي انه جمع شمل اهل الصعيد بمختلف
انتماءاتهم ووحد صفوفهم ويكفيه شرف المحاولة وهي بالفعل قصة صعود بطل من
الصعيد الم تقدم الدراما من قبل قصص صعود لمطربين بدءوا من الصفر لتقديم
صورة مشرفة ليكونوا قدوة لغيرهم كذلك الامر بالنسبة لتعرضي لتلك الشخصية
الجديرة بتسليط الضوء عليها ليكون رمزا للحاكم العادل.
روح العصر
·
ولكن ما المراجع التاريخية التي
استندت إليها في كتابة أحداث المسلسل؟
-
لقد اعتمدت علي تاريخ الجبرتي رغم انه لم يتناول شيخ العرب
همام سوي في صفحة ونصف فقط لاغير وتلخيص الابريز لرفاعة الطهطاوي ولم
اتعامل مع أي مراجع اخري إما لانها لم تخدم موضوعي او لانها تناولت روح
العصر المحيط بتلك الشخصية المثيرة للجدل مثل كتاب الصعيد في عهد شيخ العرب
همام للدكتورة ليلي عبداللطيف التي لم تتناول الشخصية وباقي خطوط الشخصية
كانت من عندي. فأنا لم أرصد الجوانب الشخصية للأمير همام ولكنني رصدت آخر
خمس سنوات من حياته فهذه ليست سيرة ذاتية إنما عمل درامي اسعي من خلاله الي
إرسال عدد من الرسائل منها الحفاظ علي الاصول العربية لمصر وأن الحفاظ علي
هويتنا العربية هو سبيلنا للخروج من أزماتنا
.
·
وهل يمكن ان نطلق علي تلك
الرسائل اسقاطات سياسية؟
-
ولم لا فأي عمل درامي يجب ان يحتوي علي اسقاطات واذا كان خاويا
منها فهو عمل ضعيف فأنا اخذت من التاريخ ارضية لتقديم وجهة نظري من خلال
شخصية من الواقع فالتاريخ دائما ما يعيد نفسه فما العيب في ذلك.
قصة درامية
لأن التعرض لشخصية حقيقية عرض المسلسل للهجوم فلماذا ادخلت احداثًا لم
تحدث في الواقع كحادثة زواجه باثنتين في حين انه كان متزوجًا بصالحة فقط
كما انك ادخلت العديد من الشخصيات مثل شخصية قاطع الطريق علي سبيل المثال
وشخصيات أخري كثيرة؟
-
كما قلت وسأعود واؤكد انها قصة درامية وليست سيرة ذاتية كي
يتعرض المسلسل للهجوم فغالبية الاحداث والشخوص كانت من نسج خيالي فشخصية
قاطع الطريق موجودة في التاريخ عند ابن عروس مثلا وموجودة في الطرق الصوفية
فانا تعاملت مع المسلسل بحرفية السيناريست القادر علي تحريك الشخصيات
والاحداث كما يريد مع الحفاظ علي روح الشخصية الحقيقية من خلال التأكيد علي
رسالة العمل ككل.
ولكن بعض المعارضين لاحداث المسلسل يرون ان شيخ العرب شخصية لم ينفها
المؤرخونِ لكن لم يرد في المصادرالتاريخية انه كان أميرا لتلك المنطقة بل
كان يدفع الضرائب للمماليك بانتظام؟
-
هذه وجهات نظر تعتمد علي المصادر التي اعتمدوها في الرجوع
للاحداث الاصلية ولكن لايمكن الاختلاف حول دور ومكانة هذا الرجل العادل في
تاريخ مصر فهو من العلامات.
مقارنات تاريخية
وهل ستتطرق الي نهايته والمكان الذي دفن فيه لانه هو الآخر مثار تشكيك
ولا يوجد اجماع علي المكان الذي انتهي إليه؟
-
لا لن اتطرق لتلك الامور لانها امور لا طائل من ذكرها ولن تفيد
المشاهد في شيء وحتي لا يتعرض المسلسل لمزيد من الانتقادات البعيدة عن
تناول المسلسل كعمل درامي بعيدا عن مقارنته بالاحداث التاريخية ولن اخوض في
امور لها علاقة بعائلة هوارة او غيرهم لانه كما قلت من قبل ليس سيرة ذاتية.
>
وفي النهاية ذكرت علي لسان شيخ العرب (يحيي الفخراني) مقولة (
انه طول ما الغلة والسكر والحرير بيطلعوا من هنا طول ما هتبقي عينيهم علينا
) هل تلك هي الرسالة التي قصدتها من وراء المسلسل رامزا بها الي علاقة
الدول العربية بأمريكا؟
-
ضحك قائلا : نعم هذه هي الرسالة التي اقصدها من وراء شيخ العرب
همام انني رجعت الي التاريخ لنتعلم منه الكثير فأمريكا كالمماليك وستحاول
دوما بسط نفوذها علي المنطقة طول ما احنا عندنا خيرات اللي طبعا هما حاطين
ايديهم عليها وسايبين الشعوب مش لاقيه تاكل.
·
وهل تعتقد ان نهاية الوطن العربي
ستكون مثل نهاية دولة الصعيد من 300 سنة؟
-
ربنا يستر
!!
جريدة القاهرة في
31/08/2010
هموم الصعايدة لا تشغل فكر صناع
المسلسلات
بقلم:
دعاء حلمي
يحتل جنوب مصر بشخوصه وطبيعته دور البطولة في السباق الرمضاني لهذا
العام حيث جاء ارضا خصبة لكتاب الدراما جاعلين من خصوصية المكان نقطة
انطلاق لدراما مسلسلاتهم حيث تشارك الدراما الصعيدية (إن جاز التعبير)
بخمسة مسلسلات وهي (شيخ العرب همام) تأليف عبد الرحيم كمال واخراج حسني
صالح و(موعد مع الوحوش) تاليف ايمن عبدالرحمن واخراج احمد عبدالحميد
و(مملكة الجبل) تأليف سلامة حمودة واخراج مجدي احمد علي واخيرا (مسلسل
الكبير) تأليف احمد مكي واخراج احمد الجندي بالاضافة الي مسلسل (اغتيال
شمس) تأليف محسن الجلاد واخراج مجدي ابو عميرة، لكن هل استطاعت تلك الاعمال
ان تعبر عن تلك المنطقة ذات الطبيعة الخاصة بقضاياها وهمومها التي تمس
المواطن الصعيدي البسيط ام انها مسلسلات تدور في فلك الكبير سيد القوم و
مشاكل الثأر و تجارة السلاح والمخدرات وفقط؟ فهل هذا هو الواقع الصعيدي
حقيقة ام ان التوجه الحكومي المكثف من خلال وسائل الاعلام المختلفة في
الفترة الاخيرة للاهتمام بصعيد مصر احد اسباب زيادة عدد المسلسلات التي
جعلت من الصعيد مسرحا لاحداثها هذا العام؟ ولذلك توجهنا بتساؤلاتنا الي
صناع هذه الاعمال ذات الطابع الصعيدي.
الكاتب عبد الرحيم كمال صاحب مسلسل الرحايا الذي لاقي نجاحا كبيرا
العام الماضي ويشارك هذا العام بمسلسل شيخ العرب همام سألناه اذا ما كان
النجاح الجماهيري الذي حققه مسلسل الرحايا هو ما شجع المنتجين لتقديم عدد
اكبر من المسلسلات الصعيدية للعب في منطقة مضمونة؟
-منطقة الصعيد تمتاز بأنها منطقة ملهمة لكتاب
الدراما لان الموضوعات التي تتناول تلك المنطقة تمتاز بأنها ذات طبيعة
ملحمية مليئة بالصراعات والشخوص القوية دراميا والمشاعر المتناقضة وهو
السبب الرئيسي في نجاح غالبية الاعمال التي تتناول تلك المنطقة بشكل عام
اما بخصوص مسلسل الرحايا فقد يكون بالفعل سببا في زيادة الاقبال علي تلك
النوعية من الدراما مع الاخذ في الاعتبار ان تلك المسلسلات يجب ان تتواجد
وبكثافة لان عدد سكان الصعيد لا يستهان به بالاضافة الي ان الشخصية
الصعيدية بها مقومات البطل التراجيدي التي تغري اي كاتب بتناولها كما ان
اللهجة الصعيدية من اللهجات المحببة لدي غالبية الشعب المصري وبالتالي
تواجدها بكثرة شيء جيد .
·
ولكنها في الغالب ما تدور حول
موضوعات محددة مثل الثأر وتجارة الآثار والسلاح والمخدرات فهل هذا هو
الصعيد ؟
- للآسف فكما كانت الصورة الكاريكاتيرية التي
كان يقدم بها الرجل الصعيدي في السابق مغلوطة فالصورة الان غير صحيحة الي
حد كبير، صحيح ان تلك الاشياء موجودة بالفعل لكن لا يمكن اختزال الصعيد
فيها، وفي مسلسل الرحايا لم اعتمد ابدا علي احد هذه الخطوط وهو ما حدث ايضا
في شيخ العرب همام الذي يعتمد بشكل اساسي علي احداث حقيقية حدثت في الماضي
و يرصد موضوعا جديدا تماما عن أي مسلسل صعيدي تم تقديمه من قبل.
> لكن لماذا انحصرت كتاباتك لعامين متتاليين عن
الصعيد هل لاهتمامك بشكل شخصي للكتابة عن تلك المنطقة أم أنه يأتي كخط
دعائي بعد التفات الدولة للجنوب الذي ظل مهملا لسنوات طويلة؟
- انا صعيدي من سوهاج واهتمامي بشئون أهلي في
الصعيد ودرايتي بهموم الإنسان الصعيدي وما يشغله هما الداعي الأساسي لهذا
النوع من الدراما اما عن التوجه الحكومي للجنوب فالصعيد من اولوياتي ولا
احد يستطيع ان يملي علي أو يوجهني للكتابة عن امر ما وفي النهاية الموضوع
هو الأساس وهو الذي يفرض شكل التناول.
مملكة الجبل
اما المؤلف سلامة حمودة كاتب مسلسل مملكة الجبل فيري ان الصعيد ظل
مهملا لفترات طويلة من قبل الدولة وهو ما ادي الي انتشار السلاح والمخدرات
وقضايا الثأر ولذلك بدأت الحكومة في تدارك الامر الان ومحاولة اصلاح ما فات
وهو ما يدور عنه المسلسل فأنا احاول ان القي الضوء علي مجتمع بأكمله يعيش
بعيدا عن اجهزة الدولة الرسمية وبدون أي أوراق تثبت وجودهم فهؤلاء الناس
زرعوا الحشيش وتاجروا به بل ويرفضون اي تعامل مع العالم الخارجي وجعلوا من
الجبل مملكة لهم ولذلك احاول تسليط الضوء علي اولئك المهمشين وتشجيعهم علي
الدخول تحت مظلة الاجهزة الشرعية للدولة
·
اذا انت تري ان الصعيد أرض خصبة
تسمح للمؤلف بتناول جميع الموضوعات دون مراعاة للخطوط الحمراء ؟
- ليس كل الصعيد كذلك فأنا مثلا سبق وان قدمت
مسلسلين عن الصعيد وهما التوبة والغفران لم اناقش فيهما تلك الموضوعات لكن
مملكة الجبل تدور أحداثه في احدي المناطق النائية بأسيوط فكان من الضروري
ان يتناول المسلسل هذه الخطوط الدرامية من سلاح ومخدرات وغيرها من امور
فرضتها طبيعة المنطقة .
·
لكن الا تري ان كثرة استخدام
السلاح والقتل في العديد من المشاهد يجعل من الامر يبتعد عن المصداقية ؟
- وماذا تنتظرين اناس معزولين عن العالم ويحكمون
امورهم بأنفسهم وان زعماء القبائل هم أصحاب الأمر والنهي فالطبيعي ان ينتشر
السلاح ويكون القتل مصير أي خارج عن نهجهم .
·
وهل من الضروري ان يكون المؤلف
من الصعيد كي يتمكن من التعبير عما يدور بداخله؟
أعتقد أنه شرط اساسي لنقل وترجمة سمات المجتمع الصعيدي ذي الطبيعة
الخاصة فالموضوع لا يقتصر علي مفردات اللهجة والملامح العامة لاهل الصعيد
وتقديمهم بشكل نمطي استهلاكي كما يقدم في العديد من الاعمال بدليل ان محمد
صفاء عامر وعبد الرحمن الابنودي ومحمد منير كانوا اصدق الناس تعبيرا عن
جنوب مصر وكان هذا سر تميزهم .
·
لكن لماذا الصعيد تحديدا ولماذا
لا يتم تقديم موضوعات تتناول قضايا اهل النوبة مثلا او سيوة او حتي البدو
المنتشرين في بقاع مختلفة ام ان الموضوع لا يعدو اكثر من (موضة) واتجاه عام
لدي المنتجين؟
- اتمني حقيقة ان يتم تسليط الضوء علي جميع
محافظات مصر وان تتنوع الاقلام في كتابتها عن المشكلات التي يواجهها
المواطن المصري عامة في كل مكان والموضوع قد يبدو اتجاها عامًا لكتاب
الدراما لكن ليس كل مسلسل يتعرض للصعيد بالضرورة ان ينجح جماهيريا صحيح ان
الجمهور المصري يميل الي مشاهدة حياة الصعيد تحديدا وهو مايقلص احتمالية
فشل تلك المسلسلات لكن تظل جودة التناول هي الفيصل.
موعد مع الوحوش
اما السيناريست أيمن عبد الرحمن فيؤكد ان مسلسله (موعد مع الوحوش) لم
يأت نتيجة للتوجه الحكومي لاننا نعلم جميعا من يبيعون اقلامهم ويكتبون
بناءً علي تعليمات الدولة، كما انني ارفض تقسيم الاعمال الدرامية كوميدي
تراجيدي صعيدي فلاحي، فالدراما لا توجد بها هذه التقسيمات .
·
لكن اعتمدت ايضا علي الشكل
النمطي للمجتمع الصعيدي حيث اعتمدت علي شخصية الكبير يأمر ويتحكم ؟
- فكرة الاعتماد علي شكل العائلة الصعيدية
وكبيرها دليل علي التحضر فالكبير شيء نفتقده بشدة في الوقت الحاضر ففي
الصعيد لا يصبح الكبير ذا نفوذ وأمر مطاع إلا بحكمته وقراراته وهي لم تكن
سوي جزئية بسيطة في المسلسل فأنا لجأت الي الصعيد لجعلها نقطة الانطلاق
لشخصية البطل الذي يترك الصعيد بكل عاداته وتقاليده ليذهب الي الاسكندرية
ليكتشف ذاته فلا أعتبره مسلسلاً صعيديا بالشكل المتعارف عليه ولم يكن مجرد
سير في الموجة الجديدة.
جريدة القاهرة في
31/08/2010
50
عاما مسلسلات ولاتوجد موسوعة
للأعمال الدرامية
بقلم : روبير الفارس
علي مدار 50 عاما .رسخ التليفزيون المصري مفاهيم خاصة للدراما واستطاع
ان يجعل من المسلسل التليفزيوني واجبا مقدسا لابد من احترام موعد اذاعته،
وحرصت الاسرة علي متابعته في كل الدول العربية التي سبقتها مصر في انشاء
التليفزيون لذلك اطلق عليه التليفزيون العربي وصار المسلسل وموعد بثه من
ثوابت هذه الاسر. وكانت المسلسلات من اكثر العوامل التي جعلت المشاهدين
يقبلون علي التليفزيون .حيث اخذ الامر فترة طويلة من الدعاية للتعرف علي
هذا الجهاز الغريب بل اذكر ان هناك اغنية كانت تبث لتعدد مزايا التليفزيون
تقول كلماتها (التليفزيون مسلي تمام زي السينما التليفزيون) ومع البدء في
بث المسلسلات اصبحت الشخصيات محل نقاش بين الجيران والموظفين واصبح الجيران
يجتمعون عند الجار الذي يملك جهاز تليفزيون وخاصة في موعد المسلسل (السابعة
مساء) واذكر ان ابي تضايق من معاملة جار لنا كنا نشاهد عنده المسلسل فقرر
شراء تليفزيون بدلا من التطفل عند الجار القاسي الذي ضاق صدره باستضافة كل
نساء واطفال الشارع وقت بث المسلسل في بيته وقد ادركت فيما بعد ان هذا
الجار كان معه كل الحق في ابدءا تبرمه وضيقه من هذه الجماهير التي تملأ
بيته وتشارك الابطال في صنع الاحداث بتوقعات ساذجة .لكن تري ما الذي كان
يجذب في هذه المسلسلات؟
اولا: كان المسلسل بديلا لافلام السينما خاصة ان التصوير كان يتم
بكاميرا سينما ومعظمها مشاهد خارجية جذابة وكان ايضا الممثلون هم نجوم
السينما حيث لم يكن ظهر بعد مصطلح ممثل تليفزيوني، وكان لنجوم السينما
مكانه خاصة في النفوس لتاريخهم الطويل في وجدان المصريين .
ثانيا: فكرة المجانية حيث ان المسلسل لايتطلب الذهاب لدار عرض سينمائي
او دفع تذكرة او تعرض لمضايقات وخاصة بالنسبة للسيدات اللاتي اصبح المسلسل
والتعاطف مع الشخصيات والحديث عنهم اكبر مسل لهم ومنقذ من ملل الفراغ
وارهاق اعمال المنزل
ثالثا: المضمون الذي كانت تقدمه هذه المسلسلات في بداية التليفزيون
كان يعتمد بالاساس علي التسلية والتشويق فسيطرت الاعمال البوليسية
والكوميدية بشكل كبير علي المسلسلات
ومن المسلسلات البوليسية التي حققت نجاحا كبير ومتابعة ضخمة - لا ادري
هل من الواقعية ان نصف هذه المتابعة بالضخمة ونقيم هذه الاعمال بالنجاح
خاصة انه لم يكن هناك بديل لها فهي الوجبة الوحيدة التي كان متاحا تقديمها
للتسلية - مسلسل هارب من الايام الذي اخذ عن رواية لثروت اباظة وقام
ببطولته عبد الله غيث ويدور حول مطاردة لص ينتقم من الاشرار ويصبح محل
تعاطف من المشاهدين .ومن مسلسلات المغامرات نجد الكنز الذي يدور حول
التنقيب عن كنز فرعوني وقام ببطولته صلاح منصور ومسلسل الدوامة الذي يدور
حول فقد الذاكرة لشخص منضم لعصابة وقام ببطولته محمود يس ونادية الجندي
وهناك مسلسل الساقية المأخوذ عن ثلاث روايات لمحمد الصاوي وقام ببطولته
محمد الدفراوي .وعندما جاء الليل عاصفا والذي عرف شعبيا باسم البرادعي
ويدور حول مجرم يستطيع الهرب من البوليس بصورة مذهلة وكلما يظن الظابط انه
توصل له يتصل به المجرم قائلا (انا البرادعي ) ليكتشف في اخر المسلسل انه
اقرب شخص للضابط وقد قام ببطولته المخرج احمد توفيق الذي قدم هو والمخرج
نور الدمرداش (الذي حصل علي لقب ملك الفيديو ) اكبر مجموعة من المسلسلات
المثيرة .التي كانت حديث الناس في مصر والدول العربية
ومن ناحية اخري كانت المسلسلات الكوميدية التي اذكر منها مسلسل متاعب
المهنة لفؤاد المهندس وهي حلقات منفصلة كان يقوم فيها كل يوم بشخصية لمهنة
معينة يبرز مشاكلها
ومن المسلسلات الاجتماعية التي حظيت بمتابعة ضخمة مسلسل «عادات
وتقاليد» لعقيلة راتب وعبد الحفيظ التطاوي والذي كان يقدم النقد الحاد لعدد
كبير من العادات المصرية الخاطئة في اطار اجتماعي .وكذلك مسلسل «القاهرة
والناس» بطولة نور الشريف. والذي ناقش مشاكل اجتماعية معاصرة بشكل واقعي
ومن المسلسلات الغنائية الناجحة نذكر مسلسل (ناعسة )الذي قامت ببطولته
المطربة مها صبري وكتبه فوميل لبيب ويدور حول قصة حب بين غجرية وأحد اثرياء
البلد.
كذلك هناك مسلسل «غوايش» الذي قامت ببطولته صفاء ابو السعود ونبيل
الحلفاوي وفاروق الفيشاوي ويدور حول نفس الموضوع واشتهرت فيه جملة (كلام
اخوك الكبير يصير يا حسنين ) وقد قدمت صفاء ابو السعود مسلسل مهم بعنوان
«هي والمستحيل» عن قصة لفتحية العسال ويدور حول قدرة امراة علي هزيمة
الامية .ولا يمكن ان ننسي تمثيليات الحلقة الواحدة والتي كانت تقدم قصصا من
الادب العالمي في كل حلقة قصة ومن نجومها عبد الرحمن ابو زهرة ولا نستطيع
ان نتجاهل اعمال الكاتب الكبير الراحل اسامة انور عكاشة الذي جعل من
المسلسل عملا ادبيا متكاملا ناقش فيه عددا كبير من القضايا الاجتماعية
والفكرية ومن اهم اعماله الشهد والدموع وليالي الحلمية الذان قدم فيهما
تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي الحديث .كذلك هناك مسلسلات الجاسوسية والتي
لاقت نجاحا كبيرا اواشهرها مسلسل رأفت الهجان لمحمود عبد العزيز اما الان
فقد اصبحت المسلسلات هي الوجبة الرئيسية لشهر رمضان وعلي سبيل المثال يقدم
هذا العام 57 مسلسلا بين الاجتماعي والتاريخي والكوميدي واصبحت المشكلة
الكبري هي كيفية الانتقاء والاختيار بين هذا الكم الكبير من الاعمال وكيفية
توفير الوقت لمشاهدتها والسؤال الان: لماذا لاتوجد جهة تتحمس لنشر موسوعة
للاعمال الدرامية التي قدمت منذ نشأة التليفزيون حتي الان .علي غرار
موسوعات الافلام السينمائية المتعدده لقد بدأت بالفعل في اعدادها ولأن
الامر شاق ويحتاج لمجموعة من الباحثين، فهل نجد معونة من عشاق الدراما؟
جريدة القاهرة في
31/08/2010
مســـــلســـــلات السيـر غـــيــر
الـــذاتــيــــة
بقلم : صلاح عيسي
من المصطلحات التليفزيونية التي تشيع علي ألسنة الكتاب والصحفيين
والإعلاميين والمشاهدين في شهر رمضان من كل عام، وتثير الجدل عادة مصطلح
«مسلسلات السير الذاتية» الذي يستخدمه هؤلاء جميعا، استخداما خاطئا ولا صلة
له بمعناه الحقيقي، في الإشارة إلي المسلسلات التي تترجم لتاريخ حياة شخصية
تاريخية في مجال السياسة أو الفن أو الأدب، ومن بين ما عرض منها خلال
السنوات القليلة الماضية، المسلسلات التي تروي سير شخصيات من نوع «أم
كلثوم» و«قاسم أمين» وجمال عبدالناصر» وإسماعيل ياسين» و«أسمهان» و«ليلي
مراد» و«الملك فاروق» ومن بين ما عرض منها في رمضان هذا العام مسلسلا «شيخ
العرب همام» و«الجماعة» الذي يروي سيرة «حسن البنا» المرشد المؤسس لجماعة
الإخوان المسلمين.
والوجه الأول للجدل الذي يثار حول هذا المصطلح، والأقل إثارة
للاهتمام، يتعلق بالخطأ الشائع في استخدامه، فـ«السير الذاتية» في مصطلح
علم التاريخ، هي السيرة التي يرويها صاحبها بنفسه ويكتبها بقلمه، ومن
أشهرها وربما يكون أولها في أدبنا العربي الحديث، كتاب «الأيام» الذي كتبه
د. طه حسين في بداية ثلاثينات القرن الماضي، وروي فيه سيرة حياته منذ
طفولته، حتي عودته من البعثة، وقد تحول في بداية الثمانينات إلي مسلسل
تليفزيوني قام ببطولته «أحمد زكي».
والسيرة الذاتية - التي قد تأخذ شكل مذكرات أو يوميات يكتبها صاحبها
يوما بعد يوم، أو تأخذ شكل ذكريات يرويها جملة في مرحلة متقدمة من حياته -
تختلف في مصطلحات علم التاريخ عن «السير والتراجم» التي يكتبها أحد
المؤرخين ليروي فيها سيرة حياة علم من أعلام الأدب أو الفن أو السياسة،
ويستعين في روايتها بكل ما كتبه أو كتبه عنه الآخرون، في أن كاتب «السيرة
الذاتية» يختار من تاريخ حياته، ما يريد إذاعته، ويقدم رؤيته لنفسه، في حين
أن كاتب السيرة - فقط وبدون ذاتية - هو مؤرخ محايد، يروي الأوجه المختلفة
لسيرة الشخصية التي يترجم لها، ويقدم رؤيته كمؤرخ لها.
وبهذه التفرقة بين المصطلحين، فليس فيما قدمته أو تقدمه الدراما
التليفزيونية من مسلسلات ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح «مسلسلات السيرة
الذاتية» بما في ذلك مسلسل «الأيام» نفسه ،لأن الذين حولوا الكتاب إلي
دراما تليفزيونية، أضافوا إليه من الخيال أو من مصادر أخري- شخصيات ووقائع
تضاف تحت بند الضرورات الدرامية، وبالتالي فإن المصطلح الصحيح للتعريف بهذا
النوع من المسلسلات هو «مسلسل السيرة» بدون ذاتية من فضلك، لأن النوع
الوحيد من الفنون التليفزيونية، الذي يمكن أن يطلق عليه عنوان «سيرة
تليفزيونية ذاتية» هو البرامج التي تظهر فيها الشخصية بنفسها لتروي
ذكرياتها للمشاهدين، ومن أبرزها الحوار المطول الذي أجراه «سعد الدين وهبة»
مع الموسيقار «محمد عبدالوهاب»، والذي روي فيه الأخير علي امتداد أكثر من
عشرين حلقة ذكرياته، وبرنامج «شاهد علي العصر» الذي كان يقدمه الإعلامي عمر
بطيشة، والذي يقدمه بالاسم نفسه علي شاشة قناة «الجزيرة» الآن الإعلامي
أحمد منصور.
أما الوجه الأخر للجدل الذي لا يتوقف حول هذا النوع من مسلسلات السير
بدون ذاتية فهو مجموعة المشاكل التي تثار حولها في كل مرة يعرض فيها أحدها،
وهي مشاكل تتقنع عادة باتهام كتابها بأنهم يشوهون التاريخ ويسيئون إلي
أبطاله، من دون أن يكون هذا هو السبب الوحيد، وقد لا يكون واردا علي
الإطلاق لكن علي أي الأحوال، هو الجانب الموضوعي الوحيد فيما يثار من جدل
حول هذا النوع من المسلسلات، التي تثير عادة سؤالا مشروعا هو: إلي أي مدي
يحق لكاتب المسلسل التليفزيوني الذي يدور حول سيرة شخصية تاريخية أو يروي
وقائع تاريخية، أن يغير الحقائق التاريخية أو يضيف إليها باسم الضرورات
الدرامية؟!
وفي الإجابة عن هذا السؤال لابد من التفرقة بين نوعين من المسلسلات
التاريخية الأول: هو المسلسلات التي يكون فيها التاريخ خلفية لوقائع تصور
الحياة الاجتماعية في حقبة زمنية سابقة، ومن نماذج تلك المسلسلات «بين
القصرين» و«باب الحارة» و«خان الحرير» و«الشارع الجديد» وغيرها، وهي
مسلسلات لا تظهر فيها شخصيات تاريخية حقيقية، لكن ذلك لا يعفي صناعها من
الالتزام بإعادة تخليق الواقع التاريخي طبقا للحقائق التاريخية من حيث
الملابس والتقاليد والعادات والمهن والألقاب والصحف والأغاني ولغة الحوار،
وكل التفاصيل الأخري، وهي قاعدة عامة، ينبغي أن تلتزم بها كل المسلسلات
التاريخية سواء كان التاريخ مجرد خلفية لوقائعها، أم كان موضوعا لها.
والحديث عن الضرورات الدرامية في هذا النوع من المسلسلات الاجتماعية،
التي تتخذ من الماضي خلفية لها، ليس واردا لأن شخصياتها كلها متخيلة، لكن
الأمر يختلف حين يتناول المسلسل سيرة حياة شخصية معروفة، أو يروي وقائع
تاريخية سياسية أو فكرية أو اجتماعية، إذ لابد من الالتزام الصارم بوقائع
التاريخ كما وردت في المصادر والمراجع، التي تتناول الحقبة أو الشخصية التي
يؤرخ لها المسلسل، والكاتب الدرامي المتمكن هو الذي يبذل مجهودا في جمع
المادة التاريخية من مظانها المختلفة ويستند إلي الدراما الطبيعية في وقائع
التاريخ لبناء عمله، وتوفير كل - أو معظم - الضرورات الدرامية التي يتطلبها
استنادا إلي هذه الوقائع، من دون أن يلجأ إلي الخيال، إلا في التفاصيل
الصغيرة، التي لا تغير حقيقة من حقائق التاريخ المهمة والأساسية، فمن حقه
أن يضيف شخصية ثانوية غير مؤثرة في الأحداث، للتعبير عن فكر أو تأكيد سمة
من سمات الشخصية، أما الذي ليس من حقه، فهو أن يتعلل بالضرورات الدرامية،
ليطلق لخياله العنان، ويخفي بذلك عجزه عن بذل ما يكفي من المجهود، الذي
يؤهله لكي يكتب دراما تاريخية لا تتطلب أن يكون المؤلف كاتبا دراميا فقط،
ولكن مؤرخ كذلك.
وإذا كانت القاعدة العامة، في كتابة الدراما التاريخية، سواء كانت
مسرحية أم فيلما أم رواية أم مسلسلا، هي الالتزام بالوقائع التفصيلية التي
وردت في مصادر ومراجع التاريخ، فإن اللجوء إلي الخيال وارد في حالة التاريخ
الدرامي لشخصيات أو وقائع تاريخية، لا تنطوي المصادر والمراجع التاريخية،
علي القدر الكافي من التفاصيل التي تعين كاتب الدراما علي تقديم عمل درامي
عنها، وبالذات الشخصيات والوقائع التي تنتمي إلي التاريخ القديم أو تاريخ
العصور الوسطي أو مطلع العصور الحديثة، التي ضاع قسم مهم من تفاصيلها،
لأنها لم تصل إلي من عاصرهم من المؤرخين، أو لأن ما دونه هؤلاء المؤرخون
عنهم وعنها قد تبددت مخطوطاته فيما تبدد من وثائق ومخطوطات ذلك الزمان!
ذلك عذر شرعي بين كتاب الدراما التليفزيونية، أن يغطوا الفجوة في
المعلومات والحقائق التاريخية، بشخصيات خيالية ووقائع متخيلة، بشرط أن
تتلاءم مع المرحلة التاريخية ومع الخط العام لسيرة حياة الشخصية أو لوقائع
الظاهرة التاريخية، ومن النماذج المقتدرة في ذلك ما فعله مؤلف مسلسل «شيخ
العرب همام» الذي لم يترك لنا المؤرخون المعاصرون له، سوي بضع صفحات عنه،
فضلا عن مرويات شفهية يتواترها أبناء قبيلته من الهوارة، استند إليهما
المؤلف عبدالرحيم كمال، ليضيف شخصيات بعضها تاريخي ينتمي إلي المرحلة،
وبعضها خيالي اصطنعه ليكمل ملامحها الاجتماعية، وفي الحالتين كان حريصا علي
أن يستمد الخيال من وقائع التاريخ، وكان أمينا حين نبه المشاهد، إلي أنه
يقدم مسلسلا يجمع بين ما هو تاريخ وما هو خيال!
أما بقية مشاكل مسلسلات السير غير الذاتية فتحتاج إلي حديث آخر.
نقلاً عن «الأهرام العربي»
جريدة القاهرة في
31/08/2010 |