رغم أن عمره لم يتجاوز ١٥ عاما، فإنه نجح فى أن يلفت الأنظار إلى
موهبته من خلال تجسيده دور «حسن البنا» فى مرحلة الطفولة ضمن أحداث مسلسل
«الجماعة» للكاتب وحيد حامد.
اسمه أحمد مالك، طالب فى المدرسة الأمريكية، وسبق له أن شارك فى مسلسل
«أحلامنا الحلوة» مع فاروق الفيشاوى وفيلم «مفيش فايدة» مع مصطفى قمر، لكن
تجربته فى «الجماعة» هى الأبرز والأنجح حتى الآن، ورغم الرقابة الصارمة
التى وضعتها أسرة المسلسل على معظم المشاركين فيه، فإن «المصرى اليوم» نجحت
فى إجراء أول حوار مع أحمد مالك.
■
كيف تم ترشيحك للمسلسل؟
- من خلال أسامة فريد، مساعد المخرج، فقد سبق أن تعاملنا فى أعمال
سابقة، وأثناء تحضيره لمسلسل «الجماعة» طلب منى مقابلة المخرج محمد ياسين
لإجراء اختبار، وعندما قابلته أعطانى أحد المشاهد وطلب منى أن أحفظه لأمثله
أمامه بعد ثلاثة أيام، لكنى لم أستطع قراءة المشهد بسهولة لأنى غير متمرس
على قراءة اللغة العربية الفصحى، وقد واجهت صعوبة بالغة فى ذلك، وهذا ما
اضطرنى إلى أن أحفظ المشهد دون أن أفهمه وقد لاحظ ذلك المخرج محمد ياسين
عندما قابلته فى المرة الثانية، لكنه طلب منى أن أهتم بالتمثيل على حساب
الحفظ، وجعلنى أقرأ عليه المشهد بالعامية حتى يختبر قدراتى التمثيلية.
■
كيف تدربت على إلقاء المشاهد باللغة العربية الفصحى؟
- عن طريق الحصول على كورسات مكثفة فى التمثيل وفى نطق اللغة العربية
بشكل صحيح، وقد استمر ذلك لأكثر من أربعة أشهر متواصلة وكانت مرحلة صعبة
بالنسبة لى لأنى كنت مضطراً لعقد هذه الجلسات لثلاثة أيام أسبوعيا رغم
انشغالى بالمدرسة.
■
وهل اتفقت مع إياد نصار على أداء محدد للمشاهد؟
- معظم ردود الفعل التى ظهرت فى المشاهد كانت بالاتفاق مع إياد نصار،
فعندما قابلته لأول مرة، طرح على بعض الأسئلة الخاصة بالدور، كما طلب منى
أن أحرك يدى بطريقة محددة، كذلك شكل الضحكة ورد فعل الغضب وطريقة التفكير
وحركته فى السير، وكان يتابع معى كل مشهد، وقد عرفت بعد ذلك أنه يستخدم نفس
ردود الفعل حتى يكون هناك تشابه بين المرحلتين.
■
ما أصعب المشاهد التى واجهتها فى المسلسل؟
- هى التى أقوم فيها بتلاوة بعض آيات القرآن لأنه كان لابد أن أنطقها
بشكل صحيح من حيث النطق وطريقة التشكيل، خاصة أن حسن البنا فى هذه الفترة
كان قد أوشك على أن يختم القرآن بالكامل، وكنت أضطر إلى إعادة المشاهد أكثر
من مرة خاصة فى المرحلة الأولى، لكنى قررت أن أحفظ كل المشاهد بشكل أدق حتى
لا يغضب محمد ياسين منى، وكنت أنتظر منه أن يقول لى «ممتاز» أو «برافو»،
كذلك كان أول مشهد أصوره من المسلسل من أصعب المشاهد، وهو مشهد لقائى لأول
مرة مع أحمد السكرى، وصعوبته كانت فى عدم توافر معلومات كافية للمشهد، ولا
يوجد به أى ردود فعل، وكان مجرد حوار، وهذا من أصعب المشاهد التى جسدتها.
■
هل أنت راض عن أدائك فى المسلسل؟
- بصراحة لو عاد بى الزمن مرة أخرى، لكنت مثلت فى بعض المشاهد بطريقة
أفضل، لأنى بصراحة لم أستوعب ذلك إلا فى المشاهد الأخيرة، وكان ذلك عن طريق
المصادفة، وعندما ذهبت لتسجيل الأذان بصوتى، شاهدت بعض المشاهد التى
قدمتها، ولم أعجب بنفسى، وكنت «زعلان» ووقتها قررت أن أهتم أكثر وأن يكون
تركيزى أكبر، وأعتقد أننى نجحت فى تحقيق ٧٥% مما كنت أحلم به.
■
كيف كان رد الفعل بعد أن انتهى دورك؟
- بصراحة لم أتوقعه إطلاقا، وكنت أشعر أنى «هتكسف» أنزل من البيت بسبب
هذا الدور، وكنت أرى أنه سيكون نهايتى فى التمثيل، لكنى فوجئت بردود فعل
إيجابية سواء من أصدقائى وأهاليهم أو أقاربى، وكانت آخر حلقة قدمتها فى
المسلسل أفضل حلقة بالنسبة لى.
■
هل كنت تعرف شخصية حسن البنا قبل أن تقدمها؟
- كان الاسم قريبا إلى أذنى، لكنى لم أتذكر عنه شيئاً، وكنت أفكر فى
الاعتذار عن الدور لأنى شعرت بكسل وعدم رغبة فى التمثيل بالإضافة إلى أن
أول اختبار تمثيل كان منذ عام، وبعد أن حاولت قراءة السيناريو وجدت أنه
صعب، وأنى لست «قد» حسن البنا، لكن والدتى شجعتنى، وبدأت فى البحث على
الإنترنت عن الشخصية، كما شاهدت له بعض الفيديوهات، ووجدت أنه شخص عظيم،
وإننى لن أحصل على فرصة أفضل من هذه لأن شخصية حسن البنا لن تأتى مرة أخرى،
فقررت التمسك بالدور.
■
وما معلوماتك عن جماعة الإخوان المسلمين؟
- كل ما أعرفه عنهم أنهم جماعة لديها مشاكل مع الحكومة ويريدون أن
يدخلوا مجلس الشعب، لكن بعد أن تعاقدت على العمل، بدأت أسأل عنهم بعض
أقاربى، وكان شقيق جدى مصادفة من جماعة الإخوان المسلمين، وظل يحكى لى
عنهم، وعندما قرأ السيناريو لم يعجبه ويرى أن المسلسل كان متحاملا على
الجماعة.
■
هل تتابع هجوم الإخوان على المسلسل؟
- أتابعه على الإنترنت وبعض الصحف، فهناك مجموعة كونت «جروب» على «الفيس
بوك» بعنوان «لا لمسلسل الجماعة»، وأرى أن ٩٠% من آرائهم غير صحيحة، وكنت
سأرد عليهم، لكنى تراجعت حتى لا أدخل فى هذه الدائرة، كما وصلتنى مؤخرا
رسالة على الفيس بوك من شاب يدعى عبدالله وقال لى إنه حفيد حسن البنا وأنه
غير راض عن المسلسل ولا عن دورى، ولم أرد عليه لأن الحكم النهائى على
المسلسل يكون فى نهاية الحلقات وليس الآن.
■
أنت مازلت فى المرحلة الثانوية، فهل ستكمل فى مجال التمثيل؟
- بصراحة مسلسل «الجماعة» جعلنى فخورا بما أقدمه، وقد أحببت التمثيل
بسببه، وإذا توفرت لى أدوار جيدة خلال الفترة المقبلة سأحول دراستى للتمثيل
بعد أن أنتهى من المرحلة الثانوية حتى أكون أكثر خبرة ودراسة، وإذا لم
أوفق، سأغلق ملف التمثيل وسألتحق بكلية الطيران المدنى.
المصري اليوم في
25/08/2010
«عار»
الابن فى مواجهة «عار» الأب:
فساد أسرة فى مواجهة فساد
مجتمع
كتب
محمد طه
مفارقة غريبة لا تتكرر كثيرا بين جيلين أب وابنه احترفا تقديم الدراما
بكل أشكالها، فعندما قرر الابن أحمد محمود أبوزيد كتابة عمل ليعرض فى
رمضان، اختار عملا بتوقيع والده، وقرر تحويل رائعة والده محمود أبوزيد
«العار» إلى مسلسل يستكمل الرسالة التى بدأها الوالد، لكن من خلال الشخصيات
نفسها، ويقدم العار لكن بمفهوم ٢٠١٠.
لم يقصد أحمد، حسب تأكيده، العار الشخصى الذى ألمح إليه الفيلم، حيث
عمد إلى اتساع دائرته ليشمل كل أشكال العار التى يمكن أن تلحق بالمجتمع،
وتحوله إلى مجتمع موصوم.
وقال أحمد أبوزيد، مؤلف المسلسل: قصة العار لن تنتهى وما حدث فى
الفيلم يتكرر فى المسلسل، مع اختلاف صراع النفس حول جمع المال، والفيلم
اختزل الأحداث والموضوع كان سريعا بطبيعته، وهدف ورسالة المسلسل هى رسالة
وهدف الفيلم نفسيهما مع تغير أشكال الصراع من أجل الحصول على المال وتحديثه
بحيث يلائم ٢٠١٠، ويلائم الدراما التليفزيونية وكونه سيعرض فى ٣٠ حلقة وليس
ساعتين مثل الفيلم، ولن نرى من الفيلم شيئا فى المسلسل سوى فى ١٠ حلقات
فقط، وقد بذلت مجهودا كبيرا فى الحلقات الأولى لأجذب المشاهد إلى العمل،
حتى لا يشعر بأنه تكرار لأحداث الفيلم، وباقى الحلقات تختلف فيها الدراما
الصراع، وهدفنا فى النهاية إيصال رسالة بأن جمع المال الحرام عواقبه وخيمة.
وأضاف: لم أتعمد زيادة عدد الشخصيات فى المسلسل، لكن طبيعة المسلسل
تختلف تماما عن طبيعة فيلم، واستغللت كثرة الشخصيات فى التلاعب بالأحداث
ودخلت إلى منازل الأبطال وعرفت الجمهور الصراع الداخلى فى منزل كل منهم،
وهذا الجانب أغفله الفيلم.. أحمد أكد أن تيمة المال الحرام لن تتراجع أو
تنتهى لأنها متجددة من آن لآخر، لذا كتبنا فى تتر المسلسل أن العار قصة لن
تنتهى، سواء كان التهريب أدوية أو مخدرات أو «حشيش»، وقال: لقد تطور الصراع
فبدلا من أن نحصره فى المخدرات قررنا استبدالها بالأدوية المهربة، لأنها
إحدى أهم الأزمات التى تواجهنا فى السنوات الأخيرة.
وعن اعتماد الفيلم على الجانب الدينى فى مناقشة قصة العار قال أحمد:
لم أغفل الجانبين الدينى والاجتماعى فى مناقشة القصة وهى التيمة نفسها التى
ناقشها الفيلم، لأن الموضوع فى الأساس له جانب دينى يتحدث عن الإرث الحرام
بكل أنواعه وهل توجد بركة فى هذا المال، فقد أصبح العار أهون على الناس من
الفقر مثلما شاهدنا فى الفيلم وبعد كثير من الصراعات والمعاناة تتم الصفقة
بنجاح وهو الجديد الذى يقدمه المسلسل بعكس الفيلم، فالصفقة فى الفيلم فشلت
وحصل كل واحد من الإخوة على حفنة من الملايين كإرث شرعى له عن والدهم
المرحوم، لكن هيهات أن يسد المال الحرام جشع نفس لا تشبع أو يرقى نفساً
تتدنى وإن تداخلت الخطوط واختلفت النهايات، ففى خضم كل تلك الأحداث المؤسفة
من أجل الحصول على المال الحرام تخلى الجميع رويدا رويدا عن كل مبادئهم حتى
أصبحوا عرايا يفتقدون الدفء، يرتعشون فى برد حياتهم المترفة رغم كل ملابسهم
الفاخرة وقصورهم وسياراتهم وحساباتهم فى البنوك، وظنوا أنهم نجحوا وعبروا
من الفقر بلا رجعة وسولت نفس كل منهم لصاحبها أن يحقق كل الأحلام والطموحات
المكبوتة بداخله، وبدأت الحياة تبتسم بل وتضحك وتقهقه لهم حتى ظنوا أنهم
قادرون عليها ولا شىء من الممكن أن يعوق وصولهم إلى ما يريدون، «فحين يغضب
الله على عبد يعطيه من حرام وحين يشتد غضبه عليه يزيد له فى ماله الحرام»،
فهو يُملى له ليأخذه أخذ عزيز مقتدر، تلك هى الحقيقة التى يغفلها الجميع.
الرؤية الأم كما قدمها الكاتب الكبير محمود أبوزيد فى فيلم «العار»
قال عنها: أى قصة فى الحياة لها بداية ونهاية، وكل نهاية تصلح بداية جديدة
وكل بداية تصلح نهاية، وليست لى علاقة بالمسلسل من قريب أو بعيد، وعندما
طلبت منى الشركة أن تضع اسمى على تتر المسلسل رفضت، لأننى ليست لى علاقة
بالعمل، فالمسلسل مختلف تماما عن فيلمى.
وأضاف: قصة المسلسل بدأت أثناء حديث لى مع أحمد، سألنى فيه ماذا لو
الصفقة نجحت فى العار ولم تضيع المخدرات فى الملاحات، وورث الأبناء إرثهم
الحرام وماذا سيكون مصير هذا المال الحرام مع الورثة، فقلت له هذه قصة
مختلفة تماما عن الفيلم وموضوع مختلف، وبدأ العمل دون أن أضع يدى فى جملة
كتابة واحدة، أو حتى أعطى رأيى فى أى شىء وقد استوحى من الفيلم الفكرة فى
اللعب على المال الحرام، والمسلسل بعيد تماما عن فيلم العار، وأكرر ما قاله
من قبل «العار قصة لن تنتهى».
أبوزيد الأب أكد أن الإرث الحرام من الممكن أن يكتب عنه ١٠٠ عمل فنى
مختلفة والحرام لا يختلف منذ بداية الخليقة حتى نهايتها، فالحرام معروف
وواضح للناس، وقال: أتابع المسلسل وبصراحة الموضوع «شاددنى جدا» والعبرة فى
النهاية هل العمل نال إعجاب الناس أم لا وإذا نجح المسلسل نكون اكتسبنا
كاتبا جديدا.
وأضاف أبوزيد: المسلسل مختلف فى قصص كثيرة، أهمها قصة البداية من خلال
أسرة «الحاج عبدالستار ليل» الرجل الصالح الذى عاش بقيم وتدين وبأخلاق طوال
حياته ورسخ هذه القيم فى أبنائه الثلاثة مختار وأشرف وسعد وابنته الوحيدة
نورا وذلك بمساعدة زوجته الفاضلة الحاجة كوثر، ورباهم على النجاح وبحكم
عمله بالتجارة أصبح المال هو معيار النجاح وكلما زادت الثروة زاد النجاح
وبالحلال، إلى أن جاءت للحاج عبدالستار فرصة فى صفقة مشبوهة مكسبها ١٠٠٠%
فضعف وتهاوى أمام المال الحرام مثل كثيرين فى الوقت الحاضر، ووافق على أن
يخوض فيها بكل رأس ماله، ولكن القدر لم يمهله وتوفى قبل أن يتمها، ووضع
أبنائه على المحك، هل يقبلون أن يكملوا مسيرة الأب فى تلك الصفقة المشبوهة
لكى ينقذوا إرثهم، أم يتخلون عنها ويصبحون فريسة للفقر، فحين تضعف الإرادة
وتميل المبادئ أمام حفنة قذرة من النقود يظهر العار فى أبشع صورة مثلما
يتهافت الكثيرون حول هذه النوعية من المال ويتصارعون عليه وساد هذا المرض
مجتمعنا هذه الأيام وقد اتخذ مسمى الفساد حتى غرقت فيه البلد «للركب»، وهذا
يعنى خللا فى منظومة التربية ويقود المجتمع إلى أمراض غريبة. فحين تسقط
المبادئ يشتد الصراع خوفا من الفقر.
المصري اليوم في
25/08/2010
البنت الثالثة
بقلم: كمال رمزي
واضح أن كاتبة هذا العمل الجميل، غادة عبدالعال، قادمة من قلب الطبقة
الوسطى التى يظن البعض أنها ذابت إما فى شرائح عليا أو تدهور بها الحال
لتقبع أسفل السلم الاجتماعى. هنا، فى «عايزة أتجوز» تثبت حضورها كما ارتفع
صوتها من قبل فى فيلم «بنتين من مصر»، الأمر الذى يؤكد أن الفن أصدق أنباء
من التحليلات النظرية.
بطلة المسلسل «علا»، نالت تعليما جامعيا وتعمل فى مؤسسة حكومية مع
زميلات، صيدليات مثلها، تؤدى دورها، بشفافية وإشراق، هندى صبرى، المؤتلفة
تماما مع الشخصية، سواء فى ملابسها البسيطة، أو مكياجها الخفيف، وأحيانا
بدون مكياج، شأنها فى هذا شأن غيرها من الموظفات. تركب «الميكروباص»
وتتزاحم وتكاد تتشاجر..
إنها موهوبة وعفوية، انفعالاتها ترتسم وتنساب على ملامح وجهها بليونة،
تعيش وسط أسرتها المصرية تماما، فى شقة ذات أثاث يعبر عن وضعها الاقتصادى
بدقة، وفى ذات الوقت يلخص تاريخ عناء الأب، أحمد فؤاد سليم، الذى تمكن من
تعليم ابنته وابنه، طارق الإبيارى، ولم يتمكن أو يهتم بتجديد الأثاث، ذلك
أن التعليم، بالنسبة للطبقة الوسطى، قيمة رفيعة وهدف لا يمكن التراخى فى
تحقيقه، وهو بوابة الدخول إلى الوظيفة.
اختارت غادة عبدالعال أن تكون حلقات مسلسلها من نوع «المنفصل المتصل»،
وهو النوع الذى يتوافق تماما مع قضيتها المتعلقة بالرغبة الإنسانية
المشروعة فى الزواج.. وفى كل حلقة يتقدم عريس لبطلتنا، ولسبب أو لآخر، لا
يكلل المشروع بالنجاح، وما إن يفشل مشروع حتى يأتى الأمل فى مشروع جديد،
لذا فإن المسلسل لا يقع فى قبضة اليأس، خاصة أن «علا»، الغاضبة، بحيوية
روحها، قد تنزعج، وربما تحزن، لكنها لا تستسلم للتعاسة.
وإذا كانت الكاتبة اتجهت للكوميديا الراقية، القائمة على المواقف ونقد
السلوك، فإن المخرج، رامى إمام، تحرر من الصرامة، وجعل بطلتنا، أحيانا،
توجه حديثها للكاميرا، ولنا، مباشرة، واستعان بأسلوب الكاريكاتير فى رسم
بعض الشخصيات والمواقف والأفعال وردودها، مما أدى إلى المزيد من الحيوية،
وجنَّبه غضب بعض ذوى الياقات البيضاء أو أصحاب المهن الحساسة، مثل ضابط
الشرطة الذى قام بدوره أحمد السقا، على نحو شديد التميز، فى واحدة من ألطف
حلقات المسلسل.
إنه يكاد يقتحم شقة العروس، يتلفت، بحكم المهنة، ليرصد مداخل ومخارج
الشقة، وحين تذهب معه إلى قسم الشرطة، ترعبها طريقة تعامله مع الخارجين عن
القانون، وتأتى القاصمة عندما تعلم أنه أرسل بمخبر آداب لعملها، ومخبر
مخدرات إلى حيث والدها، ومخبر تموين نحو والدتها، لتجميع معلومات عنهم
جميعا.
إنه يتصرف بعفوية، ولا يكاد يدرك وقع تصرفاته على ابنة الأسرة
المتوسطة، التى ترنو إلى تكوين أسرة تعيش فى أمان، كما عاشت فى أسرتها
الطيبة، بما فى ذلك «النقار» المتجدد، مع والدتها سوسن بدر.. إنه مسلسل
مترع بالبهجة برغم قضيته المربكة، وبطلته هى الثالثة بعد «بنتين من مصر».
الشروق المصرية في
25/08/2010
الأساطير المؤسسة لجمهورية همام فى الصعيد
بقلم: محمد عفيفى
تدور الآن العديد من الأقاويل والتساؤلات حول شيخ العرب همام، الذى
أطلق عليه البعض لقب (أمير) وبالغ البعض الآخر فى وصف دوره بأنه مؤسس
(جمهورية همام) فى صعيد مصر فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر. فما هى
الحقيقة التاريخية وراء الأساطير المؤسسة لهذا البطل التاريخى؟
فى البداية لابد من البحث فى أصل شيخ العرب همام لتفهم طبيعة الدور
الذى قام به آنذاك. ولا يختلف المؤرخون حول نسب همام إلى قبائل الهوارة،
التى كانت وما زالت القبائل المسيطرة على الصعيد حتى الآن، والتى يُحسب لها
ألف حساب الآن ونحن فى مطلع القرن الواحد والعشرين عند إجراء الانتخابات
البرلمانية، فما بالنا بقوة هذه القبائل فى الفترات السابقة على تكون
الدولة الحديثة فى مصر لاسيما قبل عصر محمد على؟
ويختلف المؤرخون فيما بينهم حول أصل الهوارة، سواء من ناحية الأصل
العرقى أو حتى الأصل اللغوى لكلمة هوارة. إذ يرى البعض أن كلمة هوارة جاءت
من (التهور) نتيجة هجرة بعض القبائل فأطلق عليهم الهوارة. ويرجع البعض
الآخر أصل قبائل الهوارة إلى بلاد اليمن التى اشتهرت منذ قديم الزمن بهجرة
قبائلها سواء إلى المشرق العربى أو إلى المغرب العربى. بينما يرجع البعض
الآخر أصل الهوارة إلى قبائل مغربية جاءت بتشجيع من الفاطميين إلى مصر.
ويرى البعض الآخر أن قبائل الهوارة هاجرت فى البداية من اليمن إلى المغرب
ثم هاجر بعضها من المغرب إلى مصر، وهى بالتالى قبائل عربية الأصل. بينما
يرى البعض الآخر أن الهوارة هم فى الأصل قبائل تنتمى إلى بربر المغرب
العربى وليس لها علاقة بالأصل العربى. بينما يحرص الهوارة أنفسهم على
اكتساب الأصل الشريف بالانتساب إلى آل البيت، وبالتالى يعتبرون أنفسهم من
(الأشراف) سلالة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وبصرف النظر عن هذا الجدل التاريخى الحاد حول أصل الهوارة نستطيع القول بأن
قبائل الهوارة تسيَّدت على قرى الصعيد منذ مئات السنين، وازداد دورهم فى
العصر العثمانى خاصة مع نظام الالتزام. هذا النظام المالى الزراعى، الذى
يعطى (الملتزم) سلطات واسعة على الفلاحين، ليس فقط فى مجال جمع الضرائب
وإنما فى السلطة والنفوذ السياسى. ودخل الهوارة فى علاقات شد وجذب سواء مع
السلطة العثمانية المركزية فى القاهرة أو حتى مع الأمراء المماليك أصحاب
النفوذ الحقيقى فى مصر منذ القرن الثامن عشر.
واتسعت ثروات الهوارة سواء من حيث التزامهم للأراضى الزراعية الواسعة
فى أرجاء الصعيد أو حتى حراستهم لطرق القوافل التجارية، أو ممارستهم
للتجارة الكبيرة آنذاك. من هنا اكتساب شيوخ قبائل الهوارة للقب (الأمير)
(الإمارة). فبطلنا هنا شيخ العرب همام يُلقب كما ورد فى الجبرتى بـ(الأمير)،
وربما هذا ما دعا لويس عوض فى كتابه الشهير «تاريخ الفكر المصرى الحديث»
إلى القول بأن همام أصبح له إمارة تشتمل على الصعيد كله، وأصبح هو يُلقب
بأمير الصعيد مثلما كان يُلقب الأمراء المماليك.
وهنا مبالغة واضحة من لويس عوض فى فهم السياق التاريخى لمصطلح (أمير)،
الذى لُقِّب به شيخ العرب همام، فقد اعتاد شيوخ القبائل العربية إطلاق لقب
(أمير) على أنفسهم كنوع من التفاخر الداخلى فيما بينهم. ولم يكن يحمل هذا
اللقب أى مدلول سياسى أو سلطوى كالذى يحمله لقب (أمير) بالنسبة لأمراء
المماليك. من هنا نستطيع الربط بين لقب (شيخ) ولقب (أمير)، وبالتالى تسقط
من تلقاء نفسها الأسطورة، التى روَّج لها لويس عوض بأن همام كان أمير
الصعيد وكانت له إمارة على الصعيد تمتد من شماله إلى جنوبه.
الأمر الثانى ما كتبه لويس عوض أيضا حول (جمهورية همام)، حيث أسهب
لويس عوض فى وصف حركة التمرد، التى قام بها همام ضد السلطة المركزية فى
القاهرة فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر بأنها كانت (جمهورية). ففى
الحقيقة نقل لويس عوض هذه المقولة عن رفاعة الطهطاوى، الذى كتب بالفعل
واصفا همام ونفوذه على الصعيد بأنها كانت (جمهورية همام)، وإن كان قد وصفها
بأنها جمهورية التزامية نسبة إلى نظام الالتزام لجباية الضرائب.
وفى الحقيقة فإن أصل هذه الأسطورة يرجع إلى علماء الحملة الفرنسية،
الذين سمعوا عند قدومهم إلى الصعيد بالأقاويل العديدة والحكايات الطريفة،
التى يرددها الأهالى عن ذكريات حكم همام للمنطقة، من هنا كتب هؤلاء العلماء
عن حكم همام للصعيد وعن حالة الرخاء، التى سادت قرى الصعيد فى عهده. فضلا
عن حالة الأمن التى فرضها همام بالقوة على المنطقة، وأيضا رغبة همام فى نشر
العدل من خلال نظام المجالس العرفية، التى اشتهر بها الصعيد دائما، والتى
ترجع إلى مفهوم القبيلة وحل المنازعات فى داخل إطار قبلى. من هنا وصف علماء
الحملة لفترة همام بأنها فترة رخاء وعدل وسعادة للغنى والفقير، القوى
والضعيف، المسلم والقبطى، الفلاح والبدوى.
ولا نستطيع بطبيعة الحال أن ننكر دور قوة شخصية همام من ناحية، ونفوذ
قبائل الهوارة فى فرض نوع من الاستقرار فى ربوع الصعيد. فأتذكر أنا فى إحدى
زياراتى لصعيد مصر، ونزولى ضيفا على قبائل الهوارة فى بهجورة ونجع حمادى،
ملاحظتى لقوة نفوذ الهوارة حتى الآن فى المنطقة.
ولأنى قمت بهذه الزيارة أثناء إعدادى لرسالة الدكتوراه حول الأقباط فى
العصر العثمانى، طلبت من كبار الهوارة زيارة حارة النصارى فى بهجورة،
وبالفعل ذهبنا إلى كبير الأقباط وشربنا الشاى فى منزله، وأتذكر حرص كبير
الأقباط على ذكر أن الأقباط يعيشون دائما فى حمى الهوارة، وسعادة كبير
الهوارة بهذا الإطراء.
من هنا نستطيع تفهم حالة الأمن والأمان التى عاشها الصعيد فى ظل همام.
ولكن لا نستطيع تقبل فكرة (جمهورية همام)، فهذه الأسطورة فى الحقيقة، وكما
أوضحنا سابقا، هى أسطورة فرنسية الصنع رددتها مصادر الحملة الفرنسية،
ونقلها عنهم رفاعة الطهطاوى، ثم نفخ فيها من روحه لويس عوض. وبالتالى تم
التأسيس لأسطورة (جمهورية همام)، التى لم تكن فى الحقيقة إلا امتداد طبيعى
لدور قبائل البدو فى صعيد مصر وأطراف الدلتا.
من هنا فإننا نعتبر همام ودوره وفترته ما هى إلا حلقة من حلقات الصراع
الدائم والمستمر عبر تاريخ مصر بين السلطة المركزية فى القاهرة والقوى
المحلية المختلفة سواء فى صعيد مصر أو على أطراف الدلتا. وهناك العديد من
الأدلة التاريخية، التى تثبت أن أسطورة جمهورية همام هى فى الحقيقة بالونة
كبيرة لا تتفق مع الحقائق التاريخية، وأن همام لم ينفصل بصعيد مصر ويكوِّن
(إمارة)، أو حتى (جمهورية). بل تشير المصادر التاريخية إلى التزام همام
بدفع الضرائب إلى السلطة المركزية فى القاهرة، فضلا عن العلاقات الجيدة فى
بداية الأمر بين همام فى جرجا وعلى بك الكبير الأمير المملوكى والحاكم
الفعلى لمصر فى القاهرة.
ولكن على بك الكبير، والذى يمثل بحق النموذج المبكر لتجربة محمد على
من حيث فرض السلطة المركزية على كل مصر والتفرغ لتحديد طبيعة العلاقة بين
مصر والدولة العثمانية، هو الذى بدأ بتقليم أظافر شيخ العرب همام فى
الصعيد. ولم تكن هذه السياسة موجهة ضد الهوارة فحسب وإنما ضد نفوذ العديد
من القبائل العربية فى الدلتا أيضا، فمثلما واجه على بك الكبير الهوارة فى
صعيد مصر، وواجه أيضا عرب الحبايبة والهنادى بالوجه البحرى. إذ سعى على بك
الكبير لمد يد القاهرة على جميع الأطراف فى مصر، وأن تصبح سلطة القاهرة هى
السلطة المركزية الرئيسية. وهو نفس المشروع الذى سينجح فيه بعد ذلك محمد
على فى القضاء على القوى المحلية وفرض سيطرة الدولة المركزية، وإجراء أكبر
عملية استيطان للبدو حتى يقضى على النفوذ التقليدى لهم.
وعودة من جديد إلى أسطورة (جمهورية همام) سنجد هشاشة هذه الجمهورية
المزعومة، إذ سينجح الساعد اليمنى لعلى بك الكبير وقائده الشهير محمد بك
أبوالدهب فى القضاء على هذا التمرد. ولا أكثر دلالة على هشاشة هذه
الجمهورية المزعومة أن محمد بك أبوالدهب سوف يُغرى ابن عم شيخ العرب همام
ليخون همام، وبالفعل تحدث الخيانة فى صفوف الهوارة ويضطر همام إلى الفرار
إلى إسنا، حيث يموت هناك وحيدا بعد أن قضى عليه السيف والخيانة. فأى
جمهورية هذه التى تنهار بفعل الخيانة؟!
إنه نفس النظام القبلى التقليدى فضلا عن النظام السياسى التقليدى
السائد آنذاك، وهذا وذاك أبعد ما يكون عن فكرة الجمهورية. لكنه الخيال
الفرنسى الذى صنع أسطورة «شيخ العرب همام»، كما سيصنع بعد ذلك أسطورة
المعلم يعقوب (الجنرال يعقوب).
وهكذا يزخر التاريخ بالعديد ممن نسميهم «أبطال من ورق»، والعديد من
الأساطير التى تسود ويروِّج لها البعض.
الشروق المصرية في
25/08/2010 |