شيعت بعد صلاة عصر أمس جنازة الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة بحضور عدد
كبير من الفنانين والمنتجين الذين ربطتهم صلة بالكاتب الراحل، وتحدثت إيلاف
إلى أبنائه وعدد من الفنانين الذين شاركوا في مأتمه الذين عبَّروا عن
صدمتهم من رحيله.
القاهرة: أدى الحضور صلاة العصر وبعدها صلاة الجنازة على جثمان الراحل، قبل
أن يتم نقله لدفنه في مقابر الأسرة في مدينة 6 أكتوبر فيما انتقد الحضور
عدم وجود ممثل رسمي عن الدولة، ولاسيما ان الكاتب كان يمثل قيمة فنيَّة
كبيرة لمصر.
كان في مقدمة الحضور نجل الراحل والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، والفنان
القدير يحيى الفخراني، سامح الصريطي، أشرف زكي نقيب الممثلين، وحيد حامد،
محمد العدل، جلال الشرقاوي، محمود ياسين، علي أبو شادي، طارق النهري، محمود
سعد، وائل الإبراشي، ممدوح الليثي، بلال فضل، يوسف القعيد إضافة إلى عدد
كبير من محبي عميد الدراما التلفزيونيَّة.
ورفضت غالبية الحضور الحديث مع وسائل الإعلام، حيث بدت عليهم الصدمة وشدة
التأثر لرحيل الكاتب الكبير، وسيطرت الدموع على كل من يحيى الفخراني ومحمود
ياسين. ويقام العزاء في مسجد عمر مكرم في وسط القاهرة مساء يوم الاثنين
المقبل .
وكان أسامة أنور عكاشة قد رحل في ساعة مبكرة من صباح أمس حيث وافته المنية
عن عمر يناهز الـ69 عامًا بعد صراع قصير مع المرض لم يدم سوى أيام .
فنانون ومنتجون يتذكرونه
وشكل رحيل الكاتب أسامة أنور عكاشة صدمة لكل محبيه، وعشاقه، والفنانين
الذين عملوا معه على مدار أكثر من 4 عقود أخلص فيها الكاتب الراحل للفن،
إيلاف تحدثت إلى أبنائه وعدد من الذين تعاملوا معه عن قرب والذين صدموا من
خبر وفاته أمس .
قال الكاتب محفوظ عبد الرحمن، والذي يعتبر صديق عمر عكاشة، حيث ارتبطت
صداقتهم منذ أيام الطفولة، إن القدر كان أسرع من إبداعات عكاشة حيث كانت
لديه العديد من المشاريع التي كان ينوي تقديمها.
أما عميد الفنانين صلاح السعدني، فكان صوته يكاد لا يسمع وهو يتحدث بسبب
الحزن الشديد، فقال هذا هو خبر الوفاة الثالث خلال أيام، فبعد وفاة شقيقي،
ووفاة رفيق عمري الفنان عبد الله فرغلي، فقدت أقرب أصدقائي برحيل عكاشة
.
وأضاف السعدني كان عكاشة دائما ما يقاوم المرض من خلال العمل، حيث كان
دائم الحديث عن مشروعاته الجديدة التي يحضر لها في الوقت الحالي، وخصوصًا
مسلسل "تنابلة السلطان"، الذي انتهى من كتابة 10 حلقات منه، ولكن ظروفه
الصحيَّة في أيامه الأخيرة منعته من استكمال العمل. واستطرد "رحم الله أخي
وزميلي عبد الله فرغلي وأسامة أنور عكاشة"
أما صديقه في الحياة والعمل المخرج إسماعيل عبد الحافظ فقال: "خسرت اليوم
توأم روحي وصديق عمري، كما خسرت الدراما اليوم أحد رجالها الذين أخلصوا لها
طوال عمرهم" . وأضاف: "كان أسامة بسيطا في حياته يحاول أن يعكس حياة
البسطاء من المجتمع المصري من خلال أعماله فلم يشعر أحد يومًا بأنه متعالٍ،
وكان طيبًا وودودًا مع كل الناس سواء يعرفهم أو لا يعرفهم. واستطرد، وعلى
الرغم من اشتداد المرض عليه منذ نهاية العام الماضي إلا أنه استمر في
الكتابة، وكنا نعد مسلسل "تنابلة السلطان" إضافة إلى مسلسل جديد بعنوان
"الطريق 2000".
واعتبر الكاتب الكبير يوسف القعيد أن عكاشة يعتبر مؤسس الدراما
التلفزيونيَّة الحديثة، مؤكدًّا أنه نجح من خلال العديد من الأعمال
التلفزيونيَّة أن يجعل المسلسلات أكثر متابعة من مبارايات كرة القدم.
وأضاف: "قرَّب عكاشة بين الأدب والدراما وظل طوال عمره مهمومًا بقضايا
المصريين، ويعبِّر عنها من خلال كتابته".
من جهته قال الكاتب والسيناريست، محمد صفاء عامر، إنه بوفاة أسامة أنور
عكاشة خسر أحد أعز أصدقائه، مشيرًا إلى أنه كان دائم الاتصال به، وكان
مهتما بمتابعة حالته الصحيَّة خلال الوعكة التي تعرض لها مؤخرًا. وأشار إلى
أنَّ آخر اتصال به كان مساء يوم الأربعاء الماضي لكنه لم يكن قادرًا على
الكلام، فتكلم مع نجله هشام.
أما الكاتبة فتحية العسال فانهارت باكيةً وسيطرت عليها حالة من الحزن
الشديد طوال يوم أمس، مؤكدةً أنها لن تستطيع أن تعبِّر عن مدى صداقتها
وارتباطها به مكتفيةً بالقول: "اليوم خسرنا هرما جديدا من أهرامات مصر"
من جهته قال الفنان محمود ياسين إن الدراما العربيَّة خسرت بوفاة عكاشة،
أستاذ وضع قواعد الدراما ليسير عليها مَنْ بعده مِنَ الكُّتاب، لافتًا إلى
أن كل أعماله تعتبر بمثابة مدرسة مستقلة يجب تدريسها للأجيال الشابة كي
تستطيع أن تستفيد منها.
وقال المخرج محمد فاضل في حديث مقتضب وبنبرة حزن قوية: "من الصعب ان أتحدث
عن زميل وجار لي، وبيننا عشرة أكثر من ربع قرن" حيث كان الراحل يقيم مع
عكاشة في العقار نفسه.
من جهتها فوجئت الفنانة اثار الحكيم بالخبر وقالت إنه كان بمثابة الصدمة
التي استيقظت عليها صباح أمس مؤكدةً أن المسلسل الذي جمعها معه وهو "زيزينا"
تعتبره من أهم محطاتها الدراميَّة، وأضافت: "قيمة أسامة أنور عكاشة لن
تتكرر ولن يأتي من يستطيع أن يحل محله".
أما الفنانة إلهام شاهين فترى أن عكاشة نجح في أن يقدم العديد من المسلسلات
في أجزاء وحلقات كبيرة دون أن يشعر الجمهور بالملل، بل نجح في زيادة جذب
المشاهدين لأعماله، مؤكدةً أن هذه الميزة لم يستطع أحد أن ينافسه فيها،
وأضافت: "كان يهتم بتفاصيل العمل وكل صغيرة وكبيرة فيه، ويناقش الممثلين في
أدوارهم"، مشيرةَ إلى أن مكانته يصعب الوصول إليها مجددًّا.
أما الفنانة الشابة ميس حمدان فقد بدا التأثر عليها بشدة من خلال حديثها
مؤكدةً استمتاعها بالعمل في الجزء الثاني من مسلسل "المصراوية"، آخر أعمال
الراحل مشيرةً إلى أنَّها سعدت بترشيحها للدور في المسلسل، وأضافت: "استفدت
منه كثيرًا وساهم في نجاحي كثيرًا، وكان خبر وفاته بمثابة "صاعقة" أصبت
بها". داعيةً له بالمغفرة.
من جهتها قالت الفنانة سميرة أحمد إن الراحل كان من أفضل كتاب الدراما في
مصر مؤكدةً أنَّه كان يعرف كيف يختار الشخصيات لأعماله بحيث يكون هناك
توافق بينهم، وأضافت: "شرفت بالعمل معه في ثلاثة من أروع أعمالي في
الدراما، وكنت أتمنى العمل معه مجددًا لأنه يعرف كيف يوظف مشاكل المجتمع
المصري والعربي في أعماله بصورة جيِّدة.
أبناؤه يرثونه
أما نسرين عكاشة نجلة الكاتب الراحل فقالت: "إنَّ القرار الذي صدر بعلاجه
على نفقة الدولة مؤخرًا كان له فضل كبير في تحسن حالته الصحيَّة قبل الوفاة
بأيام، حيث شعر بأن الدولة تقدره وأنَّ مكانته كبيرة.
وأضافت على الرغم من طول فترة مرضه إلا أنه لم يفقد الوعي في المستشفى خلال
أيامه الأخيرة، لافتةً إلى أنه كان دائم النظر إلى أفراد أسرته، وكان على
وعي تام بكل ما يدور حوله، وظلت ابتسامته ترافقه حتى لحظة الوفاة. وأشارت
وعلى الرغم من أن الأطباء منعوا عنه الزيارة بسبب تدهور حالته، إلا أن هناك
العديد من زملائه وأصدقائه كانوا حريصين على أن يزوروه حتى لو لم يلتقوا به
.
من جهته قال هشام نجل عكاشة: "إن معاناة والده بدأت بعد العمليَّة
الجراحيَّة التي أجراها لإزالة الكلي اليمنى في المركز الدولي للكلي في
مدينة المنصورة، مشيرًا إلى أنه اكتشف بعدها أن الكلي اليسرى مصابة
بالسرطان. وأشار إلى أنَّ والده لم يكن مهتمًا بهذا المرض على الرغم من
خطورته، لافتًا إلى أنه كان حريصًا على ان يقاوم المرض، بحيث لا يتمكن منه،
وذلك من خلال الاستمرار في العمل .
إيلاف في
29/05/2010
أسامة أنور عكاشة بين الناصرية والوفد
أكرم القصاص
طوال مسيرته الإبداعية أصاب أسامة أنور عكاشة النقاد بحيرة، فقد عجز كثيرون
عن تصنيفه أيديولوجيا، البعض رآه ناصريا، والبعض صنفه وفديا، بينما الواقع
أن أسامة أنور عكاشة كان مثقفا مستقلا فى أفكاره، وروائيا أنصف كل تيار
سياسى، وقدم بشرا من دم ولحم، فى ليالى الحلمية قدم كل التيارات والأطياف
السياسية والاجتماعية، كما هى من لحم ودم، دون أن يقع فى فخاخ التعميم أو
السطحية. ولهذا من الظلم تصنيفه كناصرى أو وفدى بينما كان ينتمى إلى عالم
الإبداع.
فى ليالى الحلمية قدم أسامة أنور عكاشة مقطعا عرضيا وطوليا فى المجتمع
المصرى، بشكل فائق الجودة، قدم شخصية الباشا سليم البدرى الرأسمالى الصناعى..
فى الحلمية كانت مصر بكل طبقاتها بدءا من الباشا سليم البدرى رجل الصناعة
إلى العمدة سليمان غانم القادم الإقطاع الزراعى القادم للبحث عن عالمه فى
القاهرة، ومع هؤلاء كان العمال والمهنيون. والقهوة التى تربط المكان كله.
كان أسامة يتحدث عن أولاد البلد والجدعنة، ومن الانتماءات الأيديولوجية ..
الوفد و العمال ،الشيوعيين وأنصار مصر الفتاة، والإخوان.. لم يهمل أحد ولم
يتجاهل تيارا، لقد كانت مصر معروضة بعدالة، ولم يظهر انحياز أسامة لأى من
الفرق، ومع أنه صنف ناصريا من قبل أنصار السادات الذين اتهموه بالناصرية،
فقد أنصف السادات فى انتصار أكتوبر، وانتقد فترة الانفتاح والفوضى
الاقتصادية. وبالرغم من انحيازه للفترة الناصرية لم يمنعه من تقديم شخصية
الباشا ربما للمرة الأولى فى الدراما بدون تهويل أو تهوين.
عندما قدم الفترة الناصرية فقد ركز على فكرة الحلم إلى العدالة وإلى النهضة
والتصنيع لكنه انتقد غياب الديمقراطية، وشيوع فكرة الولاء والتداخل بين أهل
الثقة وأهل الخبرة، وعاد فى السبعينات ليقدم صورة أخرى وتطورا آخر لشخصياته
التى انتقلت من الستينات إلى مابعد الانفتاح وكيف كانت صدمة هزيمة يونيه قد
أطاحت بالكثير من الأحلام، تجلت فى شخصية على البدرى الذى عاد ليعمل فى
البيزنيس المتوحش لقد لمس أسامة أنور عكاشة فى ليالى الحلمية طبقات المجتمع
المختلفة وقدمها دون انحياز مسبق أو تزويق.
وكانت أعمال أسامة ومقالاته ومواقفه تؤكد انحيازه للديموقراطية والحرية
بقوة، وربما لهذا كانت موضوعية أسامة هى التى جعلته قادرا على انتقاد
الناصرية دون أن يحسب معاديا وانتقاد الوفد دون أن يحسب على اليسار كما
أعطى تقريبا لكل تيار حقه من الانصاف والنقد.وقد كان أسامة أنور عكاشة يكتب
فى جريدة العربى الناصرية وفى جريدة الوفد دون أن يجد تناقضا، ربما لأنه
مبدع ينتمى للمستقبل، الذى لايتوقف عند محطة واحدة من التاريخ، ولا يسجن
خلف قضبان التعصب،كما أنه قدم شخصية المسيحى فى أعماله كجزء من الدراما
مثلما كان الأقباط دائما جزءا من المجتمع، ولم يضعها بشكل دعائي.لقد كان
أسامة يكتب عن المجتمع وليس عن أفراد منفصلين.
لهذا فقد كانت أعمال أسامة أنور عكاشة من الأعمال التى تنظر للحركة الوطنية
كما هى وليس من وجهة نظر إيديولوجية ضيقة، ولهذا احتفظ بعلاقات طيبة مع
اليمين واليسار والناصريين. كان يكتب فى الصحف الناصرية وفى الوفد، لأنه
احتفظ دائما بأفكاره، واحتفظ أيضا بميزة مهمة هى الرغبة فى العدالة وعدم
الانسياق إلى الانحيازات المباشرة التى تفسد الإبداع، ولهذا عجز ضيقو الأفق
هواة القوالب الجامدة عن تصنيفه، بينما كانت هذه أهم ميزاته أنه يطرح
الأسئلة، دون أن يقع فى فخاخ التعميم والسطحية.
اليوم السابع المصرية في
29/05/2010
لن نرفع الراية البيضا!
محمد الدسوقى رشدى
بعد صراع طويل مع المرض ومعاناة شديدة مع تقلبات الزمن نزل بالأمس تتر
نهاية مسلسل درامى عظيم اسمه أسامة أنور عكاشة.. عكاشة لم يفاجئنا بالموت
كما كان يفعل فى أعماله الدرامية، بل ظل على مدار ثلاث سنوات يصارع المرض
وكأنه يمهد لنا أن موعد مشهد الفراق قد اقترب..إن المسلسل الذى بدأ بميلاده
فى مدينة طنطا سنة 1941 وتعقدت أحداثه سنة 1962 حينما تخرج من كلية الآداب
وعمل أخصائيا اجتماعيا ثم مدرسا فى أسيوط سيتوقف عند الحلقة 69 ولن يفرز
المزيد من الأعمال الدرامية الخالدة.
هناك ألف طريقة وطريقة لأن أكتب بها عن أسامة انور عكاشة، وهناك ألف صيغة
وصيغة لأن أكتب بها عن رجل على رأس قائمة أفضل من كتبوا وأفضل من صاغوا
وتلاعبوا بالكلمات وسخروها لخدمة الناس والوطن والترفيه عنهم فى نفس ذات
الوقت، والكتابة عن رجل بهذا الحجم وهذه القيمة لو تعلمون هى أصعب مايمكن
فعله.. لذلك دعونى أكتب لكم عن لحظة الندم التى أعيشها الآن.
حتى 10 سنوات ماضية كان أسامة أنور عكاشة بالنسبة لى هو الرجل صاحب المسلسل
الطويل الكئيب "ليالى الحلمية" الذى كان يحرمنى والدى بسببه من متعة
التعامل الفردى والمزاجى مع التلفزيون، كان يستحوذ على الشاشة ويطلب الهدوء
ويظل يحدثنى عن هذا المسلسل وكأنه يحدثنى عن كتاب تاريخ واجب على المصريين
قرائته، كان يقول لى دائما: اقعد اتفرج عشان تفهم وتعرف، وحينما أبدى رفضى
يضحك كثيرا ويقول: لما تكبر هتفهم قيمة المسلسل..ولما كبرت فهمت، شاهدت
الأجزاء الخمسة كاملة وعرفت لماذا قال لى أبى رحمه الله أن تاريخ مصر
الحديث سياسيا واجتماعيا ومستقبلها موجود فى الأجزاء الخمسة لليالى الحلمية،
شاهدت الأجزاء الخمسة وتأكدت أننى أمام معجزة كل هذه الشخوص وكل هذه
السنوات وكل هذه الأمكنة تلاعب بها أسامة انور عكاشة دون أن يفقد خيطا
واحدا، ودون أن تضعف فى يده حبكة درامية، كل هذه الشخوص وكل هذه التغيرات
وكل هذه الإنفعالات وكل هذه الإنقلابات والتطورات نسجها أسامة أنور عكاشة
ليصنع منها تاريخ مصر المصور ويتنبأ بمستقبلها بالصوت والصورة أيضا..
ارجعوا إلى ليالى الحلمية وسوف تشاهدون مصر على حقيقتها، سيرى كل واحد منكم
نفسه فى شخوصها بداية من سليم البدرى ومرورا بزينهم وناجى السماحى والعمدة
سليمان غانم وحتى على البدرى قبل وبعد التعديل و سولى ابن البرنسيسة
نورهان.. رجعوا لليالى الحلمية وذاكروا حلقاتها الأخيرة جيدا لتعرفوا أن
أسامة أنور عكاشة كان أول من تنبأ بوضعنا الحالى وما نحن فيه الأن.. إرجعوا
إلى أرابيسك ورحلة أبو العلا البشرى وستعرفوا أن أسامة أنور عكاشة أدرك أن
أزمة هذا الوطن أنه بدأ يخلق قيمه وإخلاقه فقرر هو أن يحمل على عاتقه هم
إعادة نشرها وغرسها فى نفوس الناس ولم يمل من ذلك فكتب ضمير أبلة حكمت
والراية البيضا.
هذا الرجل الذى رحل بعد سنوات من المرض والصراع مع تردى الحالة السياسية
والإجتماعية ومواجهة دخلاء الفن والثقافة ولم يشرفنى القدر بلقائه سوى
مرتين غلب عليهما الطابع الصحفى ، لم يكن مجرد سيناريست او مؤلف ولا يصح أن
نقول أنه كان سيناريست أو مؤلف فى زمن أصبح المؤلف والسيناريست فيه مجرد
ترزى وكاتب سطور بلا معنى، هذا الرجل رحل وتركنى أغوص فى بحر الندم واللوم
لأننى لم أذهب إليه كما كنت أخطط منذ شهرين لأقبل يده وأخبره كم كانت ليالى
الحلمية رائعة وكم كانت أرابيسك موجعة ولوجعها حلاوة لا تزول.. كنت أرى أن
هذا حقنا عليه أن نذهب إليه وننحنى تلك الإنحناءة الخفيفة ونقول له اطمئن
فلقد وصلت رسائلك، ولكن هذه عادتنا لا نبدى امتنان ولا نتذكر ان نشكر من
يستحق إلا بعد أن يفوت الأوان.. وهاهو الأوان قد فات.. ورحل أسامة أنور
عكاشة وترك الدراما يتيمة، ولكنه ترك للناس دروس مصورة فى القيم والأخلاق
داخل رحلة أبو العلا البشرى وكنوز من الشهامة والشجاعة مع حسن أرابيسك ورسم
للوطن وللمجتمع طرق كثيرة للنجاة والتطور فى ليالى الحلمية والراية البيضا..
الذى عاش ومات وهو يدعو ألا نرفعها أبدا.
اليوم السابع المصرية في
29/05/2010
رحيل أديب الدراما التلفزيونية أسامة أنور
عكاشة صاحب «ليالي الحلمية»
أثرى حياتنا بكثير من الأعمال المتميزة وحقق «نجومية
الكاتب»
القاهرة: محمد حسن شعبان
رحل عن عالمنا أمس أديب الدراما التلفزيونية أسامة أنور عكاشة، عن عمر
يناهز 69 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، تاركا رصيدا كبيرا من الأعمال
المميزة، التي تؤرخ لسنوات التحول الاجتماعي والسياسي في مصر.
وكان الرئيس المصري حسني مبارك قد أمر بتوفير كل ما يلزم لعلاج فقيد مصر
والعالم العربي على نفقة الدولة، بعد تدهور حالته الصحية قبل أيام، دخل على
أثره غرفة العناية الفائقة بأحد مستشفيات القاهرة.
وشيع حشد غفير من الكتاب والفنانين والمثقفين ورجال الدولة وعامة الناس
جثمان الفقيد عصر أمس بعد الصلاة عليه في جامع مصطفى محمود بمنطقة
المهندسين بالجيزة.
نجح عكاشة في اختراق الذاكرة الجمعية للمصريين عبر سلسلة من الأعمال التي
شهدت نجاحا غير مسبوق، كان كفيلا بأن ينتقل بها إلى الشارع المصري لتصبح
أسماء لمحال تجارية ومقاه ومن أشهرها: «ليالي الحلمية» و«زيزينيا» و«الراية
البيضا» «أرابيسك».
وفي زمن تراجعت فيه عادة القراءة، شكل أسامة أنور عكاشة وجدان أجيال عبر
شخصيات حية، وتحليل عميق لما جرى في مصر الحديثة منذ زمن الملكية وحتى
اللحظة الراهنة.
وقبل أقل من ثلاثة أشهر قال عكاشة في حوار صحافي لإحدى المجلات المحلية:
«لا يوجد شيء كامل في هذه الحياة.. لقد حققت أحلاما كثيرة، لكن هناك حلم
واحد لم يتحقق طوال هذه الرحلة الإبداعية وهو الاحتفاظ بصحة جيدة».
ولد أسامة أنور عكاشة في مدينة طنطا عام 1941 لكنه انتقل إلى محافظة كفر
الشيخ (وسط الدلتا)، حيث عمل والده تاجر قماش بها، وهناك تلقى عكاشة تعليمه
الابتدائي والثانوي قبل أن يلتحق بكلية الآداب قسم الدراسات الاجتماعية
والنفسية بجامعة عين شمس (القاهرة)، والتي تخرج فيها عام 1962.
وفور تخرجه في الجامعة عمل عكاشة اختصاصيا اجتماعيا في مؤسسة لرعاية
الأحداث، ثم عمل مدرسا في إحدى مدارس محافظة أسيوط (380 كلم جنوب العاصمة)،
ثم انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بكفر الشيخ، وبعدها في رعاية الشباب
بجامعة الأزهر، إلى أن جاء عام 1982 ليتغير مجرى حياته تماما، حيث قدم
استقالته من العمل بالحكومة ليتفرغ للكتابة والتأليف.
قدم عكاشة للتلفزيون أكثر من أربعين مسلسلا تلفزيونيا منها، «وقال البحر»،
«الشهد والدموع»، «عصفور النار»، «الراية البيضا»، «رحلة أبو العلا
البشري»، «ضمير أبلة حكمت»، «ليالي الحلمية»، «أنا وأنت وبابا في المشمش»،
«أرابيسك»، «زيزينيا»، وكان آخر أعماله التلفزيونية «ملحمة المصراوية» التي
تم عرض جزئها الأول عام 2007. بالإضافة إلى عدد من الأفلام السينمائية
والمسرحيات.
كما ترك عكاشة مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان «خارج
الدنيا» عام 1967، ورواية «أحلام في برج بابل» عام 1973، ومجموعة قصصية
بعنوان «مقاطع من أغنية قديمة» عام 1985، ورواية «منخفض الهند الموسمي» عام
2000، ورواية «وهج الصيف» عام 2001، كما قام بتأليف عدد من الكتب منها
«أوراق مسافر»، و«همس البحر»، «تباريح خريفية» عام 1995.
وفي يوم رحيله، نعاه رفيق دربه الشاعر سيد حجاب قائلا لـ«الشرق الأوسط»:
«يرحل أسامة أنور عكاشة عن عالمنا وعن وطننا ونحن في أشد الحاجة لفكره
وإبداعه، في منعطف تاريخي في حياة أمتنا فإما أن نكون وأن ننهض أو أننا
سنلحق بمصير الهندي الأحمر».
وتابع حجاب: «كان عكاشة مناضلا من أجل ثقافتنا وإنسانيتنا.. يؤسس لفكر
نهضوي يأخذ بالإنسان المصري والعربي نحو آفاق أكثر رحابة وانفتاحا.. فقدناه
لكن إبداعه سيظل بيننا يساهم بدوره الهام في نضالنا من أجل مستقبل أفضل..
رحم الله أسامة كان مناضلا شريفا تمتد جذوره في التربة المصرية وتطال قامته
سماوات الإبداع».
وبتأثر كبير قالت الفنانة محسنة توفيق إن الراحل كان بحد ذاته حركة مقاومة
مصرية، وتابعت: «كنت أقدره حتى قبل أن أشارك في أعماله.. أسامة حقق لأول
مرة نجومية للكاتب، اعتدنا قبله على نجومية الفنان أو حتى المخرج لكن أسامة
تمكن لأول مرة أن يصنع نجومية كاتب الدراما».
أضافت توفيق: «احتل أسامة هذه المكانة لأنه كان مرآة لنا جميعا.. مرآة أكدت
لنا أن الجماهير العريضة تستطيع بل تفضل مشاهدة أعمال رصينة وأنها ترغب في
فن حقيقي.. فن هو في حقيقته فعل سياسي بقدر ما أثر في وجدان الناس وكشف عن
أوجه لم نكن نراها».
من جهته قال الدكتور أشرف زكي نقيب الفنانين المصريين: «بلا شك سيترك غيابه
فراغا كبيرا في ساحة الإبداع المصري والعربي.. أسامة أنور عكاشة قيمة كبيرة
ورحلة عطاء للفكر والأدب والدراما التلفزيونية.. خسرنا برحيله الكثير.. ولم
نعد نملك ما نقدمه له إلا الدعاء».
الشرق الأوسط في
29/05/2010 |